الجمعة، 12 أغسطس 2016

منهجية تحليل جهود تسوية و حل النزاعات الدولية.

 منهجية تحليل جهود تسوية و حل النزاعات الدولية.
تحليل النزاع: هو التقييم المنهجي لأطراف وموضوعات النزاع بهدف تحديد أساليب حل النزاع. ويجب تحديد أطراف النزاع وتحديد عناصر عدم التوافق في الأهداف والمصالح المشتركة بينهم، وهذا الأسلوب من التحليل قد يفي بالغرض في حالة النزاع القائم على مستوى ضيق ومحدود المدى
-         فرضية: هناك علاقة بين مرحلة إدارة النزاع و مرحلة حل النزاع :   
كلما كانت إدارة النزاع عقلانية كلما ساعد ذلك في تسوية أو حل النزاع.
-         التسوية: وضع اتفاق لا يرضي كلا الطرفين ( حل مؤقت).
الحل: وصول الطرفين لوضع اتفاق يرضي كلا الطرفين و ينهي النزاع نهائيا ( حل نهائي).
----------------------------------------------------------
1/ تشتمل هذه مرحلة على العديد من أساليب تسوية و حل النزاعات، لذلك سنحاول التفريق بين:
صنع السلام
Peace-making
حفظ السلام
Peace-keeping
بناء السلام
Peace-building
-  مفهوم يشير إلى تلك الإجراءات الدبلوماسية التي تقوم بها الدول لحل النزاعات (نشاطات دبلوماسية قانونية).
-  مفهوم تقليدي لحل النزاعات، لأن الفاعل الأساسي هي الدول التي تقوم بالدخول في مفاوضات، يهدف فيها الأطراف إلى و ضـع اتفاقيات، و هي النتيجة النهائية لصنع السلام. بعد عقد
-  العمليات التي تقوم بها المنظمات الدولية للفصل في النزاعات، هذه المنظمات تعمل على حفظ السلام الذي يحاول تكريسه أكثر بعد أن يتم تحقيق الاتفاقيات السابقة.
-  تكون المنظمات الدولية هي الفاعل في حفظ السلام.
-  مقاربة حديثة لحل النزاعات. لا يتم فيه الاكتفاء بالاتفاق عبر صنع السلام، أو عمل المنظمات في حفظ السلام، لأنه سوف تظهر قوى معارضة و سيعود النزاع.
-  الهدف هو استئصال النزاع من خلال:
-  القيام بإجراءات على مستوى الاجتماعي، تركيزا على الفرد و إدراكاته لواقع النزاع، ( بث مناهج تربوية لا تركز على الأحقاد التاريخية مثلا)
-  العمل على تكريس السلام و بنائه، فهو عملية طويلة تبدأ من المجتمع ثم تصل إلى السلطة.

