حق
استعمال القوة في العلاقات الدولية
أهـمية الموضوع :
تظهر لنا أهمية موضوع حق
استعمال القوة في العلاقات الدولية سواء من الناحية النظرية أو العملية.
فمن الناحية النظرية يمكن
القول أن مشكلة القوة تدخل في جميع العلاقات الدولية سواء كانت الحروب والمنافسات
بحيث نجد أن القوة هنا تتدخل بمعناها العسكري وفي التعاون يدخل التهديد بالقوة
لقمع أحد الأطراف كما أن القوة في السياسة الدولية أوضح بكثير وكثيرا ما تسمى
السياسة الدولية بسياسية القوة.
ولقد أدى الدور المهم
الذي تلعبه القوة في العلاقات الدولية إلى نشوء مدارس فكرية تفسر العلاقات الدولية
على ضوء مفهوم القوة ولكن على الرغم من أن القوة تلعب دورا أساسيا في السياسة
الدولية إلا أنها أصبحت وسيلة لتحقيق قيم وطنية.
وأما من الناحية العملية
تتجلى أهمية هذا الموضوع من خلال تأثير حق استعمال القوة على الواقع الدولي بحيث
أصبح هذا الموضوع إحدى الوسائل التي تستعملها الدول لفض المنازعات الدولية بالرغم
من أن المجتمع الدولي حاول الحد من العدوان وتأطير الحرب وجعلها أكثر إنسانية وكل
ذلك عند إقدام ميثاق الأمم المتحدة على وضع مخطط شامل لمواجهة حالات تهديد أو خرق
السلم وبالرغم من هذا كله تم خرق مبدأ تحريم استعمال القوة في العلاقات الدولية مع
استئناف لحالة الدفاع الشرعي عن النفس وكان لهذا الاستعمال أثار سلبية أيضا حتى
على الوضع الدولي بحيث اندلعت فيه الحروب والصراعات كما أن هذا التأثير لاحق دور
منظمة الأمم المتحدة بحيث أصبحت غير قادرة على وضع حد للنزاعات الدولية دون اللجوء
إلى القوة العسكرية، وهذا ما يفسر أن المجتمع الدولي أصبح غير منظم وتحل مشاكله عن
طريق التدخل العسكري والذي أصبح من بين الإشكالات المطروحة على مستوى العلاقات
الدولية وهي إشكالية منتقضة وغير مقبولة وتخالف الفعل المشروع الذي يصدر عن مجلس
الأمن وبغير ذلك لا يعني القبول بالتدخل دون تفويض من مجلس الأمن لأن الفعل
العسكري غير مشروع قد تترتب عنه أثار وخيمة على النظام الدولي.
ومن أسباب اختياري لهذا
الموضوع هو شعوري بأهمية الموضوع وضرورة البحث فيه، وخصوصا أن عالمنا العربي
تتكالب عليه الدول القوية لتجزئته وإبقائه ضعيفا وذلك بعد نهب ثروته وخيراته
ولاسيما النفط الذي يعتبر عصب الحياة والتقدم في عالمنا المعاصر ومن ناحية أخرى
ظهور مجموعة من الصراعات في قلب وطننا العربي واعتماد القوى العظمى على منطلق
القوة والعدوان في تعاملها مع الدول. فإن هذا الأمر يلقي مسؤولية كبيرة على رجال الفكر
والقانون وذلك لدراسة منطق والقوة الغاشمة وتحليلها والتوصل إلى الأساليب العلمية
الملائمة لمعالجة هذه الظاهرة من قبل المجتمع الدولي لإجبار المعتدي وإخضاعه
للإرادة الدولية وبذلك فستكون ذلك بداية النهاية للصراعات وستفقد الدول القوية
مقومات الوجود، ألا وهي التوسع والعدوان وسوف تلغى بذلك نظرية الأمن الذاتي التي
تطبق على طبيعة العدوان ثم بعد ذلك سوف يتم قلب المفاهيم بحيث أصبح يسمى العدوان
دفاعا عن النفس وتسمى العربدة والغطرسة حفاظا على المصالح والأمن الدولي وكل ذلك
يتم عن طريق التذرع بمبادئ القانون الدولي ولقد آن الأوان أن يتم دراسة هذه
الظاهرة وتحليلها وفهمها خصوصا مع تفاقم ظاهرة استعمال القوة وكثرت الحروب التي
تفتقد لأي سند قانوني وعجز منظمة الأمم المتحدة على تنظيم المشهد الدولي والحفاظ
على السلم والأمن الدوليين وخصوصا أن العالم اليوم يشهد مجموعة من الصراعات على
مستوى الواقع، وأبرز هذه الصراعات ما يمر به الإقليم العربي من تفكك وانهيار لأمنه
الإقليمي، واكتراث سيادته الوطنية عن طريق غزو العراق وأفغانستان وضرب لبنان وضرب
غزة والخطة لم تكتمل بعد والمشهد الدولي مازال مهددا بتأجج صراعات
وحروب مستقبلية سوف تكون لها انعكاسات سلبية وسوف تتضرر منها الدول العربية سواء
على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
السياق العام للموضوع :
إن القوة ظاهرة طبيعية
لازمت البشرية منذ وجودها على هذه الأرض ولقد استخدمها الإنسان في كافة مراحل
تطوره لغاية أساسية ألا وهي الحفاظ على البقاء لتحسين أحواله المعاشية.
وهكذا وبتطور الإنسان
اجتماعيا استطاع أن ينظم نفسه وكل علاقته مع جل الجماعات التي تعيش معه بشكل يؤمن
له تحقيق حاجياته وذلك بالاعتماد على القوة المتوفرة لديه، وذلك من أجل الدفاع
عنها وبالتزامن مع ذلك لازالت المسيرة التاريخية للبشرية التي تعاني من ممارسات
مشؤومة تتحلى فيها استخدامات للقوة في العلاقات الدولية بحيث تضررت في عواقبها
المأساوية. ولقد ارتبط أيضا مفهوم استخدام القوة بمفهوم المصالح القومية
والحفاظ عليها منذ القدم كما أن الدولة مازالت تبنى مواقفها استنادا إلى ما تملكه
من مصادر القوة سواء كانت ثابتة أو غير ثابتة كالموقع الجغرافي والموارد الكامنة
أو كانت متغيرة كالقدرات الذاتية لشعوبها وقوتها المسلحة.
ولقد تطور شكل استخدام
هذه القوة بشكل مباشر وصريح وخصوصا القوة العسكرية، إلى استخدام غير مباشر للقوة
بشكل التهديد مثلا أو الضغوط بكافة أشكالها والتي تسمى عادة بوسائل الإكراه مثلا
والتي لا تصل إلى حد الحرب، ولقد بدل المجتمع الدولي جهودا عظيمة في سبيل تنظيم
وتحديد منع استخدام القوة وكانت هذه الجهود تتناسب فرديا مع التقدم الحضاري الذي
تحققه البشرية وكلما زاد هذا التقدم زادت الجهود في ذلك السبيل ولعل هذا السبب في
ذلك هو توصل العالم المتحضر إلى أسلحة أشد فتكا وتدميرا بشكل متزايد ومتطور بتطور
الحضارة من ناحية ومن ناحية أخرى لأن ظاهرة اللجوء إلى القوة تمتاز بها عادة
المجتمعات الأقل تحضرا بينما تلجئ المجتمعات المتحضرة إلى العقل والحكمة في
جل معضلاتها.
وعلى الرغم من كافة
الجهود التي بدلت سواء كانت نظرية جاءت بها الأديان والثقافات والإيدلوجيات
المختلفة أو عملية تمثلت في المعاهدات والاتفاقات والمواثيق المنظمات الدولية فلم
يتوصل المجتمع الدولي حتى الآن إلى القضاء على ظاهرة الحروب واستخدام القوة بل
أخذت الدول تتفنن في إيجاد المبررات القانونية والمنطقية والأخلاقية لتجبير لجوءها
لاستخدام القوة.
وحيث أن الطبيعة البشرية
والحاجات العملية للحياة السياسية المعاصرة لا تسمح بنبد تام لاستخدام القوة وذلك
لعدم وجود ضمان دولي لحد الآن يردع المعتدي ويعاقبه ويستخلص للمظلوم حقه فيبدو أن
مقولة الحق للقوة مازالت صالحة في كثير من الأحوال ليس بمفهوم الاعتداء والعدوان
وإنما بمفهوم المحافظة على الحقوق والدفاع عن النفس من قبل الدول فالدول الضعيفة
لا يمكن أن تدافع عن نفسها وتحافظ على حقوقها وسيادتها واستقلالها في هذا العالم
المتناقض الذي يحافظ على السلام باللجوء إلى الردع المتبادل لمنع وقوع الحرب.
ان المشهد الدولي الراهن
اليوم لا يبدو مضبوطا ومنتظما، فهناك تسيء للعديد من المفاهيم والركائز القانونية
ومن أهمها تحريك استخدام القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس، ولقد ساهمت الحروب
التي يشهدها الواقع الدولي اليوم في تشجيع الفكر لإعادة دراسة موضوع استخدام القوة
في القانون الدولي وتمحيص الحجج والدرائع التي باتت تسوقها الدول الكبرى الآن
لتبرير استخدامها للقوة بصورة منفردة خلافا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والإشكالية
الأساسية المطروحة في هذا البحث.تتمتل فيما يلي ما هو موقف الجانب القانوني والفقه
الدولي في حق استعمال القوة ثم ما هو تأثير استعمال القوة على الواقع الدولي ؟
ويتفرع عن هذه الإشكالية
الرئيسية مجموعة من التساؤلات ومنها ماهي الاساليب غير المشروع لاستخدام القوة في
العلاقات الدولية ؟ ثم ما هو الاطار العام لتحريم استخدام القوة؟تم ماهو واقع
استعمال القوة في الواقع الدولي؟ ثم يطرح سؤال الدي يفرض نفسه على الواقع الدولي
ما هي الانعكاسات التي يمكن أن يخلفهاحق استعمال القوة ؟
ثم هل يمكن أن يؤثر التعسف في استخدام القوة في بزوغ صراعات غير متوازنة علي مستوي
العلاقات الدولية تم تراجع دور منظمة الأمم المتحدة والحد من جهودها في حل
المنازعات الدولية بالطرق السلمية؟ ثم هل يمكن تطوير آليات وأساليب اشتغال منظمة
الأمم المتحدة حتى تكون في مستوى التحديات المطروحة دوليا ؟
صعوبات البحث :
إن إنجازنا لهذا الموضوع
لم يكن بالشيء اليسير فقد واجهتنا صعوبات وعقبات ذلك أن تناول موضوع استخدام القوة
في العلاقات الدولية يقتضي من أي باحث الإلمام بالقانون الدولي ودراسة الآراء
والمفاهيم المتعلقة بحق استخدام القوة فكنا أمام صعوبة اختيار أفضلها وأقومها
وخصوصا مع تعدد الآراء وتناقضاتها في تصوراتها كما أن هناك صعوبات أخرى تكمن في
كون مهما حاولنا مع هذا الموضوع في التعميق والتدقيق، فإننا لن نستوفي دراسته من
كل جوانبه لأنه موضوع دقيق وشامل وله ارتباط بالنظام الدولي وبموازين القوى التي
تنشأ عبر التحالفات بين الدول أو المنظمات وغيرها.
فهذا البحث كبير ومن
الصعب تحديد كل تفصيلاته إلا بالقدر الذي يسمح به واقع الدراسات والكتابات
المتخصصة في هذا الموضوع لأنه موضوع متشعب ويطرح مجموعة من الإشكالات والتي مازالت
تحظى بالدراسة والبحث من طرف الأكاديميين والدارسين لمواضيع القانون الدولي والعلاقات
الدولية.
المنهج المعتمد :
إن المنهج هو الخطوات
الفكرية والتعقلية التي على الباحث إتباعها من أجل الوصول إلى الحقيقة ونظرا لتدخل
الموضوع بحق استخدام القوة في العلاقات الدولية، إلا أنه لا يمكن مناقشته إلا من
خلال حقل معرفي معين.
ومن هذا المنطلق سوف نعتمد
في مقاربة هذا الموضوع على منهج تحليلي متعدد المقتربات من أجل الإحاطة بالجوانب
القانونية وغيرها المتعلقة بإشكالية البحث مع الاستعانة بالمنهج الاستقرائي وذلك
من أجل استنباط واستقراء واقع الأحداث الدولية ومدى تأثرها بحق استعمال القوة في
العلاقات الدولية.
خطة البحث :
على هذا النحو إذن
وباعتماد مختلف هذه المناهج والوسائل سنتناول هذا الموضوع "حق استعمال القوة
دوره في صناعة الفعل السياسي الدولي"، من خلال فصلين :
ü الفصل
الأول : استعمال القوة في العلاقات الدولية
ü الفصل
الثاني : انعكاسات استعمال القوة على واقع
الفعل السياسي الدولي
إن القوة هي إحدى الوسائل
والأدوات التي تستخدمها الدولة لتحقيق أهدافها فمفهوم القوة شامل يستند إلى مجموعة
من العوامل ومنها العوامل الاقتصادية وسياسية وعسكرية وبشرية تؤثر في بعضها البعض
وتعد عاملا لتحقيق سياسة الدولة في العلاقات الدولية والمجتمع الدول وهناك جملة من
المظاهر المنظمة لاستخدام سياسة القوة في العلاقات الدولية وأهمها : التدخل
المباشر كالحرب العسكرية واستخدام القوة بشكل مباشر وغير مباشر عبر المؤامرات وحرب
العصابات والتحالفات الجماعية وتحالفات سياسية وعسكرية كالحلف الأطلسي وتحالفات
سياسية واقتصادية كالاتحاد الأوروبي.
ثم هناك التدخلات غير
المباشرة كالعقوبات الاقتصادية والسياسية أو ما يسمى بأسلوب الحرب غير المعلنة.
ومن أبرز الصفات الأساسية
المميزة لظاهرة استخدام القوة في العلاقات الدولية هو استخدام القوة الجماعية أي
التنظيم الجماعي لظاهرة استخدام القوة والتي أخذت تظهر بعد الحرب العالمية الثانية
وبخاصة في فترة الحرب الباردة التي أدت إلى تشكيل المنظمات الجماعية المختلفة بهدف
تنظيم ظاهرة القوة وأن مجالات تنظيم هذه الظاهرة قد تنوعت فظهرت بذلك المنظمات
العسكرية والسياسية والاقتصادية.
كما أن هذه القوة فإنها
أصبحت تشكل دورا هاما في السياسة الدولية بحيث أصبحت تتحلى بوضوح في التفاعل
الحاصل بين الدول وبذلك تحولت مواضيع القوة في العلاقات الدولية من بين المواضيع
إثارة للخلاف حول مدى فعاليات ومقتضيات القانون الدولي وأحيانا حول حقيقة وجوده
ذلك أن الهدف من وراء ذلك هو محاولة الوقوف وتقنين استخدام القوة العسكرية واللجوء
إليها وذلك عن طريق ضبط مثل هذا الاستعمال ومع ذلك لازال هناك نصوص ونقص يعتري
الاتفاقيات والإعلانات إزاء بعض الموضوعات المتعلقة باستخدام القوة والمؤدية إلى
مجموعة من الاختلافات والانقسامات الحادة في هذا المجال ولعلها ساهمت بصورة كبيرة
في استخدام القوة في حالات عديدة وبصورة متعسفة وغير مبررة كما أن هذه التفسيرات
لاستعمال القوة فإنها تحتاج إلى دراسة مع مدى انسجامها مع القانون الدولي قصد
الإلمام باستخدام القوة في العلاقات الدولية ومعرفة حدود هذا الاستعمال بكل أشكاله
وتناقضاته حتى يتسنى لنا الوصول إلى حقيقة بأن العلاقات الدولية هي علاقة أو
علاقات بين الأعداء لايحكمها إلا منطق القوة وأن السلام بمفهومه الأخلاقي
ليس من عالم العلاقات الدولية كما أن الاعتماد على القوة العسكرية دون غيرها لن
يجعل العالم إمبراطورية واحدة كما أن المفاهيم والنظريات نجدها توصى بالأعداد
وامتلاك القوة لأنها ضرورة لإحقاق الحق وإزالة العوائق وجميع حروب الهيمنة والحروب
التوسعية ثم الحروب غير العادلة فهي حروب استعمارية عدوانية وغير مشروعة وغير
عادلة ذلك أن الحرب والمجابهة من صميم العلاقات الدولية لذلك يقتضي الأمر امتلاك
القوة واستعمالها لرد العدوان.
وبهذا فإنه لا يجوز
لأطراف المجتمع الدولي استخدام السلطان والاستعمال غير القانوني للقوة العسكرية في
العلاقات الدولية، مما يضع السلام والأمن الدوليين في خطر حقيقي وخصوصا أن هناك من
يقف فوق القانون وفوق البشرية وينتهكون حقوق الإنسان ويتصرفون على هذا الأساس،
وذلك من أجل فرض الهيمنة والتحكم في السياسة الدولية بدون منازع ومن خلال هذا كله
من ضروري والحكمة تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين استعمال القوة في العلاقات الدولية
المبحث الأول، واقع استعمال القوة في العلاقات الدولية.
من المعلوم أن الحرب
وسيلة من وسائل العنف تلجأ إليها الدول لفض المنازعات وخلافاتها أو سعيا وراء
تحقيق غاية أو مطمع سياسي أو إقليمي، ولما كانت هذه الظاهرة قديمة قدم التاريخ
الإنساني والقواعد القانونية التي تحكمها وتنظم سير عملياتها كانت محل اهتمام
القانون الدولي وموضوعا لاتفاقاته وقد تأصل قانون الحرب بعد أن أعلنت الدول
استعدادها للحد من اللجوء إلى القوة عن طريق إخضاع الأعمال العسكرية لبعض قواعد
الأطراف وفرض الالتزامات بإصدار تصريح سابق عن نشوبها.
وقد توجت هذه الصيرورة
بعد الإعلان عن حظر القوة في العلاقات الدولية وإن كان هذا الحظر غير مطلق زد على
ذلك أن الدول لا تتقيد به بشكل تام.[1]
وعليه ومن خلال هذا البحث
سنعمل على دراسة ظاهرة استخدام القوة في المطلب الأول، ثم الواقع الدولي لاستخدام
القوة في المطلب الثاني.
في العلاقات الدولية
تتوزع مجموعة من الممارسات سواء كانت مشروعة أم غير مشروعة، ومن خلالها يمكن تحديد
مظاهر هذا الاستخدام ولكن هذه المظاهر تختلف وتتنوع حسب ما تقتضيه الأحداث الدولية
ومن المفيد بين هذه المظاهر وسوف نتطرق إلى التدخل في الفقرة الأولى والعدوان في
الفقرة الثانية.
1- تعريف
التدخل :
لقد كان التدخل في
الأساليب الرئيسية التي استخدمتها الدول لاستعمال القوة في علاقاتها الدولية منذ
القدم، وشهد مفهوم هذه الفكرة تطورا كبيرا بموجب الحلف الأوروبي المقدس، ثم تطورت
الأفكار المتعلقة به إلى أن أصبح مظهرا غير مشروع من مظاهر استخدام القوة في العصر
الحالي الراهن ويرى البعض أن أحسن طريقة لتعريف التدخل هي من خلال تعريف عدم
التدخل، وفي هذا يقول تاليراند أن اللاتدخل كلمة تعني ما يعنيه التدخل.[2]
وأما كوست فيحاول تقديم
تعريف أسهل للتدخل حيث يقول تدخل دولة في شؤون دولة أخرى يهدف إرادتها عليها، سواء
كان الهدف إنسانيا أو غير إنساني.
ويرى محمد طلعت الغنيمي
أن التدخل هو تعرض دولة لشؤون دولة أخرى بطريقة استبدادية وبقصد الإبقاء على
الأمور الراهنة للأشياء أو تغييرها.
وأما كوريفين فيرى أن
التدخل هو إخلال دولة لسلطتها محل دولة أخرى بقصد تحقيق أثر قانوني لا تستطيع دول
أخرى بقية إرغامها على القيام بما تريد تحقيقه فإذا قابلت السلطة المحلية محاولات
التدخل بالمقاومة المسلحة انقلب الوضع إلى الحرب.
2- مفهوم
التدخل :
ويرى الدكتور فرتز غروب
أنه من الصعب أو بالأحرى محاولة وضع تعريف للتدخل مستندا إلى نفيه في محاولة لوضع
تعريف للحرب ولكن على الرغم من صعوبة وضع تعريف مانع وجامع لابد من محاولة جادة في
هذا السبيل. وأحسن وسيلة لتحقيق ذلك هو وضع الإطار العام لهذا التعريف ومناقشته،
ثم محاولة وضع التعريف المطلوب كما أن أورس شفارتز هو أول من وضع أول معالم هذا
الإطار العام هي أن الغاية من التدخل تكون المحافظة من وجهة نظر التدخل على الأقل،
على الوضع القائم، سواء كان من الناحية السياسية أو القانونية، وثانيا ميزان القوى
بين الطرف المتدخل والطرف الآخر بشكل واضح في صالح الأول إذ لا يعقل أن يتدخل طرف
ضعيف في شؤون طرف قوي وإلا واحة الحرب، وثالثا فإن التدخل هو عمل محدود بالوقت
وبالوسائل ويمارس ضمن سياق العلاقات العامة الأخرى.
وأخيرا فإن التدخل يقع
سواء كان بدعوى من قبل الجهة المعنية به أم لا، وذلك لأنه موجه للتأثير على البناء
السياسي والاجتماعي للجهة الأخرى.
وهكذا فإن التدخل هو موقف
أو كحل دو مدة تقوم بواسطته دولة أو منظمة دولية أو مجموعة من الدول بتجاوز أطراف
العلاقة القائمة المتعارف عليها. وتحاول فرض إرادتها على دولة أو مجموعة من الدول
في سبيل إجبارها على القيام بعمل ما، أو اتخاذ موقف معين سواء كان سياسيا أو
معنويا أو قانونيا.
إن هذه التعاريف أعلاه
تعالج موضوع التدخل بناء على دعوة الطرف الآخر حيث لا توجد في هذه الحالة فرض
للإرادة من جانب آخر وبذلك تخرج هذه الحالة من مفهوم التدخل وتصبح مساعدة أو تعاون
أو تنفيذ معاهدة أو بناء على التزام بموجب التحالف وما شاكل ذلك.
هذا ويميل البعض إلى
توسيع مفهوم التدخل بحيث يشمل صورا كثيرة جدا في صور العلاقات بينما يميل البعض
الآخر لإعطاءه مفهوما أضيق والتدخل ينطبق فقط على العلاقات بين الدول وليس بين
الأفراد والأحزاب والجماعات السياسية أو المنظمات أو الجماعات الخاصة أو بين
الدول، وإذا ما حدت التدخل من قبل مجموعات لا علاقة بها مع الدول المتهمة بالتدخل
ويتمثل ذلك في أعمال التسلل وأعمال التخريب وحركات العصابات فمن الضروري معرفة
وجود مثل هذه العلاقة مع الدول الأجنبية قبل إمكان وصف العمل بأنه تدخل.[3]
3- أهداف
وغايات التدخل :
غالبا ما تكون الغايات
المعلنة للتدخل غايات نبيلة وأهداف عليا تتذرع بها الدولة المتداخلة، فقد يكون ذلك
بشكل نشر إديولوجية معينة أو عقيدة دينية معينة أو الحفاظ على الوضع القائم ضد
الاضطرابات والفوضى ويمكن للباحث أن يجد أسس تلك الأفكار في حلف المقدس،[4] الذي
عقد بالاستناد على الديانة المسيحية للتدخل ضد الحركات الثورية التي كانت تجتاح
أوربا في بداية القرن التاسع عشر. ولقد بقيت فكرة التدخل موجودة لدى الدول
الأوربية حتى بعد زوال أسباب قيام الحلف المقدس وإندثاره، فقد اعتبرت هذه الدول
نفسها عند القدم ولاسيما بعد سنة 1848 لأنها الدول الأكثر تحضرا وإنسانية في
العالم وأن الديانة والحضارة المسيحية يجب أن تسود العالم وعلى هذا فإن التدخل في
سبيل نشر هذه الديانة والحضارة والثقافة كان هدفا ساميا يجب الالتزام به مما زاد
في ذلك الاعتقاد ضعف وهزال الدولة العثمانية وطمع الدولة الأوربية في استعادة
المناطق الأوربية التي كانت تحت سيطرتها مثل اليونان وبلغاريا وصربيا على أساس
مساعدة سكانها المسيحيين.[5]
وقد كان التدخل أيضا يتم
أحيانا من أجل الحفاظ على الهيبة الوطنية أو على حياة المواطنين الأجانب، كما حدث
في الصين عام 1900 عندما أرسلت الدول العربية قوات عسكرية للحفاظ على سفارتها هناك
من الثورة التي نشبت في الصين بعد إنقسام العالم إلى معسكرين، فقد أصبح لكل معسكر
أهدافه ومبرراته الخاصة للتدخل، فالمعسكر الرأسمالي يرى أن أهداف التدخل المشروع
هو نشر الديمقراطية والحرية وحق تقرير المصير بينما يضيف المعسكر الاشتراكي لذلك
نشر الشيوعية والأفكار الماركسية اللينينية وتشجيع الثورات التحررية ومكافحة
الثورات المضادة إلا أن الواقع الذي نلمسه اليوم يرينا أن كلا من المعسكرين يحاول
تحقيق مصلحته الذاتية وراء التستر بهذه القيم والأهداف المعلنة.
إن الحجج والأسانيد
القانونية التي يبديها مؤيدوا التدخل الإنساني تغض الطرف عن حقيقة الممارسة
الدولية والموقف الفعلي لمختلف الصكوك الدولية المتعلقة باستخدام القوة يضاف إلى
ذلك أن نظرية التدخل وأسانيدها الدائمة لها تقرأ القواعد والمبادئ الدولية المعمول
بها قرأت مجزأة وانتقائية، فتقييم استخدام القوة بشكل منفرد لأغراض إنسانية لا يتم
إلا من خلال الموازنة بينه وبين عدد من المبادئ الأساسية المستقرة في القانون
الدولي مثل مبدأ تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مبدأ وجوب تسوية النزاعات
الدولية سلميا ومبدأ تحريم وحدة أراضي الدولة واستقلالها السياسي.[6]
كما تتضمن أسانيد التيار
المؤيد للتدخل الإنساني وإنكار وإهدار واضح لمقررات الجمعية العامة التي تحرم
استخدام القوة في العلاقات الدولية تعريفا شاملا بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة.
يستثنى الإعلان رقم 2625 الخاص بمبادئ القانون الدولي المحصلة بالعلاقات الودية
والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة من نطاقه الحق في التدخل ولا يتضمن
لحد الآن أي نص يتعلق بالتدخل الإنساني تؤيد توصيات الجمعية العامة رقم 3314 سنة
1974 الخاصة بتعريف العدوان في المادة الخامسة منها ما ورد في إعلان العلاقات
الودية رقم 2625 سنة 1974 حيث نصت على "ما من اعتبار أيا كانت طبيعته سواء
كان سياسيا أو اقتصاديا أم عسكريا أو غير ذلك يصح أن يتخذ مبررا لارتكاب عدوان".
تتنكر الأسانيد القانونية
الداعمة لنظرية التدخل الإنساني لمضمون حكم محكمة العدل الدولية في قضية الأنشطة
العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها فقد رفعت المحكمة فكرة التدخل الإنساني
العكسري.[7]
لقد أوضحت المحكمة هذه
القضية أن استخدام القوة ليس أسلوبا مناسبا لضمان احترام حقوق الإنسان من قبل
الدول.[8]
فليس ثمة تناسب بين
استخدام القوة وبين العمل من أجل ضمان احترام الحقوق الأساسية في الدول الأخرى
فعادة ما يؤدي استخدام القوة حتى لو كان لأغراض إنسانية محضة.[9]
إن حكم المحكمة قاطع في
دلالته، ولا محال لتأويله أو لوصفه إلا بأنه رفض كامل وصارم لأي ادعاء بوجود حق
يجيز للدول استخدام القوة بغية ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية كما يتعذر النظر
إلى هذا الحكم بأنه تمرة فشل الولايات المتحدة في إثبات توافر الغايات الإنسانية
الرافعة لها للقيام بأعمالها العسكرية ويستنتج من الممارسات العملية للدول الخاصة
بالقرار 688/1991 أن الغرض الإنساني لم يكن هو الدافع الأساسي لهذه الممارسة كما
أن التدخل لا يستند إلا لنظرية التدخل الإنساني إلا جزئيا وفي بداية الأمر دون أي
سند قانوني أما حجتها الأساسية في تبرير تدخلها فإن يرتكز على قرار مجلس الأمن ثم
تتذرع بعد ذلك بالدفاع عن النفس فنظرية التدخل لا حجة لها ولا دريعة لها وحدها
ولهذا فإن التدخل المنفرد فإنه يعتبر صورة من استخدام القوة ترتكز له الدول في
تدخلاتها مثل تدخل حلف شمال الأطلس في كوسوفو عام 1999.
تبنت الجمعية العامة
للأمم المتحدة لمشروع قرار أعلنت فيه عن نيتها لمنع التدخل، وذلك في الوقف الذي
كان فيه العام يشهد فيه الكثير من حالات التدخل مثل تدخل الولايات المتحدة
الأمريكية في فيتنام، ولم يكن هذا الإعلان ميثاقا جديدا ضد التدخل إذ لم يقدم أي
قواعد قانونية جديدة فلم يزد عن كونه تأكيدا على المبادئ الأساسية المعروفة لعدم
التدخل ولقد أشار الإعلان وفي مقدمة المواثيق المنظمة الإقليمية مثل منظمة الدول
الأمريكية وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية كما أكد على قرارات مؤتمر
باندونع، ومؤتمر رؤساء الدول عدم الانحياز المعقود سنة 1961 في بلغراد إلى
أن الجزء المهم من هذا القرار ينص على أن لكل دولة الحق في اختيار نظامها السياسي
والاقتصادي والاجتماعي دون أي تدخل في أي دولة أخرى ولا يحق لأية دولة أن تتدخل
بشكل مباشر أو غير مباشر لأي سبب مهما كانت الشؤون الداخلية والخارجية لأية دولة
أخرى، لذا فالتدخل المسلح وكافة الأشكال الأخرى المدخلات والتهديدات ضد شخصية
الدولة أو ضد نظامها السياسي أو الاقتصادي والثقافي تعتبر مدانة وعلى جميع الدول
أن تمتنع عن تنظيم ومساعدة تحويل وتشجيع الفعاليات المسلحة ذات الطبيعة الإرهابية
أو العصيانية التي تهدف إلى تبديل نظام الحكومة دولة أخرى بالقوة أو بالتدخل في
المنازعات الداخلية لدولة أخرى لا شيء في هذا الإعلان ينبغي أن يؤثر بأي شكل من
الأشكال على تطبيق سواء ميثاق الأمم المتحدة لإدامة السلم والأمن العالمي وخاصة
تلك المواد الواردة في الفصل السادس والسابع والثامن.
إن جوهر هذا الإعلان تم
تبنيه من قبل أكثر من مائة دولة هو إدانة التدخل الفردي للدول بكافة جوانبه
وأشكاله إن التركيز على عدم مخالفة في احتلال التدخل الجماعي من قبل هيئة الأمم
المتحدة محل التدخل الفردي.
وأخيرا لابد من الإشارة
إلى المادة 52 من الميثاق، التي منحت المنظمات الإقليمية الحق في معالجة القضايا
المتعلقة بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين في مناطقها الخاصة.[10]
وهي بذلك تتساوى في
صلاحية استخدام التدخل الجماعي المعطاة ومنظمة الدول الأمريكية ومنظمة الوحدة
الأفريقية ولها جميعا إمكانية التدخل الجماعي لحفظ السلم والأمن الدوليين وتتمتع
القوات التابعة لها بميزة ارتداء الملابس والعلامات المميزة لقوات الأمم المتحدة.
لاحظنا أن القانون الدولي
التقليدي كان حتى نهاية الحرب العالمية الأولى يعترف بحق التدخل بصورة منفردة، لذا
كان بإمكان أية دولة عند توفير بعض الظروف، أن تتولى تطبيق القانون كما تشاء وأما
الفقرة الكائنة بين الحربين، والتي شهدت نشوء وسقوط عصبة الأمم ومحكمة العدل
الدولية الدائمة، فيمكن اعتبارها بمثابة فترة انتقال حيث سادت الشكوك حول حق
الدول الكبرى في التدخل وبعد ظهور الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمنظمات
الدولية أصبح التدخل يعتمد على فكرتين أساسيتين هما :
1- أن
المساواة بين الدول بغض النظر عن حجمهما ونفوذها أصبحت قاعدة أساسية. وذلك على
الرغم من الحقيقة السياسية ووجود العملاقين وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية إذ
لم يعد بإمكانهما الهيمنة على العالم بشكل كامل. وإن أي قاعدة قانونية دولية لا
تنطبق على جميع الدول بالتساوي ولا تعتبر قاعدة صالحة وهكذا أصبح على الدول الكبرى
أن تسمع رأي الدول الصغرى، وأن تأخذ به وأصبحت الدول الصغرى والشعوب التي كانت
ضعيفة ومغلوبة على أمرها ومستعمرة ذات تأثير على الأمم المتحدة وذات كلمة مسموعة
ولها دور كبير تلعبه في المحافل الدولية.
2- إن
وسائل حماية مصالح الدولة قد تطورت وتوسعت وتحسنت كثيرا ويتوقع من الدول أن تستفيد
من الإمكانيات المتاحة لها من قبل الأمم المتحدة لتنفيذها ولقد أصبحت فكرة سيادة
الدولة، فمن مفهوم عدم التدخل فكرة مطلقة تقريبا إذا ما نظر إليها من الجانب
السلبي، أي جانب عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، أما الجانب الإيجابي فإن
سيادة الدول أصبحت محدودة من حيث إمكانية تطبيق نظام الأمن الجماعي المنشار إليها
سابقا.
وهكذا أصبح التدخل من قبل
دولة منفردة بشؤون أخرى يعتبر إجماع الدول أمرا ممنوعا وغير مشروع ولكن نظرا لأن
التسويات وأحيانا الإكراه يبقى ضروريا إلى درجة ما في البيئة الدولية فإن الحل
يكمن في فكرة الحل والتدخل الجماعي لذا فالتدخل الجماعي الذي يتم ضمن إطار منظمة
دولية معترفا بها، لقيادة قوة مشتركة لصياغة السلم والأمن الدولي يمكن أن يعتبر
مشروعا وفي الفقه القانوني الدولي والممارسة الدولية المعاصرة لا يعتبر التدخل
مشروعا إلا إذا تم بالنيابة عن الأمم المتحدة أو المنظمات المنظمة على غرارها.[11]
رغم فظاعة الحرب ونتائجها
على البشرية والطبيعة والحياة، مازالت الحرب مقبولة من حيث المبدأ في المنطق
الدولي والمنظمات الدولية والحكومية وما زال تعريف جريمة العدوان ينتظر دخوله حرمة
المحكمة الجنائية الدولية، ولقد أظهرت معطيات علم الأناسة أن الحرب ظاهرة منتشرة
بكثرة وإن اختلف تواترها وتواجدها بين الشعوب وكان بعضها مثل الاسكيمو والاندمانيز
فمن الصعب معرفة كم من الشعوب المسالمة التي أبيدت لأن خيار السلام لم يكن عالميا
وبقي قانون الغاب يعطى الأقوى الحق في البقاء والهيمنة.
1- تعريف
العدوان :
شغلت مشكلة تعريف العدوان
الحكماء والفلاسفة على مدى القرون العديدة وقد انبثق مفهوم العدوان منذ أيام روما
القديمة ويعيد مؤرخو القانون مصطلح العدوان إلى الكلمة اللاتينية Aggressio أي
الاعتداء، وكان من أقدم التعاريف الظاهرة اعتداء من دولة أقوى على دولة أضعف
لتحقيق مكاسب ومصالح والتوسع في حدود وثروات المعتدى شهد في قواميس علم الاناسة
الانتروبولوجيا تعبير جماعة بدل دولة باعتبار العدوان قد سبق الدول.
كما إن قد يكون المبرر
الأخلاقي الرئيسي للحرب هو صيانة الأبرياء من الضرر الأكيد لقد ألف القديس أوغسطين
كتابه مدينة الإله في القرن الخامس الميلادي وكان لعمله هذا بالغ الأثر في فكرة
الحرب العادلة كما أكد على ضرورة بناء منظومة متكاملة للعلاقات السلمية بين البشر
وعدم حصر الموضوع بالتعبير المسلح لا يكمن السلام الحقيقي وحسب في غياب الصراعات
المسلحة وإنما في النظام السلمي على العكس من غياب الحرب لا يعني بالضرورة غياب
الصراع.
ولقد أوجدت البشرية
أشكالا متعددة لحماية نفسها من العدوان وفظائع الحرب أو على الأقل من أهوال
الاعتداء على النفس والعرض والمعتقد والطبيعة والأرض في المجتمع العربي قبل
الإسلام بحيث ابتكر العرب الأشهر الحرم وهي أشهر يحرم فيها وقوع الحرب لأي سبب كان
ولأي مبرر كان حفاظا للنفوس وردا للعدوان وبحثا عن الوسائل السلمية في حل
النزاعات.[12]
2- أعمال
العدوان :
لقد جاء ميثاق الأمم
المتحدة خاليا من أي تعريف للعدوان ويعود السبب في ذلك برأي البعض إلى الرغبة في
تجنب تحديد المفهوم والاحتمال ألا يأتي التعريف دقيقا وشاملا مما يؤدي لاستفادة
المعتدي من ذلك.[13]
هذا بالإضافة إلى أن
مصطلح العدوان يشمل جوانب سياسية وقانونية وعسكرية ومنطقية يصعب إدراجها في تعريف
واحد وجامع.[14]
ولقد ارتؤي أثناء الأعمال
التحضيرية للأمم المتحدة ترك تحديد العدوان إلى مجلس الأمن، وفعلا فإن المجلس
المذكور قد لجأ في كثير من المناسبات إلى تعريف العدوان كما أن الأمم المتحدة لم
تنفك عن محاولاتها لتعريف العدوان، ولقد كانت أول محاولة جدية لذلك هو المقترح
الذي تقدم به الاتحاد السوفيتي في الدورة الخامسة والذي بين فيه أنه من أي صراع ذو
طبيعة دولية تعتبر الدولة معتدية إذا كانت البادئة بارتكاب أحد الأعمال التالية :
إعلان الحرب، غزو إقليم دولة أخرى بقواتها المسلحة، قصف إقليم دولة أخرى، مهاجمة
السفن والطائرات، إنزال أو قيادة قوات مسلحة داخل حدود دولة أخرى دون إذن منها،
اللجوء إلى الحصار البحري.[15]
أحيل هذا المشروع إلى
بعثة القانون الدولي والتي قررت أن تعالج الموضوع بإضافة ما يلي : المادة 2 من
بروتوكول الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية المقترح (أي عمل من أعمال العدوان بما في
ذلك استخدام القوات المسلحة بناء على سلطة الدولة ضد دولة أخرى لأي هدف خلاف
الدفاع عن النفس الفردي أو الجماعي أو تنفيذا لقرار صادر عن إحدى أجهزة الأمم
المتحدة المختصة.[16]
ولقد تم النظر في الموضوع
مرة أخرى في الدورة السادسة للجمعية العامة حيث أحيل إلى اللجنة السادسة التي كلفت
بدراسة العدوان وتعريفه ولقد طرح أمامها العديد من المشاريع والقرارات ومن بينها
مشروع معدل لمشروع التعريف السوفيتي وإنقسمت الآراء داخل اللجنة فكان البعض يرى
عدم إمكانية وضع تعريف شامل للعدوان لأنه سيغفل حتما ذكر بعض الأفعال التي يمكن
تصنف كعدوان مما يجعل المعتدين يرتكبون أعمالا عدوانية دون إمكان إدانتهم.
ويرى البعض الآخر ضرورة
وضع تعريف للعدوان بحيث يكون مرشدا للدول إضافة إلى أن ذلك يعتبر خطوة هامة في
تقدم القانون الدولي، في ردع الدول التي تفكر في الاعتداء وإن وجود تعريف ناقص خير
من عدم وجوده وإذا وجدت عيوب فيمكن تعديلها فيما بعد على أن الموافقة لم تحصل بهذه
السهولة فقد استمرت اللجنة الخاصة في جهودها ومناقشتها وأخيرا تمكنت من وضع مسودة
قرار بهذا الشأن تبنتها الجمعية العامة في نهاية عام 1974،[17] لقد
عرف القرار العدوان بأنه استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة دولة أخرى أو
وحدتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأي أسلوب يتناقض مع ميثاق الأمم
المتحدة كما هو مبين في هذا التعريف.[18]
وبموجب هذا التعريف،
يعتبر استخدام القوة من جانب إحدى الدول دليلا أوليا وإن لم يكن قاطعا على العدوان
أي أن بإمكان مجلس الأمن أن يتوصل إلى قرار مخالف أو معاكس على ضوء الظروف الخاصة
بالقضية.
وعلى هذا وبغض النظر عن
وجود إعلان الحرب أم لا، فإن الأعمال التالية تعتبر أعمالا عدوانية :
أولا :
غزو أو هجوم دولة ما بقواتها المسلحة على أرض دولة أخرى أو أي احتلال عسكري مهما
كان مؤقتا ناجم عن هذا الغزو أو أي ضم باستخدام القوة المسلحة لأراضي دولة أخرى أو
جزء منها.
ثانيا :
قصف دولة ما بقواتها المسلحة أراضي دولة أخرى أو استخدام أية أسلحة من قبل دولة ضد
أراضي دولة أخرى.
ثالثا :
حصار موانئ أو سواحل دولة ما من جانب القوات المسلحة التابعة لدولة أخرى.
رابعا :
أي هجوم تقوم به القوات المسلحة لدولة على القوات البرية أو البحرية أو الجوية
لدولة أخرى.
خامسا :
استخدام القوات المسلحة لدولة ما الموجودة داخل أراضي دولة أخرى بموافقة الدولة
المستقلة على نحو يناقض الشروط المنصوص عليها في الاتفاق أو أي تحديد لبقائها في
هذه الأراضي إلى ما بعد إنتهاء الاتفاق.
سادسا :
سماح دولة باستخدام أراضيها التي وضعت تحت تصرف دولة أخرى.
سابعا :
إرسال عصابات أو جنود غير نظاميين أو مرتزقة مسلحين من قبل دولة أو نيابة عنها
يقومون بأعمال تنطوي على استخدام القوة ضد دولة أخرى وعلى درجة من الخطورة بحيث
ترقى إلى مصاف الأعمال المذكورة أو مشاركتها أي الدولة في ذلك بشكل كبير.[19]
3- أثار
جرائم الحرب والعدوان:
إن الجرائم الدولية هي
خرق لكل الأعراف والمواثيق كما أنها تشكل التزامات قانونية وإنسانية اتجاه الدول
والمنظمات الدولية لذلك فإن منع ارتكاب الجرائم والحد منها هي من مسؤولية الجميع
وخاصة المجتمع الدولي وخصوصا ما ورد في الباب السادس والباب السابع المواد 39 و50
والمتضمنة اتخاذ كافة الإجراءات ضد الجرائم الدولية وخاصة جريمة الحرب والعدوان
المسلح التي ترتكب ضد دولة أخرى وخول مجلس الأمن الصلاحيات اللازمة لاتخاذ تدابير
عسكرية أو غير عسكرية وفقا للمادتين 41 و42 المتضمنتين تصرف مجلس الأمن بما يحفظ
الأمن والسلم الدوليين باعتباره ومن الناحية القانونية لا يجوز للنائب أن يتصرف في
نيابته إلا في حدود الصلاحية المخول بها في تلك النيابة وقد أصدرت الجمعية العامة
للأمم المتحدة عدة قرارات أدنت بموجبها استخدام القوة من بينها القرار الذي اتخذته
في دورتها الرابعة والثلاثين لعام 1986 بشأن إدانة العدوان والناحية القانونية
يلزم الدول أن تقتنع عن الاعتراف بشرعية الحرب والعدوان والآثار المترتبة عنها كما
يجب على الدول وفقا للميثاق أن تمتنع عن تقديم المساعدات من شأنها الإبقاء على
الحالة التي أوجدتها تلك الجرائم. أما المسؤولية الفردية عن ارتكاب الجرائم
الدولية التي تترتب على الأشخاص بغض النظر عن صفاتهم أو الحصانات التي يتمتعون بها
سواء كانوا رؤساء أم قادة عسكريين.[20]
ويبقى من مهمات المجتمعات
المدنية على الصعيد العالمي البقاء في حالة ترقب من أجل عزل كل أخطار جريمة
العدوان على صعيد الرأي العام فليس سرا أن الدول التي تمارس العدوان اليوم إما
تقاطع المحكمة الجنائية الدولية كما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل
أو تقيد صلاحياتها غير ما يمكن تسميته امتياز الفيتو الذي يسمح لها بوقف التحقيق
في أية مقاضاة خلال فترة عام، إن وجود مجموعات ضغط قوية لمحاسبة مرتكبي جريمة
العدوان يسمح بوضع المحاسبة القانونية على أجندة أي قضاء مستقل في أي بلد ديمقراطي
يعمل بفقه الاختصاص الجنائي العالمي ويحترم العرف القانوني الدولي الذي يعتبر
جريمة العدوان من الجرائم الجسيمة الكبرى في المجتمعات البشرية.
