بحكم التطور التاريخي
وبحكم تعدد أغراض الدبلوماسية، أخذت الدبلوماسية العديد من الصور والأشكال، إلى
الحد الذي يجعل عملية تحديد صور الدبلوماسية أو أشكالها وأنواعها مسألة صعبة،
فهناك تصنيفات عديدة بحسب معيار التصنيف نفسه، فدبلوماسية المؤتمرات مثلا، يمكن أن
تصنف على أنها دبلوماسية جماعية، وهي كذلك فعلا من حيث الشكل، أما من حيث أطرافها
فيمكن أن تصنف ضمن دبلوماسية القمة، وذلك لأن رؤساء الدول عادة ما يقومون بإجراء
لقاءات جانبية في هذه المؤتمرات، ومن حيث عدد الأطراف تأخذ دبلوماسية المؤتمرات
تصنيفات أخرى ففيها الدبلوماسية الثنائية، وفيها الدبلوماسية الجماعية.
ويمكن تصنيف أشكال
الدبلوماسية وفقا للمؤسسات التي تقوم بممارسة العمل الدبلوماسي، ذلك أن هناك
العديد من المؤسسات التي يمكن أن تقوم بالمهمة الدبلوماسية. ويقصد بمؤسسات العمل
الدبلوماسي تلك المؤسسات المنوط بها القيام بالممارسة الدبلوماسية، أو التي تختص
بتحقيق أهداف الدبلوماسية. أو المؤسسات التي تمارس الدبلوماسية سواء بشكل دائم أو
مؤقت.
صور
الدبلوماسية وأشكالها:
يمكن تصنيف صور
الدبلوماسية وأشكالها على أساس عدة معايير، هذه المعايير تتمثل في: الشكل، الأطراف
التي تمارس العمل الدبلوماسي (نوعية هذه الأطراف، عدد الأطراف)، طبيعة الجهة التي
تمارس الدبلوماسية أو التي ينتمي إليها هؤلاء الأطراف، الموضوعات التي يتناولها
العمل الدبلوماسي، ثم طبيعة العمل الدبلوماسي، الأداة أو الأدوات التي تستخدمها
الدبلوماسية.
والحقيقة إن هناك تداخل
بين هذه المعايير، فمن حيث الشكل هناك الدبلوماسية التقليدية، الدبلوماسية
البرلمانية، ومن حيث نوعية الأطراف هناك دبلوماسية القمة، الدبلوماسية الشعبية،
ومن حيث عدد الأطراف هناك الدبلوماسية الثنائية والدبلوماسية الجماعية، ومن حيث
الجهة التي تمارس العمل الدبلوماسي هناك دبلوماسية المبعوثين، ودبلوماسية
المتخصصين وهو المتخصصون في مجالات محددة يحتاجها العمل الدبلوماسي، ومن حيث
الموضوعات هناك: الدبلوماسية الاقتصادية، والدبلوماسية الثقافية، والدبلوماسية
البيئية، ودبلوماسية التحالف العسكرية. ومن حيث طبيعة العمل الدبلوماي هناك
دبلوماسية الأزمات أو الدبلوماسية الوقائية، والدبلوماسية السريعة، والدبلوماسية
المكوكية، والدبلوماسية الهادئة. ومن حيث الأداة التي تستخدمها الدبلوماسية هناك
مثلا دبلوماسية الدولار، ودبلوماسية البوارج.. إلخ.
والتداخل واضح، فمثلا
دبلوماسية المؤتمرات قد تشمل التقليدية والبرلمانية وقد تكون ثنائية أو جماعية،
وقد تضم أكثر من موضوع، وقد تكون سريعة أو هادئة.. إلى غير ذلك. وعموما يمكن رصد
أهم أشكال أو صور العمل الدبلوماسي والتي تنطوي على كافة الصور الأخرى، وذلك على
النحو التالي:
أولاً:
الدبلوماسية الثنائية (التقليدية):
وتعتبر أقدم أنواع الدبلوماسية
وأكثر شيوعا انتشارا على الساحة الدولية، وتتمثل في ممارسة الدبلوماسية على أساس
التمثيل الثنائي بين دولتين من أجل تقوية العلاقات أو تسوية المنازعات القائمة
بينهما.. أو غير ذلك، وهناك العديد من أشكال الدبلوماسية الثنائية، مثل: التمثيل
الدبلوماسي الدائم أو المؤقت، ودبلوماسية القمة بين رئيسي دولتين، والاجتماعات
الثنائية الوزارية، فعلى سبيل المثال، تعتبر البعثات الدبلوماسية المصرية لدى
الدول الأخرى، والبعثات الدبلوماسية الأجنبية في مصر، تطبيقها لهذا النوع من
الدبلوماسية. وتعتبر ممارسة الدبلوماسية الثنائية واحدة من أبرز مظاهر السيادة
للدولة الحديثة. فبمجرد حصول أية دولة على استقلالها فإنها تسعى إلى الحصول على
الاعتراف الخارجي، وتتوسع في بناء العلاقات الدبلوماسية الثنائية مع الدول الأخرى
وذلك من خلال إرسال وقبول المبعوثين الدبلوماسيين وفق قواعد القانون الدولي.
ومع ذلك، فإن هذه
الدبلوماسية التقليدية شهدت تدهورا نسبيا من حيث القيمة والأهمية، لصالح دبلوماسية
القمة ودبلوماسية المؤتمرات والمنظمات الدولية، فعلى الرغم من أن الدبلوماسية
الثنائية التقليدية تظل بمثابة القناة الرئيسية للاتصال والتفاعل بين الدول، إلا
أن هناك العديد من الاعتبارات التي قللت من فاعلية هذا النوع من الدبلوماسية، مثل
الزيادة الهائلة في عدد الدول وتداخل وتشابك المصالح بين الدول والإيقاع السريع
للأحداث والتطورات الدولية والتعقد الهائل في المشكلات والصراعات الدولية، حيث أدت
هذه العوامل إلى عجز الدبلوماسية الثنائية عن حسن معالجة القضايا الدولية
المختلفة، وأصبح من المألوف أن تتجه الدول نحو ممارسة القمة لسرعة معالجة القضايا
العالقة بدلا من قنوات الدبلوماسية الثنائية التقليدية بالإضافة إلى التسيير
البومي لمختلف القضايا في العلاقات الثنائية بين الدول.
ثانيا:
دبلوماسية القمة:
وهي الدبلوماسية التي يقوم
بها رؤساء الدول أو الحكومات، وهي يمكن أن تتدرج ضمن نوع الدبلوماسية الثنائية
إذذا كانت القمة بين رئيسي الدولتين، بينما يمكن أن تتدرج ضمن الدبلوماسية
الجماعية إذا اشترك فيها أكثر من رئيسين. ومن أبرز الأمثلة على دبلوماسية القمة
يمكن أن نذكر قمة "بالطا" التى عقدت في نهاية الحرب العالمية الثنائية
في فبراير 1945 بين كل من الرئيسين الأمريكي تيودور روزفلت والزعيم السوفيتي جوزيف
ستالين ورئيس الوزراء البرياطني ونستون تشرشل، والتي ترتب عليها تقسيم مناطق النفوذ
بين تلك الدول في الفترة التالية وبالمثل، تعتبر لقاءات الرئيس حسن مبارك مع
الملوك والرؤساء العرب والأجانب تطبيقا لدبلوماسية القمة. وهناك العديد من الأنشطة
التي تشتمل عليها دبلوماسية القمة، أبرزها اجتماعات القمة السنوية للمنظمات
الدولية أو الإقليمية، واللقاءات التشاورية، ولقاءات تسوية الصراعات أو الخلافات،
واجتماعات المجالس الثنائية العليا بين أي دولتين، والتي عادة ما يرأسها زعيما
الدولتين، بالإضافة إلي اللقاءات المراسمية، مثل الاحتفالات الوطنية الهامة أو
وفاة زعماء الدول.. وغير ذلك.