ونحن نركز في دراستنا على صنع السلام حتى ندرس وسائل الحل، القائمة بين الأطراف المتنازعة.
--------------------------------------------------------------------
2/ ملاحظة مختلف العمليات التفاوضية المتوفرة:
          يشهد كل نزاع على العموم مسار متواصل من العمليات التفاوضية، في هذا المستوى نقوم بتتبع العملية التفاوضية حسب ترتيبها الزمني.
3/ اختيار عملية تفاوضية واحدة، مع  تبرير اختيارها ( وصفها و تحليليلها):
أ‌-       يتم الاعتماد على اختيار عملية تفاوضية بعينها ( الاتفاق الإطاري)، إذا توافرت على الاعتبارات التالية:
-       اشتمال المفاوضات على المواضيع و النقاط الخلافية و الأهداف المشتركة للطرفين دون سواها من المفاوضات.
-       اشتمال المفاوضات على كل أطراف النزاع.
-       توفر عنصر الاستمرارية، عبر عدة جولات تفاوضية، و التي لا يكون فيها تعليق و توقف أو انقطاع.
-       إذا تضمنت المفاوضات طرف وسيط ( عملية الوساطة).
ملاحظة: يتم التركيز على هذه العناصر، و ذلك إعطاء تحليل متكامل للعملية التفاوضية، و عدم إهمال عنصر من هذه العناصر، و هذا بدوره سيكرس فهمنا أكثر أثناء تحليل المفاوضات، و يعطينا نظرة واضحة حول المفاوضات النموذجية نظريا.
ب‌-    بيئة المفاوضات:
-       إسم المفاوضات.
-       تاريخ و مكان انعقاد المفاوضات.
-       الأطراف المشاركة في المفاوضات.
ج‌-      توقيت المفاوضات:
و هنا نحاول أن نفسر سبب لجوء الأطراف إلى المفاوضات في وقت معين بذاته، لماذا هذا الوقت بالتحديد؟
-       تعتبر قضية التوقيت بالنسبة للمفاوضات أمر جد مهم، باعتبار أن التوقيت قد يكون عامل أساسي في جدوى المفاوضات أو عدم جدواها في تسوية أو حل النزاع.
-       لذلك قدم لنا الباحثون التوقيت الأكثر ملائمة أو التوقيت المثالي للمفاوضات نظريا، ويشبه الباحثون في هذا السياق توقيت المفاوضات بتوقيت قطف الثمرة، و يميزون هنا بين قطف الثمرة قبل أو بعد مرحلة النضج، كذلك الأمر بالنسبة للمفاوضات، فإذا تم اللجوء إليها قبل أو بعد التوقيت المثالي ( لحظة النضج)، سيؤثر هذا الاختيار للتوقيت على مدى نجاح أو فشل المفاوضات.
-       و أهم شرط يجب توافرها أثناء اختيار توقيت المفاوضات هو: اقتناع الأطراف بضرورة الدخول إلى المفاوضات، و ذلك في الحالة التي يصل فيها النزاع إلى:
·       نموذج المأزق الضار: كل طرف يحاول تحقيق أهدافه من خلال الإستراتيجية المطبقة، غير أنه بالاستمرار في التنازع يتضح أن الأطراف عاجزة على تحقيق أهدافها ( كليا أو نسبيا) ، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف النزاع المادية المــالية و البشرية ( أضرار كبيرة)، أي اختلال في ميزان الكلفة مقابل الهدف / خسائر دون تحقيق أرباح، هذا الوضع يدفع الطرفين إلى عدم القدرة على الاستمرار ، الأمر الذي يدفعهم لوقف النزاع  و ضرورة الدخول في المفاوضات، لإيجاد حل مناسب يرضي كلا الطرفين.
·      نموذج الكارثة المشتركة: بعد عجز الأطراف عن تحقيق أهدافهم، قد يصل الوضع إلى حالة تشكل تهديد لبقاء طرف أو كلا الطرفين، مثل حالات الإبادة الجماعية.
و في هذه الحالة تعم الفوضى، و تفقد السيطرة على العنف من طرف السلطات، الكل يحمل السلاح ضد الطرف الآخر        حالة عنف شامل، و الأضرار في هذا النمــوذج أكبر من الأضرار في النموذج الأول ( المأزق الضار).
-------------------------------------------------------------------------------
4/ تحليل الأجندة التفاوضية:
          نظريا الأجندة التفاوضية لابد أن تتوافر على مجموعة من الشروط الضرورية لنجاحها:
أ‌-       مقارنة المواضيع الخلافية مع الأجندة التفاوضية: لا بد أن تعكس الأجندة التفاوضية واقعيا المواضيع المتنازع عليها، و هنا نقوم بالمقارنة بين مضمون الأجندة و واقع القضايا الخلافية بين الطرفين المتنازعين.
ب‌-   تكامل الأجندة من حيث اشتمالها لمصالح كلا الطرفين: و هنا نحلل محتوى و مضمون الأجندة التفاوضية، إلى أي مدى تعكس مصالح كلا الطرفين؟
ج- عدم وجود شروط مسبقة: لأن وجودها قبل الدخول في المفاوضات يشكل عائق كبير أمـام نجاحها و تكاملها.
5/ تحليل إدارة المفاوضات: ( تحليل السلوك التفاوضي)
أ‌-       تحديد الاستراتيجيات التفاوضية:
و في هذا المستوى يفرق" DEAN Pruitt" نظريا بين أربعة استراتيجيات تستخدم في إدارة المفاوضات :
1-    الإستراتيجية التعاونية ( إستراتيجية حل المشكل): تسعى للتوفيق بين أطروحات و مطالب و أهداف الطرفين، و تشتمل هذه الإستراتيجية على التكتيك التالي:
·     التنازل المتبادل بشكل متوازي و متساوي.
·     التقليل من تكلفة التنازلات قدر الإمكان ( عدم التنازل في مواضع لا تستحق التنازل فيها).
·     عدم التمسك بأقصى الأهداف.
·     عدم وضع الشروط المسبقة.
·     عدم تضخيم المطالب.
·     خلق مواضيع تفاوضية جديدة.
·     عدم اللجوء إلى التهديد من أجل الإقناع.
·     المرونة في التعامل مع الأهداف، و كذلك المرونة في الوسائل المستعملة.
تعتبر هذه الإستراتيجية الأمثل في حل النزاعات و الأكثر عقلانية، لأن الأطراف تتمكن من خلالها من تحقيق أكبر الأرباح بأقل الخسائر، و كذلك تتضمن عنصر الرضا لقدرتها على التوفيق بين المطالب المقترحة لكلا الطرفين.
2-    الإستراتيجية التنافسية ( إستراتيجية التساوم على المواقع): تسعى لإقناع الطرف الآخر بقبول الحل الذي يكون في مصلحة الطرف صاحب الإستراتيجية،  و يمكن اعتبارها الإستراتيجية المضادة للإستراتيجية التعاونية، و تشتمل هذه الإستراتيجية على التكتيك التالي:
·     عدم تقديم تنازلات.
·     التمسك بأقصى الأهداف.
·      
·     تضخيم المطالب.
·     عدم وضع الشروط المسبقة.
·     اللجوء إلى التهديد من أجل الإقناع.
يؤدي تطبيق هذه الإستراتيجية في حل النزاعات إلى خلق مفاوضات هزيلة و غير قابلة للاستمرار، لأنها لا تعكس مصالح كلا الطرفين. و قد تؤدي إلى تصعيد النزاع بدلا من القضاء عليه و حله.( النـزاع في الباسك و كذلك بالنسبة لإيران  مع الإمارات)
3-    إستراتيجية الإذعان ( الاستسلام): و تشتمل هذه الإستراتيجية على التكتيك التالي:
·     يقلص الأطراف من طموحاتهم و أهدافهم.
·     الطرف الضعيف لا يهتم كثيرا بنتائجه.
تعتبر هذه الإستراتيجية فعالة لغلق المفاوضات عندما تكون القضايا غير مهمة، و ضغوط الوقت مرتفعة، بالإضافة إلى تضرر أحد الأطراف من فكرة الوقت فيسارع إلى تقديم تنازلات أكثر من الطرف الآخر و يكون عندها بصدد الاستسلام.
4-    إستراتيجية الجمود: و هي مرتبطة بقضية الوقت، و يستخدمها طرف لزيادة ضغط الوقت على الطرف الأخر،  و تشتمل هذه الإستراتيجية على التكتيك التالي:
·     تعمد عدم الاستجابة لمبادرات و مطالب الطرف الآخر.
·     عدم إبداء مواقف واضحة تجاه القضايا موضوع التفاوض، بهدف تضييع الوقت أمام الطرف الثاني.
·     إتباع هذه الإستراتيجية من طر ف معين يشير إلى عدم اقتناعه بجدوى المفاوضات، و يرى نفسه قادر على الاستمرار في النزاع، و انه يحقق له أرباح فلا يريد المفاوضات لأنها سوف لن تحقق نتائج مربحة، ما يجعله يتبع إستراتيجية الجمود و اللامبالاة، و الإهمال لكل المبادرات التي يقترحها الطرف الآخر، حتى يسقط و يفشل المفاوضات.