يبدو أن واضعي ميثاق
الأمم المتحدة لم يجدوا ضرورة للنص على تحريم الحروب وإيجاد تعريف قانوني لها وذلك
نتيجة لما استقر عليه العرف والقانون الدولي وعدم شرعية الحروب في حينه وكما جاء
في ميثاق برايند-كيلوج بل إنهم ذهبوا أبعد من هذا حيث حرموا استخدام القوة أو
التهديد بها في العلاقات الدولية، وعارضوا كل إجراء من شأنه تهديد السلم أو
الإخلال به، واعتبروا تحريم استخدام القوة الوارد في الميثاق شاملا للحرب بمفهومها
القانوني.[21]
وفي سبيل مناقشة ذلك فسوف
نتناول تحريم استخدام القوة من خلال فقرتين الفقرة الأولى تحريم استخدام القوة في
العلاقات الدولية، الفقرة الثانية الإستثناءات التي ترد على منع إستخدام القوة في
العلاقات الدولية.
1- تحريم
استخدام القوة :
تنص المادة الثانية
الفقرة الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة على أنه : "يمتنع أعضاء الهيئة جميعا
في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أوب استخدامها ضد سلامة الأراضي أو
الاستقلال السياسي لأية دولة أم على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة".
فالمادة 2 الفقرة 4 نصت
بالحرف على ضرورة الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد سيادة
الدولة بأية طريقة تتنافى وأهداف الأمم المتحدة المتمثلة في الحفاظ على السلم
والأمن الدوليين. فاكتسب مبدأ تحريم القوة استخدام في العلاقات الدولية القوة
القانونية، فالنص حرم كل الأشكال التي يمكن أن تتخذها القوة المستعملة من خلال
عبارة "صد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على وجه آخر لا
يتفق ومقاصد الأمم المتحدة سواء كانت هذه القوة مباشرة أو غير مباشرة كالضغوط
السياسية والعسكرية والاقتصادية، إلا أنه أثير نقاش حول دلالات مفهوم القوة
الواردة في المادة 2 الفقرة 4، حيث اعتبر جانب من الفقه أن المقصود من لفظ القوة
هو القوة المسلحة التي تأكد شكل الاعتداءات المسلحة أي العسكرية ضد سلامة الأراضي أو
الاستقلال السياسي للدولة، فلا يجوز اعتبار التهديدات العسكرية أو الإعلامية تشجيع
وإثارة الاضطرابات الداخلية فعلا من أفعال القوة الذي يستوجب الدفاع الشرعي وفقا
لمقتضيات المادة 51 من الميثاق.
كما أثير نقاش حول مجال
استخدام القوة في نطاق نفس المادة، وربطها بالدولة دون سواها من الأشكال التنظيمية
الأخرى من خلال لفظ علاقاتهم الدولية ولفظ الدولة في نص المادة، وهو ما يخرج
التنظيمات غير المتوفرة على مقومات الدولة "الأرض، الشعب، السلطة
السياسية" وخاصة الحركات التحررية الوطنية، التي تسعى للرقي لمستوى الدولة
المستقلة عبر ممارسة شعبها لحقه في تقرير المصير. وهكذا لا يعتبر استعمال القوة في
حالة ممارسة الشعوب لحقها في تقرير المصير محرما وفقا لروح المادة 2 الفقرة
4 من الميثاق، ويعتبر عدم احترام هذا المبدأ بمثابة عدوان يمنح فيها للدولة
المتعرضة له الحق في رده في إطار الدفاع الشرعي للدولة إلى أن يتدخل مجلس الأمن
الدولي ليتخذ التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.[22]
كما أنه تفاقم الخلاف بين
القائلين بمطابقة تحريم استخدام القوة الوارد في المادة 2/4 من الميثاق وبين
القائلين باقتصاره على مظهر من مظاهر استخدام القوة فحسب بشأن فجوى حلف شمال
الأطلس ناتو للقوة العسكرية ضد يوغوسلافيا لتسوية النزاع، استخدام القوة لغير هذه
الغاية أمرا شرعيا ؟ فيجوز بالنتيجة استخدام القوة حيثما لم يكن الغرض الإحاطة
بالحكومة أو احتلال الإقليم التابع للدولة أو تفتيته.[23]
2- تحريم
الحرب وعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية :
يكمن روح الميثاق لذلك
ينبغي تفسيره وفقا لبنود الميثاق وأهدافه وقد عبرت الديباجة في فقرتها الأولى عن
تصميم الدول الأعضاء على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل
واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف ولقد عبرت الفقرة الرابعة
عن عزم الدول الأعضاء ألا تستخدم القوة وروح الميثاق أهدافه هو إنقاذ البشرية من
ويلات الحروب ولقد حدد الفصل السابع من الميثاق الأحكام التي في إطارها يمكن
اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة وأكد على أن لمجلس الأمن وحدة السلطة التقريرية
إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان وقع عمل من أعمال العدوان وإذا ما
قرر المجلس ذلك يقدم توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه في التدابير طبقا لأحكام
المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه المادة 39 من
الميثاق كالمواد 42-51 من المواد الوحيدة التي تتعامل مع استخدام الفعلى للقوة،
ولا يوجد من ميثاق الأمم المتحدة أية مادة تخول لأي عضو من أعضائها استخدام القوة
من جانب واحد، عدا الحالة المحددة والمقيدة والتي نصت عليها المادة 51 وهو الحق
الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم، إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد
أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم
والأمن الدولي.
وحتى لو اضطرت دولة على
استخدام هذا الحق الطبيعي ينبغي عليها إبلاغ مجلس الأمن فورا وللمجلس عند ذلك
بمقتضى سلطاته الخاص بإقليم كوسوفا عام 1999 فعبرت العديد من الدول وذلك الدارسون
والمحللون عن مواقف قانونية مختلفة ومتباعدة ادعت طائفة من الدول والدارسون بنشوء
حق جديد يجيز للدول التدخل لأغراض إنسانية بينما تبنت طائفة أخرى موقفا مخالفا
فحواه عدم قانونية العملية الأطلسية وأنها تنطوي على خرق جسيم لأحكام ميثاق الأمم
المتحدة عموما وللمادة 2/4 معه على وجه الخصوص.[24]
وما أشبه اليوم بالأمس،
كالخلاف المحتدم الآن حول المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة يشبه ذلك اليوم الذي
نشب في الأيام الأولى التي أعقبت إقرار ميثاق الأمم المتحدة، أما السبب الأكثر
أهمية الكامن وراء احتدام الخلاف حول تفسير نص المادة 2/4 وحول نطاق الحكم الوارد
فيها. فقد تمثل آنذاك بمدى شمول هذا النص سائر القواعد العرفية الناظمة لاستخدام
القوة في العلاقات الدولية عند وضع الميثاق ونفاذه فهل تعد المادة 2/4 انعكاسا على
العرف النافذ آنذاك أم أنها تنطوي على قطيعة جدرية بين ما كان معمولا به حتى عام
1940.
إن الصيغة اللغوية التي
ورد بها الحكم المقرر في المادة 2/4 يثير مجموعة من الأسئلة ومهمة فهل يستفاد من
عبارة صد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق
ومقاصد الأمم المتحدة أن الحكم القاضي بتحريم اللجوء إلى القوة يقتصر أثره على
الحالات التي توجه فيها القوة ضد الاستقلال السياسي للدولة وضد وحدتها الإقليمية ؟
وهل يعد ومسؤولياته الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذ من الأعمال
بحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادته إلى نصابه وما عدا هذا الحق المقيد فإن
الميثاق يحرم اللجوء إلى استخدام القوة ويطلب من جميع أعضائها فض منازعاتها
الدولية بالوسائل السلمية الفقرة 3 من المادة الثانية.
إن الإخلال بهذا المبدأ
هو تقهقر إلى الوراء والعودة إلى سيادة قانون القوة في العلاقات الدولية.[25]
3- الاستيلاء
على أراضي الغير بالقوة :
لقد أصدرت منظمة الأمم
المتحدة العديد من القرارات الدولية التي أدانت العدوان وحرمت الاستيلاء على أراضي
الغير وصفها بالقوة وكذلك بالنص صراحة على مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير
بالقوة في مناسبات عديدة منها ما ورد في المادة الثامنة من مشروع وحقوق وواجبات
الدول التي تقدمت بها إلى الجمعية العامة عام 1947 والذي أخذت فيه أنه يجب على كل
دولة أن تمتنع عن الاعتراف باكتساب الأقاليم الناجم عن استعمال القوة أو التهديد
بها وكذلك المادة 11 من مشروع حقوق وواجبات الدول التي أعدته لجنة القانون الدولي
كما أصدر مجلس الأمن القرار قمن 3256 في 2 تشرين الثاني 1956 والقرار رقم
3257 في نوفمبر 1956 والقرار 242 في 22 تشرين الثاني 1967 والقرار 252 في 21 أيار
1968 وغيرها من القرارات التي أكدت على مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير
بالقوة. وفي الوقت نفسه رأت محكمة العدل الدولية عدم مشروعية اكتساب أي أراضي عن
طريق القوة أو التهديد باستعمالها.[26]
4- مفهوم
القوة الوارد في الميثاق :
لم تحدد الفقرة 4 من
المادة 2 ما إذا كانت القوة التي تشير إليها هي القوة المسلحة أو أي نوع آخر من
القوة المسلحة أو أي نوع آخر من القوة.
ويرى البعض أن المقصود
بالقوة هي القوة المسلحة فقط، باعتبار أن تطبيق هذه القوة أو استخدامها إنما يتم
بواسطة حرب عدوانية أو هجوم مسلح أو عدوان ترتكبه الدول باستخدام قواتها المسلحة
أو جماعة تابعة لها أو مسندة من قبلها.[27]
ويستند هؤلاء في ذلك
بالرجوع إلى عبارة القوة المسلحة الواردة في ديباجة الميثاق، على الرغم من أن
العدوان لم يكن قد عرف عند وضع الميثاق وسوف نتطرق لذلك فيما بعد إن هذا يعني أنه
ليس هناك ما يمنع دولة ما من اللجوء إلى أعمال انتقامية أو غيرها لا تنطوي على
استخدام القوة إذا ارتكبت دولة أخرى عملا يتنافى والقانون الدولي ويرى فريق آخر من
الفقهاء أنه ما من سبب قانوني يدعو إلى اقتصار معنى القوة على القوة المسلحة فقط،
بل أن ذلك يمكن أن يوسع ليشمل الضغط الاقتصادي، أو النفسي أو أعمال أخرى
ويشفعون رأيهم بأن الإكراه السياسي والاقتصادي قد يكون تهديدا للاستقلال السياسي
للدولة، يعادل في خطورة التهديد العسكري.[28]
ومن هذا الرأي كالسن
وهناك فريق ثالث ومنهم براونلي وروزالين هجنز، يميلون إلى رأي كالسن مع القول بأن
القوة لا تشمل الإكراه غير العسكري الذي يمارس على مستوى واطئ، ويقصدون بذلك
استخدام الإكراه بدرجة تكفي لتقييد حرية تصرف الدولة الموجه ضدها، ولكن التأثير في
أمنها القومي، ويعتقدون أن ذلك أمر تتطلبه الحياة الدولية العملية، لذا فهو عمل
مشروع ولا يعتبر جريمة دولية بل أضرار دولي.[29]
وإذا أردنا تبني مفهوم
القوة المسلحة فلابد من تحديد ما هو المقصود بالسلاح فهل يقصد به المتفجرات فقط ؟
أم الأسلحة الجارحة أم هو
كل ما يسبب التدمير للكائنات الحية والممتلكات ؟
فإذا أخذنا بالمفهوم
الأخير أفلا يعتبر السلاح الاقتصادي مدمرا أيضا ؟ فلا يؤدى إلى الموت جوعا ؟ وكذلك
الحرب النفسية والإعلامية التي تسمم الأفكار وتزرع الخوف والفزع وهكذا يمكن اعتبار
الضغط النفسي والإكراه والدعاية سلاحا لأنهما يدمران الروح والعقل ومن هنا يرى
براونلي.[30]
إنه من الضروري أن نقر فيما
إذا كان استخدام العوامل التي لا تتضمن انفجارا أو تدميرا أو حرارة، يشكل استخداما
للقوة لا كالعوامل الجرثومية والإحيائية والكيماوية مثل غازات الأعصاب.[31]
وهو يرى أن استخدام هذه
العوامل الأسلحة يمكن أن يعتبر استخداما للقوة بالاستناد على نقطتين الأولى، إلى
أن العوامل المشار إليها توصف بأنها أسلحة وبأن استخدامها يكون نوعا من الحروب
الحرب الجرتومية الحرب الكيماوية والنقطة الثانية هي الأهم أن هذه الأسلحة تستخدم
لتدمير الحياة والممتلكات وغالبا ما تسمى أسلحة التدمير الشامل كذلك من الضروري
التفكير في الوصف الذي يمكن أن يطلق على إجراءات مثل إغراق مساحة واسعة في الوديان
المؤدية إلى أرض العدو أو إشعال الحرائق في الغابات وأماكن في الحدود فهل تعتبر
مثل هذه الأفعال والإجراءات استخداما للقوة أم لا. وهل هي تؤدى إلى تدمير الحياة
والممتلكات أم لا ؟
إن تبني أي من الفكرتين
له أهمية كبرى في ترتيب نتائج وذلك لأن الأخذ بمفهوم القوة أي تفسير الضيق سيحرم
الدول المعتدى عليها من اتحاد أي إجراء دفاعا عن نفسها تجاه أي اعتداء غير مسلح
والعكس صحيح وعليه فإننا مع الرأي القائل بتوسيع مفهوم القوة بحيث يشمل كل
الضغوطات السياسية والنفسية والاقتصادية، إضافة إلى استخدام كافة أشكال القوة
الأخرى المشار إليها سابقا لما في ذلك من تجاوب مع مصلحة الدول النامية التي كثيرا
ما تعرضت لضغوط مختلفة، وأن استخدام القوة قد يكون مباشرا، أو غير مباشر، ولكن
الدولة تعد مسؤولة عن اللجوء إلى استعمال القوة المسلحة والمحرمة في الميثاق سواء
تم القتال بواسطة قواتها النظامية أو غير النامية أو قوات الأمن والشرطة.[32]
بالنظر لحالة المنع التام
لاستخدام القوة في العلاقات الدولية على الوجه المحدد في ميثاق الأمم المتحدة كما
سبق بيانه في المطلب السابق، كأن الاستثناءات التي ترد على المبدأ جميعها تأتي كرد
على استخدام غير المشروع للقوة، غير أنها تختلف من حيث المصدر وهدفها وشروط
قيامها، فعندما تتعرض الدولة لهجوم مسلح، فإن الميثاق لا يمنع شك الدولة من
استخدام القوة في شكل دفاعي فردي أو جماعي عن النفس، غير أن هذا الاستخدام ينحصر
فقط في الحدود الدفاعية وذلك إلى أن يصل محل الدولة المدافعة مجلس الأمن. وأن فعل
مجلس الأمن على هذا النحو لا يعتبر من قبيل الأعمال الدفاعية بل هو دو طبيعة
قسرية، وهدفه المحافظة على السلم والأمن الدوليين وإعادتهما إلى نصابهما غير أن
معيار التمييز الأساسي بين الفعلين هو أن مجلس الأمن يجب أن يستند إلى التفويض
ويجب أن يكون صريحا وواضح وفق ما تقتضيه قواعد الفصل السابع أو قواعد الفصل الثامن
من الميثاق، عندما يتعلق الأمر بفعل إقليمي، أما بخصوص فعل الدفاع عن النفس سواء
معه الفردى أو الجماعي، أو الفعل ضد دولة عدو سابق، فإن الأمر لا يحتاج إلى تفويض
من مجلس الأمن، حيث يقوم الحق بمجرد تعرض الدولة الضحية لحالة عدوان مسلحك وسوف
نتناول هنا مسألة الدفاع الشرعي عن النفس أو الدفاع عن النفس.
إن الاستثناء المهم الذي
ورد به نص صريح في ميثاق الأمم المتحدة خروجا على مبدأ تحريم استعمال القوة في
العلاقات الدولية، هو الدفاع الفردى والجماعي عن النفس.[33]
بحيث تعترف كافة النظم
القانونية بحق الدفاع النفسي، وهو حق معترف به مادام القدم ومازال كذلك في ظل
ميثاق الأمم المتحدة، ويرى بورت أن هذا الحق في المجتمعات البدائية يكون بيد
الأفراد والدول لاستخدامه كما يرونه مناسبا. أما في المجتمعات الناضجة والمتقدمة،
فإن استخدام هذا الحق يكون من صلاحية منظمة مركزية عالمية كعصبة الأمم أو هيئة
الأمم المتحدة، ومع هذا فإن استخدام القوة للدفاع عن النفس يعتبر حقا استثنائيا
بالنسبة للمنع العام لاستخدام القوة الوارد في الميثاق، وفي بعض الأحيان يكون من
المناسب تحويل الدول استخدام هذا الحق، بعض النظر عن الصلاحيات المعطاة إلى
المنظمة المركزية العالمية وذلك لوجود بعض الظروف القسرية والتي تؤثر بشكل مباشر
على الدول المعنية، وعليها حماية نفسها بنفسها ولم يوضع لحد الآن أي تعريف مقبول
بشكل عام لحق الدفاع عن النفس وإن كانت هناك محاولات في هذا السبيل.
ويرى مؤيدو القانون
الطبيعي مثل كروشيوش وبيلي وجنتلي وفيتوريا أن حق الدفاع عن النفس هو أحد الأسباب
عن الحرب العادلة أو أنه أحد الأسباب العادلة للحرب، وأن القانون الطبيعي لا يؤيد
هذا الحق فقط بل إنه يأمر الدول لممارسته، وفي هذا يقول وولف على أي شعب أن يحمي
نفسه وأن الجموع يعتمد على الأفراد في تأمين متطلبات الأمن والسلام ولكن بورت يرى
أن الطريقة الأسلم لتعريف الدفاع عن النفس هي في تعداد أو تعريف الحقوق أو الأمور
التي تلجأ الدول لحمايتها بواسطة حق الدفاع عن النفس وهو يرى أن هذه الأمور هي حق
السلامة الإقليمية وحق الاستقلال السياسي وحق جماعة المواطنين وحق جماعة المصالح
الاقتصادية ومهما كان فإن الأمر جوهر حق الدفاع عن النفس، هو وقوع خطأ ما بحق الدولة
المعنية تحقق بموجبه مسؤولية الدولة المخطئة.[34]
إن كافة الشرائع الداخلية
للدول تنظم حق دفاع الأفراد عن أنفسهم ويختلف نطاق ومجال استخدام ذلك الحق حسب
درجة نضج النظام القانوني الذي ينظمه، إذ عمد في الأنظمة القانونية التي لم تبلغ
درجة كبيرة من النضج وتركت هذا الحق دون قيود بينما من الشرائع التي بلغت رقيا
وتقدما نجد أن هذا الحق مقيد بقيود كثيرة وهذا الأمر قد يضعف من شأنه ويقلل من
أهميته.
ومن المستقر عليه أن
سلطات المجتمع الرسمية هي المسؤولة الوحيدة عن حماية حقوق الأفراد داخل المجتمع
وصاحبة الحق الأصيل في استخدام القوة وفق أحكام القانون، وتأسيسا على ذلك يمتنع
على الأفراد استخدام القوة إلا خضعوا لأحكام القانون وفرضت عليهم عقوبات التي ينص
عليها القانون لما كان ذلك فإن حق الدفاع عن النفس يعتبر حقا استثنائيا وأراد على
الأصل العام الذي يقضي بتحريم ممارسة القوة داخل المجتمع ويستند الحق في الدفاع عن
النفس في قيامه إلى وجود ظروف حتمية تتطلب إجراء الخطوات الأولى لحماية الحق
والنفس بمعرفة الأفراد، وذلك إلى حين تدخل سلطات الدولة، وعلى ذلك فهناك شبه إجماع
بين الأنظمة القانونية على تنظيم هذا الحق.
وإذا ما نظرنا إلى
المجتمع الدولي كحدة يتميز بضعف ونقص في هيئاته التي تفضل ضمان تنفيذ القانون عن
طريق الإجبار والتي تضمن الحقوق الدولية المعترف بها قانونا أما ذلك نجد الدول ذات
السيادة تقوم بما يجب أن تقوم به تلك الهيئات، وذلك وفق نظرية ازدواج الوظيفة لذلك
فإن الحق في الدفاع عن النفس يعد حقا هاما لكل عضو في المجتمع الدولي.
وفي تطور المجتمع الدولي
المستمر نجده يتجه شطر إقامة هيئات دولية تتعاون الدول من خلالها من أجل حفظ
السلام والأمن الدوليين وفي سبيل ذلك تتنازل الدول عن بعض مظاهر سيادتها، وقد صاحب
ذلك التهديد بها في ميثاق الأمم المتحدة.
يضاف إلى ذلك أن
المناقشات التي دارت أثناء وضع الميثاق منها الرغبة في هيمنة المنظمة على جميع صور
استخدام القوة، لذلك أصبح ضروريا النص على الحق في الدفاع عن النفس وتنظيم مباشرته
وهو ما حدث بالفعل إذ نظم الميثاق الحق في الدفاع عن النفس في مادته 51، وترجع
الحاجة إلى تنظيم مباشرة ذلك الحق وتحديد نطاقه إلى أن عدم القيام بذلك سيجعل مبدأ
الامتناع عن استخدام القوة المسلحة لغوا.
ولما كان ما تقدم فإن
الحق في الدفاع عن النفس الذي ينظمه ميثاق الأمم المتحدة بعد استثناء من مبدأ
الامتناع عن استخدام القوة المادة 2 فقرة 17 من ميثاق الأمم المتحدة.[35]
بين ميثاق الأمم المتحدة
في المادة 51 إن للدولة الحق في الدفاع الجماعي عن نفسها وإن للدول المعتدى عليها.
أن تطلب معونة الدول الأخرى لصد العدوان ولقد أثار ذلك سؤالين الأول هل يشترط وجود
معاهدة بين الدول لطلب المعونة ؟ والثاني هل يجوز لدولة أن تتقدم بالمعونة
العسكرية دون طلب من الدولة الأخرى ؟
وبالنسبة للسؤال الأول
فقد أثير خلاف حول حق الدولة في طلب المساعدة دون معاهدة فيرى البعض استبعاد فكرة
حق الدول في مساعدة بعضها البعض دون الرجوع إلى مجلس الأمن لأن ذلك يجعله في
المرتبة الثانية من حيث المحافظة على السلم والأمن الدوليين ويرى آخرون أن لا قيود
على هذا الحق حيث أنه ورد مطلق في الميثاق، لذا ينبغي إبقاء المطلق على إطلاقه ما
لم يتم تحديده.
إلى أنه هناك فرق بين
الإجراءات الجماعية التي يتخذها مجلس الأمن الدولي وبين الدفاع الجماعي، إن هذا
الأخير تلجأ إليه الدول. وهو إجراء تتخذه الدول للدفاع عن نفسها بموجب مسؤولياتها
الخاصة ضمن تحديدات المادة 51 من الميثاق.
أما الإجراءات الجماعية
التي يتخذها مجلس الأمن فتكون تحت مسؤولية الأمم المتحدة وتتم إما بشكل العقوبات
أو الأعمال القسرية وهي موضحة في المادة 1، الفقرة الأولى و24، 39-41-42 من ميثاق
الأمم المتحدة.[36]
المادة 58 من ميثاق الأمم
المتحدة.
والمادة 53 من ميثاق
الأمم المتحدة.
من المعلوم أن استخدام
القوة لأغراض الدفاع عن النفس الجماعي ليس شائعا في الحياة الدولية، فالدول تنأى
عادة عن المشاركة في النزاعات المسلحة ليست طرفا فيها، وبالرغم من أن الحياة
الدولية المعاصرة شهدت إبرام عدد كبير من معاهدات الدفاع المشترك والتحالف
العسكري، إلا أن ممارسات الدول وسلوكها الحقيقي لا ينمان عن الرغبة في استخدام
القوة ضمن إطار الدفاع عن النفس الجماعي، فحالات كهذه كانت محدودة نسبيا
ومعدومة ومن المسائل المثيرة للاشتباه أن الدفاع عن النفس الجماعي في حالات عديدة
كغطاء لدعوى قوات أجنبية قبل أن يكون هناك هجوم مسلح، وذلك على أمل أن يكون الدفاع
عن النفس الجماعي ضروريا في المستقبل، وبمعنى آخر يستفاد من رصد واستقراء أغلب
حالات الدفاع عن النفس الجماعي أن هذه الصورة من صور الدفاع عن النفس كانت وسيلة
للحيلولة دون وقوع هجوم مسلح أو من باب الاحتياط، وكان استخدام القوة العسكرية من
حالات نادرة واستثنائية من حالات الدفاع عن النفس الجماعي يقع خارج الحدود
الإقليمية للدولة "الضحية".
يحاط الدفاع عن النفس
الجماعي بعدد من الصعوبات والتساؤلات المعقدة، فإذا كان من اليسر التمييز نظريا
بين الدفاع عن النفس الجماعي وبين المساعدة العسكرية التي قد تقدمها دولة إلى دولة
أخرى نتيجة طلب من هذه الأخيرة للرد على تدخل خارجي تعرضت له، فإنه يصعب من
الناحية العملية الفصل أو التمييز بينهما فالخط الفاصل بينهما قد يدق أحيانا إلى
درجة كبيرة، ولا تغدو الشواهد المعدودة على الدفاع عن النفس الجماعي من خلاف وجدل
واسع حول قانونيتها، ولا يرجع هذا الخلاف إلى جواز استخدام القوة في إطار الدفاع
عن النفس الجماعي فض السواد الأعظم في هذه الحالات أثيرت تساؤلات حول توافر شرط
الهجوم المسلح وحول توافر طلب فعلي أو حقيقي بالمساعدة من جانب الدولة الضحية كما
أثير تساؤل حول جدة وأصالة نظرية الدفاع عن النفس الجماعي فقد أدخلت النظرية ضمن
ثنايا ميثاق الأمم المتحدة في إطار الفصل السابع منه، وهو ما دفع بعض الكتاب إلى
اعتبارها نظرية جديدة وليست سابقة الوجود على الميثاق. ومن الصعوبات الأخرى التي
تثار بشأن الدفاع عن النفس الجماعي مسألة تحديد طبيعة هذا الحق فهل هو حق مستقل
يخول دولة ثالثة استعمال القوة دفاعا عن دولة ضحية لهجوم مسلح أو أنه ينطوي على
جملة من الحقوق الخاصة بدفاع عن النفس فردى لا يجوز إهماله أو ممارسته إلا إذا
كانت الدولة الثالثة هي ذاتها ضحية للهجوم المسلح وما هي الشروط الإضافية الواجب
تحققها لممارسته وهل يشترط لذلك وجود معاهدة سابقة ؟
إن ممارسة الدفاع عن
النفس الجماعي مرهونة بتوافر الشروط والمتطلبات ذاتها الواجب توافرها للدفاع عن
النفس الفردى لكنه يتطلب إضافة لهذه الشروط عددا من الشروط الأخرى من صدور إعلان
من الدولة الضحية يقضي بتعرضها لهجوم مسلح طلب الدولة الضحية المساعدة من دولة
ثالثة وشرط المصلحة أو وجود اتفاق مسبق بين الدول الضحية والدولة الثالثة للدفاع
المشترك.[37]
تلجأ الدولة إلى هذه
الممارسات إذا ما قامت الدول الأخرى بتجاهل واجب عدم التداخل المشار إليه، وتدخلت
بشؤون الدولة الأولى، وحيث أن حق الاستقلال السياسي وواجب عدم التدخل ليس حقان
مطلقان، لذا فإن مشروعية اللجوء إلى الدفاع عن النفس لجماعة حق الاستقلال السياسي
تكون نسبية. إذا ما وجدت مبررات مشروعة لتدخل الدولة الأخرى وهناك بعض التحديات
المفروضة في حق الدفاع عن النفس لحماية حق الاستقلال السياسي، ولعل أهمها هو الحق
المعطى إلى مجلس الأمن للتدخل في سبيل الصالح العام للمجتمع الدولي.
صحيح أن الفقرة السابعة
في المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، تمنع الأمم المتحدة من التدخل في
الشؤون الداخلية للدول، لكنها تعود وتشير إلى أن هذا المنع لا يسري على
تطبيق الإجراءات القسرية بموجب الفصل السابع من الميثاق أما التحديد الثاني فهو حق
الدفاع عن النفس المعطى للدول الأخرى الأمر الذي يجعل ممارسة الدفاع عن حق الاستقلال
السياسي مشروطا بأن يكون الخطر الذي يهدده حالا. وعدم تسير وسيلة بديلة أخرى
لتجنبه، وإن الإجراءات المتخذة من قبل الدول يجب أن تكون متناسبة مع الخطر الناتج
عن تصرفات الدول الأخرى ويعتبر الشرط الأخير أهم الشروط الواجب ملاحظتها إن هذا
يعني أنه إذا كان الخطر قد نتج عن جراء قيام الدولة الأولى باستعمال القوة أو
التهديد بها ضد الاستقلال السياسي للدولة فإن استخدام الدولة الثانية للقوة أو
التهديد بها، وبشكل متناسب مع الخطر للدفاع عنها وعن نفسها يكون دفاعا مشروعا عن
النفس.
قد تحدث بعض
المواقف التي ينشأ عنها التهديد ضد الاستقلال السياسي للدولة جراء تصرف أفراد أو
مجموعات لا تكون لأية دولة مسؤولة عنهم وأحسن مثال على ذلك يظهر عند قيام الدولة
المعنية باتخاذ إجراءات المحكمة لتنفيذ التزاماتها بموجب القانون الدولي، لكنها
غير كافية لمنع هؤلاء الأفراد من تنظيم أو القيام بحملة أو عند قيام مجموعة من
الأفراد موجودة في إقليم دولة ما، بتنظيم أو تنفيذ حملة أو أعمال أخرى من شأنها
المساس مباشرة بالاستقلال السياسي لدولة أخرى على الرغم من قيام الدولة الأولى
باتخاذ كل من يمكنها من إجراءات لمنعهم، أو لتنفيذ التزامات بموجب القانون الدولي
لمنع انطلاق مثل هذه الأعمال من إقليمها أي بمعنى آخر إن الإجراءات المتخذة من قبل
الدولة الأولى تكون غير كافية لمنع هذه الجماعات من تنفيذ مقاصدها في مثل هذه
الحالات، لا تكون الدولة التي تجري مثل هذه الفعاليات على إقليمها، قد خالفت
القانون الدولي، أو خرقت أي من التزاماتها الدولية، لذا لا يجوز توجيه أي عمل من
أعمال الدفاع عن النفس ضدها من قبل الدولة الأخرى التي تعرض استقلالها السياسي
للخطر إن هذا لا يعني أن الدولة الضحية يجب أن تبقى مكتوفة الأيادي أو عاجزة عن
اتخاذ أي إجراء لحماية نفسها قد تلجأ لاتخاذ أعمال أو إجراءات للدفاع عن النفس إلا
أن هذه الإجراءات يجب أن توجه ضد الأفراد والمجموعات المسؤولة عن الأفعال المشار
إليها وليس ضد الدولة الأولى وفي هذه الحالة تكون حالة الضرورة هي المبرر لاتحاد
هذه الإجراءات وليس حق الدفاع عن النفس على أن تكون الضرورة ملحة، وأن لا يتوفر
وقت للتفكير والتدبير وإجراءات أخرى.[38]
عالج ميثاق الجامعة
العربية هذا الموضوعة في المادة 6 منه : "إذ نصت إذ وقع اعتداء من دولة على
دولة من أعطى الجامعة أو خشى وقوعه فالدولة المعتدى عليها، أو المهددة بالاعتداء
أن تطلب دعوة المجلس للانعقاد فورا".[39]
ولكن بعد إنشاء الكيان
الصهيوني، وشعور الدول العربية بالخطر، عقدت معاهدة الدفاع المشترك، التي نظمت
بشكل مفصل إجراءات الدفاع الجماعي للدولة العربية. وإن كان ذلك بحاجة لإعادة نظر
الآن، وقد جاء في ديباجتها، أن الغاية الأساسية هي صياغة الأمن والسلام، وفق مبادئ
الجامعة العربية، وميثاق الأمم المتحدة وأهدافها.
لقد بينت المادة الثانية
من المعاهدة، أن كل اعتداء مسلح على أي دولة أو أكثر أو على قواتها يعتبر اعتداء
على الجميع، لذا التزم الدول عملا بحق الدفاع الشرعي –الفردي والجماعي- عن كيانها
أن تبادر بمعونة الدول المعتدى عليها بكافة الوسائل الممكنة بما في ذلك القوة
المسلحة، لرد العدوان وإعادة الأمن والسلم إلى نصابه على أن تخبر مجلس الجامعة
ومجلس الأمن بوقوع الاعتداء والإجراءات المتخذة.[40]
ويبدو أن الدول العربية
كما ظهر من التطبيق لم تهتم أو لم تعتقد بأهمية هذه المعاهدة وأن نظام الدفاع
العربي الجماعي، لم يوضع موضع التطبيق الجدي، على الرغم من الاعتداءات المتكررة
للكيان الصهيوني وغيره، على الدول العربية لذلك فالحاجة ملحة لإعادة أنظر في
المعاهدة وبمفهوم الدفاع العربي المشترك ككل.[41]
منذ سقوط الاتحاد
السوفيتي سقوطا مفاجئا ومدويا وفي نهاية الثمانينات ومنذ أن أسقطت معه فجأة كذلك
الدول والأنظمة التي يطلق عليها المعسكر الاشتراكي، منذ ذلك التاريخ أدرك المفكرون
والسياسة بل أدرك جميع الناس أن العلاقات بين الدول والشعوب تدخل مرحلة جديدة، لم
تتشكل معالمها بعد على نحو محدد.
ولكن المؤكد في شأنها
أنها فقدت عنصرا أساسيا كان أحد عناصر المرحلة السابقة على الانهيار الدولي الكبير
في النظام الدولي. وهو عنصر التعددية التي تخلق حالة من حالات التوازن بين القوى
صاحبة التأثير الأكبر داخل النظام الدولي.
ذلك أن الاتحاد السوفييتي
بقوته ووزنه الذاتي، وبمن يقفون معه وداخله في معسكر واحد كان أحد قطبين كبيرين،
أو قوتين عظيمتين وكان القطب الآخر يتبين الحرية السياسية والاقتصادية، ويطلق عليه
في الاصطلاح السائد، المعسكر الحر أو المعسكر الغربي فلما اختفى المعسكر الاشتراكي
كقوة عظمى ومؤثرة. وانفراد المعسكر الغربي بوصف القوة العظمى صار القول الفصل في
جميع القضايا الدولية لهذا القطب الواحد. وطرأ تقييم جوهري على دور الأمم
المتحدة في إدارة العلاقات بين الدول والشعوب، فصارت قراراتها في واقع الأمر تابعة
إلى حد كبير للقرارات الأمريكية وللروية الأمريكية.[42]
فما هي مظاهر القوة
وتأثيرها في المشهد الدولي وما هي انعكاساتها على الواقع الدولي بصفة عامة ؟ كل
ذلك سوف يتم مناقشته من خلال مطلبين المطلب الأول الواقع الدولي لاستعمال حق
القوة، ثم الواقع الإقليمي لاستعمال حق القوة المطلب الثاني.
تجسدت حرية الحركة والقوة
والتي أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تمتلكها والتي وصفها بأنها من أكبر كل
إطار قانوني في عدة مظاهر وعلى أصعدة مختلفة أبرزها تجاوز الأمم المتحدة، وخرق
القانون الدولي والمعاهدات الدولية بالإضافة إلى التغيير القسري للأنظمة زيادة على
خرق سيادة الدول واستباحتها.
كل هذه المظاهر وغيرها
أدت إلى جدل كبير في الولايات المتحدة الأمريكية وبين دول العالم حول جدوائية
القانون الدولي في ظل الاستكبار الأمريكي ناهيك عن فعاليته وتفعيله فبينما ترى
أوربا أن المؤسسات فوق القومية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي هي مصدر التشريع
ترى الولايات المتحدة أن الدولة القومية هي مصدر التشريع وهي بهذا ترفعها الاحتكام
إلى المؤسسات المشار إليها معتبرة أن الواقع الدولي قد تغير كثيرا مما يفرض تغيير
في القانون والقواعد القانونية حتى تكون عاكسة لحقائق الواقع الجديد.[43]
واستنادا إلى هذه الرؤية
ابتدعت الولايات المتحدة الأمريكية شرعية جديدة موازية لشرعية الأمم المتحدة على
استفراد الولايات المتحدة بالقرار الدولي، ولكن هذا القرار قد تأثر بعدم التجاوزات
بحيث عايش المجتمع الدولي عدة مشاهد على مستوى العلاقات الدولية ومنها احتكار
استعمال القوة الفقرة الأولى، ثم التعسف في استعمال حق القوة الفقرة الثانية.
يكمن ذلك من خلال استفراد
الولايات المتحدة بالقرار الدولي وتهميش الأمم المتحدة والقانون الدولي :
1- احتكار
الولايات المتحدة بالقرار الدولي :
تقف الولايات المتحدة
الأمريكية في العالم اليوم لكافة مقاييس القوة التقليدية متفرجة ومنفرجة الساقين
عبر الكرة الأرضية كما يلاحظ بروكس وولفورت لا توجد قوة أو كتلة في الكفة الأخرى
من الميزان يمكنها أن تجبر الولايات المتحدة أن تفعل ما تريد أن تفعله في المضمار
الدولي.[44]
وتستمد الولايات المتحدة
أسباب قوتها وهيمنتها على عالم اليوم من مكونات عدة :
فعلى الصعيد العسكري :
نجد أن من المتوقع أن تنفق الولايات المتحدة على الدفاع في العام 2003 أكثر من
إنفاق الدول الخمس عشر إلى العشرين التالية لها الأكثر إنفاقا على الدفاع مجتمعة
والولايات المتحدة تتمتع بتفوق مذهل، ولديها أقوى سلاح جوي في العالم، وأقوى قوات
بحرية، وقدرة فائقة على ممارسة النفوذ العسكري حول العالم.
ويمكننا القول كذلك إن
تفوقها العسكري سيظهر بشكل أوضح إذا نظرنا إليه بمعايير كيفية، وليست كمية فحسب.
فالولايات المتحدة تتطوق في هذا الإطار على العالم أجمع في استغلال التطبيقات
العسكرية للتقنيات المتقدمة في مجال الاتصالات والمعلومات كما أنها أظهرت قدرة لا
مثيل لها على التنسيق ومعالجة المعلومات المتاحة عن ساحة المعركة، وعلى تدمير
أهداف محددة بدرجة فائقة من الدقة واشنطن تعمل كذلك على تصعيب مهمة الآخرين
باللحاق بها، الأمر الذي يتضح بالنظر إلى الفجوة الهائلة بين ما تنفقه هي على
أنشطة البحث والتطوير. وبين ما ينفقه الآخرون عليها حيث إنها تنفق في هذا الصدد
ثلاثة أضعاف ما تنفقه عليها القوى الكبرى الست التالية لها مجتمعة.
والغريب في الأمر أن
الولايات المتحدة تحقق هذا التفوق العسكري بنحو 3,5 فقط من دخلها المحلي.
ويقول المؤرخ Paul
Kenndy "إن احتلال القمة بتكاليف باهظة هو أمر معقول، ولكن أن
تكون القوة العظمى الوحيدة في العالم بتكاليف زهيدة فهو أمر مذهل".[45]
وفي الوقت ذاته نجد أن
التفوق الاقتصادي الأمريكي سواء بالنسبة إلى الدول التالية لها الأكثر ثراء، أو
بالنسبة إلى العالم ككل يفوق أي مثيل له حققته أية قوة عظمى في التاريخ الحديث.
كالاقتصاد الأمريكي اليوم
ضعف حجم منافسه الأقرب أي الاقتصاد الياباني، بل عن اقتصاد كاليفورنيا فحسب قد حقق
نموا مذهلا جعله الخامس في العالم، متفوق في ذلك على الاقتصاد الفرنسي، وثانيا
مباشرة الاقتصاد المملكة المتحدة.
وأخيرا، فإن تفوق
الولايات المتحدة في المجالين العسكري والاقتصادي له حدود مؤكدة تتمثل في موقعها
كأكبر قوة تقنية على مستوى العالم.[46]
بناء على ما سبق، فإن
الولايات المتحدة اليوم تتبوأ مكانة القوة الإمبراطورية الأقوى في العالم دون أي
منافس حقيقي لها في أي بعد رئيسي من أبعاد القوة المشار إليها، وهو موقع فريد حيث
لم يسبق أبدا أن كان هناك نظام دولي يحتوي على دولة واحدة تتمتع بكل هذه الدرجة من
الهيمنة، إن حيازة أمريكا وبجدارة لمكانة القطب الأوحد في العالم يترتب عليها
وبحسب الباحثين العديد من النتائج ومن ضمن هذه النتائج المترتبة على الأحادية
القطبية ذلك أن الكثير من متخذي القرارات حول العالم يعملون في ظل مشاعر من
التقيد، حيث إن جميع المشاركين في المناظرات الجدلية حول السياسات يدافعون عن
خياراتهم المفصلة بالإشارة إلى العواقب المأساوية التي يمكن أن تترتب على عدم
العمل بنصائحهم ولكن مصادر القوة الأمريكية هي مصادر متنوعة وممتدة الأثر للغاية
لدرجة أن السياسة الخارجية الأمريكية أصبحت تعمل اليوم في مجال الاختيار وليس
الإجبار، أو الضرورة أكثر من أي قوة عظمى في التاريخ الحديث.
وسواء اعترف المشاركون في
المناظرات بهذه الحقيقة أم لا، فإن حرية الاختيار الجديد هذه غيرت بشدة من طبيعة
الجدل حول ما يجب أن يكون الدور الأمريكي عليه.[47]
بناء على ذلك يدخل
التعاطي الأمريكي مع المنظومة الدولية لما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تبدو
الولايات المتحدة اليوم غير مهتمة بالأمم المتحدة ولا بالعمل الجماعي إلا بقدر ما
يخدم مصالحها وحسب.
أما إذا تعارضت مصالحها
مع الأشياء، فإنها تعمل منفردة دون الإحساس بأي حرج أو خشية من العواقب.
2- تهميش
الأمم المتحدة والقانون الدولي :
يسعى تيار المحافظين
الجدد ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي إلى التأكيد على هيمنة الولايات المتحدة في
السياسة العالمية، باعتبارها القطب الوحيد، وللقيام بهذه المهمة يجب أن لا تقيد
الولايات المتحدة أو تجدها المؤسسات والأعراف الدولية، بل هناك من يرى أن أمريكا
تفعل بناء ما بدأت به عند نهاية الحرب العالمية الثانية حيث شغلها عن هذه المهمة
الصراع مع الشيوعية العالمية.
وقد جاء عدم الاهتمام
بالأمم المتحدة واضحا في كتابات وتصريحات كل من ريتشارد وجون بولتون الذي يعتبر
الرجل الثاني في وزارة الخارجية، أيام كولن باول يقول بولتون "لا يوجد شيء
مثل الأمم المتحدة هناك الجماعة العالمية التي تقودها القوة الوحيدة في العالم وهي
الولايات المتحدة وذلك عندما تتوافق الحاجة إليها مع مصالحنا، وعندما نجد أخريين
ينخرطون معنا في الركب".[48]
هذا التوجه المتمثل في
عدم الاكتراث بالمؤسسات والأعراف الدولية والتركيز على البعد الأحادي في السياسة
الخارجية في عهد بوش الإبن، كان سببا في توترات في العلاقات الأمريكية الأوروبية
ففيما نرى أن الولايات المتحدة قوية وتركز في الوقت نفسه على مجموعة متميزة من
التهديدات الأمنية، مما جعلها تسعى في السنوات الأخيرة إلى زيادة حريتها في العمل
إلى الحد الأقصى وتقليل القيود على تصرفها، من أجل احتواء هذه التهديدات ودحرها،
وحدها عند الضرورة.