ويعتبر هذا الشكل من
الممارسات الدبلوماسية واحدة من الأشكال الأقدم والأكثر عراقة من أشكال
الدبلوماسية حيث دأب الملوك والأمراء والحكام قديما على اللجوء إلى هذا الشكل من
أشكال الممارسة الدبلوماسية من أجل تحقيق طائفة واسعة من الأهداف التي يتمثل
أبرزها في: سرعة تسوية ومعالجة المشكلات القائمة بين الدولتين، وإظهار الجدية في
التعامل مع المشكلات والقضايا العالقة وإظهار الود والصداقة والرغبة في توطيد
وتقوية العلاقات بين الدولتين وسرعة الوصول إلى اتفاقات بين الدولتين، وبالذات
فيما يتعلق بالتحالفات العسكرية. ومع ذلك، فإنه على الرغم من عراقة وقدم هذا الشكل
من أشكال الدبلوماسية، إلا أنه لم يكن مستخدما على نطاق واسع في الماضي بسبب ضعف
وسائل الاتصال والمواصلات ووعورة الطرق، في حين أن هذا الشكل أصبح نمطا متكررا من
أشكال الممارسة الدبلوماسية في العصور الحديثة.
ومن ثم، فإن المرحلة
المعاصر من تطور العلاقات الدولية تتميز بازدياد الاعتماد على دبلوماسية القمة
باعتبارها الشكل الأكثر فاعلية والأكثر حسما بين مختلف أنواع الدبلوماسية، لأن
رؤساء الدول والحكومات يكونون قادرين على اتخاذ أعقد القرارات في مثل هذه القمة من
دون الرجوع إلى مستويات قيادية أعلى، حتى يمكنهم التصدي لأعقد القضايا الشائكة
فيما بين دولهم. ومع ذلك فإن الممارسة الدبلوماسية الفعلية تشير إلى نجاح
دبلوماسية القمة يحتاج إلى ترتيبات وتحضيرات ضخمة من جانب المستويات الأدنى من
مسئولي الدولتين، بما يتضمنه ذلك من احتياجات الخبراء والوزاء من أجل التحضير
للقاء القمة. ومن ثم، فإن لقاء القمة ذاته يجب أن يأتي تتويجا لتحضيرات ضخمة، يكون
قد جرى خلالها الاتفاق على صيغة الاتفاق بين الدولتين، أو يمكن في أسوأ الأحوال أن
تترك التعقيدات الأكثر خطورة في هذه الاتفاقات للقاء القمة ذاته، وبالذات إذا كانت
هذه التعقيدات تحتاج إلى قرارات سيادية لا يستطيع أن يتخذها قادة الدول أنفسهم.
ثالثاً:
دبلوماسية المنظمات الدولية:
وهي الأنشطة الدبلوماسية التي تحدث في إطار
المنظمات الدولية والإقليمية وتتعدد التسميات والأوصاف التي تطلق على هذا النوع من
الممارسة الدبلوماسية، ومن بينها، الدبلوماسية البرلمانية نظرا للتشابه بينها وبين
العمل في البرلمانات الوطنية.
وقد بدأ ممارسة هذا الشكل
من أشكال الدبلوماسية على نطاق واسع، عقب الحرب العالمية الأولى، وبالذات عقب
إنشاء عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى 1914-1918 فيما كان بمثابة بداية
ممارسة دبلوماسية المنظمات، ثم تعقمت ممارسة هذه الدبلوماسية مع إنشاء منظمة الأمم
المتحدة عام 1945، ثم ازدادت بدرجة أكبر بكثير مع انتشار المنظمات الإقليمية أو
الإقليمية الفرعية في العديد من قارات وأقاليم العالم. ومن أبرز الأمثلة على
دبلوماسية المنظمات الدولية دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبدأ سنويا في
شهر سبتمبر تقريبا، والتي يشارك فيها الكثير من رؤساء الدول والحكومات وزراء
الخارجية، كما أن هناك المؤتمرات العديدة التي تنظمها الأمم المتحدة. وبالمثل، فإن
اجتماعات جامعة الدول العربية سواء اجتماعات القمة أو اجتماعات مجلس الجامعة أو
الاجتماعات الوزارية المختلفة تطبيقا لدبلوماسية المنظمات الدولية.
وتتسم دبلوماسية المنظمات
بمجموعة من الخصائص والمميزات، يأتي في مقدمتها أن القانون الدولي صاغ مجموعة من
القواعد والمبادئ القانونية لتنظيم أعمال هذه المنظمات الدولية والإقليمية. بالإضافة
إلى أنها تتسم بالاستمرارية والتواصل، كما أنها تعتمد على دبلوماسية التصويت في
حالة القضايا التي يتعين الوصول إلى قرار بشأنها، ومن دون وجود توافق في الآراء أو
إجماع كامل بشأنها فيما بين الدول الأعضاء. أضف إلى ذلك، أن هذا النوع من
الدبلوماسية يتسم بأنه قائم على أساس الاختيار الطوعي وإدارة الدولة العضو في
الانضمام أو الانسحاب يبدو مقيدا بمجموعة من القيود النفسية القوية، وإبرازها أنه
لا يمكن لأي دولة حديثة الاستقلال مثلا أن تمتنع عن الانضمام إلى منظمة الأمم
المتحدة، لأنها بذلك تفرض سورا من العزلة على نفسها، وعلى الرغم أيضا من أن الدولة
تملك الحق نظريا في الانسحاب من منظمة قارية، مثل منظمة الوحدة الإفريقية، إلا أن
الخسائر المترتبة على مثل هذا الانسحاب تفوق كثيرا أي مكاسب تتحقق من الانسحاب، ما
يعني أن حرية الدولة في الانضمام أو الانسحاب من المنظمة الدولية تعتبر حرية نسبية
أو حرية مقيدة.
ومن حيث المبدأ، فإن
دبلوماسية المنظمات تركز على تغزيز التعاون الدولي وتقوية العلاقات الدولية، إلا
أن هناك العديد من القيود التي يتعرض لها هذا النوع من الدبلوماسية، وأبرزها أن
توازن القوى، وتناقضت المصالح هو الذي يحكم عملية صنع القرار في المنظمات الدولية،
وبالذات في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، حيث أن عملية صنع القرار داخل مجلس
الأمن تبدو مقيدة بوجود حق النقض (الفيتو) لصالح الدول الخمس الكبرى ذات العضوية
الدائمة في المجلس، وحتى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي يتم التصويت فيها
بالأغلبية العديدة البحتة، فإن الدول الكبرى تمارس ضغوطا سياسية واقتصادية وعسكرية
على الدول الصغرى من أجل التأثير عليها لكسب تأييدها أثناء التصويت على إصدار
القرارات.
وعلى أية حال، فإن
دبلوماسية المنظمات الدولية أصبحت في الوقت الحالي واحدة من الأشكال الأكثر شيوعا
وانتشارا على الساحة الدولية، كما أنها تعتبر الخاصية الأكثر بروزا للتطور المعاصر
للعلاقات الدولية في النصف الثاني من القون العشرين. وفي الوقت نفسه، أصبحت واحدة
من أهم منابر تطوير العلاقات الدولية والإقليمية في مختلف مجالات التعاون
الاقتصادي ونزع السلاح والتنظيم الدولي وحقوق المرأة والطفل والبيئة.. وغير ذلك،
قد تحققت أصلا من خلال المنظمات الدولية، وبالذات الأمم المتحدة ومنظماتها
المتخصصة.
رابعاً:
الدبلوماسية الشعبية:
الدبلوماسية الشعبية أو
غير الحكومية هي جميع أشكال الممارسة الدبلوماسية التي تقوم بها المؤسسات غير
الحكومية في الدولة، والتي تهدف إلى إقامة علاقات مباشرة بين الشعوب، حيث يتجه هذا
النوع من الدبلوماسية نحو مخاطبة الجماهير من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ومن
فوق منابر متعددة، مثل البرلمانات، ووسائل الإعلام والمثقفين.. وغير ذلك.
وهناك العديد من العوامل
والمتغيرات التي ساهمت في بروز وتطور هذا النمط من الدبلوماسية، وأبرزها ازدياد
دور وقوة الرأي العام العالمي في العلاقات الدولية، بالإضافة إلى ازدياد الإحساس
بان مشاركة الشعوب في العلاقات الدولية تضمن درجة أكبر من الاستقرار على الساحة
الدولية، وهو إحساس تبلور بقوة عقب الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد أن تسبب في
احتكار الحكومات لقضايا السياسة الخارجية والعلاقات الدولية في وقوع حروب عالمية
وكوارث كبرى، وهو مازاد من الإحساس بضرورة وجود مشاركة شعبية ورقابة شعبية على
قضايا السياسة الخارجية، كما أن هذه الأحداث أدت إلى نمو روح المصالح المشتركة
والتفاهم فيما بين الشعوب. أضف إلى ذلك، أن ثورة الاتصالات ساعدت إلى حد كبير على
تيسير المشاركة الشعبية في الأنشطة الدبلوماسية على الصعيد العالمي، حيث ساعدت هذه
الثورة على تسهيل الاتصال بين المنظمات غير الحكومية والأفراد والمثقفين
والإعلاميين، كما ساعدت على سرعة إعلام الرأي العام العالمي بالتطورات الداخلية في
كل دولة على حدة، وهو ما يساعد تيسير التفاعل بين الشعوب.