ب‌-    تفسير لجوء الأطراف إلى إستراتيجية تفاوضية معينة:
بعد التعرف على نماذج الاستراتيجيات المتبعة في إدارة المفاوضات، سنحاول في هذا المستوى معرفة أسباب و الكيفية التي تدفع بدولة أو طرف معين لاختيار إستراتيجية دون الأخرى، و نعتمد في هذا الصدد دائما على أبحاث " DEAN Pruitt" الذي يقدم لنا نموذجين لفهم أسباب اختيار الاستراتيجيات التفاوضية.
1-    نموذج الاهتمام الثنائي: و من خلاله يمكن تحديد الإستراتيجية المتبعة، من خلال معرفة مدى اهتمام الأطراف بتحقيق نتائـج مشتركة أو العكس، و تأثير ذلك على شكل الإستراتيجية.
يتم اختيار إستراتيجية ما بالاعتماد على العوامل التالية:
·        الحالة التي يهتم فيها كل طرف بتحقيق نتائجه، دون إهمال نتائج الطرف الآخر، و الهدف هو الوصول إلى خلق أرضية مشتركة للحوار و التفاوض، و هذا ما يشجع على تسوية و حل النزاع( إستراتيجية تعاونية).
·        الحالة التي يهتم فيها أحد الأطراف بتحقيق نتائجه فقط ( إستراتيجية تنافسية).
·        الحالة التي يهتم فيها أحد الأطراف بتحقيق نتائج الطرف الآخر فقط ( إستراتيجية الإذعان).
·        الحالة التي لا يهتم فيها كل طرف لا بتحقيق نتائجه و لا نتائج الطرف الآخر( إستراتيجية جمود).