ونرى أنها تميل إلى
الانعزال والتصرف الأحادي الجانب، ذلك أن ذوي النزعة الأحادية الجانب يحتلون الآن
مناصب مرموقة في الإدارة. وخاصة في كونغرس، وهم يركزون على تعزيز القوة الأمريكية
والحفاظ على السيادة الأمريكية. فهم يفضلون الاعتماد على الذات، ويرفضون النزوع
إلى العمل الجماعي، والمعاهدات الدولية باعتبارها قيودا غير ملائمة على قدرة
أمريكا على تنفيذ إرادتها، فهم يفضلون القوة الصلبة والجبروت العسكري والعضلات
الاقتصادية والزعامة الدبلوماسية على القوة اللينة[49] للمعاهدات
والأعراف الدولية، ومنابر التفاوض.
وعند الكثير منهم لا يمكن
أن ترفع نفقات الدفاع الأمريكية على نحو كاف أبدا. كما أن المساعدة والدعم
الخارجيين اللذين تقدمهما الولايات المتحدة للمنظمات الدولية لا يمكن إنقاصها بما
فيه الكفاية على الإطلاق.
أما المشاورات فهي من أجل
التحدث، وليس الاستماع، والمساواة تنطوي على أخذ لأعلى عطاء، إنها السياسة
الخارجية الواقعية العنيدة القائمة على فكرة قديمة وهي الفكرة القائلة إن القوي
يفعل ما يشاء، أما الضعيف فيفعل ما هو مضطر إليه، وليست هذه الطريقة الأوروبية في
القرن الحادي والعشرين على الأقل، فالأوروبيون يتبعون تقاليد الاندماج الأوروبي
المتعدد الأطراف، ومرغمون بسبب نقص القوة على التحرك على أساس التعاون، هكذا يرون
أن السياسة الخارجية ينبغي أن تهدف وبشكل رئيسي إلى بناء أنظمة دولية. وصياغة
تعاون موسع، ويتبع جراء من الإيمان بالحلول التعددية عند الأوروبيين من الاعتقاد
بأن كثيرا من التحديات العالمية من الاحتباس الحراري، والهجرة إلى موقف انتشار
الأسلحة والتدخل في الدول ومصالحها ليست قابلة لحلول أحادية الجانب حتى لو اضطلع
بها بلد مثل الولايات المتحدة. ورغم أن التركيز على الأحادية الأمريكية لم يبدأ
بشكل كبير إلا منذ مجيء جورج بوش، فإن الفوارق بشأن كيفية معالجة القضايا الكبرى
بين الولايات المتحدة وبقية العالم لم تكن ظاهرة حديثة. فإدارة كلينتون بعد فترة
رئاسته الأولى كثيرا ما كانت تهتم بإتباع طريق أحادي الجانب، وقائمة الشكاوى طويلة
رفض أمريكا التوقيع على حظر الألغام الأرضية، ورفضها أن تكون طرفا في محكمة
الجرائم الدولية.[50]
لقد طرح بعض المحللين
سؤالا يفرض نفسه وهو لماذا تغشى الولايات المتحدة أن يطول قضاء المحكمة رعاياها ؟
ولماذا التخوف على أفراد جيشها من الذين قاموا بمهمات التدخل العسكري في أقطار
أجنبية إذا لم يكن لهم ما يؤاخذون عليه ؟ لاشك أن خوف الولايات المتحدة من المحكمة
ما يبرره لذلك فإن معارضة الولايات المتحدة لهذه المحكمة لازالت مستشرية وقوية حيث
ظهر من تدخلاتها المتعاقبة رفض مبدأ خلق المحكمة وعدم قبول الاحتكام إلى العدالة
الدولية.
ورفضها تسديد ديونها
بالكامل للأمم المتحدة ورفض مجلس الشيوخ الأمريكي لمعاهدة منع التجارب النووية،
وطريقة إدارتها الدبلوماسية والعسكرية لأزمة كوسوفو وحربها.[51]
ثم رفضها إيجاد حل وسط
بشأن تطبيق بروتوكول كيوتو حول التغيير العالمي في المناخ، ومتابعتها لنشر دفاعات
ضرورية صاروخية محظورة بموجب معاهدة عام 1972 التي تحظر القدائف الصاروخية ذاتية
الدفع.
وقد اكتسب هذه القضايا
أهمية بارزة في عهد كلينتون ومعظمها باق كمصدر للنزاع اليوم، ومع ذلك فإن رد الفعل
الأوروبي إلى الأحادية الأمريكية كان خافت الصوت، طيلة سنوات حكم كلينتون أكثر مما
هو عليه اليوم في الأشهر التي تلت مجيء بوش للسلطة.
ويعود جزء من سبب هذا
التغير في اللهجة إلى أن الرئيس كلينتون كان كثيرا ما يعطى لنفسه مظهر شخص مرغم
على اتخاذ مواقف أحادية ضد رغبته الذاتية الصريحة، فقد كان كرئيس يتحدث بلغة
التعددية، حتى ولو لم يغشى مشية التعددية.[52]
وعلى العكس من ذلك فقد
أعطت إدارة بوش كل إشارة إلى أنها صالحة تماما في كثير من هذه السياسات الأحادية
الجانب. فالرئيس الأمريكي ومستشاروه يعتبرون وبشكل صريح، أن الاتفاقيات الدولية
أداة متجاوزة لهذا قررت الإدارة الأمريكية مراجعة اتفاقاتها الدولية. مما يعكس
حالة من العداء الإيديولوجي من طرف الأمريكيين للقانون الدولي، وهو شعور بدأ
يتنامى منذ مدة بين ما يعرف باليمين المتطرف وأصبح عاما في الحزب الجمهوري، تحت
إدارة بوش.
ويرجع هذا إلى قناعة
راسخة، بأن المعاهدات الدولية والقانون الدولي يشكلان خطرا على الولايات المتحدة
الأمريكية لأنهما يحدان من حريتهما وسيادتهما.[53]
هذا التوجه الأحادي
النزوع، كان سببا في الكثير من الاحتجاجات الصارمة، والتي لم تقتصر على قرار بوش
بإعلان وفاة الاتفاق المتعددة الأطراف حول التغير المناخي الذي وقعه أكثر من مائة
بلد، ومن ضمنها الولايات المتحدة برئاسة كلينتون بل شملت التعليل الذي برر هذا
القرار أيضا، فمعارضة بوش لكيوتو لم تقم أساس التدرع بأن الاتفاقية غير فعالة. أو
حتى على أساس أن المشكلة التي تسعى الاتفاقية لمعالجتها قد بولغ فيها. ولكن على
عدم الاستعداد لدفع شحن معالجة مشكلة عالمية تتحمل الولايات المتحدة عنها مسؤولية
غير متناسبة.
وأوضح بوش أنه نظرا لكون
الولايات المتحدة تواجه أزمة طاقة، ولأن اقتصادها قد تباطأ فإن تقليص انبعاث غاز
ثاني أكسيد الكربون ليست واردا في جدول الأعمال، وهكذا فإن ما أزعج أوروبا وبقية
العالم هو تدرع بوش بحجة أمريكا أولا وعدم اهتمامه الظاهر بالكيفية التي تؤثر بها
أعمال أمريكا على الآخرين.
وبالمثل فيما يخص الدفاع
الصاروخي، لم يكن الموضوع هو رغبة إدارة بوش في الدفاع ضد تهديدات جديدة في عالم
ما بعد الحرب الباردة، بقدر ما هو عزم أمريكا الواضح على متابعة هذا الطريق مع
العلم الكامل بأن ذلك ينطوي على خرق معاهدة حظر القذائف ذاتية الدفع أو الانسحاب
منها وهي تحظر تطوير وتجربة، ونشر هذه الدفاعات نفسها التي تسعى الإدارة لنشرها.[54]
هذا البعد الأحادي في
السياسة الخارجية الأمريكية في عهد بوش الابن قاد بعض الدارسين إلى الاهتمام
بالنزعة الإمبريالية للإدارة، وقد جاء أشمل توصيف لهذه النزعة فيما أورده إيكنبيري
في تقييمه للسياسة الخارجية لإدارة بوش، فهو يرى أن لأمريكا طموحات إمبراطورية،
فقد تخلت الإدارة عن مرتكزات السياسة الخارجية في إطارها العام. التي تقوم على
الواقعية والتوجه الليبرالي ويعتقد أن إدارة بوش رسمت إستراتيجية جديدة تقوم على
ستة مقومات وهي باختصار :
1- المحافظة
على نظام القطب الواحد.
2- تحليل
جديد للأخطار العالمية.
3- زوال
إستراتيجية الردع، وظهور إستراتيجية الهجوم الوقائي.
4- إعادة
تعريف مفهوم السيادة، بملاحقة الإرهابيين.
1- التغير
القسري للأنظمة وخرق سيادة الدول :
يعتبر مبدأ الوطنية مبدأ
قديما، قدم فكرة الدولة ذاتها أما السيادة فهي وضع قانوني ينسب للدولة عند توافرها
على مقومات مادية من مجموع أفراد وإقليم وهيئة منظمة وحاكمة.
وتمثل السيادة في لغة
القانون الدولي، ما للدولة من سلطان على الإقليم الذي تختص به بما يوجد فيه من
أشخاص وأموال.
ومن مقتضيات هذا السلطان
: أن يكون مرجع تصرفات الدولة في مختلف شؤونها إرادتها وحدها.
إلا أنه مع وجود القانون
الدولي وكون الدول تربطها مصالح مشتركة مع بعضها، فإن ذلك فرض عليها نوعا من
التعاون، بحيث ليس لدولة في سبيل تحقيق مطالبها الخاصة أن لا تكترث بمصالح الدول
الأخرى بل يجب أن تكون ممارستها في حدود القانون الدولي وحدود تعهداتها
والتزاماتها الدولية، لأن هذا لا يعني الانتقاص من سيادتها وفي هذا الإطار يتجه
تطور الحياة الجماعية في المحيط الدولي، نحو التخفيف من حدة فكرة السيادة شيئا
فشيئا، حتى يسهل التعاون اللازم بين الدول لنهوضها بالمهام الإنسانية الملقاة على
عاتقها وفي مقدمتها صياغة السلم والأمن العام.
لقد كان مفهوم السيادة
مبالغا فيه فمكيافلي مثلا جعلها في دورة القداسة إضافة إلى أراء أخرى في هذا
المجال، كثيرة ومتعددة، كلها تقدس الدولة وتبرز ما لسياستها من أهمية وأولوية.
وعند نشأة عصبة الأمم
المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى، خطى العالم خطوة واسعة نحو تعاون الدول والحد
من القداسة المفرطة لسيادتها بما قررته العصبة عن قيود التزمت بها الدول التي دخلت
كأعضاء فيها كذلك فرض ميثاق الأمم المتحدة عدد من القيود المماثلة تهدد الدول
الأعضاء في الهيئة بمراعاتها في تصرفها، وكلها قيود ليست فيها انتقاص من سيادة
الدول الأعضاء أولا لأنها عامة، ثانيا لأن هذه الدول قبلتها عن طواعية واختيار.[56]
لكن السيادة في هذا العهد
الجديد اهتزت إلى حد القول بأن فكرة السيادة في طريقها إلى النزول تحت تأثير
المتغيرات الجديدة لتصل محلها فكرة المصلحة العامة، والدعوى إلى وجوب إخضاع مصلحة
الدولة الخاصة للمصلحة العامة للمجتمع الدولي.
وهو ما حدا بالبعض إلى
القول بأن دولة التنظيم المعاصر بالمفهوم الجديد للسيادة، قد باتت عضوا في المجتمع
الدولي تتحرك ضمن حدود القانون وتلتزم بأوامره وتتعرض مثلما يتعرض الأفراد للزجر
والتنبيه والعقوبات الأخرى عند الإخلال بالالتزامات الدولية.
بيد أن أحد لم يتصور قط
أن يأتي يوم يصدر فيه هذا الزجر والتنبيه عن دولة من الدول، يفترض نظريا أنها
متساوية قانونا مع الدولة التي قد يوجه إليها هذا الزجر والتنبيه أو العقاب.
وهذا تماما هو ما أقدمت وتقدم
عليه الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، ضاربة عرض الحائط بمبدأ السيادة الوطنية،
وبالمساواة في السيادة بين الدول وعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول ولاشك
أن انتهاء الحرب الباردة نتيجة لانهيار الاتحاد السوفيتي السابق وبوادر الخلاف
المتعاقد بين الولايات الأمريكية وأوربا. قد أدى إلى محاولات أمريكية متواترة
لتجاوز مبدأ السيادة في عدد لا يخص من الحالات واقترن ذلك بمحاولات تقنين هذا
التجاوز.
ويمكن لنا في هذا السياق
رصد الجهود الأمريكية لتعزيز مبدأ التدخل الإنساني واتخاذ حقوق الإنسان كذريعة
للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى باعتبارهما محورين رئيسيين للعمل على
تقويض ما تبقى من مبدأ السيادة الوطنية، وذلك على الأقل بالنسبة لشريحة لا يستهان
بها من دول العالم الثالث، ويحدث هذا التدخل والتجاوز إما من خلال قرارات تصدرها
الولايات الأمريكية المتحدة عن طريق مجلس الأمن، أو عن طريق الفصل المباشر من جانب
الولايات المتحدة بل والتهديد العلني والمباشر لهذه الدول والمواقف الأمريكية
الأخيرة من سوريا وإيران وكوريا الشمالية في غنى عن أي تعليق.[57]
وعندما يقف الرئيس
الأمريكي بوش، ويطلب من رؤساء بعض الدول أو الحكومات ترك مناصبهم، أو عندما يدعو
المسؤولون الأمريكيون إلى الأخذ بالنظم الديمقراطية في بعض الدول، هنا وهناك دون
حل ودون أن ترتفع صيحات الإدانة قوية بالاعتراض على هذا التدخل السافر في أخص
الشؤون الداخلية، فإن علينا أن نتساءل عما بقي حقا من مبدأ السيادة الوطنية في ظل
الهيمنة الأمريكية.[58]
إن الأمر يبدو على أكبر
درجات الخطورة، عندما يتعلق بإرساء السوابق الدولية التي يمكن تكرارها في العمل الدولي،
بما قد يمهد السبيل لإرساء قواعد عرفية جديدة قد تنسخ القواعد القانونية المستقرة.
إن المجتمع الدولي الذي
اعتاد أن ينصت اليوم لخطاب التهديد والوعيد الأمريكي الموجه إلى دول يعينها إذ لم
تتمثل لأمور معينة، قد يعتاد مثل هذا الخطاب وقد ينظر إليه بعد بين طال أم قصر.
على أنه أمر طبيعي معتاد ولا يجد عصاصة في تقبله كقاعدة من قواعد القانون.
وهنا تكمن الخطورة ويكمن
التركيز الأمريكي على هذه الثغرة التي يحاول من خلالها أن يفترق ما بقي من السيادة
الوطنية على اعتبار أن السيطرة الأمريكية على مقدرات العالم الراهن وإمساكها بزمام
الأمور يفترض بالضرورة إضعاف مبدأ السيادة الوطنية إلى أبعد مدى بحيث لا يكون هذا
المبدأ أمام انسياب قانون أمريكي جديد، يختلف في أسسه ومخالفته للقانون الذي وضعه
المجتمع الدولي والعمل بموجبه والانصياع لأحكامه.
هذا القانون لا يتوقف
طويلا أمام مبادئ السيادة الوطنية لا يلقى بالا للمساواة بين الدول، أو لوجوب
الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية، ولكنه يكثر الحديث عن حقوق الإنسان وعن
الدول التي لا تلتزم بتطبيق أحكام ومعايير حقوق الإنسان حسب التعريف الأمريكي
ووجوب إنزال العقاب بها.[59]
2- الحرب
على العراق كجريمة دولية وتكريس فعلي لواقع القوة في العلاقات الدولية :
لقد أطلقت عملية العدوان
الأمريكي على العراق رصاصة الرحمة على منظومة الأمم المتحدة والتي بدأت احتضارها
منذ عاصفة الصحراء، والتي ترجحت ميزان قوى دولية جديدة أفرزته نهاية الحرب الباردة
مع الاتحاد السوفيتي المندثر وأيلولة النظام الدولي إلى قطب واحد ووحيد هو
الولايات المتحدة الأمريكية.
ولقد بدأت الأمم المتحدة
تتلمس هذه الحقيقة في مطلع التسعينات من القرن الماضي وابتدأت تتلاءم مع الكثير من
القضايا التي عرضت على مجلس الأمن.
لكن الولايات المتحدة
سرعان ما انتقلت من طور استدراج الأمم المتحدة للبصم على قراراتها إلى طور تجاوز
الأمم المتحدة ذاتها في تلك الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية تحت
مظلة الأطلسي بعيدا عن أي إجازة قانونية دولية من الأمم المتحدة بالإضافة إلى حرب
تدمير العراق الذي تعيش فيه اليوم.[60]
حيث عكست هذه الحرب أكثر
من غيرها التطبيق الفعلي لعدم الاهتمام بالأمم المتحدة، عندما شنتها الولايات
المتحدة على الرغم من فشلها في الحصول على قرار مجلس الأمن بهذا الصدد، مستهدفة
بذلك الشرعية الدولية وإرادة المجتمع الدولي، مما وضع الأمم المتحدة أمام تحد خطير
يمس اختصاصاتها ودورها بل ويرهن مصيرها ومستقبلها.[61]
3- تهميش
مجلس الأمن في الحرب على العراق :
تعيش الأمم المتحدة بعد
انتهاء الحرب الباردة كما سبقت الإشارة تهديدا عاصفا بما يشبه انقلابا عميقا في
المركز والدور ومجال التدخل، ومن المؤكد أن جوهر هذه الأزمة التي تعاني منها الأمم
المتحدة ومن خلالها القانون الدولي والشرعية الحربية يكمن بالأساس في طبيعة
العلاقات التي شرعت الولايات المتحدة في تشكيلها غداة انفرادها بقيادة العالم دون
منافس، أو رادع مما يؤشر لبداية تاريخ جديد للإنسانية إحدى مقوماته سيادة قانون
الأقوى واستبعاد القانون الدولي التقليدي، وفرض الهيمنة المطلقة على الأسرة
الدولية، كالولايات المتحدة الأمريكية بعد أن بزغت كدولة ذات نزعة إمبراطورية تتجه
نحو تحويل مجلس الأمن الأداة التنفيذية للأمم المتحدة إلى هيئة أشبه بحكومة
ديكتاتورية غير مسؤولة وغير شرعية أيضا معرضة لإصدار قرارات غير دستورية دون أن يكون
في مقدور أي جهاز آخر أن يحرك أي نوع من أنواع الرقابة السياسية أو القضائية
اتجاهه واتجاه الأعمال التي تمارس، سواء تحت عطائه أو بدونه والتي يكون سببها
الرئيسي مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى رسم سياسة تهدف في آخر
المطاف إلى تهميش وإضعاف دور الأمم المتحدة، إن هي لم تساير توجهاتها التوسعية
الإمبراطورية.
وقد تجلت معالم هذه
السياسة في الحرب الأخيرة المعلنة على العراق بعد أن شنتها دون موافقة مجلس الأمن
وفرضت احتلالا غير مبرر على دولة ذات سيادة وعضو بهيئة الأمم المتحدة، مما جعل دور
مجلس الأمن يبدو باهتا ومتحاورا لم يتعد وظيفة تزكية وتوجهات القوى الكبرى كما كان
عليه الحال إبان مرحلة الثنائية القطبية التي عان فيها المجلس، وهي مرحلة من الشلل
في حركته وقدرته على التدخل بفاعلية لحل الأزمات الدولية، وهي مرحلة رأي بعض
الباحثين أن انتهائها سيؤدي إلى تفعيل دور المجلس على عكس ما هو عليه اليوم خاصة
أن غياب الفيتو السوفييتي سوف يعطى مجلس الأمن القدرة على التدخل في النزاعات
الدولية، واتخاذ القرارات فاعلة بشأنها، وأنه سيكون قادرا على تنفيذ هذه القرارات،
مدللا على ذلك بدوره في حرب الخليج الثانية.
لكن خبرة التسعينات أثبتت
انحسار هذه الآمال فبعد أن كان المجلس خاضعا محكوما بالفيتو السوفييتي والأمريكي،
فإنه خضع للقوة الأمريكية المنفردة، وغلبت عليه سمة الازدواجية بحيث أنه كان فاعلا
فقط في النزاعات التي لا تتعارض مع المصالح الأمريكية.
أما في العديد من
النزاعات التي تتعارض مع المصالح الأمريكية، فلم يتم بالدور الفاعل اتجاهها. وخاصة
اتجاه النزاع العربي الإسرائيلي، حيث استخدمت أمريكا حق الفيتو اتجاه العديد من
القرارات التي تدين العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين أو الشوكة التي قصدت ظهر
البعير. فقد كان العدوان الأخير على العراق والذي كرس النظام الدولي أحادي
القطبية، وأكد بأن لا معارضة دولية حقيقية تشكل تحديا للقوة الأمريكية، فالمعارضة
الدولية التي تجسدت في موقف بعض الدول الكبرى فرنسا روسيا ألمانيا لم تتجاوز كونها
معارضة سياسية ارتبطت بمصالح هذه الدول، ومدى تأثير هذه الحرب.
ما من شأنه أن يزيد من
فعالية مجلس الأمن لأنه سوف يكون قادرا على التدخل في النزاعات الدولية واتخاذ
القرارات بشأنها، وقادرا على تنفيذها.
لكن هذه الفعالية تتسم
بغياب العدالة في كثير من النزاعات التي تكون الولايات المتحدة طرفا فيها أو ترتبط
معها بمصالح.[62]
نخلص من كل ذلك إلى أن
الأزمات الخطيرة التي مرت بها الأمم المتحدة تكاد كل مرة أن تعصف بمصداقيتها،
وبدورها في حفظ التماسك الدولي والسلام العالمي تعرض التفكير من قبل متخذي القرار
الدولي في إعادة النظر في هذه الهيئة وجهازها التنفيذي مجلس الأمن.
فطبيعة تشكيل المجلس حسب
البعض تعكس الصبغة التي اصطبغت بها العلاقات الدولية غداة الحرب العالمية الثانية،
والتي قسمت العالم إلى دول منتصرة وأخرى منهزمة، فترجم شكل هيئة دائرة الأقوياء
بالمجلس، هذه الحقيقة التي تعززت بانشطار الدول إلى معسكرين معسكر اشتراكي ومعسكر
رأسمالي.
لكن ومع تغيير الظروف
الدولية بات إصلاح مجلس الأمن ليقوم بدوره في حفظ الأمن الجماعي مطلبا ملحا، وذلك
من خلال مراجعة حق النقض الذي تنفرد به الدول الدائمة العضوية والذي يعد عقبة
حقيقية أمام عمل المجلس وفتح المجال لدول أخرى كاليابان وألمانيا لتعطى بدور أكبر
في المنظومة الدولية وبعض دول العالم النامي التي حققت نموا مهما في العقود
الأخيرة.
ومن جهة أخرى، وعلى مستوى
السلطة القرارية لمجلس الأمن تقتضي تحولات المشهد السياسي الدولي وإعطاء فعالية
أكبر لقرارات المجلس بإسباغ الديمقراطية عليها وإيجاد آليات لتفعيلها بدل تركها
رهينة مصالح الدول الكبرى التي تكيل بمكاييل متعددة إزاء القرارات الأممية حسب
التوجهات الإيديولوجية والمصالح المتضاربة في عالم أصبحت فيه القوة العنصر المتحكم
في العلاقات الدولية.
إن مثل هذه الحلول من شأن
تطبيقها أن يساهم في عودة الأمن العالمي إلى نصابه لكنها فيما يبدو حلولا أقرب إلى
الخيال منها للواقع. فالدول الخمس الكبار ستتخلى عن امتيازاتها التي يحققها الفيتو
بسهولة ولا القطب الأكبر الولايات المتحدة سيقبل بإسباغ الديمقراطية على قرارات
مجلس الأمن خاصة وأنه محكوم الآن أكثر من أي وقت مضى بمنطلقات المصلحة الخاصة
والأنانية وفكرة التوسع الإمبراطوري.
فالقاعدة الثابتة في عمل
الأمم المتحدة هي "إذا أردت استطعت" بمعنى أن الإرادة تسبق القدر.[63]
أي أن إصلاح الأمم
المتحدة بخاصة محكوم بتوجه إرادة الطرف الأقوى نحو هذا الإصلاح لكن المؤكد أن هذه
الإرادة لا توجد إلى حد الآن.
4- الاستخدام
المفرط للقوة العسكرية وانتهاكات حقوق الإنسان :
لقد عرفت الحرب على
العراق مظهر من مظاهر الاستخدام المفرط للقوة العسكرية وعدم مراعاتها للأوضاع
الأمنية والإنسانية للشعب العراقي. فقد أرادت القوات الأمريكية في هذه الحرب إثبات
نظرية الصدمة والرعب التي هيمنت على تفكير سلاح الجو الأمريكي منذ عقود، تقوم هذه
النظرية على توجيه ضربات قوية للخصم منذ البداية بهدف القضاء على أنظمة القيادة
والسيطرة لديه، وتدمير الدفاعات الجوية وإيقاع أكبر قدر من الخسائر لشل حركته
والقضاء عليه من الضربة الأولى وبالفعل قامت القوات الأمريكية في اليوم الأول
للحرب بإسقاط أكثر من 1300 قنبلة وقديفة صاروخية على بغداد ومدن عراقية أخرى،
اشتملت الضربات أيضا 320 صاروخ من طراز توماهوك،[64]
وبالرغم من صعوبة تواجد
المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان بسبب الأوضاع الأمنية السيئة أثناء وبعد الحرب على
العراق إلا أنه كانت هناك بعض الزيارات التي قامت بها هذه المنظمات، حيث عبر تقرير
صادر عن منظمة العفو الدولية في 18 أبريل 2003 عن قلق المنظمة العميق إزاء تزايد
عدد الإصابات في صفوف المدنيين في العراق نتيجة استخدام القوات الأمريكية للقنابل
العنقودية في المناطق ذات الكثافة السكانية.[65]
هذا ما أكدته منظمة هيومن
رايتش روتش التي قالت في تقرير لها إن القيادة الوسطى للجيش الأمريكي استخدمت
10782 من القذائف العنقودية التي قد تحتوي على 1,8 مليون قنبلة على الأقل كما
استخدمت القوات البريطانية 70 قذيفة عنقودية أطلقت من الجو و2100 أطلقت من الأرض
وتحتوي على 113190 قنبلة، ورغم أن شن الهجمات بالذخائر العنقودية محفوف بأخطار
بالغة من المناطق الآهلة بالسكان، فقد عمدت القوات البرية الأمريكية والبريطانية
إلى استخدام هذه الأسلحة مرارا في هجمات على المواقع العراقية في الأحياء السكنية.
في تقرير آخر، عبرت منظمة
العفو الدولية عن قلقها بشأن بيان صادر من بول بريمر رئيس الإدارة المؤقتة في
العراق 27 يونيو 2003 قال فيه "بأن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 من
المعيار الوحيد دو العلة المعمول به في سياق ممارسات الاحتجاز من جانب قوات
التحالف، وإن هذه الاتفاقية تتقدم على سواها من اتفاقيات حقوق الإنسان شددت
المنظمة على أنه يجب الالتزام أيضا بأحكام معاهدات حقوق الإنسان الأخرى التي يعتبر
العراق طرفا فيها، وليس حوادث تم خلالها إطلاق النار على متظاهرين، مدنيين عراقيين
على أيدي جنود أمريكيين مما تسبب في مقتل عدد من هؤلاء المتظاهرين كما أشارت
المنظمة إلى أنها تلقت عددا من التقارير حول وقوع حوادث تعذيب أو سوء معاملة
للمعتقلين العراقيين على أيدي القوات الأمريكية مثل الحرمان من النوم ووضع القناع
على الرأس والوجه لفترات طويلة وتعريض المعتقل لأضواء ساطعة بالإضافة إلى وقوع
حالات وفاة في الحجز تنتج معظمها عن حوادث إطلاق نار على أيدي قوات التحالف أو
بسبب سوء المعاملة.[66]
ومن بين مظاهر انتهاكات
حقوق الإنسان في العراق أيضا الغطرسة والتعالي التي يتعامل بها الجندي الأمريكي مع
المواطن العراقي، مثل وضع الجنود أرجلهم على رؤوس العراقيين، وتفتيش المجندين
الذكور لمواطنات عراقيات ولمس أجسادهن بطريقة مهينة.
لم تقتصر هذه الانتهاكات
على الشعب العراقي فحسب فقط بل شملت أيضا الصحفيين العاملين في العراق، حيث تعرضوا
للأذى من قبل القوات الأمريكية بدءا بالتوقيف والتفتيش مرورا بالاعتقال وانتهاء
بالقتل. وقد أحصت منظمة صحفيون بلا حدود أعداد من قتلوا من الصحفيين في العراق
خلال عام 12 صحفيا.[67]
إن هذه الممارسات تزيد من
موجهة العداء المتصاعدة أصلا ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وتجعل الآخرين ينظرون
إليها بأنها دولة متغطرسة لا تأبه بالأنظمة والقوانين الدولية، والسؤال المطروح
لماذا تتصرف الولايات المتحدة على هذا النحو ؟
التغيرات الإقليمية هي
تصرف أو مجموعة من التصرفات أو الأفعال تتخذها دولة أو أكثر حيال دولة أو أكثر أو
حيال شعب أو أكثر من شأنها انتهاك قاعدة دولية آمرة أو ملزمة تنظم مركزا قانونيا
أو تنشئ حقا دوليا معترفا به.
وتتعدى صور التغيرات
الإقليمية غير المشروعة فقد تأخذ شكل حرمان شعب من الشعوب من ممارسة حقوقه
المشروعة المقررة له وفق مواثيق والإعلانات الدولية كحقه في تقرير المصير أو منعه
من ممارسة حقه في أن يعيش في مجتمعه دون تمييز أو تفرقة بسبب عونه أو جنسيته أو
معتقده، على أن أهم صورة من صور التغيرات الإقليمية غير المشروعة هي سعي دولة ما
نحو تحقيق مكاسب إقليمية أو ترابية عن طريق احتلال أراضي الغير أو الاستيلاء عليها
باستخدام القوة العسكرية.[68]
وبذلك أصبحت القوة
العسكرية تستخدم بهدف الاستعمار الفقرة الأولى، ثم تستعمل بهدف التحرير الفقرة
الثانية.
1- الاحتلال
الحربي للعراق :
بدأت الحرب الأمريكية على
العراق عارية من أي عطاء شرعي مقبول. خصوصا بعد سقوط المبررات التي ساقتها
الولايات المتحدة الأمريكية والمتعلقة على وجه الخصوص بنزع أسلحة الدمار الشامل
العراقية، الأمر الذي ضاعف من المعارضة الدولية للحرب وصار الحديث يتركز أكثر على
الأهداف الحقيقية للحرب والقوى التي تقف وراء تأجج نارها، وعلى الرغم من اتسام هذه
الحرب بعدم المشروعية، كونها تقررت ونفذت خارج سلطة الأمم المتحدة وتحديد مجلس
الأمن، فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ البداية لحشد الدعم العسكري
الدولي، قصد إظهار الطابع الجماعي للفعل غير المفوض من مجلس الأمن، وقد نجحت
الولايات المتحدة عقب احتلال العراق في الحصول على هذا الدعم من دول أوروبية وغير
أوروبية ساهمت بقوات أرسلتها إلى العراق تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد
أن كان المجهود الحربي قبل احتلال العراق ينحصر في قوات الولايات المتحدة تساعدها
قوات من إنجلترا.
غير أنه وبالنظر لنجاح
المقاومة العراقية التي أربكت المخططين العسكريين الأمريكيين، وحجم الخسائر التي
لحقت بقوات الولايات المتحدة في العراق والمتطلبات والاحتياجات الأمنية
والاقتصادية والسياسية التي يصعب النهوض بها من قبل دولة واحدة عادت الولايات
المتحدة من جديد تطلب الدعم الدولي ولما كانت أغلب دول العالم قد ربطت مشاركتها في
القوات الدولية العاملة في العراق بضرورة تفويض هذا العمل من مجلس الأمن، فقد
اتجهت الجهود الأمريكية والدولية المشاركة في الحرب للضغط على الدول خصوصا منها
الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن أو تلك الدول المؤثرة والتي أعلنت جهارا
معارضتها للتدخل العسكري ضد العراق دون إذن مسبق من مجلس الأمن ألمانيا وذلك كله
بقصد تحرير مشاريع قرارات تضفي المشروعية أو تعطي نوعان من الدعم العسكري أو
المالي للمجهود الحربي الأمريكي في العراق.[69]
2- الذرائع
المستخدمة لتبرير الحرب على العراق :
الحرب على العراق جاءت
تتويجا للسياسة العدائية الأمريكية التي بدأها الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب
وتابعها الرئيس كلينتون خلال فترة الرئاسة.
وقد بررت الولايات
المتحدة حربها على العراق بأربع مبررات :
- المبرر
الأول : هو منع العراق من امتلاك وتطوير
أسلحة الدمار الشامل من نووية وكيمانية وجرثومية لما في ذلك من تهديد لأمن العالم
ولأمن الولايات المتحدة الأمريكية سواء كان هذا التهديد بواسطة العراق لكي تستخدم
ضد الولايات المتحدة أو ضد حلفائها.
- المبرر
الثاني : هو الحيلولة دون أن يصبح العراق مركزا
جديا إيواء المنظمات والعناصر الإرهابية، ولذلك حاولت الولايات المتحدة دون جدوى
إثبات وجود علاقة بين العراق وتنظيم القاعدة.
- والمبرر
الثالث : هو الإحاطة بالرئيس صدام حسين لأن
الولايات المتحدة على حد تعبير بوش لا يمكنها أن تسمح لأسوأ القادة في العالم
بابتزاز الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها بأسلوب الأسلحة في العالم وباسم
الدفاع عن الحرية أعطت لنفسها الحق في إحاطة حكومة الرئيس صدام حسين وتعويضها
بحكومة ديمقراطية تلتزم بقرار الشرعية الدولية وتحسن معاملة شعبها وجيرانها.[70]
- والمبرر
الأخير : يعنى أن مشاريع دمقرطة المجتمعات والدول
الإسلامية تتعدى مرحلة الضغوط السياسية والدبلوماسية لتصل إلى مرحلة شن حروب
التدخل ولذلك فإن مشاريع الدمقرطة العشرية وفقا للشروط الأمريكية والغربية هي مولد
آخر من مولدات الانقسام الإيديولوجي الجديد في عالم ما بعد الحرب الباردة.
ولقد قسم الدكتور عبد
الواحد الناصر الذرائع لتبرير الحرب على العراق إلى ذرائع قانونية وسياسية.
الذرائع القانونية هي
ثلاث ذرائع : اثنتان استخدمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ إدارة بوش الأب
إلى الابن، أولهما الادعاء بحالة الدفاع الشرعي في استخدام للقوة العسكرية ضد
العراق منذ 1991 وإلى الآن. وثانيهما هو الادعاء العمل باسم المجتمع الدولي من أجل
تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرارات ومنها قرار 678 عام 1990 وقرار
687 عام 1991 و1441 وعام 2002 ولاسيما ما يتعلق بنزع الأسلحة العراقية "أسلحة
الدمار الشامل".
أما الذريعة الثالثة فهي
مرتبطة بمنطق الحرب على الإرهاب وتكمن في اعتبار الحرب على العراق جزءا في الحرب
على الإرهاب والهدف من هذه الحرب هو منع النظام العراقي من تسريب أسلحة إلى
الإرهابيين والحيلولة دون أن يصبح العراق كأفغانستان على عهد الطالبان. وهذا ما
يفسر المحاولات المتكررة الأمريكية والبريطانية لإثبات وجود علاقة بين النظام
العراقي وتنظيم القاعدة.
هذه الذرائع القانونية هي
مجرد غطاء أو ستار لأنك حرب الخليج الثالثة لها ذرائع سياسية تتناقض مع الذرائع
القانونية لهذه الحرب، هذه الذرائع السياسية لحرب الخليج الثالثة تشمل :
1- تحرير
العراق من الحكم الديكتاتوري الدموي لصدام حسين.
2- دمقرطة
العراق عن طريق إقامة حكومة ديمقراطية بديلة.
3- استخدام
الموارد البترولية العراقية في إعادة إعمار العراق ورفاهية الشعب العراقي.
4- القضاء
على التهديد العسكري الذي يمثله النظام العراقي بالنسبة لجيرانه وبالنسبة للأمن
القومي الأمريكي الذي مجموع المصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة بما في ذلك أمن
إسرائيل بيد أن هذه الذرائع السياسية تكشف زيف الذرائع القانونية المدعى بها وتكشف
من جهة أخرى عن الأسباب الحقيقية لحرب الخليج الثالثة.[71]
قد مر الرئيس الأمريكي
جورج بوش الابن تقريرا إلى مجلس الأمن في سبتمبر 2002 ذكر في التقرير سبع مبررات
تستند عليها الإدارة الأمريكية لشن حربها على العراق وهي عدم احترام بغداد لستة
عشر قرار صادر عن الأمم المتحدة وأن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وهو مسؤول
عن انتهاكات لحقوق الإنسان من تعذيب واغتصاب وإعدامات فورية، وله ارتباط بالإرهاب
ويحتجز لديه أسرى حرب من ضمنهم طيار أمريكي، وأنه لازال يحتفظ بثروات نهبها عند
اجتياحه للكويت.
والولايات المتحدة استندت
على ثلاث مبررات أساسية وذلك من أجل الوقوف على مصداقيتها وصحتها بعد انتهاء الحرب
على العراق.
1- امتلاك
العراق لأسلحة الدمار الشامل :
من أكثر المبررات التي
ركزت عليها الإدارة الأمريكية امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، هذا ما أكده
بوولفووتيز نائب وزير الدفاع الأمريكي عندما قال "لقد تفاهمنا على نقطة واحدة
هي أسلحة الدمار الشامل، ذلك لأنها تشكل الحجة الوحيدة التي يمكن أن يتوافق عليها
الجميع".[72]
وبالفعل فقد طرح رئيس
الولايات المتحدة وإعطاء إرادته هذه الحجة وفي أكثر من مناسبة، ففي اجتماع مع
أعضاء الكونجرس في 26 سبتمبر 2002 قال الرئيس الأمريكي "إن الخطر على بلدنا
فادح الخطر يتعاظم فنظام الحكم في العراق يملك أسلحة بيولوجية وكيميائية ويسعى إلى
امتلاك قنبلة نووية وبما لديه من مواد انشطارية يستطيع أن يصنع واحدة في غضون عام
واحد".
وفي خطابه عن حالة
الاتحاد في 28 يناير 2003 قال أيضا : "فقد عملت الحكومة البريطانية أن
صدام حسين سعى مؤخرا للحصول على كميات ضخمة من اليورانيوم وفي 5 فبراير قال وزير
الخارجية الأمريكي كولن باول أمام مجلس الأمن الدولي بأن تقديرنا المحتفظ هو أن
العراق يملك اليوم مخزونا بين 100 و500 طن من الأسلحة الكيميائية.[73]
بالرغم من كل هذه
التأكيدات وبعد عام من نهاية الحرب الأمريكية على العراق لم تستطع الولايات
المتحدة تأكيد هذه الحجة، كما عجز الفريق الأمريكي الذي كلف بمهمة التفتيش عن
الأسلحة المحظورة بعد احتلال العراق من العثور على أي منها. بل الأكثر من ذلك قامت
الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع حليفتها بريطانيا بتلفيق بعض الأدلة عندما
قالت بأن العراق سعى إلى شراء خمسمائة طن من أوكسيد اليورانيوم من نيجر يستخدم في
صناعة الأسلحة الذرية، وفي مارس 2003 أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة
الذرية محمد البردعي أن الوثائق التي قدمت بهذا الخصوص تشتمل على تلفيقات لا أساس
لها من الصحة.[74]
2- علاقة
النظام العراقي بالإرهاب تنظيم القاعدة :
سعت الإدارة الأمريكية
إلى الربط بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحكومة العراقية، واتهمتها بدعم
الإرهاب وعلاقتها بتنظيم القاعدة يؤكد على ذلك ما كان يدور في الاجتماعات التي
عقدتها الإدارة الأمريكية بعد الأحداث وتصريحات كبار المسؤولين فيها في 15 سبتمبر
2001 دعي مجلس الأمن القومي الأمريكي إلى اجتماع قدمت فيه عدة مداخلات كان من
ضمنها مداخلة لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني قال فيها "إنني أريد أن أركز أكثر
على قضية الدول التي ترعى الإرهاب وأريد أن ألفت النظر إلى التركيز على دول لها
كيان واضح أسهل من التركيز على جماعات ليس لها ملامح الدول التي ترعى الإرهاب
متجسدة والجماعات الإرهابية مجرد أشباح وأظن أننا سوف ننجح أكثر في العمل ضد جسد
ولا ننجح بالقدر الكافي ضد أشباح"، في نفس اليوم دعا الرئيس أركان إدارته إلى
اجتماع غير رسمي خاطب فيه جوش الحضور قائلا : الشعب الأمريكي يريد عملا كبيرا
مهولا فرقعة عظيمة لا أريد معركة واحدة، ولكن أريد حربا ممتدة يشعر بها الشعب
الأمريكي، ويتأكد أننا نواصل الدفاع عنه حتى أقاصي الأرض ضمن الردود التي جاءت على
كلام الرئيس قال بولار لفويتز نائب وزير الدفاع "إن ما يطلبه الرئيس يمكن أن
يتحقق في حالة واحدة، هي حالة أن نوجه ضربتنا إلى الدول الراعية للإرهاب أو الدول
الإرهابية والعراق أول القائمة بوجود صدام حسين على رأسه، في مقابلة جمعت بين كارل
روفي كبير مستشاري الرئيس للشؤون الداخلية مع وزير الدفاع رامسفيلد للحديث معه عن
سر الفتور الذي يسيطر على الحرب الأمريكية ضد أفغانستان لابد أن نوجه ضربتنا بعد
الآن إلى الدول الراعية للإرهاب، الدول الإرهابية العراق أولها، صدام حسين ليس له
صديق في العالم يدافع عنه حتى في روسيا وفي الصين وهو رجل يصعب على أحد أن يقول
فيه كلمة طيبة في حقه.[75]
يتضح مما سبق أن هناك نية
مبيتة لدى بعض أعضاء الإدارة الأمريكية على مهاجمة العراق من خلال ربطة الإرهاب، وكانت
أحداث الحادي عشر من سبتمبر فرصة مناسبة لتحقيق ذلك، لذا بدأ الحديث في العلن عن
علاقة النظام العراقي بالإرهاب وبتنظيم القاعدة بالتحديد. جاء ذلك واضحا في الخطاب
الذي ألقاه الرئيس الأمريكي عن حالة الاتحاد 28 يناير 2003 عندما قال "تخيلوا
مختطفي الطائرات التسعة عشر أولئك ومعهم أسلحة أخرى وخطط أخرى هذه المرة وقد سلحهم
صدام حسين لن يحتاج الأمر إلا لتسلل قارورة واحدة، علبة معدنية واحدة قفص واحد إلى
داخل هذا البلد ليجلب علينا يوم دعر لم نعرف مثيلا له"، وكان الرئيس الأمريكي
قد أعلن قبل ذلك أمام مجلس الشيوخ "إننا نعرف أن العراق وشبكة القاعدة
الإرهابية يتشاركان في عدو واحد الولايات المتحدة الأمريكية ونحن نعرف أن العراق
والقاعدة تربطهما صلات على مستوى عال ترجع إلى عقد مضى".[76]
كما روجت الإدارة الأمريكية
بأن محمد عطا الذي يعتقد بأنه الرأس المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر وقائد
طائرة البوينغ التي ارتطمت بالبرج الشمالي من مركز التجارة العالمي اجتمع مع أحمد
خليل العاني، القنصل السابق في السفارة العراقية في براغ في يونيو 2000، وقد طرد
العاني بعد ذلك من الجمهورية التشيكية بتهمة التجسس، وبالتالي يمكن اعتبار ذلك
دليلا على علاقة العراق بالقاعدة.[77]
إن من يقف وراء هذه الحجة
قد نسى بأن النظام العراقي بقيادة صدام وتنظيم القاعدة بزعامة أسامة ابن لادن يمكن
أن يتفقا على عدو مشترك ولكنهما من الصعب أن يتعاونا معا، حيث أن الحزب الحاكم في
العراق حزب بعثي دو توجه علماني، مناهض لتنظيم القاعدة الذي يعترف بمعاداته
للأنظمة العلمانية.[78]
كما أن حجة محمد عطا لم
تصمد طويلا حيث أكد الرئيس فكلاف هافيل في تقرير سلمه إلى الرئيس الأمريكي جورج
بوش بأنه لم يحدث أي اتصال بين محمد عطا وبين عملاء المخابرات العراقية والأكثر من
ذلك فمروره في براغ أمر مشكوك فيه كليا.[79]
لذا اضطرت الإدارة
الأمريكية إلى التراجع عن هذه الحجة وقال الرئيس الأمريكي في سبتمبر 2003 بأن
الولايات المتحدة ليست لديها براهين على مشاركة صدام في هجمات 11 سبتمبر.