وفي الوقت نفسه، فإن
ازدياد أهمية الدبلوماسية الشعبية يعود إلى الدور المتزايد الذي أصبحت المنظمات
غير الحكومية تقوم به، ليس فقط في داخل مجتمعاتها، ولكن أيضا على امتداد الساحة
الدولية، وهو ما يعتبر أحد مظاهر (العولمة)، حيث أدت ثورة الاتصالات إلى إلغاء
الحدود بين الدول، كما خلقت درجة عالية من التداخل بين القضايا الداخلية والخارجية
بالنسبة لأي دولة في العالم، حيث لم تعد قضايا السياسة الخارجية حركا على الحكومات
الوطنية فقط، كما كان الحال دائما في الفترات الماضية، وإنما أصبح الرأي العام
الوطني والعالمي والمنظمات غير الحكومية يلعبون دورا هاما في القضايا المختلفة في
مختلف مجالات التعاون الدولي، وفي مختلف قضايا العلاقات الدولية، وبالذات في
مجالات البيئة وحقوق الإنسان وضبط التسلح.
ومن ثم فإن الممارسة
الدبلوماسية لم تعد نشاطا مقصورا على الحكومات، وإنما أصبحت هذه الممارسة شأنا
علميا تشترك فيه الدول والحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية
ومؤسسات المجتمع المدني العالمي عموما. ولذلك أدى الدور المتزايد للمنظمات غير
الحكومية إلى بروز فاعل دبلوماسي جديد على الساحة العالمية. وكان ذلك واضحا على
سبيل المثال في أن المنظمات غير الحكومية استطاعت أن تشارك في بلوزة (أجندة
اهتمامات العالم)، والتي تحدد الاهتمامات الدولية الرئيسية في القرن الحادي
والعشرين.
وقد برزت أهمية
الدبلوماسية الشعبية أيضا فى المؤتمرات الدولية الكبرى التي عقدت أثناء عقد
التسعينات، حيث لم تقتصر المشاركة في هذه المؤتمرات على الوفود الرسمية، وإنما
شارك فيها ممثلون للمنظمات الحكومية كانت تعقد مؤتمرات غير رسمية موزانة للمؤتمرات
الحكومية الرسمية، ومن ابرز هذه المؤتمرات: مؤتمر قمة الأرض (عام 1992)، والمؤتمر
الدولي للتنمية المستدامة (1994)، والمؤتمر العالمي للمرأة (1995)، والمؤتمر
العالمي للتنمية الاجتماعية (1995)، ومؤتمر مراجعة إعلان قمة الأرض (1998)،
واجتماع الجمعية العمومية بشأن مشكلة المخدرات فى العالم (1998)، ومؤتمر المحكمة
الجنائية الدولية (1998)، ومؤتمر قمة الألفية الذي ناقش مستقبل دور الأمم المتحدة
فى القرن الحادي والعشرين في سبتمبر 2000.
وقد أدت هذه التطورات إلى
تنامي الدبلوماسية الشعبية، وبروز أشكال مختلفة من الممارسة الدبلوماسية التي
تندرج ضمن هذا النوع من الدبلوماسية، وأبرزها الدبلوماسية البرلمانية هى شكل من
أشكال الدبلوماسية الشعبية، يمارسها نائب مختلف من الشعب، بقرار من البرلمان الذي
ينتمي إليه، ممثلا فى ذلك المؤسسة النيابية التي ينتمي إليها، وهى تقوم على
الاحتكاك بين ممثلي الشعوب أو ممثلي القواعد الشعبية المختلفة، وربما تكون ثنائية
أو متعددة الأطراف، أما دبلوماسية الإعلام، فهى نوع من الممارسة الدبلوماسية ينشأ
تلقائيا من خلال قيام وسائل الإعلام المختلفة بمخاطبة الجماهير بصورة مباشرة، مما
يخلق نوعا من التواصل والتفاعل بين الجماهير بعضها البعض من خلال وسائل الإعلام.
أما دبلوماسية الإنترنت فهى نوع جديد من الممارسة الدبلوماسية نشأ من خلال الثورة
الهائلة فى مجال الاتصال والمعلومات من خلال شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)
وهو ما أتاح تيسير عملية تبادل الرأي والمشورة بين المنظمات غير الحكومية وتكوين
التكتلات والشبكات من هذه المنظمات للدفاع عن قضايا دولية معينة.
ومن ثم، فإن الدبلوماسية
الشعبية تعكس فى الأساس نمو دور القوى غير الحكومية، والرأي العام المحلي والعالمي
في شئون السياسية الخارجية والعلاقات الدولية ومن المنتظر أن تؤدي ظاهرة العولمة
وازدياد دور المنظمات غير الحكومية إلى ازدياد دور الدبلوماسية الشعبية على الساحة
الدولية. ومع ذلك، فإن الدبلوماسية الشعبية تظل بحكم طبيعتها بعيدة عن التقنين
والتأطير القانوني، حيث أن القانون الدولي العام لم يحدد قواعد قانونية أو مبادئ
عرفية تحكم عمل هذا الشكل من الممارسة الدبلوماسية. فالأطراف المشاركة فى هذا
النوع من الدبلوماسية لا تخضع للقواعد القانونية التي تحكم الممارسة الدبلوماسية
الحكومية التقليدية، وعلى الرغم من أن هذه الخاصية تجعل الدبلوماسية الشعبية خارج
نطاق التقنيين والتحديد القانوني، إلا أن هذه الخاصية ذاتها ربما تكون مصدر القوة
الرئيسية للدبلوماسية الشعبية، فهى دبلوماسية غير تقليدية، ولا تتقيد بحسابات
ومصالح الحكومات. وإنما تهتم ف الأساس بالتعبير عن إحساس ومصالح الشعوب، وخلق
روابط إنسانية ومصلحة مباشرة فيما بين هذه الشعوب.
خامساً:
الدبلوماسية الوقائية:
على الرغم من أن
الدبلوماسية الوقائية تعتبر واحدة من الأنواع القديمة نسبيا من أنواع الممارسة
الدبلوماسية، إلا إنها اكتسبت شهرة واسعة خلال السنوات القليلة الماضية مع تبني
الأمم المتحدة هذا النمط من الدبلوماسية، فى عهد السكرتير العام السابق بطرس غالي،
فى إطار المسعى الرامي إلى تطوير وإصلاح منظمة الامم المتحدة فى فترة ما بعد الحرب
الباردة، وذلك باعتباره نمطاً من الممارسة الدبلوماسية يرمى إلى استباق الأزمات
الدولية أو الداخلية والحيلولة دون اندلاعها أصلا ومعالجتها فى مراحل تطوارتها
المبكرة.
ومع ذلك فان نمط
الدبلوماسية الوقائية يعتبر نمطاً قديما من أنماط الممارسة الدبلوماسية، يقوم فى
الأساس على تسوية أى نزاعات أو صراعات بين الدول من خلال التفاوض، بهدف تفادي وصول
هذا النزاع أو الصراع إلى مرحلة الصراع المسلح أو الحرب واسعة النطاق، وذلك من
خلال المفاوضات أو الوساطة أو التحكيم أو التوفيق... أو غير ذلك من الإجراءات، ومن
الممكن أن تقوم بهذه الجهود الدول أو الدول المعنية بهذا النزاع بصورة مباشرة، أو
عن طريق وساطة. طرف ثالث ربما يكون هذا الطرف الثالث دولة أو منظمة دولية إقليمية.
ومن ؟؟؟؟؟؟ هذا النمط النشاط الدبلوماسي المكثف الي قام به الرئيس حسني مبارك لنزع
فتيل التوتر العسكري بين سوريا وتركيا فى أكتوبر عام 1988، والذي ساعد على احتواء
الأزمة بينهما، وهو ما ساعد على الوقاية من خطر اندلاع حرب بين سوريا وتركيا
وقتذاك.