2-    نموذج الجدوى: و يقصد به أن تكون إستراتيجية ذات فائدة فحسب "DEAN Pruitt": (يتم الاعتقاد بأن هذه الإستراتيجية هي مجدية، إذا كانت قادرة على بلوغ الأهداف التي تحددها).
و يساعدنا كذلك هذا النموذج على تفسير أسباب اختيار الإستراتيجية، و كل إستراتيجية لها جدواها و فوائدها:
- جدوى الإستراتيجية التعاونية:
       ترتبط جدواها بمقدار إدراك الأطراف لوجود أرضية مشتركة Perceived Common ground ، حيث يحدد "DEAN Pruitt" أربع عوامل تزيد من P.C.G:
1-    قلة المطامح و المطالب و وجود ثقة على الأقل من جانب احد الأطراف.
2-    ثقتهم بالمواهب التي يمتلكونها لحل المشكل.
3-    إذا كانت هناك رغبة في التعاون.
4-    وجود وسيط يخلق و يساعد على تكوين أرضية مشتركة، "جو تعاوني".

 - جدوى إستراتيجية الجمود:
تزيد جدواها إذا كانت تضيع الوقت، و كان الطرف الآخر له حساسية تجاه الوقت، مما يعرضه لضغوطات و يدفعه للتنازل، كما أنها تبين أن الطرف صاحب الإستراتيجية التنافسية غير متضرر و قادر على مواصلة النزاع.
- جدوى إستراتيجية الإذعان:
تكون مجدية عندما يطبقها طرف يكون حساس من الوقت، و تفيده في التنازل عن القضايا الغير مهمة، كما أنها تكون مجدية إذا لم تظهر مستجدات تؤثر على قضايا الوقت و أهمية القضايا المطروحة.