3- انتهاك
النظام العراقي لحقوق الإنسان :
الحجة الثالثة التي
روجتها واشنطن لتبرير حربها على العراق هي انتهاك النظام العراقي لحقوق الإنسان
وبأنه نظام دكتاتوري يمثل تهديدا لجيرانه وكارثة لشعبه.[80]
هذه الحجة تعتبر من الحجج
التي يسهل طرحها ويصعب تحديدها أو الحكم عليها، ولنفترض بأن النظام العراقي السابق
كان بالفعل نظاما دكتاتوريا وقام بانتهاكات لحقوق الإنسان هل يمكن اعتبار الحرب هي
طوق النجاة لحقوق الإنسان ؟ أليس الحرب هي التهديد الأكبر لهذه الحقوق، وأن معظم
جرائم إبادة الجنس البشري والتطهير العرقي في القرن العشرين قد جرت أثناء الحروب
أو بعدها مباشرة وذلك بسبب الفوضى والخراب وتفجر الأحقاد والسرية المصاحبة للحرب.[81]
ثم ماذا عن الأنظمة
الأخرى الحليفة لواشنطن لما قررت الولايات المتحدة معاقبة العراق بالتحديد على
انتهاكاته لحقوق الإنسان بينما تدعم إسرائيل في الوقت الذي تنتهك فيه إسرائيل
قرارات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان الفلسطيني.[82]
هذا من ناحية، ومن ناحية
أخرى كيف تريد الولايات المتحدة من العالم أن يصدق أنها ذهبت للعراق لتحرير الشعب
العراقي من حاكم مستبد حسبما تدعى، بينما تسارع في تطبيع علاقاتها مع ليبيا بمجرد
أن وافق الرئيس الليبي معمر القذافي على فتح المنشآت العسكرية الليبية لفرق
التفتيش الدولية ألم تكن الولايات المتحدة تصف النظام الليبي بأنه نظام مستبد ولا
يحترم حقوق الإنسان ويدعم الإرهاب الدولي هل تغير كل شيء وأصبح الرئيس الليبي
بمجرد استجابته للضغوط الأمريكية رجلا ديمقراطيا يحترم حقوق الإنسان وليس له علاقة
بالإرهاب.
4- الحرب
على العراق انتهاك للشرعية الدولية :
انتهينا إلى أن غزو
العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا كان حرب عدوانية لتحقيق مصالح وأهداف
إستراتيجية في منطقة الخليج، وسوف نبرز هنا تلك القواعد التي انتهكتها الدولتان
الغازيتان أمريكا وبريطانيا عندما غزت قواتهما دولة عضو في الأمم المتحدة منتهكة
سيادتها الإقليمية، فقد تمثلت هذه الانتهاكات للشرعية الدولية في الآتي[83] :
أولا :
انتهكت الولايات المتحدة وبريطانيا الفقرتان الثالثة والرابعة من المادة الثانية
من ميثاق الأمم المتحدة اللتان أوجبتا على جميع أعضاء الهيئة الدولية بفض
منازعاتهم بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة
للخطر، وأن يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن أن يهددوا بالقوة أو
يستخدمونها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو على وجه آخر لا
يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.
ثانيا :
انتهكت الولايات المتحدة وبريطانيا المادتان الأولى والثانية من ميثاق الأمم
المتحدة اللتين تنصان على عدم استخدام القوة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية
للدول.
ثالثا :
انتهكت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا المادة 24 وأحكام الفصلين السادس
والسابع من ميثاق الأمم المتحدة في تخويل مجلس الأمن وحدة حق التدخل في أي نزاع
يخشى منه قيام الحرب.
رابعا :
انتهكت قوات الغزو الأمريكي والبريطاني المادة 25 من اتفاقيات لاهاي سنة 1908 بشأن
العمليات الحربية التي توجب تحديد ساحة القتال ضمانا لحسن سير العمليات العسكرية،
مما يعني تحييد المناطق السكنية والمنشآت المدنية عند بداية الحرب إلا أن قوات
الغزو الأمريكي والبريطاني استباحت كل الأراضي العراقية وجعلتها ساحة قتال فلم
تفرق بين منشآت مدنية أو عسكرية، فطال القصف الوحشي المستشفيات والمدارس ودور
العبادة وأماكن التسوق وجميع مرافق الدولة والبنية التحتية لها فحولت جميع
مدن العراق إلى خراب ودمرا وهي تدعوا الآن المجتمع الدولي لإعادة إعمار العراق.[84]
خامسا :
انتهكت قوات الغزو الأمريكية والبريطانية المادة 22 من اتفاقية لاهاي لسنة 1907
بشأن حظر استخدام الوسائل الهمجية في الحرب إذا كانت تلك المادة تتحدث عن أسلحة
فتاكة صنعت عام 1908 وهي الرصاص المتفجر والإشعاعي فإن قوات الغزو الأمريكي
والبريطاني على العراق استعملت أحدث ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا في مجال صنع
الأسلحة التدميرية والتجريبية في القرن الحادي والعشرين.
سادسا :
انتهكت قوات الغزو الأمريكية اتفاقية لاهاي سنة 1908 بشأن التمييز بين المحاربين
وغير المحاربين فقد طال القصف الوحش جميع أفراد الشعب العراقي من أطفال ونساء
وشيوخ في مشاهد نقلتها جميع الفضائيات العربية والعالمية ولا تحتاج إلى دليل أكثر
من ذلك.
سابعا :
انتهكت قوات الغزو الأمريكية والبريطانية المادة 114 من اتفاقية جنيف الثانية في
12 أغسطس سنة 1949 المتعلقة بأسرى الحرب في وجوب معاملة أعضاء حركة للمقاومة
العراقية، معاملة الأسرى وليس كإرهابيين كما تفعل قوات التحالف الأمريكي
والبريطاني. وتسعى لحشد الجهود الدولية من خلال الأمم المتحدة لهذا الغرض وقد كانت
أحداث سجن أبو غريب للمعتقلين العراقيين والتي تفجرت فيما بعد من أقوى الأدلة على
هذه الانتهاكات.
ثامنا :
انتهكت قوات الغزو الأمريكي والبريطاني المادة 117 من اتفاقية جنيف لسنة 1941 بشأن
معاملة أسرى الحرب.[85]
تاسعا :
انتهكت قوات الغزو الأمريكية والبريطانية المواد 12 حتى 59 من اتفاقيات لاهاي سنة
1908 بشأن تحديد الأطر القانونية للسلطة العسكرية على أراضي الدولة المحتلة.[86]
والتي تقتضي بأن الاحتلال
لا يؤدي إلى تعديل الهيكل السياسي للدولة الواقعة تحت الاحتلال ويظل رئيس الدولة
الشرعي محتفظا بممارسة اختصاصاته.
عاشرا :
انتهكت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مبادئ الأمم المتحدة ومختلف القرارات
الصادرة عن المنظمة الدولية بشان نظام الأمن الجماعي حيث جاء الغزو كعمل انفرادي
متخطيا لمجلس الأمن المختص أصلا بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين الأمر الذي دفع
بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى سرعة تقديم تقرير إلى الجمعية العامة
تحت رقم 323 في 22 سبتمبر 2003 يتساءل فيه عن شرعية استخدام القوة في العلاقات
الدولية بمناسبة غزو العراق بدون تفويض من مجلس الأمن كما طرح سؤال آخر عن شرعية
الحروب الوقائية لمنع اعتداء وشيك وهي النظرية التي أطلقها الرئيس الأمريكي كذريعة
لغزو العراق.[87]
ومما لاشك فيه أن غزو
العراق أصبح يشكل كابوسا للإدارة الأمريكية ولم تعد تملك سوى الاستمرار في هذا
الكابوس إلى أن تستيقظ، وقد وجدت نفسها خارج البيت الأبيض بعد أن تكون قد سجلت
نفسها على أكثر صفحات التاريخ دموية وعطشا للنفط.
1- الحرب
العراقية الكويتية :
بعد انتهاء حرب الخليج
الأولى عام 1988 بدأت بوادر خلافات بين النظام العراقي البعثي والسلطات الكويتية،
وكانت الذرائع للرئيس العراقي الأسبق وهو وجود خلافات حول بعض أبار النفط في
المناطق الحدودية، أما بشكل غير مباشر فكان صدام يعيد إحياء أفكار حول كون الكويت
أحد المحافظات التاريخية التابعة للعراق في 2 غشت 1990 بحيث اجتاحت القوات
العراقية الكويت وأحاطت بحكم أن الصباح لحين عودتهم بعد انهيار الجيش العراقي على
يد قوات التحالف في حرب الخليج الثانية وتبدأ الأزمة في 23 سبتمبر 1989 حينما زار
العاصمة العراقية أمير الكويت الشيخ جابر الصباح وقلده الرئيس العراقي صدام حسين
أعلى وسام عراقي، لم يثير موضوع الحدود بينهما حتى يتجنبا إفساد جو الزيارة ولكن
أحد الوزراء الكويتيين هو الذي أثار هذه النقطة مع الدكتور أحمد سعدون نائب رئيس
الوزراء العراقي في الشؤون الخارجية إذ سأله عما إذا كان يرى الفرصة ملائمة لعقد
معاهدة عدم الاعتداء بين العراق والكويت على غرار المعاهدة العراقية السعودية وكان
رأي الوزير الكويتي أن عقد مثل هذه المعاهدات يؤدي إلى اطمئنان الخواطر وكان تعليق
الدكتور سعدون حمادي أولا التفاوض في ترسيم الحدود ثم مسألة معاهدة عدم الاعتداء
ومنذ سبتمبر 1989 احتدمت الخلافات في موضوع أسعار النفط وحصص منظمة الأوبك وتزايدت
درجة الحرارة بين البلدين ففي يناير 1990 زار الدكتور سعدون الكويت حيث التقى
نظيره الكويتي، ثم تبين أن مهمة الزائر العراقي هي طلب قرض قيمته عشرة مليار من
الدولار لتمكين العراق من مواجهة أزمته الاقتصادية بعد الحرب وتداخلت القضايا
واختلطت قضايا المساعدات بقضايا الحدود وقضية أسعار النفط وتعقدت الأمور، وفي
فبراير 1990 زار الشيخ صباح الأحمد الصباح العراق لمتابعة القضايا المتداخلة وقد
ألمح الزائر الكويتي إلى الديون السابقة على العراق للكويت وأشار إلى أن الكويت
تستطيع تقديم 500 مليون دولار تضاف إلى الدين القديم وكان طرفان كلاهما على موقف
متعارض وحسب طرفان بأنهما اتفقا فقط طلب العراق تسهيلات بحرية مثيلة للتسهيلات
التي حصل عليها أثناء الحرب ضد إيران وطلب كذلك تطبيق معاهدة الدفاع مشترك بين
البندين وظن الدكتور حمادي أن نظيره الكويتي موافق وطلب الشيخ الصباح من سعدون
حمادي تشكيل لجنة لترسيم الحدود وظن أن نظيره العراقي موافق ومحاولة دول الخريج
عقد اتفاق بين المملكة العربية السعودية والكويت والعراق لمعالجة الأزمة
الاقتصادية التي يعاني منها العراق إلى أن المفاوضات فإنها قد وصلت إلى طريق
مسدود.
وفي 3 مايو 1990 عاد
العراق إلى شكواه المزمنة من الكويت بسبب إنتاجها الزائد على حصتها في اتفاقات
الأوبك فتقدم طارق عزيز ووزير الخارجية العراقي، بشكوى حول ارتفاع معدل إنتاج
النفط في دول الأوبك بما يشكل خطر متصاعد على العراق منذ أوائل يوليو 1990 بحيث
بدأت تظهر علنا بوادر تفجر الأزمة وظهر ذلك بعد استقبال الرئيس العراقي وزير نفط
المملكة السعودية هشام الناظر في بغداد في 8 يوليو الذي نقل إليه رسالة شفاهية نخص
أسعار النفط وأوضاع السوق النفطية إضافة إلى العلاقات السعودية العراقية، كما عرض
المبعوث السعودي على الرئيس صدام نتائج زيارته كلا من الكويت ودول الإمارات
العربية المتحدة ولم تكن هذه الخلافات بدايتها الحدود بل كانت هناك خلافات على
الحدود بعد استقلال الكويت عام 1961 واعتداءات العراق على الكويت في الصامتة عام
1973.[88]
ففي الثاني من أغسطس 1910
احتل أزيد من 120000 من الجنود العراقيين الكويت، ورغم أن الرئيس العراقي أنه لبى
دعوى من طرف المنشقين الكويتيين لكن هذا الاجتياح بدا واضحا أنه يهدف إلى حل
الخلافات الجارية بين العراق والكويت بالقوة، ثم تطور إلى ضم تام للقطر، وقد وجه
مجلس الأمن بالغزو العراقي للكويت انضم المدعى في ظروف دولية متغيرة فمع نهاية
الحرب الباردة ساد اعتقاد بأنه يصعب على الدول الكبرى توفير حماية دولية لدول
معتدية كما هو الحال إبان الحرب الباردة حيث تسرع الدول الكبرى لحماية احد قائدها
خصوصا في مجلس الأمن حيث حق الفيتو، كما أن موجة التفاؤل شملت الأمل في تفعيل دور
الأمم المتحدة وخصوصا مجلس الأمن الأمر الذي دعا البعض إلى الاعتقاد بأن الأزمة في
الخليج الفارسي تعتبر أول اختبار حقيقي لنظام الميثاق للأمن الجماعي.[89]
2- إدانة
مجلس الأمن للعدوان العراقي على الكويت :
فور وقوع العدوان العراقي
على دولة الكويت اجتمع مجلس الأمن بناء على طلب من الكويت والولايات المتحدة
الأمريكية واتخذ أول قرار فيما يتعلق بالحالة بين الكويت والعراق وهو قرار
660-1990 في 2 غشت 1990 وقد اتخذ ذلك القرار بموجب الفصل السابع من ميثاق
الأمم المتحدة أي في إطار آلية الضمان الجماعي حيث قرر المجلس أنه يوجد خرق للسلم
والأمن الدوليين فيما يتعلق بالغزو العراقي للكويت وبناء عليه يدين المجلس ذلك
الغزو ويطالب بإنهاء احتلال الكويت دون قيد أو شرط وقد صدر القرار بأغلبية 14 صوتا
مقابل لا شيء ولم يشترك مندوب اليمن في التصويت على أنها اعتراف غير مباشر بالضم
كما طالب العراق بإلغاء إجراءاته التي ادعى بها ضم الكويت وقد صد القرار بالإجماع.[90]
أيدت هذا القرار 13دولة
وامتنعت عن التصويت دولتان هما كوبا واليمن وتبنته كل من كندا وكولومبيا وساحل
العاج وفلندا وأثيوبيا وفرنسا وماليزيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة
وزائير، وقال مندوب كندا مستر فورينز "إنه مما لاشك فيه أن العدوان العراقي
على الكويت غير مقبول على الإطلاق وهو يمثل انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة
والقانون الدولي وأن حكومة كندا توافق على مشروع القرار، وقال بلانك مندوب فرنسا :
إننا ندين وبدون أي تحفظ الغزو العراقي للكويت ونطلب من القوات العراقية الانسحاب
الكامل من الكويت حالا، وقال تاديس : مندوب أتيوبيا إننا ندين العدوان العراقي على
الكويت وإننا مستعدون للتعاون بكل طاقاتنا لمواجهة هذا الموقف المحزن الذي يتعدى
الحفاظ على السلام والأمن الدوليين ونطالب العراق بالانصياع للقرار 660-1990 ونعلن
تضامننا الكامل مع الكويت حتى تستعيد حريتها وسيادتها ووحدتها الترابية وكل
أراضيها.
3- نتائج
الغزو العسكري للكويت :
أحدث الغزو العراقي
للكويت شرطا عميقا في التضامن والوفاق العربي، ولكن لن تقتصر تداعياته على مدى
التطور بل تستمر حتى المدى البعيد الآن، ذلك أن هذا الفعل قد عمق الخلاف ويعيد
أجواء انعدام الثقة بين أقطار النظام العربي كما أنه قد خلق سابقة خطيرة في إدارة
العلاقات العربية –العربية وهي استخدام الأداة العشرية في إدارة هذه العلاقات يمكن
أن تشكل إرهاصات لحروب عربية- عربية قادمة ولا نهاية لها ولقد اتسمت هذه المرحلة
بعد انتهائها ظهور التحركات السياسية العراقية وهذه التحركات اتفقت بنوعين من
السلوك أولهما سلوك خارجي يتمثل في المساعي السياسية والدبلوماسية لدى الأطراف
الدولية والقوى الكبرى لدعم الموقف العراقي من غزو الكويت، وثانيهما المبادرات
والأطروحات السياسية التي أعلنها صدام حسين بشأن قضايا الصراع والأزمات.[91]
4- توقيع
العقوبات ضد العراق :
كان إنفاق العراق في
الانصياع لدعوة الأمم المتحدة للانسحاب من الكويت سيؤدي بالضرورة إلى النظر في
احتمال استخدام القوة فإنه يمكن التساؤل مع روزلين هيجنز.[92]
في إمكان استخدام قدر من
القوة لدعم فعالية العقوبات الاقتصادية وبألفاظ أخرى حتى وإن لم يذهب مجلس الأمن
لإجراءات عسكرية معينة تحت المادة 42 كوسيلة مختارة لفرض السلام وهل يمكن استخدام
إجراءات عسكرية محدودة لضمان فعالية الوسائل البديلة المختارة وتحديد العقوبات
الاقتصادية، وفي حالة العراق هل يهيئ القرار السلطة اللازمة لفرض العقوبات
الاقتصادية وإن كان بالقوة إن لزم الأمر.
وبالرجوع للممارسة
السابقة لمجلس الأمن نجده مرة واحدة فقط خلال الحرب الباردة فوضت قوات عسكرية
باستخدام القوة لفرض عقوبات اقتصادية، ففي عام 1965 وقع مجلس الأمن عقوبات
اقتصادية ودبلوماسية ضد روديسيا الجنوبية.[93]
وفي عام 1966 مهتما
باحتمال تسليم النفط إلى ميناء Beria في
موزمبيق التي تخضع للحكم البرتغالي تسليم من بعد إلى روديسيا الجنوبية.[94]
5- توقيع
الجزاءات على العراق :
في أول القرارات التي
أصدرها مجلس الأمن في حالة الكويت والعراق القرار 660-1990 بحيث وجه مجلس الأمن
إنذار بأنه إذا لم يسحب قواته من دون قيد شرط من الكويت فغنه سوف ينظر في اتخاذ
خطوات أخرى لضمان الامتثال لهذا القرار.[95]
وحيث أن العراق لم يمتثل
لقرار الانسحاب رأى المجلس بمقتضى قرار 660-1990 في 2 أغسطس 1990 ضرورة توقيع
الجزاءات ولا تتطلب استخدام القوات المسلحة على تلك الدولة المدانة بالعدوان وذلك
عملا بنص المادة 4 من الميثاق وتتلخص هذه الجزاءات في مطالبة جميع الدول الأعضاء
في الأمم المتحدة بوقف العلاقات التجارية والمالية والعسكرية مع العراق باستثناء
الإمدادات المخصصة بالتحديد للأغراض الطبيعية والمواد الغذائية المقدمة في ظروف
إنسانية وقد أنشأ المجلس لجنة خاصة لمتابعة تنفيذ عقوبات ولاشك في أن توقيع جزاء
المقاطعة الاقتصادية والعسكرية على العراق هو التزام قانوني يقع على عاتق جميع
الدول الأعضاء في المنظمة وذلك عملا بنص المادة 3/5 من الميثاق والتي تقضي بأن
يقدم جميع الأعضاء في كل ما في وسعهم من عون إلى الأمم المتحدة في أي عمل تتخذه
وفق هذا السياق، كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها عملا
من أعمال المنع أو القمع.[96]
6- معركة
تحرير الكويت :
بعد خمسة أشهر من اندلاع
الأزمة في 02/08/1990 كان الوضع يسير إلى مواجهة حتمية فقد صدر قرار المجلس الأمن
طالبت العراق بالانسحاب من الكويت، وبعد أن فرضت عليه حصارا بريا وجويا وبحريا وقد
أغلق هذا الحصار كل منافذ العراق وقد أعطى مهلة 10 يناير للانسحاب أو الحرب واستعد
الطرفان للقتال واحتشدت الألف الدبابات في منطقة الخليج على استعداد للقتال، مع
إصرار عراقي على عدم الانسحاب من الكويت والتصميم على اعتبار الكويت هي المحافظة
التاسعة عشرة من محافظات العراق.
وفي نفس الوقت كان قد تم
استبعاد جميع الوسائل السلمية من باقي الدول التي لا تريد للعراق التورط في حرب لن
يخرج منها إلا مدمرا، وكانت هذه المحاولات تتمثل في الدول العربية والأسيوية
للوصول إلى حل سلمي قبل انقضاء مهلة الإنذار الدولي الموجهة للعراق.
وفي البيت الأبيض أخذ
الرئيس الأمريكي بوش يعيد مراجعة بعد التفاصيل العسكرية لعملية عاصفة الصحراء مع
بعض أعوانه وبالذات في تفاصيل الضربة الجوية والتي ستسبق الهجوم البري الكبير وكان
الجنرال ميريل ماكييك قائد الجوية الأمريكية هو الذي أخذ يجيب الرئيس الأمريكي
ويوضح له التفاصيل التي يسأل عنها، وكان ذلك من الساعة السادسة مساء بتوقيت واشنطن
والواحدة صباحا بتوقيت الخليج وقد اتخذ بوش مكانة في أحد صالونات البيت الأبيض
ومعه غائبة دار كويل ومعه برنت مكركروفت مستشارة لشؤون الأمن القومي وجون سنوفر
مسؤول البيت الأبيض والتليفونات بجانبه تدق دون انقطاع، وفي السادسة دقيقة قطعت
شبكة التليفزيون A.B.C برامجها وأعطت الكلمة لمراسلها في
بغداد الذي أعلن عن بدء الغارات الجوية على العاصمة العراقية وكان تعليق بوش على
ذلك الخبر أن قال ذلك بكل هدوء أن المعركة قد بدأت في وقتها المحدد لها.[97]
ولقد استعملت في هذه
الحملة مجموعة من القنابل ما يسمى بالقنابل الذكية والعنقودية وصواريخ كروز بحيث
قام العراق بالرد على هذه الحملات الجوية بتوجيه 8 صواريخ سكود أرض أرض إلى أهداف
داخل إسرائيل في 18 يناير 1991 بالإضافة إلى إطلاق صواريخ سكود على كل من مدينتي
ظهران والرياض والسعودية، ومن ضمن الأهداف التي أصابتها الصواريخ العراقية داخل
الأرض العسكرية الأمريكية في الظهران في السعودية أدى الهجوم إلى مقتل 28 جندي
أمريكي مما أدى إلى عملية انتقامية بعد انسحاب القوات العراقية وقصف القوات
المنسحبة في عملية سميت بطريق الموت، وفي الرياض أصابت الصواريخ العراقية مبنى
الأحوال المدنية ومبنى مدارس تحد الأهلية الذي كان خاليا وقتها. كان الهدف الأول
لقوات الائتلاف هو تدمير قوات الدفاع الجوي العراقي لتتمكن بعد ذلك من القيام
بغاراتها بسهولة وقد تم تحقيق هذا الهدف بسرعة وبسهولة حيث تم إسقاط طائرات عراقية
وإسقاط طائرة من قوات الائتلاف في الأيام الأولى من الحملة الجوية بحيث كان معظم
الطائرات تنطلق من الأراضي السعودية وحاملات الطائرات الستة المتمركزة في الخليج
العربي.
وبعد تدمير معظم قوات
الدفاع الجوية العراقي أصبحت مراكز الاتصال القيادية الهدف الثاني للغارات الجوية،
وتم إلحاق أضرار كبيرة بمراكز الاتصال مما جعل الاتصال يكاد يكون معدوما بين
القيادة العسكرية العراقية وقطاعات الجيش، وقامت الطائرات العراقية بطلعات جوية
متفرقة أدت إلى إسقاط 38 طائرة ميج عراقية من قبل الدفاعات الجوية لقوات الائتلاف
وأدرك العراق أن طائراتها السوفيتية الصنع ليست بإمكانها اختراق الدفاعات الجوية
لقوات الائتلاف فقامت بإرسال المتبقى من طائراتها إلى إيران، وبدأ العراق في 23
يناير 1991 بعملية سكب متعمد لما يقارب مليون طن من النفط الخام إلى مياه الخليج
العربي.
وبعد تدمير الدفاعات
الجوية ومراكز الاتصال العراقية بدأت الغارات تستهدف قواعد إطلاق صواريخ سكود
العراقية ومراكز الأبحاث العسكرية العراقية والسفن الحربية العراقية والقطعات
العسكرية العراقية المتواجدة في الكويت ومراكز توليد الطاقة الكهربائية ومراكز
الاتصال الهاتفي ومراكز تكرير النفط والموانئ العراقية والجسور وسكك الحديد ومراكز
تصفية المياه، وقد أدى هذا الاستهداف الشامل إلى تدمير البنية التحتية العراقية إلى
عواقب لا تزال أثارها شاخصة إلى حد هذا اليوم.[98]
7- نتائج
عملية تحرير الكويت :
خسر العراق معظم القوات
العسكرية، كما خسر المعركة السياسية وفقد ما يزيد على ثلثي قواته المسلحة وما بين
80 و100 ألف قتيل ورضخ في النهاية للإرادة الدولية وتم تحرير الكويت بالقوة
المسلحة.
كما تكبدت قوات التحالف
مبالغ مالية ضخمة كما دمرت قوات التحالف البنية التحتية للعراق ووصل عدد هذه
الغارات إلى ما يقارب 97 ألف غارة، وبالتالي فإن العراق سوف يحتاج إلى مبالغ مالية
لإعادة ما دمرته الحرب.
كما تعرضت الكويت لعملية
دمار نسبي سواء على أيدي القوات العراقية التي أحرقت ودمرت البنية التحتية وحرقت
أبار البترول وسربت النفط إلى مياه الخليج وتم تقدير تكاليف إعمار الكويت بمبالغ
طائلة تصل إلى حوالي 40 مليار دولار في الوقت الذي فقدت فيه نسبة لم تقدر بعد من
إمكانيات إنتاج النفط مستقبلا.[99]
على مستوى العلاقات بين
الدول مازالت هناك عدة دول مازالت لا تمتثل لقاعدة تحريم استخدام القوة كاملا رغم
أن ميثاق الأمم المتحدة حرم استخدام القوة العسكرية كما أن مقتضيات المادة 51 من
ميثاق منظمة الأمم المتحدة تناولت الإلمام بتنظيم استخدام القوة العسكرية الدولية
ثم معرفة حدود مجلس الأمن، وهذا الأمر يبقى من بين الإشكالات التي لم ينجح القانون
الدولي تماما في ضبط المقتضيات التي تخص هذا الفعل وخصوصا عندما تقوم الدول
باللجوء إلى العدوان والتعسف في استعمال هذه القوة دون ضوابط أخلاقية وقانونية
تحدد هذا الاستعمال.
فالقوة العسكرية تظل
عبارة عن حصن يحمي المصالح القومية والوطنية للدولة، بل حتى مصالحها الخارجية لهذا
فحق استعمال القوة أصبح من بين الأطروحات التي تثير إشكالات على مستوى السياسة
الدولية فتفسير الأحداث الدولية لا يتم إلا من خلال أدوار هذه القوة وما تحدثه من
تأثيرات على مستوى العلاقات الدولية وذلك يتم بقدر توظيف القوة العسكرية من أجل
تحقيق مجموعة من الأهداف الإستراتيجية ذلك أن استخدام القوة أو تحريمها لا يتم إلا
من خلال القانون الدولي ومبادئه، ذلك أن الدول لم تلتزم بهذا القانون بحيث تم
انتهاك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وذلك عندما أقدمت بريطانيا وأمريكا
باستخدام القوة العسكرية ضد العراق وأفغانستان، وبذلك تكون هذه الدول قد ألحقت
الضرر بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وأرجعت بذلك جهود تعزيز القانون
الدولي بين الأمم لسنوات طويلة دون احترام روح الميثاق الأممي الذي يركز على حفظ
سلامة الإنسانية من ويلات الحروب، ويمنع استخدام القوة العسكرية في حل النزاعات
وكل ذلك عبر تنظيم قانوني تناول هذا الاستخدام بالتهذيب وحدد مجالاته.
وأما من خلال المشهد
الإقليمي والعالمي فإن أخطر انتهاك في العلاقات الدولية فإنه يتمثل في استعمال
القوة أو التهديد باستعمالها حيث أنه لمجرد اندلاع الحرب لن يكون من الصعب اقتراف
بقية الانتهاكات والجرائم، بالرغم أن القانون الدولي حدد الظروف التي تسمح
بالاستعمال القانوني والمشروع للقوة ومنها :
- التعرض
لعدوان مسلح داخل أراضي من اختصاص دولة.
- تفويض
من مجلس الأمن الدولي وفقا لبنود الفعل السابع.
- حق
الشعب في تقرير المصير.
والأزمة الراهنة المزعومة
للقانون الدولي العام أزمة مفتعلة وناجمة عن التصرف القانوني وغير المسؤول لمجموعة
من الدول التي ترى فيه عقبة كأداء، أما الأسس الرئيسية للسياسة الخارجية لتلك
الدول التي تنتهك القانون الدولي وتصر على التصرف على المسرح الدولي بمقتضى
طاقاتها وقوتها العسكرية إلا أن هذه الدول تنسى أن لكل سلطان حدود وأن كثرت اللجوء
إلى القوة سوف ينعكس على واقع الفعل الدولي في العلاقات الدولية.
إن كثرة اللجوء إلى القوة
العسكرية على مستوى العلاقات بين الدول أصبح لها انعكاسا واضحا على المشهد الدولي
بحيث لا يخلوا هذا المشهد من الصراعات والحرب ثم العنف المتزايد نتيجة كثرة
التدخلات العسكرية وتقتصر أسباب هذه الحروب على مجموعة من الأسباب سواء كانت
اقتصادية وسياسية ومن الأسباب الرئيسية أيضا الرغبة في توسيع مناطق النفوذ وامتلاك
القوة الاقتصادية والعسكرية وذلك بما يخدم مصالح القوى العظمى التي ترى أن لها
الحق في ترتيب الأوضاع الدولية بما يخدم مصالحها ويحقق أهدافها في السيطرة والتحكم
من أجل بسط النفوذ على الدول المستضعفة، ومن أبرز القوى المتحكمة في هذا العصر نجد
الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة التي استطاعت أن تنتهك القانون الدولي وتفشل
مبدأ تحريم اللجوء إلى القوة العسكرية وبذلك استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية
أن تصنع لنفسها سياسات عامة ترتكز على مجموعة من الأهداف ومنها السيطرة على أقطار
أو معظم الأقطار العربية وذلك لضمان مصالحها ثم الاستيلاء على النفط ثم سيطرة على
النفط منابعا وإنتاجا وعوائد كأنها سوف تتحكم في باقي العالم ثم جعل أمريكا في
موقع يمكنها من حد أي هجوم يهددها وبهذا أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تصنع
مشهدا دوليا يتناسب مع أهدافها ثم التسويق لمشروعاتها التي تعتمد على القوة والحرب
والتدمير بدعوى الإصلاح والتغير وكل ذلك يتم بواسطة القوة العسكرية والاقتصادية
والسياسية، وبهذا فإن هذه الاندفاعية والخرق المستمر من طرف الولايات المتحدة
لأحكام القانون الدولي ورفضها الامتثال لمواثيق منظمة الأمم المتحدة سوف ينتج
مجموعة من الصراعات والحروب التي سوف يكون لها تأثير بالغ على الواقع البشري
والحضاري للإنسان فالقوة التي تستعمل اليوم هي أشد فتكا وتدميرا، بحيث تم تدمير
دول وإخراجها من سياق التاريخ وخرب أفغانستان، ومرورا بتدمير العراق ليس عنا ببعيد
ثم محاولة تخريب لبنان كالأسلحة التي تم استعمالها في هذه الحروب جعلت منها دول
بدائية ومتخلفة، وبذلك استطاعت أمريكا وحلفائها تفتيت الوضع العربي وخلق سلسلة من
النزاعات المتزايدة دون حلول والإكثار من الفتن الطائفية والعنصرية كما في لبنان
والعراق، وازدياد ظاهرة الصراعات الدينية في بعض الأقطار وخلق أزمات اقتصادية في
الوطن العربي ثم نشر الثقافة الغربية لتضييع معالم الشخصية العربية، كل ذلك يتم عن
طريق إحداث النزاعات والحروب والاعتماد على منطق القوة العسكرية الذي يعتبر كمرحلة
أولية من التدمير والتخريب وعرقلة كل خطط التقدم والتنمية الاجتماعية العربية. هذه
الأسباب وغيرها هي التي ساعدت على ظهور صراعات وحروب غير متوازنة في العالم العربي
ينعدم فيها عنصر التوازن العسكري والاستراتيجي. بحيث هذه الدول لم تستطع مجابهة
القوة العسكرية الأمريكية وحلفائها وكان من الصعب عليها مواجهة العدوان الذي سوف
ينعكس على واقع الحياة الدولية ويؤسس لميدان من العنف والتطاحن المستمر، الذي سوف
يؤدي إلى نشوء أغلب المصاعب أمام الحلول السلمية من أجل الحد من هذه النزاعات
والحروب المستقبلية التي قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الأمن العالمي في ظل كثرة
اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية والتهديد باستعمالها مما سوف يخلق عواقب غير
محمودة وسوف ينعكس أثارها على المجتمع الدولي الذي سوف يفتقد إلى الأمن والاستقرار
الذي تم فقدانه بسبب عدم احترام مبدأ تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية،
ومن المفيد تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين :
ü المبحث
الأول :بزوغ الصراع في العلاقات الدولية
ü المبحث
الثاني تاتر دورمنظمة الامم
المتحدة بالاحدات الدولية
يعد مفهوم الصراع هو أحد
أبرز المفاهيم المتداولة التي طفت على سطح النقاش المحتدم بعد انتهاء الحرب
الباردة وتفكك مفاصل الخصم التاريخي لليبرالية والديمقراطية، ومنذ تمادي حمى
التبشير بنهاية التاريخ وفق أطروحة فرانسيس فوكوياما إثر استبعاث أطروحة انعدام
الإستراتيجية بين الحضارات وحروب المستقبل على يد صموئيل هلتجتون الذي يرى أن
الصدام فهو نتيجة حتمية وهناك مقولة مفادها أنه "عندما يوجد السلام يوجد
اثنين ينشأ الصراع بينهما وعند وجود أكثر تبدأ التحالفات"، هذه الحكمة تشير
إلى قانون الصراع الذي يحكم الكون ومهما كان شكل الوحدة الإنسانية فإنها محكومة
بقانون الصراع تلك قاعدة تاريخية لا تحتاج إلى إثبات، ويرى الكثير من أن الصراع
ظاهرة طبيعية في حياة الإنسان وفي حياة المؤسسات جميعا فإن قانون الصراع هو الذي
يحكم المؤسسات جميعا غير أن أشكال الصراع ليست واحدة في هذه المؤسسات كما أن
نتائجه مختلفة فهو يتدرج في شدته فيبدأ الصراع ناعما ويصل إلى دروته على مستوى الإنسانية
فقد يصل إلى جد الحروب والصدام.[100]
وعليه سوف نتناول هذا
البحث من خلال مطلبين الصراع غير المتوازن في العلاقات الدولية، ثم المطلب الثاني
نتائج الصراع في العلاقات الدولية.
عندما تختل الموازين
وتتغير العلاقات الدولية فإن موازين قوى تنتصب وأوضاع جديدة تتشكل ومصالح تتوزع،
ولفهم هذه السيرورة لابد من العودة إلى مفهوم الحرب لمعرفة مدى مساهمة القوة في
حسم الصراعات بين مختلف الجماعات البشرية عبر العصور المتطاولة، ثم لابد من إدراك
مفهوم الحرب والفكر الاستراتيجي وكيف تستخدمه الدولة لتحقيق أهدافها ومصالحها.[101]
وبهذا فإن الحرب أصبحت
تأيد اتجاها استراتيجيا لتحقيق أهدافها ومطامع اقتصادية وسياسية، والواقع الدولي
يشهد على ذلك بحيث نجد أن هناك مجموعة من الحروب والصراعات وخصوصا في الشرق الأوسط
وكل ذلك نتيجة لترتيبات أمنية دولية بدعوى مكافحة الإرهاب والشر في المنطقة والتي
شهدت مجموعة من الصراعات التي تنعدم فيها التوازنات الإستراتيجية، فهناك احتلال
أمريكي للمنطقة ومؤامرة على لبنان. وبهذا سوف نقسم هذا المطلب إلى فقرتين النموذج
الدولي للصراع غير المتوازن الفقرة الأولى، النموذج الإقليمي لصراع غير المتوازن
الفقرة الثانية.
سوف نناقش في هذه الفقرة
نموذجين من الصراع الدولي غير المتوازن في العلاقات الدولية النموذج الأفغاني
والنموذج العراقي.
1- النموذج
الأفغاني :
جاءت الحرب على أفغانستان
نتيجة لتدابير الإستراتيجية والأمنية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية
سواء على المستوى الداخلي والخارجي، واتجاه مختلف حلفائها التقليديين والجدد نحو
تهميش صلاحيات منظمة الأمم المتحدة والتي أحكمت السيطرة عليه وبدأت في تطبيق
السيناريوهات المتعددة لمواجهة تبعات 11 من شتنبر ومحاربة الإرهاب الدولي.[102]
ذلك أن الولايات المتحدة
رأت لنفسها الحق في أن تدافع عن نفسها في مواجهة الأنظمة المراقة التي تهدد أمنها
القومي.
ويعتبر البعض أن غزو
أفغانستان هو أول جولة عسكرية في الحرب على الإرهاب والقوات المشاركة في الغزو هي
قوات التحالف الدولية وقوات التحالف الشمالي الأفغاني ضد حركة الطالبان، وأعطت هذه
الحرب نسبة كبيرة من التأييد لسياسات بوش الخارجية إذ حصل وبالإجماع من الكنغرس
ومجلس الشيوخ على 40 مليار دولار لحملة على الإرهاب و20 مليار دولار لتعويض
الخسارة التي طال قطاع الطيران عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.
لكن تبعث هذه الحرب على
الساحة الأفغانية أضحت واضحة للعيان، بحيث تضاعف الإنفاق العسكري الأمريكي بمعدل
خمسين مليار دولار وأكدت الدراسات أن مصاريف بلغت 437 مليار دولار أضف إلى ذلك
واقع حال الجنود والتحالف في هذا البلد المستضعف إذ يوميا يتم الإعلان عن سقوط المروحيات
وموت العشرات القتلى من هذه القوة الغازية الشيء الذي أصبحت معه مقولة الفوز محطة
خيال. وبالتالي يمكن القول بأن غزو أفغانستان كان خطأ كبيرا وكان ذلك سوء تقدير من
الإدارة الأمريكية التي قضت على نفسها في العراق.[103]
1- الموقف
من الحرب على أفغانستان :
لم تكن المواقف من الحرب
الأمريكية على أفغانستان شديدة التباين فالموقف العالمي بدأ مساندا للولايات
المتحدة في حربها على ما أسمته بالإرهاب، أما الدول العربية فالأغلب أيد هذه الحرب
بل إن بعض منها عرض المساعدة والعون على القوات الأمريكية الغازية ولكن القليل رفض
هذه الحرب على استحياء.
ولقد تضاربت مواقف الدول
العربية حول الحرب بين مؤيد ومستحي من هذه الحرب.
- الموقف
العربي من الحرب على أفغانستان :
1- الجامعة
العربية :
دعت جامعة الدول العربية
إلى ضبط النفس وعدم توسيع المواجهة وذلك غداة عمليات القصف الأمريكي والبريطاني
على أفغانستان، وقال أمينها العام عمرو موسى في تصريحات للصحفيين في اليوم الثاني
من بدء الضربات العسكرية نرجو ونطالب حالا بتطور الاستخدام العسكري إلى المساس بأي
دولة عربية.
- الموقف
الدولي من الحرب على أفغانستان :
1- مجلس
الأمن :
تم إبلاغ مجلس الأمن
الدولي بالهجمات بعد وقوعها واستجابت الولايات المتحدة وبريطانيا لطلب الأمين
العام للأمم المتحدة كوفي عنان بتقديم بيان تفصيلي مكتوب حول العمليات العسكرية
إلى مجلس الأمن وتم تقديم البيان في اليوم التالي لوقوع الهجمات.
2- الناتو
:
بدأ حلف شمال الأطلس
بالاستعداد للمشاركة في العمليات العسكرية ضد أفغانستان في اليوم التالي لوقوع
الهجمات، وقالت مصادر مسؤولة بالحلف إن طائرات الاستطلاع من طراز أواكس التابعة
للناتو والموجودة في قاعدة جايلنكيرش الألمانية بدأت الاستعداد بالانتشار في قواعد
أميريكية وأضافت المصادر أن نشر الطائرات سيتم في إطار العمليات العسكرية التي
تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد ما يسمى بالإرهاب وأعلن الأمين العام لحلف
الأطلس جورج روبرتسون تأييد الحلف المطلق للولايات المتحدة في ضرباتها على
أفغانستان.[104]
2- النموذج
العراقي :
لقد بدأت بوادر الصراع
الجديد مع حلول الذكرى السنوية الأولى لتفجيرات المركز التجارة العالمي بنيويورك
والبنتاغون سنة 2001، وبذلك بدأت الولايات المتحدة الأمريكية إحياء الملف العراقي،
بدعوى توقيف أنشطة المفتشين الدوليين بدعوى أن العراق قد استأنف أنشطة التسليح بما
فيها مساعيه لإنتاج وامتلاك أسلحة الدمار الشامل مما يمثل حسب الإدارة الأمريكية
انتهاكا فعليا من جانب العراق للقرارات الأممية الصادرة ضده والتي تلزمه بضرورة
التوقف على الأنشطة التسلحية والتخلص منها.[105]
وبالرغم من هذا التبرير
فإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد قررت منذ عقد من الزمن احتلال العراق،
ولكن حين وصول المحافظين الجدد إلى السلطة كان عليها أن تختلف أسباب لشن الحرب
فوجدت ضالتها في بث الرعب في نفوس سكانها من امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل
لتحصل على تأييد ممثلي شعبها في شن الحرب على العراق واستغلت أحداث شتنبر
المأسواوية لتقول لمواطنيها إن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وأن لصدام حسين
تعاونا مع تنظيم القاعدة فتمة احتمال أن تتسرب هذه الأسلحة إلى أيدي عناصر القاعدة
ليستخدموها ضد أهداف أمريكية أو غربية، وبالتالي وجدت الولايات المتحدة في قرار
مجلس الأمن خير مرتكز لفبركة حملة الافتراءات حول أسلحة الدمار الشامل العراقية
ولاسيما بالسلاح النووي.[106]
ومن الأسباب الحقيقية
للعدوان الأمريكي على العراق تعود إلى أهداف إيديولوجية اقتصادية رأسمالية
وصهيونية وحضارية بالدرجة الأولى، فالغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية
يدركون جيدا على أن قوة العراق الحضارية كمهد للثقافات وكأرض للدائرة العربية
والإسلامية هو شيء يهدد سيادة ثقافته وقيمه الديمقراطية.[107]
إن الحرب على العراق ليست
لها علاقة بجلب الديمقراطية إليه ولا باحتلاله أسلحة الدمار الشامل ولا بمكافحة
الإرهاب، والحقيقة أن أمريكا استذلت المناخ الذي هيأت هجوم 11 شتنبر لتعزيز
إستراتيجيتها في الهيمنة، فهذه الحرب كما الحرب على أفغانستان مرتبطة بحاجة
الولايات المتحدة لضمان السيطرة على إمدادات النفط في المنقطة الممتدة من وسط آسيا
وحتى البحر الأبيض المتوسط، ولضمان أمن إسرائيل على مدى السنوات القادمة.
إن الحرب على العراق لا
يمكنها أن تندرج في الحملة المزعومة ضد الإرهاب، إلا من خلال باب الافتعال السياسي
فهي جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي المؤسس على الطموح الغير المحدود للأرباح،
والحقيقة هي أن الطبقة الحاكمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى إحلال
أنظمة تابعة ومطلقة الولاء محل أي نظم لديها أدنى هامش من الاختلاف وذلك ضمانا
لمصالحها الإستراتجية وعلى رأسها تأمين النفط.