وبالتالي، فإن
مفهوم (الدبلوماسية الوقائية) يتشابه إلى حد كبير مع مفهوم (إدارة الأزمات)،
فالأثنان يهدفان إلى (إدارة) النزاع وتفادي وصوله إلى مرحلة الحرب أو الصراع
المسلح. وهناك نوعان من الدبلوماسية الوقائية هما:
1- الدبلوماسية
الوقائية ذات الطابع الاختياري:
وهى الدبلوماسية التي تكون
نتائجها غير ملزمة للأطراف المعنية، ويمكن لكل طرف منهما الا يقبل نتائج المجهود
الدبلوماسي المبذول فى هذا النوع وهناك الكثير من الأشكال التي يمكن القيام بها فى
هذا الصدد، وهى: المفاوضات المباشرة الثنائية أو المتعددة الأطراف، والوساطة،
والمساعي الحميدة، والتحقيق والتوفيق أو المصالحة، وتشابه جميع هذه الأشكال فى
الطابع الطوعي البحث لها سواء من جانب الأطراف المتنازعة أو التوفيق، حيث أن جميع
هذه الجهود طوعية وغير ملزمة، وهو ما يعتبر نقطة قوة وضعف فى آن واحد معاً،
فالطابع الطوعي يجعل الأطراف المنازعة أكثر قبولا لهذا النوع من الممارسة
الدبلوماسية، فإذا انتهت هذه الجهود الى نتائج مقبولة من الجانبين المتنازعين،
فانهما يقبلاها وقبولها يمثل نقطة القوة الأساسية فى هذا الشكل الدبلوماسية
الوقائية. أما نقطة الضعف الرئيسية فإنها تتمثل فى انه إذا كانت نتيجة هذه الأنشطة
بعيدة عن مطالب كل منهما، فان ليس هناك ما يلزم الأطراف المتنازعة بقبول هذه
النتائج، وهو ما قد يؤدى الى تصاعد النزاع ووصوله إلى مستوى الصراع المسلح أو على
الأقل تجميد النزاع والعجز عن الوصول الى تسوية مقبولة ومستقرة له.
2- الدبلوماسية
الوقائية الملزمة (القضائية):
وهى الدبلوماسية الوقائية
التى تكون الأطراف المتنازعة ملزمة بقول النتائج المترتبة عليها، وهى تتمثل أساس
فى التحكيم والتسوية القضائية الدولية ويعتبر هذا الشكل قويا وفعالا فى انه يلزم
الأطراف المتنازعة بتنفيذ قرار التحكيم او التسوية القضائية، ويتسم هذا الشكل من
الدبلوماسية الوقائية بعدة سمات أبرزها اللجوء إليه يكون طوعيا من جانب الأطراف
المتنازعة، وعادة ما يتم اللجوء بعد فشل الدبلوماسية القضائية، كما أن اللجوء غالى
هذا الشكل يعكس إدراكا من جانب الأطراف المتنازعة بان عدم الوصول إلى تسوية النزاع
القائم ربما يؤدى إلى حدوث تصعيد عسكرى خطير بينهما أو يكون اللجوء الى التحكيم
والتسوية القضائية أشبه بمباراة قانونية بين الأطراف المتنازعة، حيث يحشد كل طرف
منهما كل ما لديه من حجج وأسانيد وإثباتات من أجل الفوز، وصدور قرار التحكيم أو
التسوية القضائية لصالحه.
وقد ازدادت أهمية
الدبلوماسية الوقائية منذ أوائل التسعينات حينما جرت الإشارة إليها فى تقرير الأمم
المتحدة بشان تطوير وإصلاح الأمم المتحدة عام 1992، حيث أشار الى أن الدبلوماسية
الوقائية يجب ان تكون الأداة الرئيسية لتخفيف التوتر بين الدول وداخلها، بما يؤدى
إلى إزالة مصادر الخطر فى نشوب العنف المسلح، حتى وان اقتضي ذلك استخدام القوة
العسكرية من جانب المجتمع الدولى من اجل تفادى نشوب الصرع المسلح، بالإضافة الى
التدابير الخاصة ببناء الثقة والإنذار المبكر والانتشار الوقائى للقوات الدولية
قبل اندلاع العنف وإقامة المناطق المنزوعة السلاح، ومن ثم فان مفهوم الدبلوماسية
الوقائية شهد تطورا جديدا من جانب الأمم المتحدة، إلا أن هذا المفهوم يظل اكثر
اتساعا واكثر شمولا من المفهوم الذى أشار إليه تقرير الأمم المتحدة المذكرة فهو
يتضمن أشكالا متنوعة من الممارسة الدبلوماسية التى تهدف إجمالا الى احتواء ومنهم
تفاقم النزاع من خلال الوسائل السلمية.
مؤسسات
العمل الدبلوماسي:
رغم أن وزارة الخارجية هى
المؤسسة الأهم والأكثر فاعلية المسئول الأول عن مهام العمل الدبلوماسي. إلا أنها
ليست الوحيدة، فهناك مؤسسات أخرى تمارس العمل الدبلوماسي ومن أهمها مؤسسة الرئاسة
والتى لا يقل دورها فى ممارسة العمل الدبلوماسي عن دور وزارة الخارجية، وربما تكون
أكثر فاعلية في بعض الأحيان، وجدير بالذكر أن هناك أطراف أخرى تمارس العمل
الدبلوماسي كالبرلمانيين والعسكريين والإعلاميين والمثقفين ورجال الأعمال، إلى
جانب بعض الهيئات الفرعية أو القطاعات فى بعض الوزارات والتى يناط بها تنظيم
علاقات خارجية فى مجال معني (مثل ذلك وزارة التجارة الخارجية، وزارة الاقتصاد،
وزارة الزراعة، وزارة التعليم العالى). لكن لا يمكن ان نسمى هذه الأطراف مؤسسات
للعمل الدبلوماسي ذلك ان المقصود بمؤسسات العمل الدبلوماسى هى تلك التى تختص بأداء
المهمة الدبلوماسية، وعموما يمكن تحديد هذه المؤسسات فى مؤسسة الرئاسة، وزارة
الخارجية، البعثات الدبلوماسية، البعثات القنصلية.
أولاً: مؤسسة الرئاسة:
تقوم مؤسسة الرئاسة بدور
محورى فى العمل الدبلوماسى والمقصود بالرئاسة هنا هو أعلى سلطة تنفيذية فى الدولة
سواء كان رئيس الجمهورية فى النظم الرئاسية أو رئيس الحكومة (فى النظم البرلمانية)
أو الملك (فى النظم الملكية) وتلعب المؤسسة الرئاسية دورا دبلوماسياً بالغ الأهمية
نظرا لأن رئيس الدولة يعتبر الدبلوماسى الأول لدولته، وهو صاحب الحق فى التفاوض باسم
دولته مع الدول الأخرى باعتباره صاحب أعلى سلطة فى دولته، والمعبر عن إرادتها
ومصالحها فى الساحة الدولية، ويبرز الدور المؤثر والفاعل لمؤسسة الرئاسة فى العمل
الدبلوماسي فى جانبى لرئيس الدولة فى قبول واعتماد أوراق اعتماد السفراء الأجانب
والموافقة عليهم، والتوقيع على المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وتعيين السفراء
والقناصل والوطنية لدى الدول الأخرى، أضف الى ذلك ان رئيس الدولة يطلع فى كثير من
الأحيان على تقارير مبعوثية الدبلوماسيين فى الدول الاخرى، ويحدد لهم المهام
والتكليفات الملحة، ويقوم بالاتصال المباشر بهم فى حالات الضرورة.
أما من حيث الممارسة
الدبلوماسية، فإن الرئيس هو الممثل الأول لدولته على الساحة الدولية، ويتمثل دوره
الدبلوماسي فى المشاركة في المؤتمرات الدولية القيام بالزيارات الى الدول الأخرى،
بالإضافة الى التفاوض اسم دولته مع الدول الأخرى فيما يتعلق بالمنازعات أو المصالح
المختلفة لدولته، ويتم الدور الدبلوماسي لرئيس الدوله بأنه شديد الفاعلية، وبالذات
فيه تعلق بدبلوماسية القمة التى يقوم بها الرئيس، والتى تساعد فى كثير من الحالات
على الوصول الى اتفاقيات حاسمة بشان العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الدول
المعنية. وهو ما يؤدى إلى سرعة حسم هذه القضايا، وبالمقارنة مع التعامل معها على
مستوى السفراء أو وزراء الخارجية ، والحقيقة أن الإنجازات الدبلوماسية الكبرى فى
العلاقات الدولية لتحقق فى أغلب الأحيان
من خلال دبلوماسية القمة، وبالذات بين الدول الكبرى.