6/ تدعيم المفاوضات: ( تحليل السلوك التفاوضي)
          بالإضافة لاشتمال المفاوضات على إستراتيجيات محددة للأطراف، يجب أن يكون هناك تدعيم واقعي وفعلي في مسار المفاوضات حتى تحقق النتائج المرجوة لدى الأطراف، و لتؤكد على حسن نية الأطراف ورغبتهم في الوصول إلى حل بكل جدية وليس وفق إطار شكلي فقط، كما أن تحاول الأطراف المتفاوضة أن تبرهن به عن مدى اهتمامها بتحقيق نتائج سلمية في صالح كل الأطراف من جهة، ولتعطي صورة مشرفة لنفسها على المستوى الدولي.
و هناك العديد من المفاوضات التي نجحت إلى حد بعيد في تحقيق الاتصال و خلق أرضية مشتركة، خاصة مع الدور الذي تلعبه الأطراف المتوسطة التي قد تلعب دورا حاسما في اقتناع الأطراف بتدعيم المفاوضات عبر اتخاذ قرارات و إجراءات لصالح تقريب المواقف و تقديم التنازلات ، فقد يقوم الطرفين المتنازعين برغبة منهم أو  تحت ضغط الطرف الوسيط بنزع السلاح و إعلان وقف إطلاق النار أثناء المفاوضات، ما يدفع الطرف الثاني إلى تقديم تنازل موازي للتنازل الطرف الأول، و هذا ما يسمح بخلق جو من الثقة و يدفع المفاوضات لمناقشة قضايا عالقة و خلافية بين الطرفين، كم يساهم العكس أي عدم تدعيم المفاوضات في توقيف مسار المفاوضات القائمة و خلق جو من عدم الثقة و بين الأطراف ما يؤدي إلى فشل العملية التفاوضية أو إبطال ما تم التوصل إليه لاحقا كاستخدام السلاح أو الاستمرار في القيام بسلوكات منافية للغة الحوار و التفاوض، فمثلا المفاوضات التي جرت بين إيران و الإمارات في الدوحة كانت فاشلة ، و بالتالي لم يتبعها أي تدعيم ايجابي، بل بالعكس تدعيم سلبي، حيث عملت إيران على تكريس وجودها في الجزر الثلاث ، إذ قامت في 1996 بإنشاء محطة كهربائية في جزيرة طنب الكبرى، في السنة نفسها افتتحت مطار في أبو موسى و بعد مرور سبعة أشهر فقط، أعلنت عن افتتاح فرع لجامعة تابع لجامعة إيران. كما ترددت إنباء عن نشرها لصواريخ في الجزيرة، و هو ما احتجت عليه الإمارات بشدة، و وصفته بتهديد أمن المنطقة و استقرارها. كما قامت في سنة 1977 بتنظيم دورة لكرة القدم في جزيرة أبو موسى، متجاهلتا كل الاحتجاجات التي تقوم بها دولة الإمارات متبعة الجمود و التماطل، ما زاد في تعقيد المفاوضات أكثر فأكثر و بالتالي تعقيد النزاع.
7/ عملية الوساطة في حل النزاعات (Mediation process):
أ‌-       تعريف الوساطة:
لنتفحص مع السيناريو التالي:
-         نزاع معين في منطقة معينة، استمر لفترة زمنية معينة، لم يتمكن فيه الطرفان المتنازعان من وضع حد أو حل لنزاعهما.
-         وسيط أو طرف ثالث من (الأمم المتحدة / منظمة دولية غير حكومية / شخصية دولية معروفة / رئيس دولة ....) يتدخل لحل ذلك النزاع.
-         السؤال: من هم هؤلاء؟ و ما هي علاقتهم مع الأطراف المتنازعة؟  ما هي الأعمال، الوظائف أو الأدوار التي يقومون بها لحل النزاع؟   و ما هي أهدافهم من التدخل؟ هل تحقيق مصالح الأطراف المتنازعة بعد وحل النزاع، أم أن تدخلهم لا يخلو من تحقيق مصالح ذاتية؟ ما هي غايات عملية الوساطة؟
-         تعرف الوساطة على أنها:
( التدخل في مفاوضات أو في نزاع من قبل طرف ثالث مقبول من الطرفين، و لا يملك سلطة أو يملك سلطة محدودة في اتخاذ القرار، و يعمل على مساعدة الأطراف المعنية على الوصول طوعا إلى تسوية مقبولة من الطرفين المتنازعين. بالإضافة إلى معالجة القضايا الأساسية، يمكن للوساطة أن تؤسس لوجود علاقات ثقة و احترام بين الأطراف، و أن تعززها أو تنهي هذه العلاقات بأقل التكاليف المادية و أقل الأضرار النفسية) ([1]).
-         نستنتج من هذا التعريف لعملية الوساطة:
1-    الوسيط: هو الطرف الثالث، و غالبا ما يكون شخص ليس له صلة مباشرة بالنزاع أو بالقضايا الأساسية المطـروحة، ( هناك حالات يكون الوسيط طرف من النزاع و لكنها ضئيلة)، و هذا العامل يعتبر جوهريا في إدارة النزاعات و حلها، لأن مشاركة طرف ثالث من الخارج هو في أغلب الأحيان ما يوفر للأطراف المتنازعة منظورات جديدة حول القضايا الخلافية التي تفرقهم ( التأثير على الإدراك الذاتي لأطراف النزاع)، بالإضافة إلى وسائل فعالة لبناء العلاقات اللازمة لإنهاء المشكلات.
2-    قبول الأطراف لتدخل الوسيط: إذ يتوجب وجود رغبة لدى المتنازعيــن للسمــاح لطرف ثالث بالتدخل في النزاع و مساعدتهم على الوصول إلى حل للنزاع، إلا أن القبول بطرف ثالث لا يعني أن المتنازعين يرحبون بحماس بتدخل الوسيط، أ أنهم على استعداد لأن يفعلوا تماما ما يملي عليهم، و لكنه يعني أن الأطراف توافق على حضور الوسيط و أنها راغبة في الإصغاء لما سيقوله و أخذ مقترحاته ( توصياته )على محمل الجد لإدارة أو حل النزاع.
-       يتدخل الوسطاء في النزاعات بناءا على عوامل عديدة منها:
-       دعوة مباشرة من أحد الأطراف المتنازعة أو من أكثر من طرف.
-       توصيات من أطراف ثانوية.
-       مبادرة مباشرة من قبل الوسيط نفسه.
-       تعيين من قبل جهة أو سلطة معروفة مثل مسؤول حكومي أو وكالة حكومية.
-      و كل من هذه العوامل الداعية للتدخل تفرض خيارات إستراتيجية خاصة فيما يتعلق بنشاطات الوسيط و قد تؤثر على نوعية التسوية و احتمالاتها.
-       و تعتبر الدعوة المباشرة من قبل طرف واحد أو عدة أطراف من أكثر الآليات شيوعا في دخول الوسيط إلى النزاع. و قد يأتي الطلب من طرف واحد أو من فريق في مجموعة أو من تحالف فرقاء أو حتى من جميع الأطراف المتنازعة. و قد يأتي هذا الطلب قبل البدء بالمفاوضات أو بعدها.
-       كما يؤثر مصدر الطلب و توقيته تأثيرا على ديناميكية المفاوضات.
3-   الوساطة هي: بشكل أساسي إجراء الحوار و التفاوض بحضور طرف ثالث، كما تعتبر امتداد لعملية التفاوض من حيث أنها تتضمن توسيع عملية التفاوض لتشمل أشكالا جديدة، و تستخدم الوسيط الذي يسهم بإدخال متغيرات و حراكات جديدة في عملية التفاعل بين المتنازعين، و بدون المفاوضات لا توجد وساطة ([2]).
                  لذلك يذهب "وليام زرتمان" إلى تعريف الوساطة بأنها: ( نمط من المفاوضات يساعد فيه طرف ثالث الأطراف المباشرة المتنازعة (أ) أو (ب) لإيجاد الحل الذي لم يستطيعوا إيجاده بأنفسهم ).