وفي السياق ذاته فإن
السعي لإقامة نظام من هذا القبيل في بلد منتج للطاقة بحجم العراق، ويعتبر التجسيد
الأول لهذا التوجه، فهذا البلد توجد فيه أكبر محطات الغاز في العالم وتحوي أراضيه
على محيطات من النفط وذلك سيكون في خدمة الاستهلاك الكبير للولايات المتحدة للنفط
حيث تبلغ احتياطات النفط في العراق المؤكدة في 115 مليار برميل أي نحو 1.11 من
الاحتياطات العالمية.
وبالإضافة إلى تلك
المميزات المطلقة للنفط العراقي، هناك الربحية الهائلة في الاستثمار في هذا
القطاع. خاصة وأن حقول النفط العراقية تعتبر من أغزر الحقول في العالم وأكثرها
قربا من سطح الأرض مما يوفر نفقات ضخمة في عمليات التنقيب والاستخراج، وتفيد
الدراسات الدولية أن معدل إنتاج البئر في العراق يتراوح ما بين 10 إلى 11 ألف
برميل سنويا بينما متوسط إنتاج أبار النفط في دول أوبك الأخرى لا يزيد عن 84 ألف
برميل يوميا.
لذلك قررت الامبريالية
الأمريكية الانتقال من سياسة الاحتواء إلى طور الإجهاز على النظام القائم في بغداد
واحتلال العراق عسكريا لسنوات طويلة.
ومن الأسباب الأخرى
للتدخل الأمريكي في العراق يمكن اعتبار الحرب كمخرج للأزمة الاقتصادية حيث يمكن
الحديث عن بوادر الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية وهي كدافع إضافي
وحالي لنزوع الطبقة الحاكمة الأمريكية نحو الحرب.
وما يساهم في زعزعة مكانة
الولايات المتحدة ليس أسلحة الدمار الشامل بل التدهور الاقتصادي الناتج عن طبيعة
النظام الرأسمالي من فساده واستبداده ومن الهبوط في أرباح الشركات نتيجة ظاهرة
الإنتاج الفائض الذي لا تنجح السوق الرأسمالية في استيعابه. والمخرج من هذه الأزمة
هو إقرار سياسة بربرية تبيح قلب أنظمة واحتلال الولايات المتحدة للدول.
وليس هناك شك في أن
الأزمة الاقتصادية الأخيرة تنضاف إلى الأوجاع الطويلة المدى، فعلى الرغم من استمرار
احتفاظها بمكانة الدولة ذات الاقتصاد الأكبر في العالم إلا أن الولايات المتحدة
تعاني من تراجع متواصل وتاريخي في حصتها من إجمالي الناتج العالمي، وبالتالي
انعكست الأزمة الاقتصادية الأمريكية على توجهات الرأي العام داخليا، خاصة بين
أوساط الطبقة العاملة.[108]
كما أن هذه الحرب أصبح
لها تأثير وتداعيات على القانون الذي اصطبغ دائما بالطبع الخاص ومزدوج الرؤية
والتطبيق بالقدر الذي تجد فيه الولايات المتحدة الأمريكية أو تمنع من تدوينه
وتطوره المضطر عبر إحجامها أو امتناعها عن التصديق على كثير من الاتفاقيات الدولية
والجماعية التي تهم تدوين القانون الدولي في بعض المجالات الدولية التي تعرف فراغا
تشريعيا دوليا، بالقدر الذي تنظر فيه إلى القانون الدولي كجزء من القانون الأمريكي
الذي يسمح لها بالعمل على تنفيذ أحكامه وجبر مطالب فيه على الخضوع له.
ولعل هذه الرؤية المزدوجة
والسلوك الدولي المتناقض للولايات المتحدة الأمريكية وعبر كثير من ممارستها
الدولية هو ما يفسر لناشر فرقها لقواعد القانون الدولي كما هو متعارف عليه عالميا
وفي نفس الوقت تبرير خروقاتها المتعددة لهذا القانون كونه تصويب لهذا القانون
ودفاعا عن حرمته وعدم انتهاكه من طرف المجتمع الدولي.
ولعل هذه الصورة تتوضح
أكثر وبجلاء من خلال توسيع قرار بحرب العراق كونه قرار ينسجم مع القانون الدولي في
حدود اعتباره جزء من القانون الأمريكي الذي يسمح لها بالدفاع الشرعي الوقائي
والاستباقي ضد خطر كامن ومرتقب تمثله العراق من خلال حيازته لأسلحة الدمار الشامل.[109]
وفي السياق ذاته عبر كل
من جورش بوش وتوني بلير عن احتقارهما شديد للقانون الدولي والمؤسسات الدولية في
قمة جزر الأزور عشية الغزو الأمريكي للعراق وأصدر إنذار للعراق ولمجلس الأمن
"عليك أن تدعن وإلا فإننا سنقوم بعملية الغزو دون أن تبصم موافقتك التافهة
وإننا سنفعل ذلك سواء غادر صدام وعائلته البلاد أم لا"، إن عصب المسألة هو أن
الولايات المتحدة مصرة على أن تحكم العراق لقد أعلن جورج بوش بأن الولايات المتحدة
لها تخويل مطلق باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن أمنها القومي المهدد بالعراق مع
صدام أو بدونه.
وبذلك فإن بوش يرسخ وجود
القوة الأمريكية في المنطقة ولا بأس بالديمقراطية شكلية واستلامية المقبولة في
الكواليس الأمريكية هذا على الأقل ما يقول التاريخ والممارسات الدولية.[110]
عن تداعيات العدوان
الأمريكي على العراق مازالت تفرز الكثير من الأحداث والمستجدات والوقائع الدولية
التي لها تأثير واضح في صيرورة ومالية القانون الدولي، وبالتالي سوف نعيش في عالم
الفوضى والصراعات والحروب لا تعترف بالقانون الدولي مع فشل المجتمع الدولي في
توحيد المنتظم العالمي على مرتكز القاعدة القانونية تحكم الفعل السياسي الدولي.
1- الحرب
الإسرائيلية لبنانية :
يبدو أن الحرب السادسة
بين كل من إسرائيل وحزب الله ستكون أطول الحروب الكلاسيكية، أو غير النظامية التي
قادتها إسرائيل منذ قيامها سنة 1948، وأعقدها وأصعبها ولربما قد تكون الأكثر تكلفة
من الناحية الاقتصادية، ويمكن اعتبارها كذلك الضربة الكبرى التي تلقاها المشروع
الأمريكي في المنطقة هذه الحرب كشفت عدة أوراق كانت موضع سر من لدن الدول الكبرى
وأيضا بعض الدول العربية.
وأما على الصعيد الدولي
كانت مختلف الردود تحمل حزب الله مسؤوليته عن تردي الأوضاع في لبنان وأن من حق
إسرائيل الدفاع عن نفسها صحيح أن حزب الله له أسرى لدى إسرائيل ومن حقه طبقا
للمواثيق الدولية أن يعمل كل ما في وسعه لاسترداد هؤلاء، لكن الغريب في الأمر هو
أن العملية التي قام بها حزب الله كانت مفاجأة للغاية وحتى الأمين العام لحزب الله
قال بأن الحزب لم يكن يتوقع أن يكون رد الفعل الإسرائيلي على قتل وأسر الجنديين
إسرائيليين بتلك القسوة والشدة والتدمير للبنية التحتية من مرافق عمومية حيوية
كالموانئ والمطارات وقطع الجسور لتضع مختلف المدن اللبنانية تحت الحصار، ولكن
الأهم من هذا وذلك المواقف الدولية خاصة الدول العربية لم تكن مفاجأة بل هي أصلا
تعتبر حزب الله من المنظمات الإرهابية يجب القضاء عليها وتعتبر أمريكا وإسرائيل
المعرقل الأساس لعملية السلام بين إسرائيل ودول المنطقة.
وأما على الصعيد العربي
جاءت هذه الحرب والنظام العربي مازال يعاني من غزو العراق وهذا ما يكشف عن عمق
الأزمة التي يعيشها العالم العربي، ومن أزمة لبنان ازداد النظام العربي في عجزه
وتأخره أكثر، مما كان عليه خلال حرب العراق من مارس 2003، إلى أن النظام العربي لم
يستطيع التعامل مع هذه الأزمة بشكل متناسق ولكنها مراحل امتازت بتضارب الآراء وعدم
توحدها بين تأييد لها قام به حزب الله وبين الرافض لما جرى.[111]
ونتيجة المنطقية لهذا
الفعل أن وجدت إسرائيل الغطاء لشن الحرب على لبنان، في حين ألمح رئيس الوزراء
الإسرائيلي أولمرت إلى تأييد بعض الدول العربية للحرب على حزب الله.[112]
بعد ذلك ردت إسرائيل على
عملية حزب الله بهجوم واسع ومدمر على لبنان وسميت العملية بأمطار الصيف وهي مقدمة
دليل على أنها كانت تخطط لها منذ وقت بعيد كما أن أسر الجنديين لم تكن سوى ذريعة
مدعومة أمريكيا لشن هجوم ممنهج على لبنان لتفكيك حزب الله ونزع سلاحه أو بمعنى آخر
لتنفيذ القرار 1599 الذي كانت إسرائيل وراء صدوره تمهيدا لسلام بين الدولة العبرية
ولبنان وفي خارج لبنان اعتبرت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا أن
خطب الجنديين، إنما هو خرق للخط الأزرق فشرعت بذلك إعلان إسرائيل الحرب على لبنان
واعتباره عملا مشروعا ودفاعا عن النفس باختصار جاءت العملية في إطار صراع حول
الشرق الأوسط فقد أعلنت إسرائيل أنها تريد تغير قواعد اللعبة في لبنان وبذلك
أعلن حزب الله عن حرب مفتوح مع إسرائيل.[113]
ويكمن هدف المركزي من
وراء شن هذه الحرب على لبنان والتي وضعها النائب في الكنيست الإسرائيلي زهافا
فاغالنون بأنها حرب أمريكية بدماء يهودية تتلخص في تغير خارطة الشرق الأوسط
وتقسيمه إلى كانتونات طائفية ومذهبية وعرقية متنابذة ولا يقر لها قرار إلا بأمر
السيد الإسرائيلي والأمريكي ومنهم من يذهب إلى أن هذه الحرب ليست كباقي الحروب
الأخرى ولا يريد أحد في إسرائيل المقارنة بين الآلية العسكرية الإسرائيلية وأسلحة
المقاومة والتي هزت القوة الإسرائيلية.
وهناك من يذهب بدرجة
اليقين إلى أن هذه الحرب فإنها قد تمت بالوساطة الإسرائيلية وإن جرى التقاطع بين
الخاص الإسرائيلي والعام الأمريكي في المنطقة، فالحرب جرى الإعداد لها من قبل ومنذ
سنين وتم وضع الخطة الحربية سنة 2004، وكل ذلك تم بعد أن تم وضع خطط تدريبية
لمعارك افتراضية في مواقع متشابهة لحزب الله.[114]
كما أن الولايات المتحدة
الأمريكية ترى أن تحقيق السلام لا يمكن أن يتم إلا بعد إسقاط حزب الله وإحكام
القبضة على المنطقة بكاملها وخلق نظام أمني ناجح يكون ركيزته الكيان الصهيوني.
تدفعه إلى ذلك مثالية تحقيق سلام الفئة عام الذي ساد في أوربا من 1815 إلى 1214
ومع ذلك فإن المنطقة سوف تشهد تغيرات في غاية الأهمية وذلك أن الترتيبات الأمريكية
تريد خلق وقائع سياسية جديدة مع متطلبات المرحلة الراهنة التي يشهدها العالم في محاولة
عشر قيم الليبرالية الأمريكية المتوحشة في الشرق الأوسط كمطلب إمبريالي غربي وذلك
من أجل التكييف مع التحولات التي يشهدها العالم والتي تمتلك قدرة أكبر
لتلبية ما يحتاجه النظام الأمريكي من بحث في أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بما
يجعل النظام الإقليمي العربي الأكثر الأقاليم اندماجا في النظام الدولي الجديد على
قاعدة ضمان الاحترام الأمريكي الصهيوني ومتحولا بشكل كامل نحو الغرب الرأسمالي
بحيث ترسم الولايات المتحدة الأمريكية حروبها واقعا جديدا للعالم العربي باعتباره
إقليميا مملوء بالثروات والمشاكل لا يحتمل أن يبقى متروكا كما وصفه أحد أبرز
المعلقين الأمريكيين بأنه مجموعة من قبائل ترفع أعمال متفاوتة الألوان.[115]
وفي هذه الحرب استطاعت
إسرائيل أن توجد صورتها في عيون اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم السياسية أو
بالأحرى على تعدد انتمائهم الدينية والطائفية.
ذلك أن اللبنانيين كانوا
يرون إسرائيل في صور متباينة إلى حد التعارض بينهم من كان يرى فيها العدو المطلق
بالمعنى الديني كما بالمعنى الوطني ولم يكن يقبل نقاشا، لهذا العداء كائنة ما كانت
الذرائع السياسية وبينهم من كان يرى فيها العدو الوطني والقومي ولكن العجز عن
مواجهته بالشعار الأصلي للمعركة القومية الفاصلة والحرص على السلامة الوطنية يجعل
هؤلاء يسلمون مكرهين بوجود إسرائيل كدولة ويرفضون الصلح معها أو التطبيع لأسباب
وطنية يعززها استمرارها في احتلال بعض التراب الوطني ومواصلتها تهديد لبنان
ومحاولة ابتزاز سياسيا في هويته ودوره العربي وبالذات في علاقته بالقضية
الفلسطينية لاسيما أن لبنان طرف في القضية لأسباب تتجاوز ما هو عقائدي وعاطفي
وعملي.
2- الخلفيات
والأهداف من الحرب الإسرائيلية على لبنان :
1- خلفيات
الحرب على لبنان :
بدأت إسرائيل عدوانها على
إثر عملية أسر الجنديين من جيشها 12 يوليوز/تموز 2006 وهذا العدوان كانت ترى أنها
في حاجة إليه منذ عام 2000 وكانت حضرت له منذ أن ثبت عجز المحور الأميركي التشعب
الاعتداء الداخلي وعربيا ودوليا عن تنفيذ قرار نقل لبنان من محور الممانعة والرفض
لمشروع أمريكا إلى محور التبعية، لقد حاولت أميركا أن تستمر في احتلالها للعراق
وتفرض على كل دول المنطقة الخضوع فاصطدمت بثلاث عقبات.
العقبة
الأولى : إيران التي رفضت التخلي عن برنامجها
النووي كما رفضت مد أمريكا بالتسهيلات اللازمة لاستقرار إحتلال العراق.
العقبة
الثانية : سوريا رفضت نزع سلاح حزب الله في
لبنان كما أنها لم تقدم لأمريكا الخدمات الأمنية والعسكرية في الداخل العراقي
لتجعل الاحتلال فيه أمرا يسيرا كما رفضت طرد ممثلي المقاومة الفلسطينية من
أراضيها.
العقبة
الثالثة : في حزب الله الذي هزم إسرائيل عام
2000 واستمر في بناء قدرة عسكرية فريدة من نوعها تقع بين القوة التقليدية النظامية
للجيش وغير النظامية، وصاغ هيكلة عسكرية ذات قدرات مناسبة لتشكيل تهديد جدي
لإسرائيل.[116]
2- الأهداف
والنتائج من الحرب على لبنان :
تتشابه أهداف إسرائيل في
حربها على لبنان العام 2006 تلك التي أعلنت عنها في العام 1982 القضاء على
منظمة التحرير الفلسطينية وإدراج سورية من لبنان وعقد معاهدة سلام مع لبنان، ففي
العام 1982 كانت منظمة التحرير تشكل تهديدا لإسرائيل في مناطقها الشمالية المحادية
للبنان وبين ذلك التاريخ وتحرير لبنان عام 2000 والحرب الإسرائيلية عليه في عام
2006 كان حزب الله هو القوة العسكرية التي تهدد إسرائيل وتمكن من حصر جهودها إلى
ما وراء الحدود اللبنانية واتخذ موقفا استراتيجيا في الصراع وإسرائيل تسعى
لخلق ظروف السلام مع لبنان، وهذا لن يتحقق ؛إلا بالقضاء على حزب الله وقوته وبذلك
وقفت إسرائيل وراء خروج القوة السورية من لبنان بقرار 559.[117]
وبعد فإن علينا أن نتساءل
عن أبعاد وأهداف هذه الحرب الإسرائيلية الدائرة على لبنان ومن سر مساندة الولايات
المتحدة الأمريكية لإسرائيل لنتساءل بعد ذلك عن مدى وآفاق النجاح الممكنة لهذين
الحلفين في الحرب ولكي لا نسرف في هذا التحليل فإن الهدف المباشر المعلن لإسرائيل
في حربها هذه يتمثل في تدمير حركة المقاومة اللبنانية التي يرمز إليها حزب الله
وقتل حسن نصر الله زعيم الحزب ثم تجريده من السلاح على أقل تقدير إلى جانب إرغامه
على الخروج ومغادرة معاقله التالية في الجنوب اللبناني مع إحلال قوات دولية محله
بالتعاون مع قوات وطنية لبنانية بغية إنشاء منطقة أمنية جديدة في الشريط الحدودي
في شمال إسرائيل، وتوجد أجندة أخرى ترمي إلى إعادة ترسيم الخريطة السياسية
اللبنانية بحيث تتسلم مقاليد سلطة حكومة في لبنان ضعيفة وهزيلة وطبيعة لا تتراجع
في عقد صفقة سلام مع إسرائيل بمباركة أمريكية، كما أن هناك هدف آخر وراء العمليات
العسكرية الجارية في قطاع غزة ومرماه إضعاف كل من سوريا وإيران بصفتهما القوتين
المحليتين التي تتبين في دعمهما المنتظم لحركة حماس وحزب الله علاوة على
استمرارهما في مناهضة الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على المنطقة.[118]
وفي نهاية لا يمكن عزل
الحرب الإسرائيلية اللبنانية عن سياسة المحاور والصراعات في المنطقة كما أن الوضع
اللبناني الهش والتجاذبات الداخلية والتباين بين منطق الدولة والمقاومة، أسهم
كثيرا في جعل لبنان ساحة للصراع بين الداخل والخارج لذلك كان من المتوقع أن ينفجر
صراع عاجلا أو آجلا بين طرفين، وبذلك لم تتمكن الحكومة اللبنانية من الإمساك
بالوضع الداخلي وعدم إنجرار البلاد إلى حرب دفاعا عن المفاعل النووي الإيراني أم
دفاعا عن نشر الديمقراطية التي أراد الأميركيون أن يجعلوا لبنان نموذجا لها أو
منطلق لشرق أوسط جديد إلى درجة تدميره، لقد ترك العرب لبنان لأسابيع ثلاثة من دون
تغطية تدمر إسرائيل بناه التحتية وتقتل شعبه وتعصف به مشاريع القرارات المنحازة أو
غير المتوازنة وإن عجزهم هذا هو جزء من مشكلات لبنان مع العرب منذ الوجود
الفلسطيني المسلح على أرضه وبغض النظر عن عدم قدرتهم على مواجهة إسرائيل أو عدم
رغبتهم في ذلك فإن ذلك يعود إلى أنهم رأوا في صراع حزب الله وإسرائيل صراعا
إيرانيا أمريكيا وخوفهم من إيران النووية وجعلهم يرون إيران عدوا مركزيا كما أن
اللبنانيين لم يتضايقوا من التبعية الشعبية ولكن بعض الدول كان لها تحفظات على
الحرب فالرئيس المصري حسن مبارك قال بأنه لن يقود حرب من أجل حزب الله أو لبنان
فكلاهما واحد بالنسبة، وأما فيما يخص الجانب الإسرائيلي فإن المواجهة والحرب
بالنسبة إليها مازالت مفتوحة وتملك أسباب تجعلها على اقتناع تام بإكمال الحرب من
أجل فرض الهيمنة على المنطقة والتخلص من أعدائها وخصوصا حزب الله وإيران اللذان
يعتبران كمحور الشرفي الإدارة الأمريكية، فالقيادة الشعبية مازالت في المواجهة مع
أمريكا وإسرائيل وقد تدخل المنطقة في حرب إستراتيجية من الصعب التكهن بنتائجها على
المستوى الإقليمي والدولي.
وفي الوقت الحاضر لكل
نزاع من النزاعات في الشرق الأوسط أسبابه بحيث يبقى العامل الرئيسي للصراع هو بروز
إيران قوة إقليمية ذات قدرة نووية مما يؤدي هذا الأمر إلى انقلابات في التحالفات
وانزلاق الوضع وإيران هي القوة الوحيدة التي تملك الإستراتيجية المتماسكة، وفيما
عيون العالم متجهة نحو لبنان تتجه إيران بهدوء نحو الحصول على السلاح النووي
وستحصل عليه، كما أن هذه الحرب بانعكاساتها المالية استطاعت أن تخدم غيران فهي كأي
حرب في الشرق الأوسط تؤدي إلى ضغوط حول سعر البرميل البترول الذي يتعرض لارتفاع
منذ سنوات عدة وفي 2005 تخطى سعر البرميل سقف 60 دولار.
إن الصراع يجري دائما
مدفوعا بمجموعة من الرغبات والحاجات الخاصة فعندما تشعر الأطراف المتفاعلة أن هناك
ثمة مصالح يمكن أن تجنيها من جراء الانخراط في الصراع، فإن الدول تقدم على كسر قواعد
أو انتهاك أعراف عامة لإدارة الصراع على مستويات مختلفة وتختلف أشكال الصراع وفق
المصلحة وتصورات اعتقادات ورغبات القوى المتشاركة في الأدوار والصراع موجود في
الواقع بحكم التوازنات، ويأتي ممتزجا بالكثير من التبريرات الاقتصادية والسياسية،
فهناك دائما سبب أصيل للصراع، وبما أن هذا الصراع قائم بحد ذاته فإن غياب توازن
يحكم الصراعات فإن له مجموعة من العواقب يكون لها محصلة ونتائج لها تأثير على
العلاقات وبصفة عامة بين الدول.[119]
وبذلك سوف يجرنا الحديث
في هذا المطلب عن تحديد بعض النتائج لصراع غير المتوازن والتي يمكن تحديدها في
الإرهاب كعنف مضاد الفقرة الأولى، انعدام التوازن بين الدول الفقرة الثانية.
1- العنف
المضاد الإرهاب الدولي :
كانت إستراتجية الولايات
المتحدة الأمريكية العسكرية تتبنى سياسة الردع والاحتواء مع الاتحاد السوفياتي
والدول المعادية الأخرى وتقوم هذه السياسة على نوع من تجنب الحرب والعمل على تسوية
المنازعات بالطرق السلمية.
لكن بعد أحداث 11 سبتمبر
تحولت هذه الإستراتيجية نحو إعطاء أولوية للحرب على الإرهاب وتبنى سياسة الحرب
الوقائية لظهور تهديدات من جانب مجموعة مسلحة والعمل على توسيع دائرة الحرب لتشمل
دول أخرى غير أفغانستان مع السعي لتشكيل تحالفات عسكرية متعددة الأطراف والتخلي عن
سياسة العزلة.
وفي الوقت نفسه احتفظت
السياسة الأمريكية لنفسها بحق استخدام الأسلحة النووية بشكل غير محدود ضد الدول
التي تعتبرها الولايات المتحدة دولا مارقة ترعى الإرهاب وتهدد السلم العالمي
لامتلاكها أسلحة الدمار الشامل مثل العراق وكوريا وإيران، ولقد أدت هذه التغيرات
في مفهوم سياسة الأمن الأمريكية إلى إعادة تحديد مهمة جهاز المخابرات وإمكانية
استخدام مصادر المعلومات جديد وفتحت لإسهام القطاع الخاص للمشاركة في هذا المجال
عن طريق تطوير التكنولوجية الأمنية مثل أجهزة كشف الأسلحة والمتغيرات، كشف عن
الممارسات الفعلية عقب أحداث 11 شتنبر عن استخدام مفرط للقوة العسكرية وتهديد
الأمن القومي لعدة دول بحجة مقاومة الإرهاب لأن أمريكا اكتشفت أنها أمام عدو من
نوع جديد يتمثل في شركة واسعة من التنظيمات الفرعية التي لا تحكمها هياكل تنظيمية
محددة ولا تعمل في إطار خطة عسكرية لا يمكن توقعها. لذلك عمدت أمريكا إلى سياسة
الانتشار العسكري لمواجهة الإرهاب.[120]
2- الحرب
على الإرهاب :
الأهداف المتوخاة من
الحرب على الإرهاب حسب التبريرات المعللة هو القضاء النهائي على الإرهاب العالمي،
ولكن هذه الأهداف اختلفت بحسب مرحلتين، ففي المرحلة الأولى كانت الأهداف المتوخاة
من هذه الحرب مرتبطة بتشخيص العدو في أسامة ابن لادن وأتباعه في تنظيم القاعدة
بالإضافة إلى حركة طالبان التي اتهمت بتقديم الملاذ إلى الإرهابيين في أفغانستان،
أما في المرحلة الثانية فقد تم توسيع الأهداف المتوخاة من الحرب على الإرهاب لتشمل
أطراف جديدة من بينها العديد من الحركات والتنظيمات وحكومات الحول التي أصبحت توصف
بأنها دول محور البشر بسبب سعيها لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وعلاقتها المحتملة
مع الإرهاب، لذلك يتعين التمييز بين مرحلة التشخيص الأولى للأهداف المتوخاة من
الحرب على الإرهاب وبين مرحلة توسيع الأهداف المتوخاة من هذه الحرب.
لقد تميز الخطاب الرسمي
الأمريكي عقب هجمات 11 سبتمبر بتشخيص العدو في الإرهاب متمثلا بشخص أسامة بن لادن
وتنظيم القاعدة الذي تم وصفه بأنه تنظيم عالمي. ولكن تشخيص العدو سرعان ما شمل
حركة الطالبان التي كانت حكومتها تسيطر عليها عمليا على أكثر من تسعين في المائة
من أفغانستان ليتم وصفها بأنها حكومة مستبدة تقوم على التطرف ورعاية الإرهاب
بتقديم الملاذ الأمني لإرهابي القاعدة الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر 2009 وقد
ينفذون هجمات أخرى مماثلة ضد الولايات المتحدة أو حلفائها الأوروبيين.
وفي هذا الاتجاه حرص
الخطاب الرسمي الأمريكي على التميز بين الإسلام وبين الإرهاب وذلك باعتبار أن
الإرهابيين لا يمتدون الإسلام ويحاولون مصادرة الإسلام على حد تعبير الرئيس
الأمريكي جورج بوش، وقد برز هذا التمييز إثر الضجة التي أثارها استخدام الرئيس
الأمريكي لمصطلح الحملة الصليبية في وصفه للمعركة القادمة مع الإرهاب من جهة
ولتنامي الاعتداءات على العرب والمسلمين القائمين في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولطمأنة الرأي العام
الإسلامي تم التنويه بعلاقات الصداقة التي تجمع بين الولايات المتحدة والكثير من
الدول الإسلامية، وتم التأكيد من كبار المسؤولين الأمريكيين والغربيين على أن
الحرب على الإرهاب ليست حربا دينية ضد الإسلام وإنما هي حرب على الإرهاب مع
الإبقاء الغموض الواضح بشأن التمييز بين الأصولية الإسلامية وبين الإرهاب.
لكن توسيع صفة العدو
لتشمل أفغانستان على عهد حكومة الطالبان تم ربطه بحق الولايات المتحدة في الدفاع
عن نفسها وعن حرية العالم بأسره، فبعد مقتل ثمانية جنود أمريكان في معركة شاهي كوت
2 مارس 2002 في شرق أفغانستان صرح الرئيس الأمريكي بأن الولايات المتحدة ستدافع عن
نفسها بأي ثمن في الحرب الدائرة في أفغانستان وأن الدفاع عن الحرية قضية عادلة في
مواجهة من يردون حرب الولايات المتحدة وحرمانها من الحرية.[121]
فالحرب على الإرهاب حسب
التصريحات الأولى للرئيس الأمريكي ووزير دفاعه رامسفيلد ستستمر سنوات أو عقود ولن تنتهي
باحتلال منطقة أو بانهزام قوة عسكرية معادية وإنما ستشمل عملية ضبط سياسي وأمني
واستخباري على المدى الطويل وتحقيق الشفافية في الأنشطة السياسية والاقتصادية
والمالية في جميع الدول من أجل القضاء على الإرهاب مثل هذه الحرب المفتوحة لا يمكن
تبريرها فقط بتهديد مصدر دولة نائية من محاور التدخل الأمريكي المباشر والمراكز
الحيوية للمصالح الأمريكية في منطقتي الشرق الأوسط والشرق الأقصى، فأفغانستان التي
اتهمت برعاية الإرهاب دولة بعيدة كل البعد عن امتلاك أي قوة عسكرية حقيقية فإنها
معزولة دوليا ومدمرة بفعل حروب استمرت أكثر من عشرين عاما وضعيفة التأثير في محيط
بيئتها الدولية والإقليمية.
وكل ذلك يعني بأن العدو
الجديد لا يتمثل في دول معينة أو في جيش محدد أو في جماعة محددة ولا يقتصر على قوة
ظاهرة وواضحة المعالم يمكن تحديدها جغرافيا وإنما هو عدو شرس قادر على ضرب
الولايات المتحدة من جديد لا ينحصر في تنظيم القاعدة ولا في حركة الطالبان وإنما
يشمل مجموعة كبيرة من الحركات والتنظيمات والعديد من الدول التي تعتبر شريرة في
نظر الولايات المتحدة وتهمتها الإرهاب أو رعايته ودعمه أو إقامة علاقة محتملة معه.
وهذا يعني أن الخطاب
الرسمي الأمريكي لم يتغير من حيث جوهر فالولايات المتحدة وحلفاؤها ومن ضمنهم
إسرائيل يمتدون الخير في الصراع مع الشر مع اختلاف في طبيعة العدو فقد حلت
الأصولية الإسلامية محل الشيوعية وحلت بعض الدول الإسلامية بصفة خاصة محل
الفاشستية والدول الشيوعية وكما الشأن بالنسبة للحرب العالمية الثانية أو فترة
الحرب الباردة أو فترة ما بعد حرب الخليج، فإن الولايات المتحدة تواجه كعادتها
دولا سماها الرئيس الأمريكي بدول محور الشر.
وهكذا فالحرب على الإرهاب
وهي حرب حظيت بإجماع عالمي بما في ذلك إجماع الدول العظمى والقوى الإقليمية الكبرى
وهي حرب بين الخير والشر وصراع بين العالم الحر والتطرف الإرهابي وبين الحضارة
والهمجية وهي بالإضافة إلى ذلك حرب أصبح من الواضح أنها تستهدف أساسا استئصال
الأصولية الإسلامية عبر القضاء على المنظمات والجمعيات والحركات الأصولية
والإسلاميين المتشددين على امتداد العالم الإسلامي في مصر اليمن باكستان كشمير
إندونيسيا والفلبين وغيرهما، كما أنها تستهدف من ناحية ثانية الدول المارقة أو
المتمردة على إرادة الولايات المتحدة وهي دول توصف بأنها راعية للإرهاب أو
المستقبل ويجوز العمل على قلب نظام الحكم فيها أو إضعافه بجميع الوسائل بما في ذلك
الوسائل العسكرية كما حدت مع حكومة طالبان في أفغانستان.
هذا التوجه الجديد نحو
توسيع الأهداف المتوخاة من الحرب على الإرهاب تأكد بخطاب الرئيس الأمريكي حول حالة
الاتحاد يوم 29 يناير 2002 وبلغ دورته في إعلان الرئيس الأمريكي في ذكرى مرور ستة
أشهر على هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2002 بأن الحرب على الإرهاب ستمتد بعيدا عن
أفغانستان.
ففي خطاب ألقاه بالبيت
الأبيض بمناسبة إحياء ذكرى مرور ستة أشهر على الهجمات المذكورة تعهد الرئيس
الأمريكي بأن تستمر الولايات المتحدة في قيادة الحرب ضد الإرهاب العالمي حتى يتم
القضاء عليه وتحقيق النصر ودعا كل دول العالم إلى أن تدرك أن الحرب ضد الإرهاب لها
هدف مزدوج هو حماية حرية وأمن الولايات المتحدة والعالم المتحضر، مضيفا بأن الدول
المتمدنة تدافع اليوم على أمنها المشترك وحث الرئيس بوش دول العالم على المساهمة
والمشاركة في هذه الحرب قائلا إن الولايات المتحدة تتوقع من كل حكومة أن تساعد في
القضاء على الإرهاب الذي يهدد جميع الدول والسلام في العالم.[122]
وهكذا فخطاب 11 مارس 2002
كان الغرض الأساس فيه هو تصعيد التعبئة وسط الشعب الأمريكي من أجل مواصلة الحرب
على الإرهاب في أفغانستان وخارجها فقد أوضح بأن إدارته مستعدة لمواصلة الحرب على
الإرهاب لأطول فترة ممكنة طالما ظل هذا الأمر ضروريا هذا يعني أن التدخل العسكري
والعمل السياسي والدبلوماسي سوف يستغرق وقتا طويلا وسيشمل أعداء آخرين للولايات
المتحدة الأمريكية.
وبعد أيام قليلة من هذا
الخطاب صرخ الرئيس الأمريكي بأن بلاده دخلت مرحلة ثانية من الحرب على الإرهاب
ستكون طويلة ولن تتعب منها وحدد إستراتيجية المرحلة الثانية من هذه الحرب بقوله إن
إستراتيجية هذه المرحلة الجيدة تكمن في جعل كل إرهابي يعيش مطاردا عالميا وهارب
ولا مكان يمكن أن ترتاح ويستقر فيه ولا مكان لإعادة تنظيم قواه ولا مكان يختبئ فيه
ولا حكومة يختبئ وراءها، ثم دعا دول العالم والمجتمع الدولي إلى النظر بجدية بالغة
إلى نظر الإرهاب ولذلك علينا منع انتشار أسلحة الدمار الشامل لأنه لا مجال للخطأ
الهامش، ويجب ألا ندع فرصة متعلم من الخطأ أي عدم الانتظار حتى يضع هجوم إرهابي
بسلاح كيماوي أو بيولوجي أو نووي.[123]
3- الإستراتيجية
الأمريكية لمحاربة الإرهاب الدولي :
إن أحداث الحادي عشر من
شتنبر 2001 شكلت لقطة تحول فاصلة في النظام الدولي بعد اجتماع قمة مالطا، حيث أصبح
الإرهاب الدولي وفي حلته الجديدة الشكل الرئيسي للصراع المسلح على الساحة الدولية
والبديل الراهن للحروب التقليدية، والمحفز الحقيقي في إدارة السياسة الخارجية
الأمريكية، التي لم تكتف فقط في شن حملة دولية واسعة ضده، بل ستتبنى موقفا تصاعديا
في وقفه ومحاسبة الدول التي ترعاه.[124]
ولعل الإستراتيجية التي
تبنتها الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب الدولي بعد 11 عشر من شتنبر انبثت على
الاستخدام المكتف للقوات العسكرية حيث سارعت وبمجرد وقوع تفجيرات نيويورك وواشنطن
بالتلويح بالقيام برد عسكري على هذه الأعمال الإرهابية ضد الأطراف التي تقف وراءها
ومر المجتمع الدولي للاصطفاف وراءها في تحالف غير مسبوق في التحالفات الدولية يغلب
عليه الجانب السياسي بالدرجة الأولى، كما يرتكز على التعاون والتنسيق في المجالات
الأمنية والاستخبارية والمالية من أجل تعقب وضرب الجماعات والأطراف الدولية التي
ترعاه وتأويه وتجفيف موارده المالية من أجل شل حركته.
ومن أجل تطبيق هذه
الإستراتيجية سعت الولايات المتحدة الأمريكية وكما هو دأبها في إدارة الأزمات
الدولية التي تدخل ضمن مصالحها وإستراتيجيتها على استثمار الشرعية الدولية من خلال
الارتكاز على قرارات الأمم المتحدة لتتدخل بموجبها زجريا وبشكل عسكري أو غير عسكري
في هذه الأزمات، أما الأمر يتعلق بإدارة أزمة كانت مستهدفة فقد نجحت الولايات
المتحدة الأمريكية في قيادة التحالف الأوروبي والدولي لمكافحة الإرهاب ودشنته في
أفغانستان بناء على قرار مجلس الأمن رقم 1368 الذي صدر بالإجماع يوما واحدا بعد
وقوع عمليات الحادي عشر من شتنبر واستتبعته بإصدار قرار ثاني من مجلس الأمن القرار
رقم 1373 بتاريخ 28 شتنبر 2001 بضرورة مواجهة مخاطر الإرهاب الدولي بكل الوسائل
السياسية والعقابية. في تناعم تام مع السياسة الإسرائيلية الصهيونية في الأراضي
المحتلة التي تعاملت مع القرار بالتفسير والفهم الأمريكي في ضرب البنيات التحتية
للإرهاب دون تمييز بين الإرهاب الدولي وحق النضال والكفاح المشروعين ضد الاحتلال
الغاضب من طرف الشعب الفلسطيني المناضل.
وباسم تطبيق الشرعية
الدولية والتي تجسدها قرارات مجلس في موضوع العقوبات المفروضة على العراق وذات
العلاقة بنزع أسلحة الدمار الشامل المزعومة توافرها لديه، سعت الولايات المتحدة
الأمريكية للإضافة بنظام صدام حسين وخرق سافر للشرعية الدولية التي تحثها على
إتباع الوسائل السلمية لحل الأزمات الدولية وعدم استعمال القوة في العلاقات
الدولية أو التهديد باستعمالها وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام
سيادتها، وكان تدخلها في العراق ساخرا من حيث خرقها قواعد الشرعية الدولية لعدم
احترامها انتظار صدور قرار من مجلس الأمن يجيز استخدام التدابير العسكرية ضد
العراق.
وعلى المستوى الداخلي
ركزت الولايات المتحدة الأمريكية ومها حليفتها التقليدية بريطانيا على تطوير
تشريعات صارمة لمكافحة الإرهاب وتشديد الإجراءات الأمنية على التدخل إلى الولايات
المتحدة والإقامة بها كما تبنت الإستراتيجية الأمريكية في مكافحة الإرهاب على
إصدار قانون جديد يجهز على الكثير من الحقوق الحريات الفردية. ويشدد من الإجراءات
الداخلية اللازمة لمحاربة الإرهاب مثل الاعتقالات بدون إذن قضائي والمحاكمات
العسكرية واعتراض البريد الإلكتروني ومواقع الانترنيت وغيرها، وكلها إجراءات
تتعارض مع قيم الديمقراطية الكونية والعربية، هذا بالإضافة إلى التحرش ببعض
الأنظمة السياسية لبعض الدول العربية والإسلامية للقيام بإصلاحات جدرية على نظمها
الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى نظم القيم والثقافة السائدة بها.
وبذلك انطلقت الخطوات
العملية الموالية في محاربة الإرهاب الدولي على أكثر من واجهة استثمرتها الولايات
المتحدة الأمريكية لغرب أفغانستان في المرحلة الأولى، ثم ضرب العراق ونظر لسياسة
الإستراتيجية وتدابيرها الأمنية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية سواء على
المستوى الداخلي أو الخارجي واتجاه مختلف حلفائها التقليديين والجدد وكذا
اغتصابهما للولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن عزم الولايات
المتحدة الأمريكية على شن حرب على العراق لم يحملها التريث طويل لاستصدار قرار
مجلس الأمن يسمح لها أو يسبغ شرعية على تدخلها وهو مطلب على الأقل كانت تطلب به
الدول الممثلة في الأمم المتحدة باستثناء بريطانيا ولما فشلت في الحصول على هذا
القرار سارعت إلى خوض الحرب دون قرار ودون شرعية دولية تمنعها من شن مثل تلك الحرب.[125]
لقد بدأت الولايات
المتحدة الحرب على كل من أفغانستان والعراق وصنعت نهايتها في المستنقع العراقي
والأفغاني في تحد سافر منها لكل المبادئ العامة التعارف عليها دوليا، وأعطت لنفسها
الحرية لشرعنة تدخلاتها من أجل إسقاط النظم السياسية والحرب الاستباقية هي من بين
المبادئ التي أصبحت تستعمل في العلاقات الدولية بدعوى مكافحة الإرهاب والإعداد
للخطر، وبذلك استطاعت الولايات المتحدة ممارسة القوة وخرق القانون تحت مبرر واحد
وهو الحفاظ على الأمن الأمريكي والدولي لصلاحيات الأمم المتحدة خصوصا ما يخص شرعية
اتخاذ التدابير القمعية من طرف مجلس الأمن الذي أحكمت السيطرة عليه وبدأت في تطبيق
السيناريوهات المتعددة لمواجهة تبعات الحادي عشر من شتنبر ومحاربة الإرهاب الدولي.
وكانت الخطورة الأولى في
هذا الاتجاه عملية الانتشار الاستراتيجي والتي تقضي برفع درجات الاستعداد العسكري[126] للقوات
الجوية والإستراتيجية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وتحريك الأسطول الأمريكي من
قاعدته في نورفولك نهاية الشواطئ الأمريكية وبالخصوص مدنية نيويورك ونشر القوات
العسكرية وشبه العسكرية على المواقع والأهداف الإستراتيجية داخل الولايات المتحدة
الأمريكية مع تطبيق الإجراءات الأمنية المشددة على المطارات.
كما أن الولايات المتحدة
عملت إلى جانب هذه الإستراتيجية في مكافحة الإرهاب إلى القيام بخطوة أخرى كان لها
تداعيات وتأثير بحيث أعدت الخطة لإسقاط النظام العراقي، وتدرعت بمجموعة من الأسباب
حسب رؤية المحافظين الجدد على اعتبار العراق أحد دول محور الشر، ثم التزام العراق
بالقرارات الدولية للتخلص من أسلحة الدمار الشامل ثم هناك قول بأن هناك روابط بين
العراق ومنظمة القاعدة أخطر المنظمات الإرهابية والمسؤولة عن أحداث 11 من سبتمبر
فضلا عن اعتبار النظام العراقي نظام استبدادي يحكم شعبه بالحديد والنار الأمر الذي
استوجب إسقاطه واستبداله بنظام ديمقراطي عميل.
تختلف الدول عن بعضها
البعض من حيث عناصر القوة التي تملكها وإذا كان من الصعب إجراء تقييم دقيق للعناصر
المادية التي تساهم في تكوين قوة الدولة بالمقارنة مع دولة أو دولة أخرى، فإنه
يمكن التأكيد على أن قوة الدولة لا ترتكز على عامل واحد فقط، فالاتساع الجغرافي
مثلا لا يمكن الادعاء بأنه يشكل العنصر الحاسم في قوة الدولة وإن كان عدد السكان
أو التطور الاقتصادي والتكنولوجي أو غير ذلك من عوامل القوة لا يمكن اعتبار أي
منها الأساسي الوحيد لقوة الدولة.
فالواقع أن قوة الدولة لا
تنبني على عامل واحد فقط وإنما ترتكز على عوامل متنوعة منها ما هو طبيعي ومنها ما
هو مكتسب.[127]
وهناك أيضا ما يسمى
بالعناصر المكتسبة والتي تشكل عناصر القوة للدولة والتي تزيد وتنقص تبعا لمستوى
التقدم الاقتصادي والتكنولوجي ودرجة الاستعداد العسكري وكفاءة القيادة السياسية
والروح المعنوية، فهذه العناصر تساهم في تكوين قوة الدولة بشكل مباشر ومؤثر.