وقد ارتبط الدور
الدبلوماسى لرئيس الدولة بالتطور فى العلاقات الدولية، بالتطور التكنولوجى
والعلمى، والذين سهلا على رئيس الدولة ممارسة عمله الدبلوماسي، ففى الماضي، كان
ضعف وسائل الاتصال والمواصلات بين الدول وضعف علاقات التبادل التجارى والثقافى،
سببا فى الإقلال من ممارسة دبلوماسية القمة فيما بين الدول والكيانات السياسية
التي كانت قائمة فى العصور السابقة، فى حين أن ثورة الاتصال وازدياد كثافة
العلاقات بني الدول وتشابك المصالح وتداخلها، وكثرة الموضوعات التى تحتاج الى
التباحث والتفاعل السريع بين الدول، كل ذلك زاد من الحاجة الة دبلوماسية القمة،
كما زاد من سهولة ممارسة الدور الدبلوماسى لرؤساء الدول.
ومن أجل تسهيل ممارسة رئيس الدولة لدورة الدبلوماسي، فإن
القانون الدولى والأعراف الدولية استقرت على توفير مجموعة من الحصانات والامتيازات
لرؤساء الدول من جانب الدول المستقبلة، على النحو الذى يحفظ لهم حسن المعاملة
والتكريم والحفاوة التى تناسب مع وضعهم ومكانتهم، وبما يضمن تفادى أية حساسيات قد
تنشأ فى حالة عدم توافر هذه الحصانات، ولذلك فإن الحصانات والامتيازات المتوافرة
لرئيس الدولة تتراوح ما بين: الحماية الأمنية، وحصانة المسكن، والحصانة الشخصية
والقانونية، والاعفاء الجمركى وغير ذلك فالحماية الأمنية هى نوع من حصانة الذات،
بما يضمن لرئيس الدولة التى يقيم بها، بالإضافة إلى حقه فى اصطحاب أطقم الأمن
والحراسة الخاصة به، على النحو الذى يتم الاتفاق عليه بين سلطات الدولتين، كما
يكون مقر إقامة الرئيس محصنا وغير قابل للتفتيش والانتهاك من جانب السلطات الوطنية
فى الدولة المضيفة، كما أن الرئيس الزائر لدولة أخرى يكون متمتعا بالحصانة
القضائية، بمعنى أنه لا يكون خاضعا في سلوكه لقضاء الدولة المستقبلة، حتى وإن كان
مطلوبا في أي قضية أو مساءلة من جانب السلطات القضائية لهذه الدولة، طالما أنه
رئيس للدولة، كما يتمتع هذه الرئيس بإعفاءات جمركية فيما يخص أمتعته والهدايا
والمشتريات التي يحضرها معها إلى الدولة المستقبلة أو التي يحصل عليها من هذه
الدولة.
ثانياً: وزارة الخارجية:
تعتبر وزارة الخارجية بمثابة الجهاز التنفيذي الذي يتولى
تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، والتواصل مع جميع الأطراف الدولية الأخرى، سواء
كانت دولا أو منظمات دولية أو إقليمية أو غير ذلك ووزير الخارجية هو رئيس الجهاز
الدبلوماسي التنفيذ، وهو ما يدعو بعض الدول، مثل فرنسا، إلى استخدام تعبير
"عميد الدبلوماسية" كلقب لوزير الخارجية، والأصل في عمل وزارة الخارجية
(أو وزير الخارجية) أنه ينوب عن رئيس الدولة في تنفيذ وتسيير ومتابعة الشئون
الخارجية لدولته، فنظرا للمهام الضخمة والمتعددة الملقاة على عاتق رئيس الدولة
فإنه كان من الضروري أن يوجد إلى جانبه من يعاون على القيام بكافة الإجراءات
والترتيبات والتدابير المتعلقة بعلاقات الدولة مع العالم الخارجي، بما يتضمنه ذلك
من استقبال المبعوثين ومرافقهم في لقاءاتهم مع الملك أو رئيس الدولة، بالإضافة إلى
تولي مهمة الاتصال المستمرة مع مبعوثي الدولة في الخارج ومتابعة أعمالهم والقيام
بالزيارات والجولات الخارجية وحضور اللقاءات والمؤتمرات الدولية التي تتطلب مشاركة
رسمية رفيعة المستوى من الدولة.
ولذلك فإن دور وزير الخارجية تطور تطورا ضخما مع مرور الوقت،
ثم أصبح هذا الدور محوريا في ظل ازدياد كثافة العلاقات الدولية وتشابكها، وتداخل المصالح
بين الدول المختلفة، ويبدو الدور المتزايد لوزارات الخارجية في أربعة مجالات
رئيسي، أولها ازدياد العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية الثقافية بين دول
العالم، وهو ما يلقى عبئا متزايدا على وزارات الخارجية في مختلف دول العالم لتنفيذ
ورعاية ومتابعة هذه العلاقات المتزايدة، وثانيهما اتساع شبكة التمثيل الدبلوماسي،
نظرا لتعدد وكثرة الوحدات الدولية، سواء الدول أو المنظمات الدولية أو الإقليمية،
والتي تجد أي دولة نفسها في حاجة إلى بناء وتطوير العلاقات مع عدد كبير منها، وهو
ما يدعو الدولة إلى إيفاد مبعوثين دبلوماسيين إليها، ورعاية العلاقات الثنائية بين
الجانبين ويزداد هذا العبء على القوى العظمى والدول الكبرى التي تحتفظ بمصالح
عالمية على امتداد الساحة العالمية، وهو ما يجعلها في حاجة إلى الحفاظ على وجود
دبلوماسي في جميع أنحاء العالم. أما المجال الثالث، فإن ازدياد أعباء ومسئوليات
وزارات الخارجية يبدو واضحا في زيادة الاتفاقيات الدولية بين الدول بعضها البعض أو
بينها وبين المنظمات الدولية والإقليمية، وعادة ما يحتاج الكثير من هذه الاتفاقيات
إلى توقيع وزراء الخارجية أنفسهم، وأخيرا فإن المجال الرابع الذي يبرز فيه الدور الدبلوماسي
المتزايد لوزراء الخارجية يتمثل في كثرة وتعدد مجال وزراء الخارجية في المنظمات
الدولية والإقليمية والتي تحتاج إلى حضور ومشاركة وزراء الخارجية.
ويعتبر دور وزير الخارجية موريا في الدول الحديثة، فهو مسئول
عن كل من يتعلق بعلاقات بلاده بالعالم الخارجي في كافة المجالات، وهو مسئول عن
تمثيل بلاده خارجيا ورعاية مصالحها وإيفاد المبعوثين الخارجيين والمشاركة في
اللقاءات الدولية الهامة. وتبدو أهمية وزارة الخارجية على سبيل المثال في أنه
بينما تكون الشئون الداخلية موزعة على عدد كبير نسبيا من الوزارات، فإن الشئون الخارجية
تعتبر اختصاص وزارة واحدة، ورغم أن العديد من الوزارات الأخرى لها مصالح ومسئوليات
خارجية، إلا أن الشئون الخارجية تظل في الأساس مسئولية وزارة الخارجية الأخرى مع
مثيلاتها في أي دولة من دول العالم ولهذا السبب، فإن وزير الخارجية يجب أن يكون في
العادة متمتعاً بقدرات عالية، وعارفا بالشئون الدولية المختلفة، ومدركا لمصالح
بلاده، وقادرا على التعبير عنها بقوة كما يجب أن يكون لبقاً ومثقفاً وقادراً على
الإقناع، وعادة ما تتركز الصفات المطلوبة في وزراء الخارجية في الدبلوماسيين
المحترفين ذوي الخبرة العالية أو السادة المخضرمين أو الأكاديميين المتخصصين في
العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
وفي ظل هذا الوضع، أصبحت الأنشطة والمهام الدبلوماسية لوزراء
الخارجية متعددة ومتنوعة للغاية، وتتمثل المهام البارزة لها في: المشاركة في وضع
السياسة الخارجية للدولة، بل والقرارات السياسية الهامة عموما، والتعبير عن مصالح
الدولة في الخارج وحمايتها والدفاع عنها في كافة المحافل الدولية، ومتابعة
التطورات الدولية الهامة وتحديد موقف الدولة منها، وتقوية العلاقات الثنائية مع
الدول الأخرى في كافة المجالات، ورئاسة الوفود المشاركة في المؤتمرات الدولية أو
المفاوضات التي تجريها الدول مع الدول الأخرى أو الإشراف عليها وتحديد التكليفات
للوفود المشاركة فيها، والتحضير للقاءات القمة والمشاركة فيها، واقتراح تعيين
السفراء والدبلوماسيين والقناصل وكبار المسئولين لرئيس الدولة الذي يتخذ قراره
بناء على مقترحات وزير الخارجية، ثم إبلاغ الدولة المستقبلة لهؤلاء الدبلوماسيين،
بالإضافة إلى الإشراف على حركة التعيينات والترقيات والتنقلات لموظفي وزارة
الخارجية، وخاصة الدبلوماسيين، ومتابعة أنشطة السفراء والدبلوماسيين الوطنيين في
أماكن عملهم بالخارج، وتزويدهم بالتعليم والتوجيهات اللازمة، والقيام بالترتيبات
اللازمة لرفع مستواهم الدبلوماسي. واستقبال رؤساء البعثات الدبلوماسية الأجنبية
الجدد عند بدء عملهم واستلام أوراق اعتمادهم ومرافقتهم أثناء تقديم أوراق الاعتماد
لرئيس الجمهورية، ثم استقبال رؤساء البعثات الأجنبية أو استدعاءهم إلى مقر الوزارة
في حالة وجود ما يدعو إلى ذلك.