4-  الوساطة هي عملية تطوعية: للوصول إلى تسوية مقبولة من الطرفين حول قضايا متنازع عليها، و كلمة طوعي تعني اختيارا حرا بالمشاركة و اتفاقا حرا لا إكراه فيه. لكن المشاركة الطوعية في الوساطة تنفي وجود ضغوطات قد يمارسها الوسيط لاحقا على أحد الأطراف حتى يخضع لمطالبه و إقناعه عبر القوة أو العقوبات أو التهديد. و هذا ما يتم تناوله ضمن تقنيات الوسيط حتى يحقق أهداف الوساطة.


ب‌-  شكل الوسيط:
قد يأخذ الطرف المتدخل كوسيط لحل نزاع معين عدة أشكال، و أهم الأشكال المعروفة عادة نجد:
دولة، منظمة دولية حكومية أو غير حكومية، أفراد أو شخصيات عالمية معروفة.

ج‌-      دور و مهمة الوسيط:
نقوم الآن باستكشاف بعض المهام التي يقوم بها الوسيط، الذي يقوم بعدة أدوار مختلفة لمساعدة فرقاء النزاع على حل خلافاتهم ( مؤسسة التحكيم الأمريكية) و من هذه الأدوار ما يلي ([3]):
( ملاحظة هامة حول دور الوسيط:
تشير هذه الأدوار -التي سنعرضها- إلى الصورة الأمثل أو النموذجية لما يجب أن يكون عليه دور الوسيط مهما كان شكله، كما تمثل معيار لتقييم سلوك أو عملية الوساطة، و مدى التزامها بإنجاح عملية المفاوضات، ليتناسب ذلك مع وجودها – أي الوساطة بين متنازعين لمساعدتهما على إيجاد حل مناسب-)
1-    يقوم الوسيط بافتتاح قنوات الاتصال، أو تسهيل إقامة اتصالات أفضل في حال كان الفرقاء سائرين حاليا في عملية المفاوضات.
2-    يقوم الوسيط بمساعدة جميع الفرقاء على إدراك حقوق الآخرين ممن يشاركون معهم في المفاوضات.
3-    يقوم الوسيط بتسهيل عملية التفاوض من خلال توفير الوسائل، أو غالبا عبر ترؤسه لعملية التفاوض.
4-    يعمل الوسيط كمدرب يقدم المساعدة للمفاوضين المبتدئين أو الذين ليسوا على استعداد بعد للتفاوض، أو لا يملكون مهارات الدخول في عملية التفاوض.
5-    يعتبر الوسيط بمثابة  مورد للعون، و يوفر الوسائل المساعدة للفرقاء على التفاوض و يربطهم بخبرات و موارد خارجية ( على سبيل المثال، محامين و تقنيين و صناع قرار أو أي خبرات أخرى متبادلة) تمكنهم من توسيع مدى خيارات التسوية المقبولة لديهم.
6-    يعمل الوسيط على اكتشاف المشكلة، مما يمكن الفرقاء المتنازعين من تفحصها من منظورات مختلفة، كما يساعد على تحديد القضايا و المصالح الأساسية، و ينظر إلى الخيارات المتبادلة التي ترضي الجميع.
7-    يعمل الوسيط مثل مادة أساسية لصنع الحقائق، فهو يساعد على تأسيس و تطبيق تسوية معقولة، و يسهم في مساءلة و تحدي الفرقاء الذين ينشدون غايات متطرفة و غير واقعية.
8-    يكون الوسيط أشبه بكبش الفداء، إذ أنه يتحمل جزءا من المسؤولية أو اللوم في حالة اتخاذ قرار غير مرغوب فيه من قبل مؤيدي الفرقاء المتنازعين، و يستخدم هؤلاء الأخيرون الوسيط بهذه الطريقة لكي يحفظوا ماء وجههم و يحافظوا على دعم أنصارهم.
9-    يكون الوسيط مثل القائد الذي يأخذ المبادرة بتحريك المفاوضات إلى الأمام، عبر اقتراحات ملموسة أحيانا و عبر إجراءات معينة أحيانا أخرى.