1- مستوى
التقدم الاقتصادي والتكنولوجي :
ويمكن التمييز بين ثلاث
عناصر أساسية تبرز دول العالم الاقتصادي كعامل من عوامل القوة في المجال الدولي،
وهذه العناصر هي التقدم الصناعي ومدى التطور التكنولوجي والمصالح الاقتصادية،
وامتلاك الدولة للموارد الطبيعية لا يعتبر في حد ذاته مصدرا من مصادر القوة إذا لم
تكن تملك إلى جانب ذلك الوسائل الكافية لاستعمال هذه الموارد في الأهداف العسكرية
والصناعية ولذلك فإن التقدم الصناعي الذي تعكسه الطاقة الإنتاجية والآلات الحديثة
وخبرة العمال ومهارة المهندسين والعبقرية الابتكارية، وحسن الإدارة هو من العوامل
الهامة التي تؤدى بدون شك إلى التأثير في الشؤون الدولية، ومن الملاحظ أي التغيير
في درجة التقدم الصناعي كان مصحوبا في العادة يتبدل ميزان القوة، فقد ظلت بريطانيا
أقوى دولة في العالم طيلة المدة التي لم يوجد فيها من ينافسها كدولة صناعية كما أن
تدهور مركز فرنسا كدولة عظمى بالنسبة إلى ألمانيا تزامن مع تأخر فرنسا وتفوق
ألمانيا صناعيا بحيث أصبحت هذه الأخيرة الدولة الصناعية الأولى في القارة
الأوروبية في فترة ما بين الحربين العالميتين، وعندما يقال اليوم بأن الولايات
المتحدة الأمريكية هي أقوى دولة في العالم فإن المقصود بذلك هي الدولة الصناعية
الأمريكية، وليس هناك أدنى شك أن تفوق الولايات المتحدة واحتكارها للأسلحة النووية
في السنوات الأولى بعد الحرب العالمية الثانية كان ثمرة لتفوقها الصناعي، وإن كان
الاتحاد السوفياتي استطاع أن يبرزها في بعض الميادين كميدان الفضاء، ويحقق توازنا
إستراتيجيا منذ نهاية الخمسينات فإن كفة التقدم الصناعي مازالت إلى جانب الولايات
المتحدة الأمريكية مقارنة مع روسيا وريثة الاتحاد السوفياتي ويمكن القول بأن
التقدم الصناعي تختلف درجته من دولة إلى أخرى، ولكن التقدم الصناعي والتحسن الكبير
لوسائل الإنتاج الذي حصل في أوروبا والولايات المتحدة وكندا واليابان، أدى إلى
قيام تفاوت بين الدول وانقسام العالم إلى دول صناعية متقدمة تحظى بالرفاهية دول
تعاني من التخلف الاقتصادي، ولذلك فإن الأمل معقود على تصنيع دول العالم الثالث
المتخلفة للقضاء على هذا التخلف الناتج عن تخصص المركز المتقدم في الإنتاج الصناعي
والإنتاج الصناعي الأكثر تطورا، وتخصص الأطراف أو المحيط في الإنتاج الأولي
والإنتاج الصناعي الهامشي.[128]
ومؤدى ذلك أن جوهر التقدم
الصناعي يتمثل في إقامة الصناعات التحويلية لا الصناعات الاستفراضية وحدها
والمقصود بالصناعات التحويلية الصناعة التي تنصب على تحويل المواد الخام والمواد
الأولية إلى سلع مصنعة ونصف مصنعة بينما تنصب الصناعات الاستخراجية على استخراج
المواد الخام ومعنى ذلك أن التقدم الصناعي يعني قيام قطاع تحويلي هام متقدم تقنيا
بحيث يصبح هو القطاع القائد في الهيكل الاقتصادي المحلي، ويصير الاقتصاد الوطني
كله بالنتيجة اقتصادا صناعيا وهذا ما ينطبق على أوربا والولايات المتحدة واليابان
والاتحاد الروسي، والواقع أن هناك علاقة بين التقدم الصناعي والتكنولوجي، فالدول
المتقدمة صناعيا هي في ذات الوقت دول متقدمة تكنولوجيا وعلى العكس من ذلك فالدول
المتخلفة صناعيا هي دول متخلفة تكنولوجيا.
التقدم الصناعي
والتكنولوجي يتجلى في مستوى النمو الذي وصلت إليه الدولة من حيث الصناعة والكفاية
الاقتصادية والتنظيم، فمهما توافرت الموارد الطبيعية والمادية فإن هذه الموارد تظل
من قبل الإمكانيات المعطلة أو المهدورة إذ لم يتم استغلالها بكفاءة من الناحيتين
الاقتصادية والتكنولوجية ويمكن من واقع المقارنات بين الدول الصناعية والدول التي
لازالت تحارب التخلف الاقتصادي والاجتماعي، تلمس الفارق في مستوى القوة الاقتصادية
التي تتمتع بها كل من هاتين الفئتين من الدول، فحينما يرتفع حجم الدخل
القومي ومتوسط الدخل الفردي، وتتسع قاعدة الإنتاج وتزداد معدلات الاستهلاك عند
الفئة الأولى، فإنه يلاحظ بالنسبة للفئة الثانية هبوط الدخل القومي وانخفاض مستوى
المعيشة وتزايد الاعتماد الاقتصادي على الخارج وليس من قبيل الصدفة أن نجد أقوى
دول العالم اليوم هي أقواها اقتصاديا وأرقاها في مستويات التطور الإنتاجي
والتكنولوجي.[129]
وفي تاريخ العلاقات
الدولية أمثلة عديدة للمنازعات والصراعات التي حدثت بسبب المصالح الاقتصادية،
ويدخل في هذا الإطار الصراع الذي أعقب الثورة الصناعية في أوروبا خلال القرن
التاسع عشر من أجل التحكم في المواد الأولية والسيطرة على منافذ التجارة
الدولية، أو الحصول على الأسواق اللازمة لتصدير المنتوجات المختلفة لقد أدت الحاجة
إلى الأسواق الجديدة بسبب الإنتاج المتعاظم للمصانع الكبيرة إلى تزايد التنافس
الاستعماري ونتيجة لذلك اشتد الصراع من أجل السيطرة على إفريقيا وآسيا وأوربا
فإنها إلى جانب ذلك تتميز بوجود مخزونات ضخمة من البترول.[130]
كما أنها من الأسواق
الكبرى لاستهلاك سلع ومنتجات الدول الصناعية وخاصة الأسلحة، فقد تضاعفت قيمة
الأسلحة المستوردة من قبل الدول العربية في الشرق الأوسط من سنة 1973 إلى سنة
1976، كما أن ثلاث دول بترولية هي السعودية والعراق وإيران استوردت سنة 1979 ما
يعادل 64%من واردات السلاح. وكل
ذلك يعني أن المصالح الاقتصادية جعلت الدول الكبرى تتنافس من أجل الحصول على
امتيازات ومكاسب في هذه المنطقة، وقد كان ذلك هو السبب الذي دفع ببريطانيا
والولايات المتحدة وفرنسا إلى أتباع ما سمي بدبلوماسية البترول في الشرق العربي،
أي إقامة مناطق النفوذ التي تمكنها من الوصول وحدها إلى مخزونات البترول في هذه
المنطقة والملاحظ أن هناك ارتباطا تاريخيا بين المصالح الاقتصادية للدولة ومصالح
الرعايا التابعين لها.[131]
هذا الارتباط كان نتيجة
منطقية للأخذ بمفهوم الدولة الليبرالية التي لم يكن لها مصالح مباشرة في الخارج
غير مصالح رعاياها، وبواسطتهم وكانت وظائفها تقتصر على الدفاع الوطني والأمن
الداخلي والقضاء والتمثيل الدبلوماسي مع ترك النشاطات الأخرى للمبادرة الفردية
وعدم التدخل في العلاقات بين الأفراد والاكتفاء بدور الحكم.
لذلك كان من الطبيعي أن
يقوم الاتفاق والتلاقي بين مصالح الخواص والمصالح الحيوية للدول، فالقوة
الاقتصادية للدول في الخارج تدعم نفوذها السياسي وعلى أساس هذه الوحدة بين مصالح
الدولة ومصالح الخواص التابعين لها، سيطرت الدول الأوروبية والولايات المتحدة على
النشاط الاقتصادي في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية خلال القرن الماضي واتبعت
حكومات هذه الدول أسلوبين لتدعيم قوتها الاقتصادية في الخارج وهما أسلوب التغلغل
الاقتصادي وأسلوب الضغط العسكري، في الوقت الحاضر يمكن القول بأن المصالح
الاقتصادية للدول الغربية لها ثلاث مجالات رئيسية في الاستثمارات والتجارة والمواد
الأولية، فما من شك في أن ضخامة الاستثمارات العربية في دول العالم الثالث تجعل
مصلحة الدول الغربية في المحافظة على هذه الاستثمارات وضمان مردوديتها.
ومن حيث التجارة فمن
مصلحة هذه الدول المحافظة على الأسواق وعلى طرق الوصول إليها وربما أنها تزود بنسب
متزايدة من المواد الدولية، فمن المهم اقتصاديا إستراتيجيا لها أن تستمر هذه
المواد في تغذية الأسواق الغربية مع حد أدنى من التقلبات سواء في الأسعار أو
الكميات.
لكنه لا يمكن إغفال عامل
مهم يؤثر على المصالح الاقتصادية للدول العربية في العالم الثالث وهو أثر الصراعات
الداخلية المسلحة، على هذه المصالح فعند تصعيد العنف المسلح تصبح التكاليف
الاقتصادية أكثر ارتفاعا وتصبح الاستثمارات والأموال الغربية مهددة مباشرة،
فالاقتصاد الذي تضر به الحرب يصبح غير مربح كما في الماضي وعبء الحرب يثقل اقتصاد
الدولة ويكون له أثر سيء وضار على الصادرات الغربية لاسيما إذا لم تستطع الدول
الغربية بين الأسلحة للدولة التي يوجد فيها ذلك الصراع العنيف لكن الآثار تكون
أخطر وأسوأ فيما يتعلق بإمدادات المواد الأولوية إذا كانت هذه الإمدادات غير
منتظمة وغير متحكم فيها فإن ذلك سيحدث أثار اقتصادية وسياسية ضارة بالنسبة للغرب
ومنها ارتفاع الأسعار وهذا ما يفسر قيام معظم الدول الغربية وخاصة الولايات
المتحدة بإرسال أساطيلها الحربية إلى منطقة الخليج سنة 1987 نتيجة لتصعيد حرب
الناقلات من جهة وزرع الأنغام في مياه الخليج من جهة أخرى ومشاركتها في حرب الخليج
ضد العراق في يناير 1991.
أما بالنسبة للمصالح
الاقتصادية لدول العالم الثالث فيمكن القول بأن هذه الدول رغبة منها في الحصول على
منافع أكبر تلجأ إلى إتباع سياسات مشتركة في مجال إنتاج وتسويق المواد الأولية
وذلك عن طريق التكتلات الاقتصادية مثل منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك التي تسمح
لها بالدفاع عن مصالحها المشتركة وتنسيق مواقفها ويمكن اعتبار الأوبك من أهم
التكتلات الاقتصادية للدول النامية وأكثرها دفاعا عن مصالح هذه الدول منذ منتصب
السبعينات كما أنها من أكثر القنوات تأثيرا ونفوذا لدى الدول الصناعية.
والواقع أن المصالح الاقتصادية
للدول كثيرا ما تنعكس على مواقفها السياسية وتعاملها الدولي وتدفعها بالتالي إلى
تمتين روابط التعاون الاقتصادي المشترك فيما بينها ويتجلى ذلك بصورة أوضح في
التعاون الاقتصادي المشترك بين الدول الأوروبية، فالرغبة هي عقوبة التعاون بين
الدول الأوروبية التي تربطها مصالح متبادلة هي التي شجعتها على إقامة تكتلات
اقتصادية بين دول أوروبا الشرقية سابقا والسوق المشتركة بين دول أوروبا الغربية،
وإلى جانب عامل الاقتصادي توجد عوامل أخرى مكتسبة من أهمها درجة الاستعداد العسكري
والتي تفرق بين قوة الدول إلى جانب الروح المعنوية.
2- جاهزية
الاستعداد العسكري :
يمثل الاستعداد العسكري
المظهر الرئيسي للقوة في المجال الدولي فمن البديهي أن تكون أقوى الدول هي أقواها
من الناحية العسكرية وهذا ما يجعل الولايات المتحدة وروسيا القوتين الرئيسيتين في
العالم بحيث أن التوازن الإستراتيجي يقتصر عليهما ولا يمكن للدول الأخرى ولو كانت
مجتمعة أو تعادل من حيث القوة العسكرية ما تمتلكه إحداهما من هذه القوة وهذا ما
يؤكد أن الاستعداد العسكري يضفي الأهمية الفعلية على عوامل القوة الأخرى وبالتالي
يكون أساسيا وضروريا لدعم وتنفيذ الدولة لسياستها الخارجية، وتتجلى درجة الاستعداد
العسكري في تقنية الحرب والقيادة ونوعية وضم القوات المسلحة فالتفاوت في تقنية
الحرب جعل الدول الاستعمارية في أوروبا تفوق على البلاد الأخرى في إفريقيا وأسيا
وتسيطر على العالم الجديد في النصف الغربي من الكرة الأرضية ذلك أن إدخال سلاح
الإشارة والمدفعية على أسلحة الحرب التقليدية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر
أدى إلى تحول ضخم في توزيع القوة لفائدة الدول الأوروبية التي تمتلك هذه الأسلحة
الجديدة قبل غيرها.
وقد شهد القرن العشرون
ابتكارات جديدة في تقنية الحرب، وأعطت ميزة مؤقتة للجانب الذي استخدمها قبل خصمه
أو قبل أن يتمكن هذا الخصم من وقاية نفسها منها. وكانت الغواصة هي الابتكار الأول
في الحرب العالمية الأولى إذ استخدمتها ألمانيا ضد السفن البريطانية، وظهرت في وقت
ما كافية لتقرير نتيجة الحرب لصالح ألمانيا إلى أن وجدت بريطانيا في نظام القوافل،
الرد على هذا التهديد الشديد الخطورة وكانت الدبابة السلاح المبتكر الثاني إذ
استخدمتها بريطانيا بأعداد كبيرة ومركزة ضد ألمانيا التي لم تعرفها إلا في المرحلة
النهائية في الحرب العالمية الأولى، ولاشك أن الدبابة كانت عامل من عوامل انتصار
الحلفاء في هذه الحرب وكان الابتكار الثالث هو التنسيق والتعاون بين القوات الجوية
والبرية والبحرية مما أسهم إلى حد كبير فيما حققته ألمانيا واليابان من تفوق في
المرحلة الأولى من الحرب العالمية الثانية، وقد أخذت الهزائم الذريعة التي ألحقها
اليابانيون بالأمريكان والبريطانيين والهولنديين برا وبحرا في 1941 و1942 أهمية
تفوق اليابان في تقنية الحرب وأساليبها.[132]
وإلى جانب ذلك ظهر في
الحرب العالمية الثانية، إبتكار جديد في تقنية الحرب أثر في مجرى الحرب وهو
استخدام المطارات العائمة المنتقلة المتمثلة في حاملات الطائرات من قبل الولايات
المتحدة واليابان.
ولكن أهم ابتكارات تقنية
الحرب تتمثل في إنتاج واستخدام السلاح النووي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية
ضد اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية. بل إن احتكارات الولايات المتحدة
للسلاح النووي ببضعة أعوام بعد الحرب العالمية الثانية منحها ميزة تقنية
ضخمة في مجال القوة العسكرية ولم يتبدل هذا الوضع إلا في نهاية الخمسينات حينما
بدا واضحا أن الاتحاد السوفياتي حقق توازنا إستراتيجيا في الأسلحة النووية مع
الولايات المتحدة وأصبح في إمكانه إصابة الأهداف الأمريكية بواسطة الصواريخ
العابرة للقارات.
والواقع أن ظهور تقنية
الحرب النووية كان بداية لجيل جديد من الابتكارات العسكرية التي لم تعد تقتصر على
الحرب في الأرض وفي أعماق البحار والمحيطات وإنما أصبحت تتعدى ذلك إلى الفضاء
الخارجي بسبب اختراع الأسلحة الفضائية والإشعاعية التي قد لا يستدعي استخدامها سوى
بعض ثوان ومؤدى ذلك كله أن الدول المتقدمة تكنولوجيا من الناحية العسكرية تستطيع
أن تحرز ميزات حاسمة على أعدائها الذين لم يحرزوا مثل هذا التقدم التكنولوجي رغم
قدرتهم على حشد قوات ضخمة غير مدعمة بأساليب الحرب الحديثة، وهذا ما تجلى واضحا في
حرب المالوين بين بريطانيا والأرجنتين عام 1982 وحرب الخليج عام 1991 وحرب كوسوفو
عام 1999.
وإلى جانب التقنيات
الجديدة في مجال الحرب تلعب القيادة العسكرية دائما دورا حاسما في مجال القوة
العسكرية فقوة بروسيا في القرن الثامن عشر كانت إلى حد كبير تشكل انعكاسا للعبقرية
العسكرية التي امتاز بها فريدريك الأكبر ولكن فن الحرب تبدل تبدلا كبيرا بعد موت
فريدريك الأكبر عام 1786 عندما استطاع نابليون في معركة فيينا عام 1806 تحطيم
الجيش البروسي الذي كان من ناحية مستواه العسكري وقوته معادلا تماما لما كان عليه
قبل عشرين عاما ذلك أن قادة الجيش البروس أصبحوا يفتقرون إلى العبقرية العسكرية
التي امتازوا بها في معارك فريدريك الأكبر في أوربا بأسرها، إذ انتقلت هذه
العبقرية إلى الجانب الآخر ممثلة في نابليون الذي طبق أفكاره الجديدة في فن
القيادة التي قررت دون شك مصير المعركة لفائدة فرنسا.[133]
وقد أصبحت نفسية خط
ماجينوا التي سيطرت على القيادة العليا الفرنسية في فترة ما بين الحربين
العالميتين مثالا للتفكير العسكري الخاطئ، ففي الوقت الذي مالت فيه اتجاهات
التقنية الحديثة نحو حرب الحركة السريعة واستعمال الآليات في النقل والمواصلات ظلت
القيادة العامة الفرنسية تفكر في إطار حرب الخنادق التي سادت الحرب العالمية
الأولى، أما القيادة العامة الألمانية فقد أدركت من ناحية أخرى المزايا العسكرية للحرب
الآلية لذلك وضعت خططها على أساس حركية لم يسبق لها مثال وقد أدى التصادم بين هذين
المفهومين وليس في معركة فرنسا وحدها ولكن في معارك بولونيا والاتحاد السوفياتي
أيضا إلى أن حققت حرب الصاعقة الألمانية تفوقها، كاد يصل بها إلى حد النصر النهائي
لولا أن الدول المغلوبة على أمرها وجدت سندها في التقنية المتفوقة للولايات
المتحدة وفي القوة البشرية الهائلة للاتحاد السوفياتي من أجل إحباط إبتكارات هتلر
وإلحاق الهزيمة بجيوشه.[134]
ولكن عناصر القوة في
المجال العسكري لا تقتصر على الأخذ بتقنيات الحرب الحديثة وكفاءة وعبقرية القيادة
العسكرية وإنما تشمل أيضا نوعية وكم القوات المسلحة، فقد يتيسر للدول الحصول على
تقنيات الحرب الحديثة وقد يتفوق قادتها العسكريين في مجال فنون الحرب ولكنها مع
ذلك تظل ضعيفة من الناحية العسكرية. وبالتالي من الناحية السياسية إذ لم يتوافر
لها الجهاز العسكري اللازم لأداء المهام الموكولة إليه سواء من حيث الكم أو حيث
الكف.
ولاشك في أن متطلبات
القوة العسكرية الكافية كما وكيفا تختلف من دولة إلى أخرى لعدم وجود تجانس بين
الدول من الناحية المادية فهل يتحتم على الدولة أن تحتفظ بقوات عسكرية كثيرة العدد
أو من الناحية المادية، فهل يتحتم على الدولة أن تحتفظ بقوات عسكرية كثيرة العدد
أو من الأفضل لها أن يكون لها جيشها مكونا من وحدات صغيرة عالمية التدريب والتجهيز
؟ وهل من المفيد للدولة عسكريا أن تتسلح بالأسلحة الدفاعية أو بالأسلحة الهجومية ؟
وهل يمكن الوصول بالحرب إلى نتيجة حاسمة عن طريق سلاح جديد كالمدفعية في بداية
القرن الخامس عشر والغواصة والدبابة في الحرب العالمية الأولى والطائرة بالنسبة
لفترة ما بين الحربين العالميتين والأسلحة النووية والفضائية بعد الحرب العالمية
الثانية ؟
إن الإجابة الخاطئة على
مثل هذه الأسئلة أوصلت كل من بريطانيا وفرنسا إلى حافة الهزيمة في الحرب العالمية
الثانية التي تطلبت أساليبها التقنية العسكرية ردودا مغايرة لتلك الأسئلة وما من
شك في أن الإجابة على هذه الأسئلة بصورة صحيحة أو خاطئة تؤثر تأثيرا مباشرا على
قوة الدولة فحجم القوات المسلحة وحده لا يكفي وإنما يلزم أيضا التركيز على الجوانب
الكافية في إعداد القوات وتجهيزها للقيام بمختلف المهام التي ستسند إليها ورفع
مستوى قدرتها القتالية.
وإلى جانب ذلك فالاستعداد
العسكري يتطلب من الدولة القدرة على حشد طاقاتها وإمكانياتها بأكبر ما يمكن من
السرعة لأن الدول التي تفشل في التعبئة الشاملة والسريعة لقواتها في الوقت المناسب
تفقد ميزات في مواجهة أعدائها كما أنه يستدعي إلى جانب ذلك إعداد الجبهة الداخلية
لخدمة الجهود العسكرية، فحشد إمكانيات وطاقات الدولة للحرب لا يمكن أن ينحصر في
الإطار العسكري وحده وإنما يجب أن يمتد إلى الجبهة العسكرية والمدنية في نفس
الوقت.[135]
من المؤكد أن التصرفات
الدولية الحالية للدول الكبرى الأعضاء في الأمم المتحدة ما هي إلا انعكاسا
للتطورات الدولية الراهنة التي يمر بها المجتمع الدولي في الوقت الراهن والتي تدل
دلالة واضحة على انفراط العقد الدولي وجنوح الأعضاء في التنظيم الدولي الحالي إلى
التحلل من القيم والمبادئ الدولية الراسخة التي أرساها ميثاق الأمم المتحدة
والأعراف والأخلاق الدولية والتي حضت على السلام بدلا من الحرب وعملت جاهدة على
إنماء العلاقات الودية بين الأمم وتحقيق التعاون الدولي في مختلف المجالات وصولا
إلى تحقيق غايتين أولهما حماية الأمن القومي الدولي وثانيهما تحقيق الرفاهية لجميع
شعوب في العالم.
وتجلى المسلك الدولي
الخاطئ والرافض للقيم والمبادئ الدولية في انتشار جرائم الإرهاب الدولي والتدخل في
الشؤون الداخلية لكثير من الدول بالمخالفة لنص المادة 712 من الميثاق والتي حرمت
التدخل حتى على المنظمة الدولية في الشؤون الداخلية للدول، وكذلك جرائم العدوان
والاحتلال الحربي غير المشروع والمخالف لقواعد القانون الدولي وللمواثيق والأعراف
الدولية مما كان له أكبر الأثر في أداء المنظمة الدولية على المستوى الدولي في
عرقلتها وإعاقتها عن أداء مهامها وتحقيق أهدافها ومبادئها التي قامت من أجل
تحقيقها، مما كان له عظيم الأثر في إلغاء الأمم المتحدة وذلك لعدم فاعليتها على
المستوى الدولي ولعجزها عن حفظ السلم والأمن الدوليين وتحقيق رفاهية الشعوب، وسوف
نعمل على تبين في هذا البحث أثر التطورات الراهنة على الأمم المتحدة ودورها في حفظ
السلم الدولي، ثم مدى نجاحها أو فشلها في تحقيق السلم والأمن الدولي.[136]
وعليه سوف نناقش هذا
البحث من خلال مطلبين الأمم المتحدة ودورها في حفظ السلم والأمن الدوليين المطلب
الأول، فشل منظمة الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين المطلب الثاني.
من المؤكد أن هيئة الأمم
المتحدة كمنظمة دولية عالمية قامت من أجل حفظ السلم والأمن الدوليين في المقام
الأول، ثم منع الحروب بعد ذلك، ولقد تأكد هذا من خلال ديباجة ميثاقها والتي جاء
فيها "نحن شعوب الأمم المتحدة وقد ألينا على أنفسنا أن ننقد الأجيال المقبلة
من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها
الوصف.
وجاء أيضا في مادته
الأولى أن من مقاصد الأمم المتحدة حفظ السلم والأمن الدوليين ولإزالتها تقمع أعمال
العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم وتتدرع بالوسائل السلمية وفقا للمبادئ
العدل والقانون الدولي وجل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم
لتسويتها.[137]
وبسبب التطور الدولي الذي
ساد الحياة الدولية عجزت المنظمة وفشلت، فعليا في حفظ السلم والأمن الدوليين وسوف
نلقي الضوء في هذا المطلب على الوسائل السلمية لحفظ السلم والأمن الفقرة الأولى،
الوسائل الغير السلمية لحفظ السلم والأمن الدوليين الفقرة الثانية.
لقد نص على هذه الوسائل
في الفصل السادس من الميثاق وعلى الأخص في المادة 33 منه والتي حددت هذه الوسائل
في الوسائل السياسية أو الدبلوماسية والوسائل القضائية، وكذا اللجوء إلى الوكالات
والتنظيمات الإقليمية.[138]
وتبدو وسائل الحل السلمي
أو الودي سندها في المادة 312 من الميثاق والتي ألزمت الدول الأعضاء في الجماعة
الدولية وليست الدول الأعضاء في المنظمة الدولية بأن يسووا ما بينهم من منازعات
بالوسائل السلمية شريطة ألا يتعارض هذا مع الميثاق أو أن يضر بالسلم والأمن
الدوليين أو أن يعرضه للخطر نفس الحكم نصت عليه المادة 33/1 من الميثاق والتي
أوجبت على جميع الدول في جميع المنازعات التي من شأنها أن تعرض السلم والأمن
الدوليين للخطر أن يبادروا إلى حله بطريقة المفاوضة والتحقيق والتوفيق والتحكيم
والتسوية القضائية أو أن يختاروا اللجوء إلى التنظيمات والوكالات الإقليمية أو أن
يختاروا الحل الذي يناسبهم.[139]
وتكمن وسائل الحل السلمي
فيما يلي :
وتعتبر هذه الوسيلة من
أحسن الوسائل السلمية لحل المنازعات الدولية وأيسرها وهي وسيلة تتميز بالاحترام
الشديد للسيادة الوطنية للدول الأخرى، وهي من الوسائل الاختيارية ولا تفرض على
الدول ولما لها من مزايا فهي وسيلة أو وسائل واجبة الإتباع لجميع الدول كبيرها
وصغيرها لكونها مجرد اقتراحات تقدم للدول وغير ملزمة لهم معا يعني الاعتراف
للأطراف بحق البحث عن وسيلة أو وسائل أخرى خارج نطاق القانون لحل نزاعهم.
وتتلخص الوسائل السياسية
أو الدبلوماسية فهي ما يلي :
أ- المفاوضات
:
وتعني التحاور والنقاش
بين أطراف النزاع وصولا إلى اتفاق بشأن النزاع يجمع بين وجهات النظر المتفرقة أو
كما عرفها البعض أنها "ما يتم بين الأطراف مباشرة من الحكم رد بشأن موضوع
النزاع مما قد يسفر عن اتفاق بين أصحاب الشأن في حله".[140]
ومن المتفق عليه أن
التفاوض قد يقوم به رؤساء الدول المتنازعة أو رؤساء الحكومات أو وزراء الخارجية أو
أي أشخاص آخرين يوكل إليهم القيام بهذه المهمة ويتوقف تحديد أشخاص التفاوض على
الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الأطراف، وعلى طبيعة الموضوع محل البحث أو
التفاوض وتعد المفاوضات من أقصر وأيسر الطرق السياسية والدبلوماسية لحل المنازعات
وذلك لعدم تقيدها بإجراءات شكلية معينة، ولقد نجحت هذه الوسيلة في تسوية العديد من
المنازعات. ويلاحظ عند استعمال الأطراف المتنازعة لهذه الوسيلة أن نجاحها يتوقف
على مجموعة من العوامل المجتمعة نذكر منها :
1- حسن
النية لدى الأطراف المعنية.
2- الجدية
في تسوية النزاع والرغبة الأكيدة في الوصول إلى حل النزاع.
3- طبيعة
النزاع المراد حله.
4- طبيعة
العلاقة بين الأطراف المتنازعة.
5- مراعاة
التساوي أو على الأقل وجود نوع من التوازي في مراكز الأطراف المتنازعة لأن هذا
التعادل أو التوازي.
أمر يتوقف عليه حل العديد
من المنازعات الجوهرية وأخيرا إذا لم تنجح المفاوضات المباشرة في الوصول إلى حل
النزاع وجب على الأطراف إفساح الطريق أمام أي دولة أخرى ثالثة وذلك بالسماح لها
بالتدخل كوسيط بين الأطراف المتنازعة وهو ما نراه في الوسيلة الثانية على النحو
التالي :
ب- الوساطة
:
تعتمد الوساطة على تدخل
دولة من دول الغير فيما بين الأطراف المتنازعة وذلك من أجل التقريب بين وجهات
المتنازعين بل له أن يقدم المقترحات لهم لحل هذا النزاع، ورغم دور الوساطة إلا
أنها وسيلة غير ملزمة، فالأطراف لها القبول أو الرفض دونما أدنى مسؤولية عليها.
وإن كان هذا الرفض يعد
عملا عدائيا في بعض الأحيان والمثل الواضح لرفض الوساطة رفض حكومة المغرب عام 1996
وساطة مصر لحل النزاع الدائر بين مصر والجزائر، وبخصوص رسم الحدود بينهما وبين
الجزائر بخصوص رسم الحدود فيما بينها وتفصلها عرض النزاع على منظمة الوحدة
الإفريقية وأحيانا تنجح الوساطة في حل النزاع مثال ذلك وساطة الولايات المتحدة
الأمريكية أواخر 1989 فيما بين جمهورية مصر العربية وإسرائيل لحل النزاع الدائر
بينهما حول شبه جزيرة سيناء التي كانت محتلة من طرف إسرائيل، والتي انتهت إلى
إبرام اتفاقية السلام المعروفة باسم اتفاقية كامب ديفيد 26 سبتمبر 1989 وكذلك
وساطة الولايات المتحدة الأمريكية بين فلسطين وإسرائيل لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي
منذ 1991 والذي انتهى إلى إبرام اتفاق أسلو واحد وأسلو 2، والذي اعترف بموجبه
بالسلطة الفلسطينية وبحقها في إقامة دولة فلسطين على منطقة غزة وأريحا وهذه
الوساطة لازالت مستمرة لحد الآن.[141]
ج- التحقيق
:
ويقصد بالتحقيق البحث
والتحري واستجلاء الأمر لكشف الغموض الذي يحيط بنزاع، إما بواسطة لجنة مكونة من
شخصين أو أكثر بمعرفة كلا الأطراف المتنازعة تسمى باسم لجنة تقصي الحقائق وتكون
مهمتها كلها معرفة أسباب النزاع ودوافعه والطرف البادئ بالعدوان واقتراح الحل
الأمثل للنزاع لمساعدة الأطراف على حله وتنتهي اللجنة إلى رأي قانوني يسنده
الاقتراح المقدم من اللجنة وهو رأي قانوني غير ملزم رغم أنه يتسم بالحياد ويسهل
على الأطراف الوصول إلى حل النزاع.[142]
وإلى جانب التحقيق هناك
وسيلة تعتمد على التقريب بين وجهات النظر تمهيدا لحل النزاع وهو التوفيق.
د- التوفيق
:
تعتمد هذه الوسيلة على
بحث النزاع ومحاولة فهم ومعرفة دوافعه واقتراح الحل الأمثل له والتقريب بين وجهات
نظر الأطراف تمهيدا لحل النزاع وهي وسيلة غالب ما تتم على يد خبراء متخصصين، ويتم
تشكيلها بمعرفة الطرفين وتحظى بثقة الأطراف والتي تقوم كما قلنا ببحث النزاع
ومعرفة أسبابه واقتراح الحل الأمثل له والتقريب بين وجهات نظر الأطراف تمهيدا لحل
النزاع، وهي الوسيلة غالبا ما تتم على يد خبراء متخصصين ويتم تشكيلها بمعرفة
الطرفين وتحظى بثقة الأطراف والتي تقوم على بحث النزاع ومعرفة أسبابه واقتراح الحل
الأمثل غير ملزم للأطراف بالمرة وهو ما يميز هذه الوسيلة عن غيرها من الوسائل
كالتحكيم، ولقد اتبعت هذه الوسائل في ظل عصبة الأمم المتحدة حيث أبرم العديد من
المعاهدات في ظلها وذلك بهدف تنظيم التوفيق بوصفه أحد الوسائل الناجحة لحل
العديد من المنازعات، ومنذ الحرب العالمية الثانية اكتسب التوفيق أهمية كبرى في حل
العديد من المنازعات كالنزاع بين مصر وإسرائيل عام 1989 بشأن قضية طابا ولكن قلت
أهمية هذه الوسيلة في الوقت الحاضر لصعوبة تشكيل مثل هذه اللجان.[143]
ه- التحكيم
الدولي :
ويقصد به حل المنازعات
الدولية من خلال أحكام قضائية تصدر ع ن محاكم أو هيئات تحكيم مختارة أي من خلال
قضاة يختارهم الخصوم، وتطبق في أحكام هيئات التحكيم القواعد القانونية التي
يختارها الخصوم المستمدة من القانون الدولي أو القواعد القانونية الأنسب للنزاع،
وبذلك لا يكاد يختلف التحكيم الدولي عن القضاء الدولي لأن كلاهما يستهدف حل النزاع
بيسر وسهولة ولكن رغم هذا التماثل والتشابه إلا أن هناك فروقا واضحة بين هاتين
الوسيلتين، فالتحكيم يغلب عليه الطابع الرضائي أو الاتفاقي، فهو وسيلة لا يمكن
اللجوء إليها إلا من خلال اتفاق أو رضاء الأطراف المتنازعين أيضا أن التحكيم
الدولي ذا طابع اختياري فهو يتشكل من قضاة مختارون من قبل الأطراف وهو ليس موجودا
في القضاء، فعن طريق اتفاق يبرم فيما بين المتنازعين سلفا يسعى باسم مشارطة
التحكيم يقوم الأطراف المتنازعون باختيار المحكمين بين فقهاء القانون والخبراء
المتخصصين أيضا، فإن الحكم القضائي الصادر من المحاكم الدولية يتمتع بقوة ملزمة
إلا أن حكم التحكيم إن كان يتمتع بقوة الإلزام بالنسبة لأطرافه إلا أنه يتخذ
بالقوة لأن تنفيذه يتوقف على إرادة الدول الصادر لمصلحتها، وذلك لعدم وجود السلطة
الدولية القائمة على تنفيذ الأحكام القضائية الدولية بالقوة ومع ذلك فالمتتبع
للممارسات الدولية يجد أن هناك اتجاها واضحا نحو احترام أحكام محاكم التحكيم
وتنفيذها بالقوة، وذلك قياسا على وضع أحكام محكمة العدل الدولية التي عهد
الميثاق بتنفيذها بالقوة لمجلس الأمن عملا بأحكام المادة 94 من الميثاق.[144]
ومن المستقر عليه أن حل
المنازعات الدولية عن طريق التسوية القضائية المتجسدة فيما يصدر عن المحاكم
الدولية من أحكام قضائية على سند من القانون، يكفل لها الوجود الدائم الذي من
خلاله تتمتع الأحكام القضائية بالثقل أو القوة الذاتية. وبالتالي تعد هذه الأحكام
أحكاما نهائية فيما قضت به ولا يجوز الرجوع فيها أو تعديلها إلا من خلال تعديل
الاتفاقيات الدولية نفسها وهذا ما يميز هذا القضاء عن هيئات التحكيم التي يغلب
عليها طابع التأقيت.
وهذا وللقضاء الدولي
تاريخ طويل فقد وجد هذا النوع من القضاء منذ أن وجد التنظيم الدولي فتعد المحكمة
الدائمة للعدل الدولي أول محكمة دولية ذات اختصاص عام وشامل بنظر المنازعات التي
تثور بين الأطراف، ورغم النص عليها في المادة 14 من عصبة الأمم إلا أنها كانت تعد
جهازا مستقلا عن العصبة حتى أن نظامها الأساسي كان بمثابة الوثيقة المنفصلة عن عهد
العصبة.[145]
وتمارس المحكمة اختصاصا
قضائيا عند تصديها للمنازعات التي تثور بين الأطراف وفق نظامها الأساسي، وإلى جانب
اختصاصها القضائي ولها وظيفة إفتائية واستشارية، وفق ما يطلب منها من كل من
الجمعية العامة ومجلس الأمن وسائر فروع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وإذا
كانت محكمة العدل الدولية هي أداة المنظمة الدولية العالمية القضائية الوحيدة إلا
أن هذا لا يمنع من وجود محاكم إقليمية تختص بالفصل في المنازعات الإقليمية، ومن
أهمها محكمة عدل الجماعات الأوروبية ومحكمة حقوق الإنسان التابعة لمجلس أوروبا
والهيئة القضائية التابعة لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول وكذلك الآلية
القضائية لفض منازعات منظمة التجارة العالمية.
و- اللجوء
إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية :
من المقرر أن دساتير
المنظمات الإقليمية تشتمل دوما على نص أو أكثر يقضي بإلزام أعضائها باللجوء إلى
التسوية السلمية لمنازعاتها الدولية، مثل النص الذي أوردته منظمة الوحدة الإفريقية
ومنظمة الدول الأمريكية ومنظمة حلف شمال الأطلسي وجامعة الدول العربية.
ومما يذكر هنا أن لهذه
الآليات أو التنظيمات الإقليمية دور ملحوظ في حل العديد من المنازعات الدولية
دونما أن يؤدى هذا إلى إحداث نوع من التضارب من الاختصاصات وذلك بفضل إتباعها
لمبادئ معينة نهجت على السير على منوالها أهمها:
- أنه
يتعين على الأطراف المتنازعين الأعضاء في تنظيم إقليمي معين أن يلجأوا أولا إلى
هذا التنظيم لتسوية مثل هذه المنازعات فليس من المستحسن أن يلجأ هؤلاء الأطراف
أولا إلى مجلس الأمن لتسوية نزاعهم بدلا من تنظيماتهم بل أن مجلس الأمن يجد أولا
الأطراف إلى اللجوء لهذه التنظيمات أو لا التماس لحل منازعاتهم الدولية قبل اللجوء
إليه دونما أن يؤثر هذا في صلاحية مجلس الأمن في فحص أي نزاع أو موقف قد يرى أن
استمراره قد يضر بالسلم أو الأمن الدولي حتى لو شرعت منظمة إقليمية في فحص النزاع
ولكن يكون هذا من مجلس الأمن بصدر شديد حتى لا يعوق تدخل مساعي المنظمات
الإقليمية.[146]
- ومما
يذكر أن هناك العديد من الأمثلة للمنازعات الإقليمية التي كان للتنظيمات الإقليمية
مع تدخل مجلس الأمن دور كبير في حلها منها مثلا النزاع العراقي الكويتي عام 1961
عند حصول الكويت على استقلالها ومعارضة العراق لذلك ومحاولة ضمها إليها على أنها
جزء من أراضيها، فأصدرت الجامعة العربية آنذاك قرارا بتشكيل قوات طوارئ عربية
تمركزت على الحدود بين الدولتين محل القوات الأجنبية وكذلك شكوى لبنان ضد
الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 لاتهامها بالتدخل في شؤونها الداخلية والتي
عرضت على مجلس الأمن وأجل فيها مناقشاته رغم إدراجها في جدول أعماله وذلك لسماح
لجامعة الدول العربية لحل هذا النزاع ولو لا اعتراض لبنان على بحث مجلس الجامعية
بالشكوى ما تدخل مجلس الأمن وبحث النزاع وتصدى له.[147]
وهناك العديد من الأمثلة
التي تدخل فيها مجلس الأمن بصحبة الجامعة العربية منها النزاع العراقي الكويتي عام
1990 والذي أصدر فيه قرار رقم 660 في 2 من أغسطس.
إلى أنه هناك مجموعة من
المنازعات لا يتم حلها بالطرق السلمية أو لا توجد الوسائل سلمية لحلها لذلك كان
على واضعي الميثاق أن يبحثوا على وسيلة أكثر فعالية في حل هذه المنازعات لذلك فكر
واضعوا الميثاق في وضع وسائل قسرية كفيلة بردع المعتدى ومنع العدوان.
من المقرر أن للأمم
المتحدة العديد من الوسائل القسرية أو غير السلمية لحفظ السلم والأمن الدوليين
وهذه الوسائل تضمنها الفصل السابع من الميثاق بدءا من المادة 39 إلى المادة 51 من
الميثاق والتي حدد تلك الوسائل وهي أولا حالة الأمن الجماعي المنصوص عليها في
المواد 39 و42 و43 من الميثاق، وكذلك حق الدفاع الشرعي المنصوص عليها في
المادة 51 ثم حالة استخدام القوة ضد العضو الممتنع عن تطبيق حكم محكمة العدل
الدولية عملا بالمادة 94 من الميثاق، ولقد تعددت هذه الحالات ومنها :
أ- حالة
الأمن الجماعي : لقد استحدث الميثاق نظاما للأمن
الجماعي ضمنه الفصل السابع منه وخاصة المادة 39 والمادة 42 من الميثاق وهما اللتين
أعطتا لمجلس الأمن مهمة تطبيق الوقائع والأحداث وتحديد ما إذا كان هناك نزاعا ما
من شان استمراره أن يهدد حفظ السلم والأمن الدولي أو أن يعرضه للخطر أو أن يكون
هناك عدوانا بوصفه الجهاز الوحيد صاحب القدرة والاختصاص بحفظ السلم والأمن الدولي،
فإذا ما تأخذ من وجود حالة من هذه الحالات كان له أن يعمل أحكام المادة 42 من
الميثاق والتي أعطت لمجلس الأمن إذا رأى أن ما نص عليه المادة 41 من الميثاق لا
يكاد يفي بالغرض المطلوب أن يتخذ بطريق القوة الجوية والبحرية والبرية مما يلزم من
الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه ويجوز أن تشمل هذه الأعمال
المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق قواته الجوية والبرية والبحرية التابعة
لأعضاء الأمم المتحدة وإن كان الأمر أخف وطأة من إتباع نص المادة 41 من الميثاق
والتي أعطت لمجلس الأمن دعوة الأطراف لحل النزاع عن طريقة اختيار إحدى الوسائل
المنصوص عليها في المادة 33 من الميثاق وهي وسائل الحل السلمي للمنازعات وهو ما
يعني عدم التزام مجلس الأمن بإتباع الترتيب الوارد في الميثاق.[148]
وإن كان أمر إتباع إجراء
دون الآخر مسألة تقديرية لمجلس الأمن الذي له حرية إتباع إجراء دون آخر، فمثلا
أحيانا قد يرى مجلس الأمن أن أمرا ما قد يعد إخلالا بالسلم أو عدوى، فمثلا بشأن
الوضع في روديسيا الجنوبية أصدرت وزارة رقم 232 لسنة 1966 من 16 ديسمبر 66 حيث
أشار فيه المجلس إلى أنه يتصرف وفقا لنص المادتين 39 و41 من ميثاق الأمم المتحدة
بوصفه أن الأمر كله يشكل تهديدا للسلم والأمن الدولي وقريب من هذا القرار رقم 660
والصادر في 2 أغسطس 1990 بخصوص الغزو العراقي لدولة الكويت واحتلاله لكامل أرضه إذ
أكد القرار أن مجلس الأمن إذ يقرر أنه خرق للسلم والأمن الدوليين فيما يتعلق الغزو
العراقي للكويت وإذ يتصرف بموجب المادتين 32 و40 من ميثاق الأمم المتحدة، وبخلاف
الحال فيما يتعلق بقراره رقم 418 بخصوص جنوب إفريقيا والصادر عام 1977 والذي أخذ
فيه امتلاك جنوب إفريقيا للأسلحة والمعدات المتعلقة بها يشكل تهديدا للمحافظ على
السلم والأمن الدوليين.
ورغم الحالات المتقدمة
إلى أن هناك حالات يستخدم فيها مجلس الأمن سلطاته وصلاحياته الممنوحة له بموجب
أحكام الفصل السابع من الميثاق، وخاصة المادة 42 من الميثاق والتي تعد تطبيقا حيا
لحالة الأمن الجماعي ذلك لأن المادة من الميثاق أعطت لمجلس الأمن عند فشل جميع
الحلول الواردة في المادة 41 من الميثاق وهي الحلول السلمية أن يتخذ ما يراه
ملائما من السلطات والصلاحيات اللازمة عن طريق القوات الجوية أو البحرية الموضوعة
تحت تصرف المنظمة الدولية والتي تحدد أعدادها وقدرتها وصلاحياتها بموجب الاتفاقيات
التي تبرم بين المنظمة الدولية ودول الأعضاء عملا بالمادة 42 من الميثاق.