ومن أجل تمكين وزير الخارجية من القيام بوظيفته الدبلوماسية،
فإن الأعراف الدولية والقانون الدولي يحددان مجموعة من الحصانات والامتيازات التي
يجب أن يتمتع بها وزير الخارجية في حالة وجوده في مهام رسمية خارج بلده. وهناك بعض
الخلافات بشأن تحديد هذه الحصانات والامتيازات. فبعض فقهاء القانون الدولي يذهبون
إلى ضرورة أن يتمتع وزير الخارجية بنفس الامتيازات والحصانات التي يتمتع بها رئيس
الدولة، أثناء وجوده في عمل رسمي لدى دولة أخرى، في حين أن البعض الآخر من فقهاء
القانون الدولي ينزلون بمستوى الحصانات والامتيازات الممنوحة لوزير الخارجية إلى
مستوى تلك الممنوحة للسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية، أما إذا كان وزير
الخارجية في زيارة خاصة للدول الأجنبية، فإنه لا يتمتع بأي امتيازات أو حصانات في
حدود ما تقتضيه اعتبارات اللياقة والمجاملة ومدى متانة العلاقات بين الدول المضيفة
ودولة وزير الخارجية. وفي جميع الأحوال، فإن الممارسة العملية تشير إلى أن وزراء
الخارجية يتمتعون بمستوى من الحصانات والامتيازات يقل قليلا عن تلك الممنوحة
لرؤساء الدول، ولكنها أعلى قليلا من الممنوحة للسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية،
إلا أنه ليست هناك قواعد ثابتة وموحدة لهذه الحصانات والامتيازات لأنها تتحدد في
العديد من الحالات حسب قوة ومتانة العلاقات بين الدولتين.
ثالثاً: البعثات الخاصة:
البعثات الخاصة هي البعثات التي يتم الاعتماد عليها في حالة
المهام الصعبة أو المراسمية أو التشريفية. ويعتبر هذا الشكل من أشكال العمل
الدبلوماسي الشكل الأقدم تاريخيا والأكثر بروزا على مدى التاريخ، حيث كان الملوك
والأمراء يعتمدون أساساً على المبعوثين الخصوصيين في إيصال الرسائل إلى الملوك
والأمراء الآخرين. وعلى الرغم من أن التوسع في نظام البعثات الدبلوماسية الدائمة
منذ أوائل القرن التاسع عشر قد أدى إلى التراجع عن نظام البعثات الخاصة، إلا أن
العقود الأربعة الماضية شهدت عودة وتقوية دبلوماسية البعثات الخاصة منذ الستينات،
وذلك في ظل ازدياد المشكلات الدولية التي تحتاج إلى مبعوثين خصوصيين من أجل القيام
بالأعباء والمهام الدبلوماسية الصعبة، أو حتى من أجل القيام بالمهام المراسمية
والتشريفية، حيث تبرز أهمية البعثات الخاصة بصورة محددة في حالة القضايا التي
تتطلب درجة عالية من التخصص، بصورة لا تستطيع البعثات الدبلوماسية الدائمة أن تقوم
بها بمفردها.
وتذهب لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة إلى أن
البعثة الخاصة هي "بعثة مؤقتة تمثل الدولة، وتوفدها دولة إلى دولة أخرى،
بموافقة هذه الأخيرة لتعالج معها قضية خاصة أو لتؤدي لديها مهمة محدودة". ومن
ثم فإن البعثة الخاصة تتولى القيام بمهمة محدودة ومؤقتة في وقت محدود، وتنتهي
مهمتها سواء بالنجاح أو الفشل، ويكون لها صفة تمثيل الدولة الموفدة، أي أنها تعامل
نفس معاملة البعثة الدبلوماسية الدائمة لدى الدولة المضيفة، ويكون إيفاد البعثة
الخاصة برضاء الدولة المضيفة. وتختلف البعثات الخاصة عن الوفود الحكومية الرسمية
أو اللجان الفنية التي تختص بالتباحث في قضايا ما مع مثيلاتها في الدول الأخرى، أو
التي تشارك في مؤتمرات أو اجتماعات ما، حيث أن هذه الوفود لا تتمتع بصفة تمثيل
الدولة الموفدة.
والواقع، أن هناك أشكالاً مختلفة من الأنشطة التي تندرج ضمن
نظام البعثات الخاصة، بعضها يعتبر عاما، والبعض يعتبر أكثر تحديدا. وتتمثل الأشكال
العامة لدبلوماسية البعثات الخاصة في: زيارات رؤساء الدول والحكومات ووزراء
الخارجية، ومؤتمرات القمة، والوفود الرسمية التي تبعثها الدول الأخرى إلى المنظمات
الدولية والإقليمية للمشاركة في الاجتماعات الرسمية، والاجتماعات والمؤتمرات
الدولية غير الدائمة، والوفود الثقافية أو التجارية أو الفنية المكلفة بمهمة
مؤقتة. ومع ذلك، فإن دبلوماسية البعثات الخاصة تعتبر أكثر شيوعا في أشكال محددة
هي: زيارات السفراء المتجولين أو الممثلين الشخصيين لرؤساء الدول الموفدين في مهام
خاصة أو لنقل رسالة سرية أو لشرح حادثة هامة أو لطلب الرأي والمشورة أو لطلب الدعم
والتأييد أو لوضع الأسس الأولية لاتفاق ما، بالإضافة إلى البعثات الخاصة التي
توفدها دولة إلى دولة أخرى لغرض معين، سواء كانت في إطار مهمة محددة أو في إطار
المراسم والمجالات.
ويتحدد تشكيل البعثة الخاصة على أساس طبيعة المهمة التي سوف
تتولى البعثة تنفيذها في الدولة المضيفة، فمن الممكن أن تتألف البعثة من شخص واحد
ممثل للدولة الموفدة، وربما تتألف من أكثر من شخص. على أن يتم تعيين رئيس من
بينهم، وربما تضم البعثة أيضا أعضاء مساعدين، مثل الخبراء أو المستشارين، ولكن
هؤلاء المساعدين لا يتمتعون بالصفة التمثيلية، وربما تتألف البعثة من إعداد كبيرة
في حالة البعثات الهامة جدا أو التي تتولى القيام بمهمة تحتاج إلى إقامة طويلة في
الدول المضيفة، حيث يمكن أن تضم مثل هذه البعثة إداريين وفنيين وعاملين... وغير
ذلك.