د‌-   تقنيات الوسيط:
حتى يتمكن الوسيط من تأدية وظيفته و دوره و تحقيق الهدف و الغاية من التدخل لحل النزاع، يلجأ عادة الوسطاء إلى مجموعة من الوسائل و التقنيات، يستخدمها كأدوات لتمرير أهدافه، و يمكن استخلاص البعض منها من العنصر السابـق، يلجأ الوسيط إلى استخدام 03 تقنيات أساسية في المراحل الأولى من المفاوضات:
1-    يحاول الوسيط التركيز على مساعدة الاتصال بين الأطراف من خلال حمل الرسائل و توضيحها.
2-    تحديد إطار للمفاوضات، أي خلق أرضية مشتركة تؤسس للحوار و التفاهم.
3-    استخدام وسائل الضغط على الأطراف: يعتبر هذا العنصر ضروري جدا في عمل الوسيط، فمن خلال استخدامه لوسائل معينة يضغط الوسيط على الأطراف لإقناعهم بضرورة الاتفاق عن القضايا الخلافية، و يتوفر لدى الوسيط أربعة وسائل للضغط هي:
أ‌-       الإقناع: و هو أكثر وسائل انتشارا في عملية الوساطة، بحيث يعمل الوسيط على جعل الأطراف يراجعون قناعاتهم و إدراكاتهم لواقع النزاع، و إقناعهم بأن اللجوء إلى الحل سيوفر عليهم تكاليف النزاع.
ب‌-  إعطاء اقتراح: يساعد الأطراف للجوء إلى الحلول المناسبة لكلا الطرفين.
ج- التهديد بالإنسحاب: أي يقوم الوسيط بتهديد الأطراف بالانسحاب من المفاوضات، لبكن التوقيت هنا مهم، بحيث يهدد الوسيط عندما يتأكد أن الأطراف المتنازعة قد ارتبطت بمقترحاته، و هذه ه ي الورقة التي يستغلها الوسيط للضغط على الأطراف المتنازعة.
د- اللجوء إلى العقوبات و الحوافز: لجعل وضعية أحد الأطراف أو كلاهما تتدهور، و بالتالي زيادة اتجاههم للحل، و يلجأ الوسيط إلى هذه التقنية عندما يقوم الأطراف بتضخيم المطالب دون تقديم تنازلات بينما يكـون له إمكــانية و مصلحة في الاستمرار في التفاوض، فيلجأ الوسيط إلى فرض عقوبات اقتصادية على الطرف المصر على التنافس في التفاوض.  أو قد يلجأ الوسيط إلى تقديم حوافز و إغراءات للأطراف المتنازعة حتى يتجهوا للتعاون أثناء المفاوضات.
     
      تستمد وسائل الضغط قوتها من حاجة الأطراف للتسوية و الحل، و كلما زاد هذا الإحساس كلما زاد قدرة الوسيط على الضغط على سلوك الأطراف المتنازعة.