ويعد القرار رقم 678 في
29 نونبر 1990 من أخطر القرارات وأكثرها تطبيقا لحالة الأمن الجماعي وهو الذي أعطى
لجميع الدول المتحالفة في ظل الأمم المتحدة استخدام كافة الوسائل الممكنة من أجل
إنهاء عدوان العراق على الكويت، ورغم أن هناك شبه إجماع بين فقهاء القانون الدولي
على أن استخدام القوة في الخليج إعمالا لحق الدفاع الشرعي الجماعي المنصوص عليه في
المادة 51 من الميثاق إلا أن تطبيقا لحالة الأمن الجماعي المنصوص عليها في الميثاق
في الفصل السابع منه، ومما يذكر هنا أن مجلس الأمن إن كان قد سمح للقوات المتحالفة
ضد العراق عند غزوه للكويت باستعمال القوة إلا أنه رفضه عند ادعاء أمريكان بأن
النظام العراقي نظام خطر ومهدد للسلم والأمن الدوليين لكونه يساند الإرهاب ويمتلك
أسلحة الدمار الشامل. ويلاحظ أن حالة الأمن الجماعي ليست هي الوحيدة لاتخاذ
التدابير القسرية أو غير السلمية فهناك حالات أخرى منها أن يكون هناك تهديد للسلم
والأمن الدوليين وفقا لنص المادة 39 من الميثاق ويتمثل في حالة تهديد السلم أو
الإخلال به.
ب- حالة
تهديد السلم أو الإخلال به : ويقصد بتهديد السلم والأمن تهديد
دولة لأخرى بالدخول معها في حرب أو القيام بعمل من أعمال التدخل أو التهديد أو
باستخدام إحدى صدور العنف أو من خلال وقوع صدام داخل إحدى الدول ويكون ذلك على قدر
كبير من الجسامة والعنف، بحيث يؤدي إلى تعريض مصالح الدول الأخرى للخطر فإذا ما
حازت أطراف النزاع على وصف المحاربين فإن الأسر يتعدى حدود تهديد السلم والأمن إلى
الإخلال به بصفة فعلية.[149]
ويعد أيضا تهديدا للسلم
تكوين جماعات مسلحة في إحدى الدول وتدريبها بقصد غزو إقليم دولة محاورة مثلا،
ويتضح هذا النشاط حينما تتوافر المعلومات الكافية عن هذه الجماعات لدى أجهزة
الدولة المهددة ومطالبتها للدولة بمصدر التهديد بضرورة اتخاذ التدابير اللازمة
لمنع تكوين ونشاط هذه الجماعات ورفض الدولة الأخيرة لهذا الطلب، ومما يذكر منا أنه
ليس كافيا للقول تهديدا السلم والأمن الداخلي لدولة ما أو للسلم والأمن الدولي،
توافر معلومات استخبارتية عن وجود مثل هذه الجماعات لأن هذه المعلومات ليست كافية
للاستناد إليها لتكييف موقف كهذا. وللعلم فإن هذه المعلومات معلومات غالبا ما
تنقصها الدقة وعدم التحديد لذلك إن تم الاستناد إليها في إصدار قرار لمواجهة مثل
هذا التهديد فإن هذا يشكل قصورا من مصدر القرار ومخالفة جسيمة لأحكام وقواعد
القانون الدولي وخاصة المادة 39 من الميثاق، وعليه فإن الغارة الإسرائيلية ضد
سوريا في أواخر عام 2003 بزعم إيواء سوريا لمعسكرات تدريب لأفراد من شبكة تنظيم
القاعدة تعد انتهاك السيادة السورية ومخالفة جسيمة لأهم مبدأ من مبادئ القانون
الدولي المعاصر وهو مبدأ السلامة الإقليمية، يضاف إلى ما تقدم أن جميع الحروب
الأهلية رغم أنها حروب داخلية قد تكون مهددة للسلم والأمن الدوليين إذا ما عظمت
وتطورت المساعدات الخارجية لأطرافها المتناحرة وأدت إلى تطورها إلى حرب دولية، وهو
رأي ليس بالحديث بل هو رأي قديم منسوب إلى محتل المملكة المتحدة أمام مجلس الأمن
قد بحث المشكلة الكورية عام 1950، وعلى كل فإذا كانت مسألة تقدير وجود تهديد من
عدمه متروك لمجلس الأمن إلا أن الأخير قد يتوسع أحيانا توسعا غير مرغوب فيه في
فكرة بتهديد السلم والأمن الدوليين، ولقد شوهد هنا في مؤتمر رؤساء الدول والحكومات
المنعقد في 21 يناير 1992 عندما عبر قادة ورؤساء حكومات العديد من الدول كالمغرب
والإكوادور وبلجيكا فقد ركز بعضهم على الفقر والتخلف كأحد الأسباب الرئيسية وراء
تهديد السلم والأمن الدوليين ورأي البعض أن تدفق اللاجئين عقب الحروب الأهلية يشكل
أكبر العوائق أمام استقرار السلم والأمن الدوليين في حين ركز رئيس أمريكا على
الإرهاب الدولي بوصفه أحد الأسباب المؤدية لتهديد السلم الأمر الذي جعل كلمة رئيس
مجلس الأمن آنذاك ثمن معبرة عن جميع هذه الآراء ووجهات النظر وذلك عندما قال
"5- إن لمجلس الأمن إذا رأى عدم جدوى حل النزاع من خلال الإجراء السابق أن
يصدر قراره بإلزام أو توجيه الأطراف إلى إتباع إحدى الوسائل السلمية المنصوص عليها
في المادة 33 من الميثاق لحل النزاع، 6- لمجلس الأمن إصدار قراره بوقف إطلاق النار
بين الجانبين مثل قراره في المسألة الأندونيسية عام 1947 بوقف إطلاق النار مع
التوصية بدعوة الأطراف لحل النزاع من خلال اللجوء للتحكيم أو غيره من الوسائل
الأخرى تطبيقا لذلك أصدر مجلس الأمن قرارا في 25 من أغسطس 1947 بشأن النزاع نفسه
بتشكيل لجنة قنصلية عامة للسهر على وقف إطلاق النار ولجنة ثلاثية لعرض مساعيها
الجيدة على الأطراف تمهيدا لحل النزاع".
ومن ذلك أيضا قرار مجلس
الأمن بدعوة تركيا وقبرص بعد نزول القوات التركية أراضي قبرص إلى حل النزاع عن
طريق المفاوضات المباشرة بعد إصدار التوصية بضرورة وقف إطلاق النار.
هذا ولمجلس الأمن في
ممارسة هذه السلطات الحرية التامة ولا يقيده أو يحد من اختصاصاته هذه إلى قيدين :
أ- مراعاة
مجلس الأمن بما قد تكون اتخذته الأطراف المتنازعة من إجراءات لتسوية النزاع.
ولا يعني هذا القيد
التزام مجلس الأمن بالنتائج التي توصل إليها الأطراف إنما فقط مجرد مراعاة مجلس
الأمن لما قد تتخذه الأطراف المتنازعة من إجراءات.
ب- لمجلس
الأمن تقديم توصياته مع مراعاة أن المنازعات القانونية يستبعدها تماما من جدول
أعماله ويوجه الأطراف المتنازعة إلى عرضه على محكمة العدل الدولية وفقا لأحكام
النظام الأساسي للمحكمة عملا بالمادة 36/3 من الميثاق.[150]
إلى أنه قد تسيطر بعض
النزاعات السياسية على منظمة ما مثل منظمة الوحدة الأمريكية التي قامت نهاية
القارة الأمريكية من حظر الحد الشيوعي، فيجب على الأطراف المتنازعة الأخذ بعين
الاعتبار أن الأمم المتحدة هي صاحبة الاختصاص العام والشامل والأصيل في حل
المنازعات الدولية، وعلى الدول المتنازعة أن تفاضل فيما بين المنظمة الإقليمية
والأمم المتحدة عند عزمها على حل نزاع ما نشب بينها.
- دعوى
الأطراف المتنازعة لحل منازعاتها وفقا لأسس خاصة عملا بأحكام الميثاق :
وتتلخص هذه الأسس فيما
يلي :
1- أن
شروع الأطراف لحل خلافاتهم بإحدى الوسائل السلمية المنصوص عليها في المادة 33 من
الميثاق لا يخول مجلس الأمن في التوصية بما يراه ملائما من الإجراءات وطرق التسوية
المناسبة للنزاع.
2- إن
مجلس الأمن حر في اختيار وقد تدخله من تلقاء نفسه، ووفقا لمبادرة خاصة ودونما حاجة
لإسراع انتباهه من قبل دولة عضو أو حتى من قبل الأمين العام أو من قبل الأطراف
المتنازعة ذاتها.[151]
3- إذا
كان لمجلس الأمن حرية كاملة في اختيار وقت تدخله فهو حر أيضا في رفض هذا التدخل
إذا ما قدر أن تدخله غير مناسب أو أنه سوف يزيد الأمور تعقيدا.
4- لمجلس
الأمن إن قدر أن الأمر أو النزاع يستدعي تدخله فهو وحده صاحب القرار في تحديد
العمل أو الإجراء الذي يتخذه في مواجهة هذا النزاع فله وحده أن يقرر ما إذا كان
النزاع يستدعي القيام بأعمال حربية أو أنه يقتضي فقط اتخاذ إجراءات كالتوجه بوقف
الأعمال العدوانية، وغالبا ما يتم تشكيل لجنة لتسهر على تطبيق مثل هذه التوصية
وخير مثال على ذلك هذا الإجراء ما قام به مجلس الأمن عام 1948 عند إصداره للقرار
الخاص بوقف أعمال العنف في فلسطين وتطبيق هذا القرار السلم والأمن الدوليين لا
ينبثقان فقط من عيبه الحروب والمنازعات المسلحة فتحة تهديدات أخرى غير ذات طبيعة
عسكرية للسلم قد تجد مصدرها في عدم الاستقرار الذي يوجد في المجالات الاقتصادية
والاجتماعية والإنسانية والبيئية، إن هذا الوضع يستوجب من جميع أعضاء الأمم
المتحدة العمل داخل نطاق الأجهزة المختصة لإعطاء الأولوية الكبرى لحل مثل هذه
المشاكل.
ورغم أن البعض قد رأى أن
آراء رؤساء الدول والحكومات إنما جاء تعبيرا عن مجموعة من المصالح لدى عدة دول مما
يستوجب إصدار توصيات بشأنها وفقا لأحكام الفصل السادس وليست تدميرا وفقا لأحكام
الفصل السابع، إلا أننا نرى أن هذه الحالات تستوجب اتخاذ التدابير اللازمة
والملائمة لمواجهتها لأن مثل هذه الحالات والأسباب قد تشكل تهديدا للسلم والأمن
الدوليين إن لم يكن بصفة مباشرة فبصفة غير مباشرة مما يستوجب مواجهتها باتخاذ
التدابير الملائمة والفعالة لمنع تكرار حدوثها تمرة أخرى وللحد من أثارها
المتفاقمة والتي ربما تهدد السلم والأمن الدوليين.[152]
ولعل هذا يدعو إلى إمعان
الفكر لضوابط والقيود اللازمة لتحديد ما إذا كان أحد هذه الأسباب يشكل تهديدا
للسلم من عدمه وأهم هذه الشروط والضوابط ثلاثة :
1- حدوث
مخالفة لأحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة كالتهديد بالحرب أو استخدام
القوة ضد دولة أخرى أو التهديد بالتدخل في الشؤون الداخلية.
2- أن
يدور العمل المخالف أو أن ينطوي على مجرد التهديد والترويع وليس الاستخدام الفعلي
للقوة أو التدخل الفعلي في الشؤون الداخلية.
3- ألا
يتعدى هذا الفعل حدود التهديد إلى الممارسة الفعلية أو إظهار النوايا الجدية في
القيام بالعمل المخالف كتحريك قوات أو حشدها أو توجيه أسلحة أو إجراء مناورة على
الحدود بالذخيرة الحية.
ج- الإخلال
بالسلم : يحدث الإخلال بالسلم عند التناحر والتصادم بين حكومتين إحداهما شرعية
وأخرى فعلية خلف الحدود الدولية المتعارف عليها.
ويترتب على ذلك ما تقدم
من جميع أعمال العنف التي تقع فيما بين جميع الوحدات أو القوات الداخلية بين
الجماعات المتظاهرة لا تعد إخلال للسلم والأمن الدوليين ولا يمكن أن يكتب أصحابها
أو القائمين بها وصف المحاربين ما لم يحدث هناك تدخل من أطراف خارجية أو الاعتراف
بأحد المتصارعين بوصف المحاربين، أما إن اتخذت هذه الوحدات أراضي دولة أخرى مركزا
لها للانطلاق منها فإن هذا هو الإخلال بالسلم الفعلي.
ولقد حدد مجلس الأمن
الدولي المقصود بالإخلال بالسلم بالقرار رقم 54 في 15 يوليو عام 1948 بشأن القضية
الفلسطينية، حيث اعتبر عدم الادعان لقرار وقف إطلاق النار في فلسطين يمثل مظهرا
من مظاهر الإخلال بالسلم وفقا للمادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة.
كما ذهب مجلس الأمن إلى
تكييف غزو قوات كوريا الشمالية لأراضي كوريا الجنوبية باعتباره شكلا من أشكال
الإخلال بالسلم، أيضا أعطى مجلس الأمن نفس التكييف لغزو العراق لدولة الكويت في 2
من أغسطس عام 1990.[153]
- أعمال
العدوان :
رغم أن واضعوا ميثاق
الأمم المتحدة قد أسهبوا في بيان أحكام الفصل السادس والسابع اللذين أعطى الميثاق
بموجبها صلاحيات وسلطات واسعة في مواجهة جميع المنازعات بمختلف درجاتها إلا أن
الفصل السابع والخاص بمنح مجلس الأمن سلطة اتخاذ تدابير المنع أو القمع في مواجهة
حالة العدوان قد خلا تماما مما يفيد تحديد مدلول أوضح تعريف محدد للعدوان، وربما
يرجع إلى عدم قدرة واضعوا الميثاق آنذاك على وضع تعريف محدد للعدوان وربما يرجع
ذلك إلى عدم قدرة واضعوا الميثاق آنذاك على وضع تعريف محدد للعدوان ولكون المصطلح
ذاته يحتاج إلى مزيد من التحقيق بحيث يجيئ التعريف غير متسم بالعمومية والأعمال،
وأكثر دقة وإحكاما وربما يرجع ذلك إلى كون أن واضعوا الميثاق لم يحيطوا علما بجميع
صور العدوان وهي مسألة غير واضحة لكون أن هذه الصور سوف تكشف عنها التطبيقات
العملية أكثر من إثباتها من خلال الفروض النظرية. ورغم هذا إلا أن الجمعية العامة
أولت هذا الموضوع اهتماما كبيرا وشكلت العديد من اللجان لوضع تعريف محدد لمصطلح
العدوان والتي وضعت تقاريرها المختلفة والتي أصدرت على هديها قرارها الأشهر رقم
3314 في 14 ديسمبر 1974 بشأن تعريف العدوان والذي جاء فيه "أن العدوان يعني
استخدام القوة المسلحة من جانب دولة ضد سيادة ووحدة الأراضي الإقليمية أو
الاستقلال السياسي لدولة أخرى أو بأية طريقة لا تتماشى مع ميثاق الأمم
المتحدة".
وقد أورد القرار مجموعة
من الأعمال اعتبرها عملا عدوانية وهي :
أ- قيام
القوات المسلحة لدولة ما بغزو أو شن هجوم على أراضي دولة أخرى أو أي احتلال عسكري
مهما كان مؤقتا ينجم عن هذا الغزو أو الهجوم أو أي ضم عن طريق استخدام القوة
لأراضي دولة أخرى أو جزء منها.
ب- قيام
القوات المسلحة لدولة ما يقصف أراضي دولة أخرى أو استخدام دولة ما لأية أسلحة ضد
أراضي دولة أخرى.
ج- محاصرة
موانئ أو سواحل دولة ما عن طريق استخدام القوات المسلحة لدولة أخرى.
د- قيام
القوات المسلحة لدولة ما يشن هجوم على القوات البرية أو البحرية أو الجوية أو
الأساطيل البحرية أو الجوية لدولة أخرى.
ه- استخدام
القوات المسلحة لدولة ما والتي تكون متواجدة داخل أراضي دولة أخرى بموجب موافقة من
الدولة المستقلة استخداما يعد انتهاكا للشروط المنصوص عليها في الاتفاق بين
الدولتين أو أي مدة لوجود هذه القوات في تلك الأراضي بعد انتهاء لهذا الاتفاق.
و- سماح
دولة ما باستخدام أراضيها التي وضعتها تحت تصرف دولة أخرى من قبل هذه الدولة بارتكاب
عمل عدواني ضد دولة ثالثة.
ز- قيام
دولة ما بإرسال أو إيفاد جماعات مسلحة أو جند غير نظامين أو مرتزقة لارتكاب أعمال
بالقوة المسلحة ضد دولة أخرى وتكون على نفس خطورة الأعمال التي ورد ذكرها أو
مشاركة الدولة الفعلية في هذه الأعمال.[154]
ومما يلاحظ من خلال
الممارسة العملية والفعلية لمجلس الأمن فإن ما سبق ذكره في القرار من صور للعدوان
أمر لا يقيد المجلس وذلك لكون أن مسألة تحديد ما يعد عملا عدوانيا فإنه من اختصاص
مجلس الأمن وحده، ولذلك يلاحظ أن مجلس الأمن لا يستخدم مصطلح العدوان بصورة صريحة
إلا في حالات محدودة على سبيل الحصر نتذكر منها عدوان روديسيا ضد موزمبيق والأعمال
العدوانية لجنوب إفريقيا ضد أنجولا ثم الأعمال العدوانية لجماعات المرتزقة ضد
جمهورية بنين، كذلك قيام جماعات المرتزقة ب؛إفلات مقر البعثات الدبلوماسية
والقنصلية في الكويت وسحب حصانات وامتيازات هذه البعثات وأفرادها بالمخالفة
لمقررات مجلس الأمن وأحكام اتفاقيتي فيينا المبرمتين في أبريل 1961 بشأن العلاقات
الدبلوماسية.
الحقيقة أن فعالية الأمم
المتحدة وقدرتها على تحقيق أهدافها ظلت ضعيفة من الناحية العملية منذ تأسيسها، حيث
لم تستند هذه المنظمة على أي شكل من أشكال القوة الحقيقية التي تؤهلها للقدرة على
التأثير من مجريات الأحداث في العالم بحيث ظلت إرادتها مرهونة بإرادة الدول الكبرى
والمحصلة النهائية لإرادة الطرف الأقوى من هذه الدول، وبالرغم من استخدام المنظمة
عدة وسائل لمواجهة الأحداث وحفظ السلم، إلى أنها قد فشلت في حفظ الأمن الدولي
وبذلك برزت طلبات عديدة في أورقة الأمم المتحدة تدعو إلى إصلاح حال الأمم المتحدة
لتكون تعبيرا حقيقيا عن حال العالم اليوم.[155]
وعليه سوف يتم تقسيم هذا
المطلب إلى فقرتين بعض نماذج النزاعات الدولية التي فشلت الأمم المتحدة في إنهائها
الفقرة الأولى، تطوير الأمم المتحدة استجابة للمستجدات الدولية الفقرة الثانية.
لقد فشلت المنظمة الدولية
في حل النزاع الإسرائيلي المزمن الذي نتج عن عدوان إسرائيل على الأراضي العربية في
6 يونيو 1967 والذي أصدر على إثره مجلس الأمن الدولي قراره رقم 242 في نوفمبر 1967
والقاضي بإلزام إسرائيل الانسحاب إلى حدود ما قبل السادس من يونيو لعام 67 ولازال
النزاع مستمرا وقائما حتى لحظة، كذلك عجزت الأمم المتحدة عن حفظ السلام في كافة
العالم وليس حرب أفغانستان والوجود الدولي غير المشروع على أراضيها من قبل قوات
التحالف الأنجلو الأمريكي ببعيد، أضف إلى ما تقدم فشل الأمم المتحدة في منع عدوان
الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على العراق، رغم تأكيد حريق التفتيش الدولي
عدم العثور على أية أدلة لحيازة أو امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل أو معدات
إنتاج وتطوير ونقل وتخزين مثل هذه النوعية من الأسلحة الأمر الذي انتفى معه مبرر
الولايات الأمريكية وحلفائها للتدخل في شؤون العراق ومن ثم ضرب العراق، واحتلت
أراضيه بالكامل بالقوة دونما مبرر أو سبب معقول من الواقع أو القانون، الأمر الذي
يؤكد من جديد فشل الأمم المتحدة في حل النزاعات الدولية وحفظ السلم والأمن
الدوليين، وهو ما يدعونا إلى تناول بعض النماذج التي فشل منظمة الأمم المتحدة
أمامها دون الوصول إلى حل هذه النزاعات.[156]
1- الأمم
المتحدة والنزاع العراقي الكويتي :
لقد تفجرت قضية النزاع
العراقي الكويتي عقب الغزو العراقي لدولة الكويت والاحتلال الكامل لأراضيه في
الأول، في أغسطس 1990 وذلك استنادا من العراق على مجموعة من الحجج والأسانيد دارت
كلها حول وجود حق تاريخي للعراق في الكويت بوصفه أن الكويت كانت أثناء الحكم
العثماني وما قبله جزء من لواء البصرة العراقي، وبالتالي كان يحكمها حاكم واحد
يسمى بالقائم مقام العثماني وإلى جانب هذا فإن هناك منازعات حدودية بين البلدين
نشأت عقب وقوع حالات عدوان من قبل حرس الحدود وخفر السواحل الكويتية على الحدود
العراقية إلى جانب أن العراق له دين ثابت في ذمة الكويت ناتج عن حرب العراق مع
إيران بوصفه أن العراق حامي البوابة الشرقية للعرب جميعا وللكويت خاصة، وفضلا عما
تقدم به أدعى العراق عدوان الكويت المتكرر على البترول العراقي من خلال حقل
الرميلة الواقع في الأراضي العراقية مع أحقية العراق في جزيرة وربه وجوبيان حتى
يجد له منفذا بحريا على الخليج العربي وذلك لرغبة العراق في بناء وتطوير أسلحة
وأسطوله الحربي في الخليج العربي.
ومما هو جدير بالذكر أن
جميع حجج العراق سالفة الذكر واهية حجج واهية وليس لها سند مطلق أو من الواقع
والقانون، مما جعل هذه الحجج داحضة وباطلة، ولم تنطلي على أحد من أعضاء الجماعة
الدولية مما دعا الأمم المتحدة إلى التدخل من أجل إنهاء النزاع ولم تحظى مشكلة أو
نزاع بعناية الأمم المتحدة مثلما أخطت مشكلة النزاع العراقي الكويتي، فلقد أصدر
مجلس الأمن فيها عددا من القرارات لم يسبق صدورها في أي نزاع من قبل والتي بدأت
بالقرار 660 الخاص بإدانة العراق وحتما على سحب قوتها إلى حدود ما قبل الأول من
أغسطس عام 1990 وانتهاءا بالقرار 678 الخاص باستخدام القوة ضد العراق أو بالتصريح
لجميع الدول الصديقة والحليفة لدولة الكويت باستخدام كافة الوسائل الممكنة ضد دولة
العراق من أجل تقرير الكويت وعدة حكوماتها الأصلية والشرعي، ففي صبيحة يوم السادس
عشر من يناير 1991 انطلقت شرارة الحرب ضد العراق بتوجيه ضربة جوية قاسية للقوات
العراقية في الكويت تلتها حرب برية في العشرين من مارس 1991 انتهت بتحرير الكويت
وعودة حكومتها الشرعية، ورغم مشروعية الهدف من هذه الحرب وصحة تكييفها القانوني
إلا أنها كانت حرب متجاوزة حدود الدفاع الشرعي بكل المقاييس والسبب أن هذه القوات
خاضت الحرب كانت تعمل بمفردها وليس تحت إمرة مجلس الأمن ولا الأمم المتحدة وإنما
كانت تحت إمرة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، فهي حرب ظاهرها الرحمة
وباطنها من قبله العذاب ورغم انتهاء مهمة القوات الأمريكية في هذه الحرب إلا أنها
ظلت باقية في صور قواعد عسكرية وهو عبارة عن احتلال مقنع للولايات المتحدة
الأمريكية لدول هذه المنطقة وهو أمر مخالف للشرعية الدولية، وهذا مما يؤكد فشل
الأمم المتحدة في تطبيق القانون الدولي وحفظ السلم والأمن الدوليين.[157]
2- النزاع
الأنجلو أمريكي الأفغاني :
والذي بدأ عقب أحداث
الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 وهو العدوان الذي
ادعت فيه الولايات المتحدة الأمريكية أنه من تخطيط وتنفيذ أسامة ابن لادن السعودي
الجنسية والمقيم في أفغانستان وهو الذي يحول العمليات الإرهابية ضد الولايات
المتحدة والعالم. وكانت الولايات المتحدة قد استندت على مجموعة من الأدلة كان
أهمها شريط الفيديو المسجلة لإحدى خطب بن لادن وهو يعلق على الأحداث الأخيرة
للولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب مجموعة من المعلومات الاستخباراتية المعصومة
والمدسوسة، وبالتالي تم إنشاء لجان تحقيق من طرف بريطانيا وأمريكا والتي من خلالها
تمت الدعوة إلى خوض الحرب في العراق.
وقد فشلت الأمم المتحدة
في مواجهة هذا الموقف ومنع العدوان الأنجلو أمريكي على أفغانستان رغم أن العدوان
أمرا مخالفا للقانون الدولي وانتهاكا صارما لميثاق الأمم المتحدة، مما يستلزم تدخل
مجلس الأمن بوصفه صاحب الاختصاص الأصيل بردع العدوان وحفظ السلم والأمن الدوليين
أو الجمعية العامة عند عجز مجلس الأمن عن ذلك ملحقا لقرار الاتحاد لأجل السلم الذي
منح الجمعية العامة الاختصاص بمواجهة جميع حالات تهديدا السلم والأمن الدوليين أو
أعمال العدوان عند عجز أو فشل مجلس الأمن عن مواجهة أو تحقيق ذلك، وهذا لا يمكن أن
يستخلص منه إلا نتيجة واحدة مؤداها فشل المنظمة الدولية في حفظ السلم والأمن
الدوليين في تحقيق الأهداف والغايات التي أنشأت من أجلها.
3- الأمم
المتحدة والنزاع الأنجلو أمريكي العراقي :
بدأت وقائع هذا النزاع
منذ حدوث ضربة الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 للولايات المتحدة الأمريكية ومشروع
الولايات المتحدة من القيام بحرب دولية ضد الإرهاب على مستوى العالم ووضع مجموعة
من الدول ذات الأنظمة المارقة والتي ترعى الإرهاب وعلى رأسها العراق وأفغانستان
وإيران وليبيا والسودان.
فبدأت أفغانستان وأجهزت
عليها ثم أعادت الكرة على العراق وبدأت رحلة طويلة مع النظام العراقي لتبادل
الاتهامات وتدرج الحجج المختلفة لتدبير هجومها وعدوانها على العراق واحتلال
أراضيه. وكانت أول الخطوات التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها هي
السعي وراء استصدار قرار يسمح بعودة المفتشين الدوليين للعراق ويلزم العراق بفتح
أبوابه أمام فرق التفتيش الدولية دونما أن تفرض على عملها أية قيود أو شروط مما
دعاها إلى استصدار القرار 1441 في 8 نوفمبر 2002، وقد صدر هذا القرار بالإجماع
نظرا لإحساس النظام العراقي بأن هذا القرار يعد بادرة عدوان على العراق وأن
الولايات المتحدة عازمة على غزو العراق، لذلك أخضعت العراق لهذا القرار رغم ما
يمثله من فرض الهيمنة والسيطرة الأمريكية على العالم.[158]
ورغم إعلان رئيس الوكالة
الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي وكذلك رئيس فريق التفتيش الدولي في
التقرير الذي رفعاه عن أسلحة العراق وقدماه لمجلس الأمن وتحت تلاوته بجلسته على
خلو العراق بالكامل من أسلحة التدمير الشامل، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية
تجاهلت مجلس الأمن بالمرة وسعت إلى عقد قمة الأزور في البرتغال في 16/3/2003 والتي
ضمت رئيس الولايات المتحدة ورئيس وزراء بريطانيا وأسبانيا وكانت بمثابة شرارة
الحرب التي أشعلت نارها، لذلك فعقب هذه القمة أمهل الرئيس بوش رئيس العراق صدام
حسين مهلة 48 ساعة للخروج من العراق وإلا سيواجه تدخلا مسلحا للإطاحة به كرها
وبذلك سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحصول على تفويض بالحرب من مجلس الأمن
في 25/3/2003 في جلسة مغلقة استمرت قرابة الفجر واستأنفت في اليوم التالي ولكنها
باءت بالفشل بسبب عدم قبول مشروع القرار المقدم من الولايات المتحدة الأمريكية،
ورغم هذا خاضت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على العراق بمساعدة حلفائها من 16
دولة وانتهت هذه الحرب باحتلال العراق وإسقاط النظام العراقي وهذا يفيد عجز الأمم
المتحدة عن مواجهة أي عدوان أو حرب تتم بالمخالفة لنصوص الميثاق والقانون الدولي،
الأمر الذي أدى إلى انتشار الفوضى الدولية وسيطرت الولايات المتحدة على مقدرات
الشعوب، وبعد ذلك تعالت الأصوات بتعديل وإصلاح الأمم المتحدة حتى تساير المستجدات
الدولية والأحداث التي تواجهها، وهو ما يدعونا إلى التساؤل هل يمكن أن تستجيب
منظمة الأمم المتحدة للمستجدات الدولية ؟
من المؤكد أن النظام
العالمي الحالي له سمات أو خصائص تميزه عن النظام العالمي الذي كان سائدا في
الحقبة الماضية مما جعل التغير يلقي بظلاله على هيكل التنظيم الدولي المعاصر
والنظام القانوني السائد فيه، ولعل أهم ما يميز النظام القانوني الدولي الحالي أنه
نظام يتميز بزيادة القطب الواحد وهو الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عالمية وحيدة
لا منافس لها، وسيادة القيم والمفاهيم الغربية فإنها تقلص الدور الحقيقي للمنظمات
الدولية في حل المنازعات الدولية كذلك الطابع المؤقت للنظام العالمي الجديد.
ولعل تغير ملامح النظام
العالمي أدى إلى تغير شكل ودور الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية في
المنازعات الدولية وهو أمر بدت سماته بوضوح من خلال مسلك المنظمة الدولية ذاته في
ظل هذا النظام حيث كثر تدخل المنظمة في الشؤون الدولية واتسع مدلول التدخل وتعددت
أسبابه ومبرراته وكذلك كثرت اللجوء إلى التدخل المسلح وظهرت له أسباب جديدة إلى
جانب الأسباب القديمة والتقليدية فظهر إلى جانب جريمة الحرب والعدوان المسلح
الإرهاب الدولي كمبرر وسبب حقيقي وراء التدخل المسلح من قبل المنظمة الدولية، كذلك
انتهاك حقوق الإنسان وحرياته الأساسية كذلك إهدار الديمقراطية داخل البلاد.
وغير ذلك الكثير مما
يستلزم ضرورة تعديل وتغيير أو بمعنى أوضح تطور المنظمة الدولية استجابة للظروف
والمستجدات الدولية التي ظهرت حديثا ولم يكن لها وجود من قبل ولكن كيف السبيل إلى
تطوير دور منظمة الأمم المتحدة حتى يمكن أن تستجيب للظروف الحالية.
يجدر بنا قبل أن نتناول
مسألة تطوير الأمم المتحدة شكلا وجوهرا، سوف نتناول بشيء من التفصيل بعض المظاهر
الجديدة لأداء الأمم المتحدة والسابق للإشارة إليها وخاصة في مجال حفظ السلم
والأمن الدوليين فضلا عن بيان مدى احترام قواعد الشرعية الدولية في المقررات
الصادرة عن المنظمة الدولية وخاصة من أداتها الرئيسية وجهازها التنفيذي وهو مجلس
الأمن الدولي وبيان ذلك كما يلي :
الحقيقة أن مواجهة الأمم
المتحدة للعدوان العراقي على الكويت أذهل المجتمع الدولي لما اتسمت به هذه
المواجهة من حسن نية وجدية غير معهودة في تاريخ المنظمة الدولية، ولذلك كان أسلوب
المنظمة الدولية في مواجهة العدوان العراقي على دولة الكويت فاصلا مميزا بين
مرحلتين هامتين من تاريخ المنظمة الدولية.
المرحلة الأولى : وتمثل
مرحلة الفشل والعجز التام للمنظمة الدولية في مواجهة المنازعات الدولية وحالات
تهديد السلم والأمن الدولي عموما وذلك بسبب انقسام الدول الكبرى على نفسها وسيادة
مفاهيم الحرب الباردة بين القطبين العظيمين الاتحاد السوفيتي والولايات
المتحدة الأمريكية، وظلت هذه المرحلة ردحا من الزمن حتى بداية التسعينات حتى
حدت العدوان العراقي على دولة الكويت.
أما المرحلة الثانية :
فتتمثل في مواجهة الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن للعدوان العراقي على الكويت
وقد مثل أسلوب المواجهة تحولا جدريا في أسلوب المنظمة في مواجهة الأحداث الدولية،
حيث كانت جميع قرارات مجلس الأمن تشير إلى أحكام الميثاق من غير الفصل السابع رغم
أن القلة منها كانت تشير على إستحياء إلى الفصل السابع وكان من أهمها قراراته التي
صدرت بمناسبة العدوان على كوريا الجنوبية عام 1950، وترجع مقدرة مجلس الأمن على
مواجهة الظروف والأحداث إلى استعادة التعاون فيما بين القوى العظمى على صعيد
العلاقات الدولية والذي جاء كرد فعل لانتهاء الحرب الباردة بين القطبين العظيمين
فلم يعد حق الفيتو حائلا يقف أمام قيام مجلس الأمن وممارسته لوظائفه وسلطاته، فلقد
واجهت الأمم المتحدة مشكلة الخليج وأصدر بمناسبتها مجلس الأمن عددا من القرارات
غير مسبوق صدوره في أي نزاع آخر وكلها كانت مستندة إلى أحكام الفصل السابع من
الميثاق، ولقد عكست كل هذه القرارات من حيث اعتمدها على معايير جديدة في تكييف ما
يعتبر تهديد مع أداء مجلس الأمن منذ عام 1990 على عكس ما كان متبعا وسائدا في
الفترة السابقة، ومن ثم فاستنادا إلى السلطة التقديرية الواسعة لمجلس الأمن
والمستمدة أصلا من المادة 49 من الميثاق قام مجلس الأمن بتحديد الأعمال التي تشكل
تهديدا للسلم والأمن الدوليين ولم تعد تلك العوامل قاصرة على المنازعات بين الدول
وأعمال القتال واسعة النطاق داخل حدود الدول بل أصبح تهديد السلم يشمل قمع
الأقليات وكذلك الأعمال الإرهابية وكافة المآسي الإنسانية. وكافة المآسي الإنسانية
الناتجة عن الاقتتال الداخلي وكذلك إهدار الديمقراطية في الداخل.[159]
ولقد بدا هذا المفهوم
لمجلس الأمن من خلال القرارات التي اتخذها لمواجهة الأزمات التي عاصرت هذا المفهوم
وتجدر الإشارة هنا إلى بعض النماذج منها :
فيما يتعلق بالحالة بين
العراق والكويت أصدر المجلس قراره 688 في 5 أبريل وجاء فيه إن المجلس منزعج مما
يتعرض له المدنيون العراقيون من قمع في أماكن متعددة في العراق وفي المنطقة التي
يسكنها الأكراد أيضا مما أدى إلى نزوح مكتف للاجئين نحو الحدود أو حتى
عبورهم الحدود مما نتج عنه بعض الصدمات الحدودية مما يهدد السلام والأمن الدوليين،
أو من حيث أسلوب صياغة القرارات بحيث أصبحت أكثر دقة ووضوحا وتحديدا ولعل هذا
التطور يصمد في مضمونه بعدين إيجابي يتمثل في قدرة مجلس الأمن على اتخاذ قرارات
سريعة وحاسمة تتناسب مع سرعة وخطورة المواقف المهددة للسلم والأمن الدوليين، أما
البعد السلبي فيتمثل في المصادر الناتجة عن إطلاق يد مجلس الأمن في العمل استنادا
إلى الفصل السابع بما قد يحمله ذلك من استغلال للسلطات الخطيرة التي يتمتع بها
المجلس طبقا لهذا الفصل في قضايا لا يتطلب حلها اللجوء إلى إجراءات القسر بما قد
يؤدي في النهاية إلى تحول نظام الأمن الجماعي إلى نظام غير مضمون ومنعدم القيمة.[160]
من المقرر أن ميثاق الأمم
المتحدة لم يضع تعريف محددا وواضحا للأعمال التي من شأنها تهديد السلم والأمن
الدولي فإن كان هذا الأمر لم يخل من الاجتهادات الفقهية وذلك لتحديد مفهوم تهديد
السلم وفقا لأحكام المادة 39 من الميثاق حيث استقر الرأي على أن كل عمل صادر عن
الدولة ينطوي على التهديد بالحرب أو التدخل أو استخدام إحدى صور العنف ضد دولة
أخرى، ففي هذه الحالة يقوم تهديد السلم ولو لم يتبع ذلك الاستخدام الفعلي للعنف
المسلح ومرجع ذلك إلى وجود تلك الحالات قد يؤدي إلى قيام خطر حال من شأن وقوعه
الإخلال بالسلم ويتحقق تهديد السلم في حالة وقوع صدام مسلح داخل إقليم الدولة متى
اتسم هذا الصدام بالقوة والعنف إلى الحد الذي يعرض مصالح الدول الأخرى للخطر أو
عند الاعتراف لأحد الطرفين المتنازعين بوصف المحارب من قبل مجموعة كبيرة من الدول.
وقد بدا واضحا أن مجلس الأمن أصبح يتبنى مفهوما واسعا جدا لكل عمل يشكل تهديدا
للسلم والأمن الدوليين وهذا المفهوم أكثر اتساقا.
أما في الصومال فقد قرر
مجلس الأمن في القرار رقم 794 في 3 فبراير 1993 أن حجم المأساة الإنسانية الناتجة
عن النزاعات في الصومال يشكل تهديد للسلام وللأمن الدوليين.
وفي الحالة الليبية
الغربية أوضح مجلس الأمن الدولي في قراره رقم 748 الصادر في 31 مارس 1992 أنه
إيمانا من المجلس أن قمع أي عمل دولي يعد أمرا ضروريا للحفاظ على السلم والأمن
الدوليين.
وكذلك عقب أحداث الحادي
عشر من سبتمبر توسع مجلس الأمن في هذا المفهوم واعتبر ما تعرضت له أمريكا في
الحادي عشر من سبتمبر عملا إرهابيا وقرر بأن جميع الأعضاء متفقون على أن الإرهاب
جريمة دولية يجب القضاء عليها أيضا اعتبر المجلس أن حيازة بعض الدول لأسلحة الدمار
الشامل مما يخشى من أنظمتها وسياستها مع الدول المجاورة عملا من الأعمال التي تشكل
تهديدا للسلام والأمن الدوليين بدليل إصداره 1441 بإلزام العراق يفتح حدودها
ومنشأتها النووية والحرية أمام فريق التفتيش الدولي عن أسلحة الدمار الشامل، وهو
الأمر الذي ترتب عليه العدوان على العراق وأفغانستان واحتلال أراضي العراق
بكاملها.
والنتيجة المنطقية على
توسيع مجلس الأمن في مفهوم تهديد السلم والأمن هي زيادة قدرة مجلس الأمن على
التدخل وهي نتيجة ليس من ورائها إلا هدفا واحدا هو إطلاق يد مجلس الأمن في التدخل
بمعاونة وتوجيه من الدول الكبرى في أي وقت شاء وبأي كيفية شاء، ولذلك أثارت تدخلات
المجلس في شمال العراق وليبيا والصومال والبوسنة والهرسك وهاييتي، ومن بعد في فتح
الباب أمام الولايات المتحدة وحلفائها للتدخل في الشؤون العراقية وإسقاط نظام
الحكم فيه واحتلال كامل أراضيه العديد من التساؤلات حول مدى حرية المنظمة الدولية
وعلى الأخص مجلس الأمن في التدخل في شؤون الدول تحت شعار حفظ السلم والأمن
الدوليين.[161]
والسؤال المطروح دائما هل
يمكن الإبقاء على الأمم المتحدة مع إدخال مزيد من التطورات والتعديلات عليها
وجعلها أكثر استجابة للظروف الحالية ؟ وهل التطوير سوف يفتح لها الهيمنة على سيادة
الدول بصفة عامة ؟ وهل يمكن أن تكون المنظمة عبارة عن حكومة عالمية أم يمكن
الإبقاء عليها كمنظمة دولية فاعلة على الساحة الدولية قامت على العديد من المبادئ
الأكثر عدالة وديمقراطية وحماية للتربية الدولية مع إدخال التعديلات على أحكام
وبنود ميثاقها ؟
- الأمم
المتحدة حكومة عالمية :
الحقيقة أنه قد أثيرت
فكرة الحكومة العالمية عند التحضير للمنظمة الدولية وإعداد ميثاقها على أساس أن
تكون هذه المنظمة كما لو كانت حكومة عليا ولها جيش منظمة يعاونها على تحقيق
أهدافها وتكون لهذه الحكومة ميزانية عالمية تساهم في رأسمالها الدول الأعضاء
بنصيب، وكذلك تشارك الدول في جيشها بوحدات عسكرية خاصة بها تكون على درجة عالية من
التدريب.
ورغم ما لهذه الفكرة من
مميزات تتمثل في وحدة المعيار والضابط الذي على أساسه تتم مواجهة الموقف أو النزاع
وأنها الأقرب إلى تطبيق العدالة الدولية بين جميع دول العالم، كما أنها تحقق
المساواة بين جميع الدول كبيرها وصغيرها بالإضافة إلى ما تقدم فإن الحكومة
العالمية تكون على درجة عالية من القدرة والكفاءة اللازمين عن طريق جيشها الموحد
لوقف العنف وحفظ السلام والأمن ومنع العدوان وأعمال الحروب في مختلف بقاع العالم
إلا أن هذه الفكرة لها عيوب ومساوئ عدة تجملها فيما يلي :
أ- خيانة
الفكرة وعدم إمكانية تطبيقها على أرض الواقع فوجود حكومة عالمية لها سيادة وإزادة
تعلو إرادة وسيادة الدولة مسألة مستحيلة نظرا لعدم التوافق الدولي حول هذه الفكرة
وعدم تلاقي إرادات الدول على سياسة وأسلوب واحد.
ب- صعوبة
تشكيل جيش دولي موحد يضم كافة الوحدات المسلحة للدول لما يحتاجه هذا الجيش من
إمكانية وقيادة موحدة قلما تتوافر في ظل الاختلاف في الرؤى والمذاهب
والأيديولوجيات السياسية.
ج- تعارض
فكرة الحكومة العالمية من أهم المبادئ المستقر عليها في العلاقات الدولية ومن
أهمها مبدأ المساواة في السيادة وعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
د- سيطرة
القوى العظمى على هذه الحكومة لكونها الأكثر إمدادا لها والأكبر عبئا في المنظمة،
مما يجعل هذه الحكومة أداة طبيعية لتحقيق مصالحها الخاصة وأغراضها الذاتية.
وإذا كانت فكرة الحكومة
العالمية فكرة غير قابلة للتطبيق العملي فما هو البديل للإبقاء على هذه المنظمة
كمنظمة فاعلة على الصعيد الدولي وذلك لن يتم الأمن خلال.
أ- التوسيع
في استخدام وسائل الدبلوماسية الوقائية لحل المنازعات الدولية :
هذه الوسيلة قد
تبدو في ظل العصر الحاضر ضرورة ملحة ووسيلة مطلوبة على الصعيد الدولي وتعتمد هذه
الوسيلة على الوساطة بين الدول وعلى المساعي الجديدة التي تبدل لحل المنازعات
الدولية، وهذا ما أكده مجلس الأمن بعد مناقشات مكثفة في دورته التي عقدت في 18 و19
يناير 1995 حيث صدر عن رئيس المجلس بيانا أيد فيه الموقف الدولي أعرب فيه المجلس
عن ترحيبه بالأولوية التي أولاها لإجراءات حل المنازعات الدولية وشجع من خلاله
جميع الدول الأعضاء على أن تفيد إلى أقصى حد ممكن من أدوات الإجراءات الوقائية بما
في ذلك المساعي الحميدة للأمين العام وإيفاد مبعوثين خاصين وذرع بعثات ميدانية
صغيرة للدبلوماسية الوقائية وصنع السلام بموافقة البلد المضيف أو البلدان المضيفة.