وتتمتع البعثة الخاصة بحصانات وامتيازات معينة من أجل
تمكينها من تنفيذ المهام المكلفة بها، وتتمثل هذه الحصانات في حصانة مقر الإقامة
والمراسلات الرسمية وحصانة أعضاء البعثة المتمتعين بالصفة التمثيلية والحصانة
القضائية والإعفاء من دفع الرسوم والضرائب عن المرتبات التي يتقاضونها في مقابل
عملهم، بالإضافة إلى حصانة أسرهم، كما يتمتعون بنفس الامتيازات والحصانات التي
يتمتع في الحق لرفع العلم الوطني والشعار القومي والحصول على التسهيلات اللازمة
لتنفيذ مهمة البعثة الخاصة ومساعدتها في إيجاد مقر الإقامة المناسب وحريتها في التنقل
والسفر داخل إقليم الدولة المضيفة وحرية الاتصال مع البعثة الدبلوماسية والقنصلية
للأغراض الرسمية.
رابعا: البعثات الدبلوماسية:
تعتبر البعثة الدبلوماسية بمثابة البعثة التي تبعثها دولة ما
إلى الخارج لتمثيلها ورعاية مصالحها ورعاية العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين،
وربما تكون هذه البعثة في دولة أو منظمة دولية، ويميز القانون الدولي بين البعثة
الدولية والمبعوثين المسئولين، فالبعثة الدولية تتمتع بكيان خاص يختلف عن الأشخاص
المكونين لها، فالبعثة عبارة عن جهاز متكامل يمثل الدولة، وهو يتألف من عناصر
بشرية وعناصر مادية. فالعناصر البشرية تتمثل في البعثة الدبلوماسية القناصل
والملحقين المتخصصين والإداريين، في حين أن العناصر المادية تتألف من السفارة
ذاتها، أي أن المبعوثين الدوليين هم مجرد جزء من البعثة الدبلوماسية.
وتختلف أنواع التمثيل الدبلوماسي، حيث يمكن أن يكون هذا
التمثيل دائما، وهو ما يسمى بـ (الممثل الدبلوماسي الدائم أو المقيم)، أو يمكن أن
يكون مؤقتا وهو ما يسمى بـ (الممثل الدبلوماسي المؤقت أو المتجول). ويتمثل الفارق
بين هذين النوعين في:
1- التمثيل الدبلوماسي الدائم:
وهو ينتج عندما تتفق دولتان أو دولة ومنظمة دولية على تبادل
التمثيل الدبلوماسي بصورة دائمة لرعاية المصالح المشتركة للدولتين، وعادة ما ينشأ
التمثيل الدبلوماسي الدائم في ظل وجود علاقات ومصالح متشابكة، وأصبح هذا التمثيل
الدائم صفة مميزة للمرحلة المعاصرة من تطور النظام الدولي والعلاقات الدولية. وعلى
الرغم من أن التمثيل الدبلوماسي الدائم بدأ منذ القرن الخامس عشر الميلادي، إلا أن
التوسع في استخدامه يعتبر تطور حديث نسبيا في العلاقات الدولية، لا يزيد تطبيقه
على قرنين من الزمان، وبالذات بموجب النظام الصادر عن مؤتمر فيينا عام 1815،
والبروتوكول المكمل له، والمعروف بـ "إكس لا شابل" لعام 1818، ثم تم
تقنينه في صورته الحديثة والحالية بموجب اتفاقية فيينا عام 1961، حيث كان الشائع
قبل ذلك هو التمثيل المؤقت، إلا أن الاهتمام بالتمثيل الدبلوماسي الدائم جاء في
إطار ازدياد المصالح المشتركة بين الدول وكثافة التفاعلات فيما بينها.
2- التمثيل الدبلوماسي المؤقت:
وهو التمثيل الخاص الذي تقوم به الدولة من أجل مهام معينة أو
لحضور اجتماعات أو مؤتمرات معينة في دولة أخرى. ولا يرتبط هذا التمثيل بوجود أو
عدم وجود علاقات دبلوماسية أو قنصلية بين الدولة الموفدة والدولة المستقبلة، بل
ربما يكون الغرض من هذا التمثيل هو التمهيد لإقامة علاقات دبلوماسية أو قنصلية بين
الجانبين، أو ربما يكون هدفه القيام بمهمة خاصة أو نقل رسالة سرية أو تبادل الرأي
بشأن قضية ما أو غير ذلك. وهناك العديد من الأشكال التي يتخذها التمثيل الدبلوماسي
المؤقت مثل السفراء المتجولين والممثلين الشخصيين لرؤساء الدول. ويتم تقنين وتنظيم
هذا النوع من التمثيل الدبلوماسي من خلال اتفاقية البعثات الخاصة لعام 1969.
ومن ثم، فإن التمثيل الدبلوماسي الدائم أصبح ظاهرة شديدة
الانتشار والاتساع على الساحة الدولية. وكلما ازدادت مصالح الدولة وعلاقاتها مع
العالم الخارجي، ازداد اتجاهها نحو التوسع في تبادل التمثيل الدبلوماسي الدائم مع
دول العالم. ويعتبر المبعوث الدبلوماسي بمثابة الممثل الرسمي لدولته لدى الدولة
المستقبلة، فهو الذي تتخاطب معه حكومة الدولة المضيفة ووسائل الإعلام بها بشأن كل
ما يتعلق بدولته أو بشأن العلاقات الثنائية بين الدولتين أو القضايا ذات الاهتمام
المشترك، ويؤخذ ما يصدر منه على أنه الموقف الرسمي لدولته، كما يتم التخاطب من
خلاله بين حكومتي الدولتين، وهو المصدر الأساسي لحكومته في الحصول على المعلومات
عن الدولة الموفد إليها، ويقع على عاتقه عبء رعاية وتطوير العلاقات الثنائية بين
البلدين في مختلف المجالات، بالإضافة إلى التفاوض مع حكومة الدولة الموفد إليها،
سواء بصورة رسمية أو غير رسمية أو شخصية مع مسئولي الدولة المضيفة بشأن القضايا
ذات الاهتمام المشترك.
ومن أجل تحقيق الأهداف المنوطة بالمبعوث الدبلوماسي، فإن
الكثير من دول العالم يتجه نحو تغليب مبدأ التخصص في انتقاء الممثلين الدبلوماسيين
عارفا بأحوال الدولة الموفد إليها من مختلف النواحي من خلال الدراسة الأكاديمية أو
المعرفة العملية أو متابعة أحوالها من خلال العمل في ديوان الوزارة في بلده، في
حين أن هناك دولا أخرى لا تهتم كثيرا بمبدأ التخصص وتفضل بدلا من ذلك أن يكتسب
دبلوماسيوها خبرة ومعلومات عن أكبر عدد ممكن من الدول وعلى الرغم من أن التقاء
السفراء والدبلوماسيين ربما لا يكون خاضعا بالضرورة لمبدأ التخصص في العديد من
الدول. إلا أن أهمية التخصص في العمل الدبلوماسي تبرز بالذات في حالة وجود مصالح
قوية للدولة في دول أو منطقة معينة. فعلى سبيل المثال تقوم الإدارة الأمريكية
بتعيين السفراء على أساس اعتبارات عديدة منها، أن كل رئيس جديد قد يحاول مكافأة
بعض الأشخاص من مؤيديه بتعيينهم سفراء في العواصم الكبرى في العالم. إلا أن الغالب
هو أن الإدارة الأمريكية تفضل إيفاد دبلوماسيين محترفين ومتخصصين، وذلك في المناطق
الحيوية والمضطربة من العالم، مثال ذلك منطقة الشرق الأوسط حيث يتمتع أغلب السفراء
الأمريكيين في دول هذه المنطقة بخبرة واسعة في شئون المنطقة لفترة طويلة من الزمن.
وسوف يتم تناول التمثيل الدبلوماسي بتوسع في القسم التالي من هذا الكتاب.
خامسا: البعثات القنصلية:
وهو جزء أساسي في البعثة الدبلوماسية الدائمة، ولكنها تختص
بتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولتين (الموفدة
والمضيفة) ورعاية مصالح أبناء الدولة المضيفة لدى الدولة الموفدة. وتتألف البعثة
القنصلية من أربعة عناصر رئيسية هي: رئيس البعثة (القنصل)، والقناصل المساعدون،
والموظفون الإداريون والفنيون، ومستخدمي البعثة، ويتم تنظيم العلاقات القنصلية بين
الدول من خلال أحكام اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963، والتي تنص على أن
العلاقات القنصلية تنشأ بين الدول بناء على اتفاقهما المتبادل، وأن العلاقات
القنصلية يمكن أن تستمر بين الدولتين حتى في حالة قطع العلاقات الدبلوماسية، لأنها
تتعلق بمصالح مستمرة لرعايا الدولتين.
وفي العادة فإن القنصل هو الدبلوماسي الذي توفده دولته
لتمثيلها لدى دولة أخرى، وتولي الشئون القنصلية الخاصة بها في تلك الدولة، وهو
أساسا موظف تابع لدولته. ولكن تلجأ بعض الدول في حالات أخرى إلى تعيين ما يسمى بـ
(القنصل الفخري) أو (القنصل المختار)، وهو لا يتم تعيينه من داخل الهيئة
الدبلوماسية في الدولة الموفدة، وإنما يتم تعيينه من الأشخاص المقيمين في الهيئة
الدبلوماسية في الدولة أو المدينة أو المكان الذي ترغب الدولة الموفودة أن يكون
لها تمثيل قنصلي فيه. وعلى هذا الأساس، فإن هناك احتمالات لهذا القنصل الفخري،
الأول أن يكون حاملا لجنسية الدولة الموفدة ولكنه مقيم إقامة دائمة أو شبه دائمة
في الدولة أو المكان أو المدينة المقصودة. والثاني أن يكون حاملا لجنسية الدولة
المضيفة ولكنه لعب دورا هاما في تطوير العلاقات بين الدولتين، وأن يكون متمتعا
بتقدير خاص من جانب الدولة الموفودة، وترى أن تعيينه قنصلا فخريا لها في دولته سوف
يؤدي إلى المزيد من التطوير للعلاقات بين الدولتين. والثالث أن يكون من رعايا دولة
ثالثة، ولكن ينتظر منه أن يعمل على تطوير العلاقات الثنائية بين الدولتين (الموفدة
والمضيفة). وفي جميع الأحوال، فإن القنصل الفخري لا يكون موظفا تابعا للدولة الموفودة،
ويحق له أن يمارس أي عمل أو مهنة أخرى إلى جانب عمله القنصلي، أي أن القنصل الفخري
يكون ذا طابع شرفي في المقام الأول.
وعلى الرغم من أن البعثات
القنصلية تتولى أيضاً القيام بتطوير العلاقات ورعاية مصالح الدولة لدى الدول
المضيفة، إلا أنها تختص في الأساس بحماية مصالح وحقوق رعايا الدولة الموفدة لدى
الدولة المضيفة، بالإضافة إلى القيام بتيسير عمليات السفر والانتقال بين الدولتين.
وعلى هذا الأساس، فإن مهام البعثات على أن العلاقات القنصلية تنشأ بين الدول بناء
على اتفاقهما المتبادل، وأن العلاقات القنصلية يمكن أن تستمر بين الدولتين حتى فى
حالة قطع العلاقات الدبلوماسية، لأنها تتعلق بمصالح مستمرة لرعايا الدولتين.
وفى العادة فإن القنصل هو الدبلوماسي الذي توفده دولته
لتمثيلها لدى دولة أخرى، وتولى الشئون القنصلية الخاصة بها فى تلك الدولة، وهو
أساسا موظف تابع لدولته. ولكن تلجأ بعض الدول فى حالات أخرى إلى تعيين ما يسمى بـ
(القنصل الفخري) أو (القنصل المختار)، وهو لا يتم تعيينه من داخل الهيئة
الدبلوماسية فى الدولة الموفدة، وإنما يتم يتعيينه من الأشخاص المقيمين في الهيئة
الدبلوماسية فى الدولة أو المدينة أو المكان الذى ترغب الدولة الموفدة أن يكون لها
تمثيل قنصلي فيه. وعلى هذا الأساس، فإن هناك احتمالات لهذا القنصل الفخري، الأول
أن يكون حاملا لجنسية الدولة المضيفة ولكنه لعب دورا هاما في تطوير العلاقات بين
الدولتين، وأن يكون متمتعا بتقدير خاص من جانب الدولة الموفودة، وترى أن تعيينه قنصلا
فخريا لها فى دولته سوف يؤدي إلى المزيد من التطوير للعلاقات بين الدولتين.
والثالث أن يكون من رعايا دولة ثالثة، ولكن يتنظر منه أن يعمل على تطوير العلاقات
الثنائية بين الدولتين(الموفدة والمضيفة). وفي جميع الأحوال، فإن القنصل الفخري لا
يكون موظفا تابعا للدولة الموفودة، ويحق له أن يمارس أي عمل أو مهنة أخرى إلى جانب
عمله القنصلي، أي أن القنصل الفخري يكون ذا طابع شرفي في المقام الأول.
وعلى الرغم من أن البعثات
القنصلية تتولى أيضا القيام بتطوير العلاقات ورعاية مصالح الدولة لدى الدول
المضيفة، إلا أنها تختص في الأساس بحماية مصالح وحقوق رعايا الدولة الموفدة لدى
الدولة المضيفة، بالإضافة إلى القيام بتيسير عمليات السفر والانتقال بين الدولتين.
وعلى هذا الأساس، فإن مهام البعثات القنصلية تتركز أساس في: الاهتمام بتطوير
العلاقات التجارية والثقافية والعلمية بين الدولتين (الموفدة والمضيفة)، وإصدار
جوازات ووثائق السفر لرعايا الدولة الموفدة ومنح التأشيرات أو المستندات اللازمة للأشخاص
الراغبين في السفر إلى الدولة الموفدة، ورعاية شئون أفراد ورعايا الدولة الموفدة
في الدولة المضيفة وتقديم العون لهم، والقيام بأعمال التوثيق والأحوال المدنية
وممارسة الأعمال المشابهة والأعمال الإدارية الأخرى، وحماية ممتلكات ورعايا الدولة
الموفدة، وبالذات فيما يتعلق بمسائل التركات، وحماية مصالح رعايا الدولة الموفدة
من القصر وناقصي الأهلية في حدود قوانين الدولة المضيفة أو اتخاذ التدابير اللازمة
من أجل صيانة حقوقهم وحماية مصالحهم،
وتسليم الأوراق والمستندات القضائية المنصوص عليها في قوانين ولوائح الدولة
الموفدة على سفن الملاحة التابعة لجنسية الدولة الموفدة وعلى الطائرات المسجلة
بينهما، وتقديم المساعدة لهذه السفن والطائرات، بالإضافة إلى جميع الأعمال الأخرى
التي توكل إلى البعثة القنصلية من جانب الدولة التي أوفدتها. وجدير بالذكر أنه سوف
يتم تناول التنظيم القنصلى بتوسع فى القسم الثالث من هذا الكتاب.
دراسة:
دراسة:
أ. فهد بن ناصر الدرسوني
طالب الدكتوراه في الفلسفة السياسية
الرياض - المملكة العربية السعودية
المراجع:
§ هند مسعودي: البرلمان والسياسة
الخارجية، رسالة لنيل الدراسات العليا المعقمة كلية حقوق الرباط . ص : 110
§الدبلوماسية (ماضيها وحاضرها ومستقبلها): جمال بركات، الرياض، 1985.
النظم الدبلوماسية: ( الطبعة الثانية) د. عز الدين فودة-
الناشر/ مكتبة الآداب: القاهرة- 1989
§الوظيفة الدبلوماسية -
نشأتها.مؤسساتها.قواعدها.قوانينها-د.علاء أبو عامر-الناشر/دار الشروق-عمان/2001.
§ العلاقات الدبلوماسية والقنصلية-
د. عدنان البكري- الناشر/ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع- ( الطبعة
الأولى)- بيروت/ 1986.
§ الدبلوماسي العربي- ( ممثل دولة
أم حامل رسالة)- د. حسن صعب- الناشر/ دار العلم للملايين- بيروت/ 1973.
§ تاريخ العلاقات الدبلوماسية في
الوطن العربي-د.سهيل حسين الفتلاوي-الناشر/دار الفكر العربي-(الطبعة الأولى)-
بيروت/2002
§ ما الدبلوماسية- د. عز الدين
فودة- الناشر/ المكتبة الثقافية ( العدد 269)- الهيئة المصرية العامة للتاليف
والنشر- القاهرة/ 1981.
§ الدبلوماسية، هارولد نيكلسون-
ترجمة وتعليق وتقديم/ محمد مختار الزقزوقي: الناشر/ مكتبة الانجلو المصرية –
القاهرة، 1957
.
مشكور دكتور على المعلومات القيمة دمت لنا فخرا
ردحذف