ه‌-   دوافع تدخل الوسيط: يعتبر هذا العنصر من أهم العوامل التي تساعدنا على فهم سلوك الوسيط، لماذا يتـدخل الطرف الثالث ( الوسيط) إيقاف نزاع معين؟ هل بهدف تحقيق أهداف إنسانية؟ هل تحقيق أهداف شخصية أو ذاتية من التدخل؟ كيف يؤثر شكل الوسيط على طبيعة دوافع التدخل؟  و هل الدوافع هي نفسها بالنسبة لكل أشكال الوسطاء؟

     عادة يتدخل الوسيط لتحقيق هدفين:
-    رغبة في إظهار السلام ( الأفراد، المنظمات الدولية ذات الطابع الإنساني أو الحقوقي...).
-    الدفاع عن مصالحها الشخصية أو الذاتية ( حالة الدول القومية).
1-    دوافع التدخل بالنسبة للدول:
تتحرك الدول :- مصالح دفاعية / - مصالح هجومية.
-         المصالح الدفاعية: تحاول الدول من خلال التدخل كوسيط لحماية مصلحتها التي لا تتلاءم مع تدخل دول أخرى منافسة على النفوذ ، مما يعطيها مبررا للتدخل، و هنا تدافع الدولة الوسيطة عن مصالحا في المنطقة ( قد يكون النزاع على أراضي الدولة المدافعة ذاتها –نزاع بين عرقيات داخلية-أو في أقاليم مجاورة لها).
و تكون الحلول المقدمة من طرف الوساطة الدفاعية أفضل من الحلول بوساطة هجومية، لأن من مصلحتها تحقيق الاستقرار.
-    المصالح الهجومية: تتوسط الدول بهدف زيادة نفوذها، و هنا عادة لا تكون للدول مصلحة كبيرة في حل النزاع بقدر مصلحتها القومية، و هنا تدافع الدولة الوسيطة عن مصالحها أكثر مما تدافع عن مصالح الأطراف المتنازعة.و هذا ما يؤثر لاحقا على نجاح الوساطة في حل النزاع.

2-    دوافع التدخل بالنسبة للمنظمات الدولية الحكومية:
تتأثر بسياسات و مصالح الدول الأعضاء فيها.
3-    دوافع التدخل بالنسبة للمنظمات الدولية غير الحكومية:
عادة تركز على حفظ السلام كدافع أساسي لها، و لكن قد تدفعها أيضا مصلحة ذاتية كدعمها لسلطة مقابل الحصول على وضع قانوني لتدعيم نشاطها فوق أراضي تلك الدولة.
4-    دوافع التدخل بالنسبة لشخص غير رسمي:
مثل "كارتر" سنة 1994 في كوريا الشمالية، أو "جيمس بيكر" في الصحراء الغربية، تتلخص الدوافع عادة في:
-       تطوير شبكة الاتصال بين الأطراف.
-       تطبيق أفكاره الخاصة حول النزاع.
-       تحقيق أهداف اقتصادية (وسيط تجاري)أو أكاديمية بحثية، بحيث يجعل من النزاع كمخبر لتطوير أبحاثه حول حل النزاعات.
-       أسباب إنسانية.


8 / نتائج المفاوضات:
          ترتبط نتائج المفاوضات بطبيعة الاستراتيجية المطبقة أثناء العملية التفاوضية، و هناك أربع نتائج للمفاوضات:
1-    فرض الحل: عندما تكون النتائج لصالح طرف واحد ( حالة الاستراتيجية التنافسية، طرف يتنازل دون الآخر)
2-     حل الوسط : النتائج لصالح كلا الطرفين.
3-    الإذعان :
4-     المأزق: في حالة تطبيق طرف لإستراتيجية تنافسية أو جمود و الطرف الآخر يطبق نفس الاستراتيجية و يكون أقوى من الأول، هنا تكون النتيجة سيطرة كلا الطرفين ما يؤدي إلى وصولهما لطريق مسدود أو المأزق.

و نقيم في هذا المستوى النتائج بناءا على المعايير التي يجب أن تتوفر لحل النزاع. هل هي ناجحة أم أنها فاشلة و لماذا؟
 المرجع
 الأستاذ: رضا دمدوم...صياغة: الأستاذ بولمكاحل



[1] ) كريستوفرو مور،ترجمة: فؤاد سروجي، مراجعة و تدقيق:عماد عمر، عملية الوساطة-استراتيجيات عملية لحل النزاعات-،الطبعة العربية الأولى، الأهلية للنشر و التوزيع، الأردن، 2007، ص 38.
[2] ) المرجع نفسه، ص 127-128.
[3] ) المرجع نفسه، ص 42-43.

الترويكا بين المفهوم والمصطلح

  الترويكا بين المفهوم والمصطلح     الترويكا ثالوث الرأي السياسي، والمفهوم     الدال على اجماع الرأي الواحد، وفي وقتنا الحاضر، لم تع...