أما على مستوى الجمعية
العامة فقد واصل فريق العمل غير الرسمي المفتوح العضوية المعنى بحفظ السلام أعماله
خلال عام 1995 بشأن العديد من القضايا الواردة في خطة السلام وفي الملحق وشجع هذا
البيان الاهتمام بالإنذار المبكر لمنع المنازعات والدبلوماسية الوقائية من خلال
الوزع الوقائي في كثير من الحالات.[162]
ب- ضرورة
التوسع في احترام حقوق الإنسان وحرياته الإنسانية :
وتعد حقوق الإنسان من
الموضوعات الساخنة والحساسة على مستوى العالم والتي يعد الاهتمام بها ضرورة حالة
لضمان الاستقرار والأمن لدى مختلف شعوب العالم.
في أغسطس من عام 1992
عقدت اللجنة الدولية لحقوق الإنسان دورة استثنائية ولأول مرة في التاريخ للنظر في
مسالة حقوق الإنسان في يوغسلافيا السابقة وطلبت بأن يعين لها مقررا لتقديم
التقارير المختلفة عن حالة حقوق الإنسان في يوغوسلافيا السابقة وقد قام المقرر
فعلا عام 1995 بتقديم تقارير منتظمة عن مسألة حقوق الإنسان بصفة منتظمة إلى لجنة
حقوق الإنسان وإلى الجمعية العامة، وبالفعل طلبت اللجنة إلى الأمين العام أن يتيح
هذه التقارير لمجلس الأمن والمؤتمر الدولي المعنى بيوغوسلافيا، وفعلا اتخذت لجنة
حقوق الإنسان القرار رقم 1994/75 بشأن حالات الاعتداء على المدنيين وحالات
الاغتصاب والاختفاء وعن الإجراءات التي اتخذتها لجنة الخبراء المنشأة عملا بقرار
مجلس الأمن رقم 780 لسنة 1992 والمحكمة الدولية والمؤتمر الدولي المعنى
بيوغوسلافيا وقوة الأمم المتحدة للجماعة ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق
الإنسان.
وترتيبا على ما سبق فقد
اتخذت عدة إجراءات لحماية حقوق الإنسان في يوغسلافيا، وعنها تشكيل المحكمة
الجنائية الدولية لمحاكمة كبار مجرمي الحرب في البوسنة والهرسك وتوجيه الاتهام إلى
العديد من الشخصيات التي تبث من خلال التحقيقات وتورطها في عدة جرائم ضد حقوق
الإنسان ومنها جرائم القتل الجماعي والإبادة الجماعية وكذلك جرائم الاعتداء على
السكان المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، وكذلك جرائم الحريق وهدم المنازل والتخريب
وغيرها من الجرائم التي اقترفت ضد حقوق الإنسان وإن كان الاهتمام بحقوق الإنسان
وحرياته الأساسية يعد أحد التطلبات الملحة لتفعيل دور المنظمة الدولية وتطوير
أدائها العملي إلا أن هذا المطلب يحتاج إلى مزيد من بدل الجهد حتى يساهم هذا في
دفع عجلة المنظمة الدولية للإمام وتطويرها بما يتناسب والظروف الدولية الحالية.
ج- تفعيل
التعاون بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية :
تحقيق التعاون والتفاعل
فيما بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية أمر ضروري تتطلبه الحالة العالمية
الدائمة التغير من خلال تفعيل تطبيق الفصل الثامن من الميثاق ويأخذ التعاون
والتفاعل فيما بين الأمم المتخذة والمنظمات الإقليمية خمسة صور أو خمسة أشكال
أهمها التشاور المستمر الذي تقوم به هذه المنظمات مع الأمم المتحدة كذلك الدعم
الدبلوماسي لتشجيع هذه المنظمات على المشاركة في الجهود الدبلوماسية المبذولة لحفظ
السلام وردع العدوان وإعمال حق الدفاع الشرعي ورابعا الورع المشترك لهذه المنظمات
من خلال إرسال البعثات والوفود إلى بؤر التوتر في العالم كبعثة الأمم المتحدة
ومنظمة الدول الأمريكية الحالية لحقوق الإنسان في هايتي، وهو ما يسمى بالعمليات
المشتركة التي تتم بالمشاركة بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية.
د- في
مجال حفظ السلم والأمن الدولي :
لابد من تفعيل دور مجلس
الأمن في هذا المجال من خلال الحد من استخدام حق الفيتو أو على الأقل ترشيد
استخدام هذا الحق في مواجهة الأزمات ذات طبيعة معينة من شأنها أن تؤثر في مسألة
حفظ السلم والأمن الدوليين فضلا عن التوسع في العضوية الدائمة في مجلس الأمن وعدم
قصرها على مجموعة الدول الخمس الكبرى فقط لأن هناك العديد من الدول الكبرى التي
تشكل قوى فاعلة على المستوى الدولي وتلعب دورا ملحوظا في مجال حفظ السلم والأمن
الدوليين.[163]
ه- تحديث
نظام الأمم المتحدة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية :
لما كان من الثابت أن
قضايا الأمن والسلام تعتبر وثيقة الصلة والارتباط بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية
للأمم والشعوب ويترتب على هذه نتيجة مؤداها أن قضايا الأمن والسلام لا يمكن أن
تكون بمعزل عن باقي القضايا الأخرى ومنها القضايا الاقتصادية والاجتماعية، ذلك أن
المسار واحد لكل القضايا على المستوى الدولي وهو ما دعا الأمين العام للأمم
المتحدة إلى الالتجاء إلى ضرورة تطوير الأمم المتحدة من خلال الارتقاء بمستوى
أدائها في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.[164]
ومن الجدير بالذكر أن خطة
الأمين العام سالفة الذكر لم تكن هي الوحيدة من نوعها بل طرحت هناك العديد من الأفكار
والمقترحات لتطوير أداء الأمم المتحدة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي نعرض
لأهمها :
أ- ضرورة
التفكير في إيجاد نظام دولي متكامل في إطار الأمم المتحدة لإدارة المساعدات
الدولية ذات الصلة يدعم مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول عموما وخاصة
الدول النامية وهذا مقترح يقضي نهائيا على الازدواج المؤسس داخل الهيئة الدولية
نفسها، ويتسم تطبيقه باليسر بمكان من خلال إجراء حوار دولي تسهم فيه كافة المؤسسات
والأجهزة ذات الصلة بهذا الموضوع وذلك بهدف تقديم الدعم المناسب للمجتمع الدولي
لمواجهات العقبات التي تعترضه في هذا المجال كذلك ضرورة دفع المنظمات المتخصصة ذات
الصلة بالأمم المتحدة للاضطلاع بصدور أكبر من الدور الحالي والتوصل إلى صيغة
بقبوله لتخصصه وتقسيم العمل بين أجهزة الأمم المتحدة المختلفة العاملة في مجال
التنمية الدولية.
ب- دعم
الدور الإشرافي للمنظمة الدولية ووكالاتها المتخصص للإشراف والرقابة على كافة
المشكلات المتعلقة بالتطور الدولي الاقتصادي والاجتماعي، ولتحقيق ذلك يجب إنشاء
جهاز دولي عالي المستوى والكفاءة تناط به مهمة توجيه كافة الجهود الدولية المبذولة
في إطار الأمم المتحدة لدعم التنمية الاقتصادية في مختلف دول العالم.
ج- ضرورة
الاهتمام بالعنصر البشري داخل الجهاز الإداري للمنظمات الدولية من خلال الدقة في
اختيار موظفي الأمانة العامة وتفعيل دور الأمين العام المساعد للارتقاء بمستوى
الأداء الإداري داخل الجهاز الإداري للمنظمة وهو أمر يعتمد على وضع معايير وأسس
واضحة للاختيار مع عدم إهمال أصحاب الخبرة والتخصص.
د- تعزيز
أداء المنظمة الدولية فيما يتعلق بمواجهة حالات الطوارئ وكذلك الحالات الإنسانية
غير العادلة فهناك من الأجهزة داخل المنظمة الدولية، ما هو قادر على تقديم الكثير
من المساعدات في الظروف الطارئة والإنسانية كمفوضية الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين
خاصة عندما تتوافر لها الظروف الموضوعية الملائمة وللمنظمة الدولية أن تفيد في هذا
الخصوص من جهود المنظمات غير الحكومية من خلال المستمر معها فضلا عن تشجيع
الإسهامات التطوعية لتغطية بعض أوجه القصور في الجوانب التمويلية للمنظمة.[165]
إن
الوضع الدولي الحالي يشهد إجهاض للسلام والأمن الدوليين بالرغم من كثرة رفع شعارات
الديمقراطية والإصلاح، ذلك أن العالم اليوم يعيش حالة من فرض الهيمنة عن طريق
استعمال القوة العسكرية، وهذا مما سوف يولد مشاعر الكراهية والعداء بين الشعوب،
فكيف يمكن للوضع الدولي أن يستقر وهناك من يعمل على تدمير كل مقومات الاستقرار
والتوازن الدولي، إن الوضع العالمي في حاجة إلى الإصلاح وطي كل صفحات العداء والكراهية
بين العرب والمسلمين وأمريكا وحلفائها ثم معالجة أزمة المصداقية بين الغرب والعرب
بصفة عامة، وكل ذلك عبر إعمال الحكمة والرشد بعيدا عن غطرسة القوة وحتى تكتمل
الصورة لابد من إنهاء احتلال العراق وفلسطين وأفغانستان ورفع تهمة الإرهاب عن
المسلمين كما أن الإصلاح السوي لن يتأتى إلا بعد إعادة الهيبة لمنظمة الأمم
المتحدة واللجوء إليها عند حدوث نزاعات وحروب، هذا إذا أراد المجتمع الدولي أن
يعيش في عالم يخلوا من التهديد والدمار، كما أن الإفراط في استخدام القوة العسكرية
والتصرف أحاديا لن يجلب سوى أزمات دولية سوف تنعكس على الجميع، ولن يسلم منها أحد
فالاعتماد على القوة العسكرية واستخدامها على أصعدة مختلفة سوف يأدي إلى إقفال باب
المشاورات ثم استفحال منطق أخذ لإعطاء وهذه الفكرة لن تحقق الكثير مما يصبو إليه
العديد من أصحاب التوجه الفردي وخصوصا المتحكمين في صناعة القرار داخل الولايات
المتحدة الأمريكية لكون هذه الفكرة تستند لأسس غير مقنعة وهشة فالقوة لا تدوم
وأمريكا لن تستطيع الاستمرار لأن فكرة استخدام القوة واللجوء إليها لها كلفة
اقتصادية وسياسية سوف تفيد واشنطن خسائر لا طاقة لها بها بحيث أنها لم تنجح في
العراق وأفغانستان، وها هي اليوم توسع بؤرة الصراع لتشمل سوريا وإيران وحزب الله
ذلك أن الخطة لم تنتهي والصراع واقع مفروض لا يمكن إغفاله.
ولعل
التساؤل فيما يخص المرحلة الدولية القادمة هل فكرة الحرب والاعتماد على القوة سوف
تكون من أسس تعامل الولايات المتحدة مع الدول المارقة كما تسميها ؟ ثم هل يمكن أن
تكون سياسة اللجوء إلى القوة هي الحل من أجل الخروج من الأزمة التي تعاني منها
الولايات المتحدة الأمريكية ؟
ثم
هل يمكن تثبيت واقع فرض القوة العسكرية والنجاح في تطبيقها ؟ إن سياسة الاعتماد
على القوة سوف تظل تسيطر على واقع العلاقات الدولية دون أن يكون هناك توافق بين
المصالح وسوف تصبح الخصومة هي الطابع المميز للعلاقات الدولية بجانب استخدام القوة
التي أصبحت بدورها تلعب دورا أساسيا داخل هذه العلاقات.
يعتبر استخدام القوة في
العلاقات الدولية والقوة المسلحة عموما من بين الأساليب التي كانت تستخدمها الدولة
لحماية وجودها ضد الأخطار الخارجية، كما اتخذتها الدولة وسيلة لفرض وجهة نظرها على
الدول الأخرى وتوضح السوابق الدولية أن القوة قد استخدمت لتغيير أوضاع غير مقبولة
أو ضارة أو لاحترام حق يخشى من تجاهله أو عدم الاعتراف به كما لجئ إلى القوة أيضا
كوسيلة لتسوية المنازعات الدولية ولقد كان من مبررات استخدام القوة اعتبار القوة
كمظهر من مظاهر السيادة الكاملة نظرا لما أحاط استخدام القوة من أخطار جسيمة بحيث
اتجه الفقه وسايرته في ذلك دول منذ وقت بعيد نحو الحد منها وتجنبها وقد تم ذلك عن طريق
تعهدات متبادلة تضمنت تنظيمات وقيود متشعبة، ومنذ ذلك الحين بدأت الدعوة الملحة
نحو إداعة الحرب على أساس من اعتبارات تجد مصدرها في الوحدة الأساسية والمعنوية
والإحيوائية للجنس البشري كالحرب، لا تنتج سوى الدمار في الأنفس والأموال دون أن
تؤدي إلى حل المنازعات أو استقرار الأوضاع. ومن هنا كان حظر استخدام القوة أحد أهم
المبادئ التي تقوم عليها المنظمات الدولية التي تهدف إلى تحقيق الأمن والسلم
الدوليين، كما أن عهد عصبة الأمم المتحدة لم يغفل على تقنين هذا الاستخدام وجاء
ميثاق الأمم المتحدة بعد ذلك لكي يؤكد على منع استعمال القوة في العلاقات الدولية
أو التهديد بها وبالرغم من هذا المنع فإن الواقع الدولي لا يبرهن سوى عن مظاهر خرق
السلم والأمن الدولي وبذلك لم تعد الدول تتقيد بمبدأ تحريم القوة وأصبحت تستند في
أفعالها إلى حقها في الدفاع عن النفس، وبذلك استطاعت القوى العظمى أن تتحكم في
واقع القوة على مستوى العلاقات الدولية وتوظفها من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف
السياسية والجغرافية والاقتصادية وبالتالي أصبحت لعبة القوة من صميم اختصاص هذه
الدول ولا ينازعها في ذلك أحد بحيث استطاعت أن تفرد قاعدة الانتصار الكامل مع
إلغاء الطرف المفاوضة وهذه قاعدة تزعمتها الولايات المتحدة وحلفائها من خلال
ممارستهما لمجموعة من الأفعال التي تخالف قواعد القانون الدولي، بحيث نجد أن هذا
القانون لم يستطع ضبط سلوك الدول في مجال استخدام القوة بحيث مازالت هناك فجوة بين
النظرية والممارسة الفعلية للدول في هذا المجال والمسلم به أن فعالية أي قانون لا
تتم إلا بعد نزول الدول تحت طاعة الخطاب القانوني الموجه إليهم، فالدول قد تلجأ
أحيانا إلى خرق قاعدة تحريم استخدام القوة أو تحريم التدخل في الشؤون الداخلية
للدول الأخرى إلا عن إدراك ووعي كاملين وهو ما يكرس مجموعة من النتائج السياسية
والقانونية، من المفترض أن تترتب على الأطراف التي ترتكب مثل هذا العمل فالدول
عندما تحكم بتدخل عسكري وبعدم قانونية تدخل الآخر فإنها لا تنطلق سوى من قواعد
القانون الدولي ومبادئه على اعتبار أنه يمثل حدا أدنى مشترك بين الدول في الحياة
الدولية.
وهناك أيضا دول تسعى
حثيثا إلى ظهور بمظهر من يحترم القانون الدولي ويمتثل لأحكامه وهي تعمل في مجال
تحريم استخدام القوة على تبرير سلوكها وإضفاء الشرعية عليه ولم يصدف أن تبجحت دولة
من دول أنها لا تعبأ بأحكام القانون الدولي الناظمة لاستخدام القوة وحتى عندما
يعلن الساسة في بعض المناسبات أن دولهم لن تتحرى بعد الآن القيود التي يفرضها
القانون الدولي على استخدام القوة في العلاقات الدولية فإن هذه الدول التي
يمثلونها تكون حريصة على تقديم حجج داخل الأمم المتحدة تدعم موقفها من الناحية
القانونية لكن تعطي التبرير المنطقي على أفعال المخالفة لقواعد القانون، وهذا ما
يفسر أن القانون الدولي لم يتم وضعه إلا لخدمة الدول العظمى حتى تحافظ على وجودها
وبقاء مصالحها على امتداد الكرة الأرضية وهذا ما يظهر أن المعركة لن تنتهي والصراع
قائم ذلك أن الإكثار من استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية لن تكون
له سوى نتائج متصلة بعدم الاستقرار ولا توازن وهي الحالة التي أصبح المجتمع الدولي
يعايشها في ظل المتغيرات الدولية التي استطاعت أن تنعكس على واقع الفعل الدولي
الذي أصبح يعاني من كثرة اللجوء إلى القوة العسكرية والتعسف في استعمالها على مستوى
العلاقات بين الدول. هذا الأمر سوف يساهم في خلق مجموعة من التغيرات التي من
خلالها سوف يعتاد المجتمع الدولي أن ينصت لخطاب التهديد والوعيد الأمريكي الموجه
للدول بعينها إذا لم تمتثل لأمور معينة، ومن هنا تطعن الخطورة في الخطاب الأمريكي
الذي يهدف إلى خرق السيادة الوطنية للدول وذلك من أجل السيطرة على مقدرات العالم
والإمساك بزمام الأمور فيه حتى لا يقف مبدأ السيادة الوطنية عقبة أمام الهيمنة
الأمريكية وتوجهاتها وهذا مما سوف يجعل الولايات المتحدة تركز على مبدأ التدخل
بدعوى حماية حقوق الإنسان كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وفي ظل هذه الأزمات التي
تعصف بالمجتمع الدولي نجد الأمم المتحدة تعيش تهديدا يشبه انقلابا عميقا في المركز
والدور، وحتى في مجال التدخل. ومن المؤكد أن جوهر الأزمة التي تعاني منها الأمم
ومن خلالها القانون الدولي والشرعية الدولية هي طبيعة العلاقات التي شرعت الولايات
المتحدة في تشكيلها غداة انفرادها بقيادة العالم دون منافس أو رادع مما يؤشر
لبداية تاريخ جديد للإنسانية إحدى مقوماته سيادة قانون الأقوى واستبعاد القانون
الدولي التقليدي وفرض الهيمنة على الأسرة الدولية، فالولايات المتحدة استطاعت أن
تحول الأمم المتحدة إلى هيئة أشبه بحكومة ديكتاتورية غير مسؤولة وغير شرعية ومعرضة
لإصدار قرارات لا تخضع لرقابة سياسية وقضائية، وأما الشوكة التي قسمت ظهر الأمم
المتحدة وهو العدوان الأمريكي على العراق وهذا العدوان هو الذي كرس النظام الأحادي
القطبية وأكد بأن لا معارضة حقيقية تشكل تحديا للقوة الأمريكية.
وبهذا فإن الأزمات التي
تعصف بالأمم المتحدة أضعفت من مصداقيتها وبدورها في حفظ السلم والأمن الدوليين
وهذا مما ساعد في ارتفاع الأصوات التي تدعو إلى النظر في هذه الهيئة وجهازها
التنفيذي حتى تكون المنظمة في مستوى التحديات المطروحة على مستوى العلاقات
الدولية، وذلك من أجل تجاوز عجز مجلس الأمن عن النهوض بالواجبات الأساسية الملقاة
على عاتقه في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين.
فالإصلاح يجب أن ينطلق من
مجلس الأمن في الأمم المتحدة حيث تنطلق دعوى من حقيقة مفادها أنه في حالة عدم وجود
نظام دولي فاعل ومتطور فإنه من الصعب القيام في ظله بأعمال أحادية وبالعكس في ظل
نظام دولي جامد ومعرقل باستمرار لا يتحرك إلا في الأزمات فإن ذلك يبرر بشكل واقعي
الفعل الأحادي.
إن المشكلة لا تتعلق
بصلاحية ووجاهة إصلاح الميثاق لمقابلة والحد من الأعمال الانفرادية ولكن المشكلة
تقع في عدم الاستجابة للإصلاح وأما على مستوى الإصلاح فمن المهم أن يتضمن الإصلاح
توسيع عضوية مجلس الأمن ثم إيجاد نوع من الضبط المعياري لاستخدام حق الاعتراض
المعرقل داخل مجلس الأمن.
ومن خلال هذا السياق،
يمكن القول أن العلاقات الدولية أصبحت تعبر عن الجانب المتأزم من الوضع الدولي
والناتج عن مجموعة من الخلافات وصراعات ومواجهات بين الدول من أجل تحقيق مكاسب
اقتصادية وسياسية من أجل الاستفراد بالمرتبة الأولى بين الدول المتسابقة. فالحروب
والنزاعات أصبحت تشكل عائقا أمام تقدم المجتمع الدولي الذي أصبح يواجه تأويلا
مغلوطا وغير صحيح وذلك من خلال قراراته العسكرية التي تكون لها في غالب الأحيان
عواقب وخيمة وتساهم في تغذية الصراعات وتشجيع سياسة التسلح والتسابق نحو إمتلاك
الأسلحة وذلك غالبا ما يتم من أجل السيطرة على مقدرات الآخرين ثم رسم مشهدا دوليا
يتوافق مع مصالح الدول القوية دون الاهتمام بمصير السلام والأمن الدوليين.
والمتأمل اليوم في الوضع
الدولي يلاحظ أن القانون الدولي في حاجة إلى من يتقمص دور المحامي من أجل الدفاع
عنه وخصوصا أن هناك عدة دول تحاول أن تظهر بمظهر من يحترم القانون والحقيقة أن
هناك دول لا تعبأ لأحكام هذا القانون ولكنها في نفس الوقت فإنها تعمل على تبرير
سلوكها إنطلاقا من أحكام هذا القانون، فالقانون الدولي مازال يشكل قاسما مشتركا
بين هذه الدول في الحياة الدولية.
إن الواقع الدولي اليوم
في حاجة إلى شركاء وأطراف يؤمنون بحتمية ضرورة توفير مناخ الاستقرار والسلام
العالمي وذلك من أجل تحقيق التنمية البشرية وتعزيز فعالية القانون الدولي مع
احترام الحريات وحقوق الإنسان وذلك من أجل صون السلم والأمن الدوليين على مستوى
العالم بأسره دون اللجوء إلى استخدام القوة في العلاقات الدولية.
[2] سمير
عبد العزيز المزغني : "النزاعات المسلحة في القانون الدولي وطبيعة الحرب
اللبنانية"، رسالة ماجيستير في القانون، كلية القانون والسياسة جامعة بغداد
1978، ص : 213-221.
[3] علاء
الدين مكي خماس : "استخدام القوة في القانون الدولي"، رسالة الماجيستير،
كلية القانون والسياسية بغداد سنة 1982، ص : 119-120-121.
- بدل مؤيدو التدخل الإنساني جهودا لإثبات
ارتكاب المحكمة حكمها هذا خطأ في تفسير القانون أو لإثبات أن الحكم كان متعلقا
بوقائع محددة بعينها وأنه لا يتجاوز حدود الوقائع والدفوع المتعلقة بالقضية
المنظورة أمام المحكمة.
[8] لقد
أوضحت محكمة العدل الدولية حكمها هذا الآتي إذا كانت الولايات المتحدة تملك
إمكانية تقييم أوضاع حقوق الإنسان في نيكاراغوا فإن استخدام القوة لا يشكل الوسيلة
الملائمة أو الفعالة لضمان احترام هذه الحقوق فالحجة المستندة إلى تبرير التدخل
العسكري في نيكاراغوا بالمحافظة على احترام حقوق هذه الدولة لا تتشكل سندا أو
مسوغا قانونيا لسلوك الولايات المتحدة فحماية هذه الحقوق لا تتفق مع تدمير المنشآت
وتلغيم الموانئ.
[12] هيثم
مناع : "جريمة العدوان في تاريخ القانون الدولي والثقافة الإسلامية
والعربية"، http://www.hrinfo.net،
24/02/2005.
[20] رزاق
حمد العوادي : "جرائم الحرب والعدوان إخلال بالشرعية الدولية وإنتهاكا
للقانون الدولي الإنساني"، الحوار المتمدن، العدد 2080،26/10/2007.www.ahewar.org
[22] عبد
الله أسبري : "ماذا عن ما يسمى بالإرهاب الدولي"، الحوار المتمدن، العدد
1584-2006/6/7، www.ahewar.org.
[24] انظر
للاطلاع على مختلف المواقف ووجهات النظر الخاصة بالتدخل العسكري الأطلسي في
كوسوفو، الدراسات المنشورة في المجلة الأمريكية للقانون الدولي مجلة رقم 93،
العدد رقم 4 سنة 1991، = =ص:824-862، وقد ترجم هذه الدراسات الطاهر بوسامية:
"تدخل حلف شمال الأطلس في كوسوفا أبو ظبي مركز الإمارات للدراسات والبحوث
الإستراتيجية، سلسلة دراسات عالمية، العدد 40 و200، ص:86.
[25] وجدي
أنور مردان : "انتهاك الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لميثاق الأمم
المتحدة والقانون الدولي 6/10/2004"،http//www.kefaya.org.
[26] حيدر
محمد حسين محاسنة : "تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة
10/12/2007"، http://www.alzuytouna.net.
[28] MC DOUGAL ANDF ELLICIANO : "Law and
minimum world public order", NBW haven London, 1961, p : 29.
سمعان بطرس فرج الله : "نشأة جبهة
التحرير الوطنية وتزايد التدخل الأمريكي في فيتنام"، مجلة السياسة الدولية،
القاهرة، العدد 10، سنة 1977.
[33] عبد
السلام محمد إسماعيل عون : "التدخل العسكري الدولي في ضوء القواعد الخاصة بالتفويض"،
أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الحقوق، شعبة القانون العام جامعة محمد الخامس
أكدال، الرباط 2003-2004.
[35] العميد
محمد محمود نصيري : "استخدام القوة في العلاقات الدولية"، مجلة الحرس
الوطني 01/09/2003،http://haras.naseej.com.
قضية السفينة كارولين سنة 1838 وكارولين هي
سفينة تجارية كانت تقوم بتموين بعض الجماعات المتمردة ضد الحكم البريطاني في
كندا تم إغراقها في منطقة سلوسر داخل الحدود الأمريكية المحاورة لكندا ليلة عام 12
عام 1838 من قبل القوات البريطانية، ولقد أوضحت بريطانيا بأنها قامت بذلك العمل
بناء على حق الدفاع والمحافظة على النفس وذلك برسالة وجهها للسفير البريطاني في
واشنطن للحكومة الأمريكية في 6 شباط 1838.
[40] تحفظت
اليمن على عبارة إعتبار العدوان على إحداها عدوانا على الجميع إلا إذا كان موجها
لذات الدولة وليس لارتباطاتها بمعاهدة أجنبية.
[42] أنظر
كمال أبو المجد : "الإرهاب والإسلام ومستقبل النظام الدولي"، مجلة الكتب
وجهات نظر، العدد 34 نوفمبر 2001، ص : 25.
[43] أنظر
أحمد سيد أحمد : "الأزمة العراقية ودور مجلس الأمن في حفظ الأمن والسلم
الدوليين"، مجلة السياسة الدولية، العدد 153 يوليوز 2003، المجلد 38، ص : 144.
[44] أنظر
نصير عاروري : "جدور الحملة الأمريكية لمحاربة الإرهاب"، مجلة المستقبل
العربي رقم 392 شهر 6/2003، ص : 8.
[45] أنظر
وليام سي وولفورت : "تأملات في أبعاد القوة الأمريكية الراهنة"، ترجمة
محمد عالي ثابت، مجلة الثقافة العالمية، العدد 115، السنة الحادية والعشرون
نوفمبر/ديسمبر 2002، ص : 9.
[48] أنظر
سميح فرسون : "جذور الحملة الأمريكية على الإرهاب"، مجلة مجلس المستقبل
العربي، 292 شهر 6/2003، ص : 78.
[49] القوة
اللينة عند "جوزيف ناي" هي القوة التي تجسدها أمريكا كنموذج، يحتدى به
وثقافة وسلوك محط إعجاب وقدرات على التواصل والتعاون مع الآخرين في إطار التعددية
والشراكة ومراعاة وجود هؤلاء الآخرين.
أنظر بهذا الخصوص: البيان الإماراتية،
25/09/2002، الموقع على الانترنيت : www.albayan.net.
[50] لقد
كانت الولايات المتحدة حائرة ومتعسفة في معارضة إقامة محكمة للجنايات الدولية أكثر
من أية دولة أخرى، وتعلل إدارة بوش في شرحها لأسباب التراجع عن توقيع المعاهدة أن
هذه المحكمة المنقوصة البناء والتي تتمتع بصلاحية اعتبار ما تراه بأنه يندرج ضمن
مفاهيم كجرائم الحرب أو أعمال عدوانية قد تشكل خطر على قوات حفظ السلام والمقاتلين
من أفراد الجيش الأمريكي خاصة أولئك الذين اشتركوا في الحرب الغامضة ضد الإرهاب
كما أن المشكلة ليست متمثلة في أن المحكمة فوق القانون ولكن أيضا في حقيقة أنه لا
يوجد قانون جني وواضح يعدو عليها.
[51] للاطلاع
على ملابسات الموقف الأمريكي من حرب كوسوفو ووجهة النظر القانونية من هذه الحرب
أنظر كتاب عبد الواحد الناصر : "حرب كوسفو الوجه الآخر للعولمة"،
منشورات جريدة الزمن أكتوبر 1999.
[52] أنظر
ايفورد دالدر : "هل تتجه الولايات المتحدة وأوروبا إلى الطلاق"، ترجمة
د.محمد توفيق البيجرمي، مجلة الثقافة العالمية، العدد 114، سبتمبر 2002، ص : 83.
[53] انظر
محمد الأمين الركالة : "أحداث 11 سبتمبر محاولة لفهم ما يجري"، مجلة
وجهة نظر، العدد 12/13-2001، ص : 23.
[56] محمد
محفوظ ولد العبادي : "العلاقة بين القانون والواقع في الحرب على
العراق"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، أكدال، الرباط،
2003-2004، ص : 108-109.
[57] بعد
مقتل رفيق الحريري بدأت الولايات المتحدة تحشر أنفها في الشؤون الداخلية للبنان،
وكأنها جزء من عائلة الحريري وذلك من أجل فرض أجندتها الخاصة، في كل من لبنان
وسوريا متعاونة في هذا الخصوص مع المعارضين للوجود السوري في لبنان.
[58] الدكتور
صلاح الدين عامر : "القانون الدولي في عالم مضطرب"، مجلة السياسة الدولية،
العدد 153 يوليوز 2003، ص : 85.
[60] عبد
الإله بلقزيز : "ندوة الحرب على العراق طبيعتها وتداعياتها المستقبلية"،
مجلة نوافذ، عدد 20/21 سنة 2003، ص : 20.
[61] أنظر
ندوة السيناريوهات والتطورات الدراماتيكية لسير العمليات العسكرية ضد العراق، مجلة
دراسات شرق أوسطية رقم 23 سنة 2003، ص : 102.
[62] أحمد
سيد أحمد : "الأزمة العراقية ودور مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن
الدولي"، مجلة السياسة الدولية، العدد 153 يوليو 2003، ص : 129.
[64] ويسلي
كلارك : "الانتصار في الحروب الحديثة العراق والإرهاب والإمبراطورية
الأمريكية"، ترجمة عمر الأيوبي، بيروت دار الكتاب العربي، 2004، ص : 45.
[65] هاشم
محمد السعيدي : "المفهوم الأمريكي للقوة الناعمة من خلال الحرب على
العراق"، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة
محمد الخامس، الرباط سنة 2004، ص : 36.
[66] وثيقة
: العراق مذكر حول بواعث القلق المتعلقة بالقانون والنظام، منظمة العفو الدولية
رقم الوثيقة 14/157/2003، بتاريخ 23 يونيو 2003،www.amnesty.arabic.org.
[68] المستشار
عبد الوهاب العبدول : "مدى مشروعية التغيرات الإقليمية الناتجة عن استخدام
القوة"، http://www.emirates-islands.org.ae.
[69] عبد
السلام محمد اسماعيل عون : "التدخل العسكري الدولي في ضوء القواعد الخاصة
بالتفويض"، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام جامعة محمد الخامس
أكدال الرباط، سنة 2003-2004، ص : 412-413.
[71] سناء
الأنباري : "الحرب الوقائية في منظور القانون الدولي –العراق كنموذج-"،
جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال،
2005-2006، ص : 57.
www.mondiploar.com.
[73] وثيقة
بيان السناتور الأمريكي روبرت سي بيرد أمام مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء 24 يونيو
2003، مجلة المستقبل العربي، عدد 274-8-2003، ص : 106.
www.mondiploar.com.
[75] محمد
حسنين هيكل : "قراءة في أوراق إدارة بوش
وعقلها"، مجلة الكتب وجهات نظر، العدد 53 يوليو 2003، ص : 4.
[77] جيف
سيمونز : "استهداف العراق : العقوبات والغازات في السياسة الأمريكية"،
مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، فبراير 2003، ص : 52.
[78] ميشيل
راتز وجيني غرين وبربارة أولشانكسكي، "ضد
الحرب في العراق"، ترجمة ابراهيم الشهابي، دمشق دار الفكر
2003، ص : 22.
[80] أحمد
سيد أحمد : "الأزمة العراقية ودور مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن
الدوليين"، مجلة السياسة الدولية، العدد 153، يوليو 2003، ص : 124.
[81] روبرت
جاكسون : "ميثاق العولمة، سلوك الإنسان في عالم عامر بالدول"، ترجمة
فاضل جكتر، الرياض مكتبة العبيكان 2003، ص : 528.
[83] حسنين
المحمدي بوادي : "غزو العراق بين القانون الدولي والسياسة الدولية"،
منشأة المعارف بالإسكندرية، سنة 2005، ص : 99.
[84] أنظر
ماجد ابراهيم علي : "قانون العلاقات الدولية"، الطبعة الأولى، القاهرة،
2001-2002، ص : 334 وما بعدها.
[85] مصطفى
أحمد فؤاد : "المنظمات الدولية النظرية العامة للمنظمات"، الطبعة
الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة، سنة 2002، ص : 88.
[90] عبد
الله يوسف الغنيم : "دور الأمم المتحدة في إقرار السلم والأمن
الدوليين"، دراسة للحالة العراقية الكويتية، مركز البحوث والدراسات الكويتية
1990، ص : 30-36.
[91] ابراهيم
محمد حسن : "الصراع الدولي في الخليج العربي : العدوان العراقي على الكويت
الأبعاد والنتائج العربية والدولية"، مؤسسة الشراع، الطبعة الأولى،
1996، ص : 88.
[92] Rosalyn HIGGINS : "General cour on
public international law", Academie de droit international, 1991, V. 230,
p : 328.
[95] ومما
قاله مندوب الإمارات العربية المتحدة إن العدوان العراقي على الكويت هو انتهاك
للأعراف والقيم العربية وهو خرق للمبادئ العربية والدولية وسيخسر العرب كثيرا
لنتيجة هذا العدوان، ولم يتوقع أحد في الحرب أن تقوم دولة عربية بارتكاب هذا العمل
الوحشي الظالم ضد شقيقة عربية وقفت إلى جانبها ودافعت عن حقوقها وإنني أطالب
العالم كله في هذا المكان أن يقف بحزم لإنهاء الاحتلال العراقي للكويت لكي تنقد
العراق والمنطقة كلها من الكارثة والنتائج التي لا يتصورها أحد نتيجة هذا العدوان
وتؤكد مرة أخرى تضامنها مع شعب الكويت وحكومتها في الكفاح لاستعادة سيادة الكويت.
[101] أحمد
باباتا العلوي : مجلة "العصر منتدى العصر الحرب والسياسة ومنطق الصراع"، http//www.alasr.ws.
[102] أحمد
عبد الحليم : "الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة الأمريكية السياسة
الدولية"، عدد 147 يناير 2002.
[103] عبد
الوهاب الأفندي : "كوميديا وتراجيديا الحرب على الإرهاب أفغانستان نموذجا 12،
بيروت، شتنبر 2006"، ص : 12.
[105] محمد
الهزاط : "الحرب الأمريكية البريطانية على العراق والشرعية الدولية"،
المستقبل العربي، العدد 292، ص : 78.
[106] جعفر
وفياء وجعفر نعمان : "أسلحة الدمار الشامل في العراق الاتهامات
والحقائق"، المستقبل العربي، العدد 306، ص : 45.
www.wajhat.com
[108] سيد
أبو ضيف أحمد : "الهمينة الأمريكية : نموذج القطب الواحد"، عالم الفكر،
العدد 3، المجلد 31 يناير مارس 2003، ص : 38-40.
[110] نعوم
تشومسكي : "الحرب الوقائية ضد العراق الذي سيلازمه العار"، مجلة
المستقبل العربي، العدد 11297/2003، ص : 37.
[111] اجتمع
وزراء الخارجية العرب في 15 يوليوز 2006 لكي يعكس هذا الموقف خلافات حادة بين
تيارين الأول تدعمه كل من السعودية ومصر ويحمل حزب الله المسؤولية عن ما حدث
والتيار الثاني تمثله سوريا حيث أعلنت على ضرورة دعم المقاومة اللبنانية
والفلسطينية بلا حدود وأن الوقت ليس وقت لوم.
[112] خليل
العناني : "النظام العربي من البنيوية إلى التفكيك"، قراءة في انعكاسات
الحرب الإسرائيلية على لبنان، مجلة شؤون عربية، العدد 127 خريف 2006، ص : 59-67.
[113] عبد
الرؤوف ستو باحث وأستاذ التاريخ في الجامعة الخاصة اللبنانية، الحرب الإسرائيلية
اللبنانية 2006، الخلفيات والمواقف والأبعاد مجلة حوار العرب، سبتمبر 2006، ص :
36.
[114] محمد
حيدر باحث في الفكر السياسي رئيس تحرير مدارات عربية نفس المرجع المقاومة
اللبنانية أنهت زمن الحروب الإسرائيلية الخاطفة، نفس المرجع، ص : 49-50-51.
[116] العميد
الركن الدكتور أمين محمد حفيظ : "الخلفيات والأهداف الإستراتيجية للحرب على
لبنان"، http://www.aljazeera.net.
[118] باتريك
سيل : "أهداف الحرب الإسرائيلية على لبنان 12/10/2008"، مركز الدراسات
الدولي العرب وأمريكا،http://www.icaws.org/site.
[121] عبد
الواحد الناصر : "المتغيرات الدولية الكبرى"، مطبعة النجاح الدار
البيضاء المغرب، ماي 2004، ص : 11.
[122] مقتطفات
هذا الخطاب، جريدة الشرق الأوسط، العدد الصادر يوم 12 مارس 2002، ص : 3، وجريدة
القدس العربي الصادر في نفس اليوم، ص : 7.
[123] محمد
صادق : "المرحلة الأولى من الحرب على الإرهاب انتهت باقتلاع طالبان"،
جريدة الشرق الأوسط، العدد الصادر يوم 6 مارس 2002، ص : 6.
[124] أحمد
ابراهيم محمود : "الإرهاب الجديدة الشكل الرئيسي للصراع المسلح في الساحة
الدولية"، مجلة السياسة الدولية، العدد 147، يناير 2002، ص : 45.
[125] حاولت
الولايات المتحدة أن تستصدر قرار مجلس الأمن يضفي الشرعية على قيامها بالحرب على
العراق لكن أغلبية الدول الأعضاء 11 دولة من مجموع الدول الخمس عشر من مجلس الأمن
رفضت تأييد مشروع القرار الذي حذا بها للذهاب إلى الحرب مع حليفتها التقليدية
إنجلترا وبضعة دول حليفة أخرى بقوات رمزية.
[126] أحمد
عبد الحليم : "الإستراتيجية العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، السياسة
الدولية"، عدد 147 يناير سنة 2002.
[129] إسماعيل
صبري مقلد : "العلاقات السياسية الدولية"، دراسة في الأصول والنظريات،
الطبعة الرابعة الكويت، 1985، ص : 179-180.
[130] سامي
منصور : "الدور العربي في استراتيجيات الكتل الدولية"، مجلة السياسة
الدولية يناير 1984، ص : 100.
[131] عبد
الواحد الناصر : "مدى مشروعية استخدام القوة لحماية الرعايا الموجودين
بالخارج"، أطروحة لنيل الدكتوراه، جامعة محمد الخامس، الرباط، أكدال، كلية
الحقوق الرباط، 1986.
[135] محمد
إبراهيم فضة : "أثر عامل الشخصية في صنع السياسة الخارجية"، دراسة
منشورة في مجلة السياسة الدولية، العدد 74، ص : 54.
[136] رجب
عبد المنعم متولي : "الأمم المتحدة بين الإلغاء والإبقاء في ظل التطورات
الراهنة"، الطبعة الأولى، القاهرة، 2004-2005، ص:135-136.
[138] لقد
نصت المادة 312 من الميثاق على أن ينص جميع أعضاء الهيئة منازعتهم الدولية
بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر.
[139] المادة
33-1 يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي
للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدأ بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق
والتحكيم والتسوية القضائية أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو
غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.
[140] صلاح
شلبي عبد البديع : "المنظمات الدولية في القانون الدولي والفكر
الإسلامي"، الطبعة الثانية القاهرة، 1996، ص : 97.
[141] حسام
أحمد هنداوي : "حدود سلطات مجلس الأمن في ضوء قواعد النظام العالمي
الجديد"، الطبعة الأولى، القاهرة، 1994، ص : 48.
[143] صلاح
الدين عامر : "تحكيم طابا"، دراسة قانونية، طبعة أولى، دار النهضة
العربية القاهرة 1992، ص : 106-107.
[144] هذا
وتنص المادة 94 من الميثاق "يتعهد كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة أن ينزل على
حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفا فيها إذا امتنع أحد المتقاضين في
قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة".
[146] إذا
نصت المادة 52 من الميثاق للفصل الثامن الخاص بالتنظيمات الإقليمية 1- على أن ليس
في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور
المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ما يكون العمل الإقليمي صالحا منها ومناسبا
مادامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائما مع مقاصد الأمم
المتحدة ومبادئها، 2- يبدل أعضاء الأمم المتحدة الداخلون في مثل هذه المنظمات أو
الذين تتألف منهم مثل هذه الوكالات كل جهد هم لتدبير الحل السلمي للمنازعات
المحلية عن طريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة هذه الوكالة وذلك قبل عرضها
على مجلس الأمن، 3- على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه
المنازعات المحلية بطريقة هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة تلك الوكالات.
Rapport
annuel du secrétaire général de l'ONU, New York, 1958, pp : 20 et 21.
[150] رجب
عبد المنعم متولي : "الأمم المتحدة بين الإلغاء والبقاء في ظل التطورات
الدولية الراهنة"، الطبعة الأولى القاهرة 2004-2005، ص : 155-157.
[154] PURTICH SAM BAUD : "La définition du
l'agression par l'organisation des nations unies", R.G.D.I.F, 1970, p :
835.
[155] كتب
مجيب الرحمان عبيد : "مستقبل الأمم المتحدة في ظل هيمنة القطب الواحد"،
مركز البحوث والمعلومات، قراءات سياسية، العدد 10، أبريل 2003، www.salameus.net.
[156] محمد
عبد العزيز أبو سحيلة : "المسؤولية الدولية عن تنفيذ قرارات الأمم
المتحدة"، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة 1978، ص : 529-538.
[158] عبد
العزيز سرحان : "جريمة القرن الحادي والعشرين الغزو الأمريكي الصهيوني
الأمبريالي للعراق"، الطبعة الأولى، دار النهضة العربية، القاهرة 2004، ص :
46-51.
[159] ولقد
عبر البيان الصادر عن مجلس الأمن في القمة المنعقدة بتاريخ 31 يناير 1993 عن
الفكرة الجديدة لتوسيع مفهوم تهديد السلم على النحو التالي إن غياب الحروب
العسكرية بين الدول لا يعني بالضرورة استتباب الأمن والسلام العالميين لقد أصبحت
المصادر غير العسكرية لعدم الاستقرار تشكل تهديدا فعليا للسلام والأمن الدوليين
وتلك المصادر تتمثل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والبيئية.
[160] نبيل
العربي : "الأمم المتحدة والنظام العالمي الجديد"، مجلة السياسة
الدولية، العدد 114 أكتوبر 1993، ص : 153.
[162] أنظر
تقرير عن أعمال المنظمة من خلال التقرير السنوي من أعمال المنظمة لعام 1995
والصادر عن الأمم المتحدة عام 1995 وبحث ودراسة الأمين العام الدكتور بطرس غالي
نشر إدارة شؤون الإعلام بالأمم المتحدة.
[163] صادق
محروس : "المنظمات الدولية والتطورات الراهنة في النظام الدولي"، مجلة
السياسة الدولية، العدد 22 أكتوبر 1995، ص : 19-20.
[164] خطة
الأمين العام للأمم المتحدة بشأن كيفية الارتقاء بأداء المنظمة بما يسمح تحقيق
السلام وتعزيزه على امتداد العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق