الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017

القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية

القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية 


القوّة الناعمة مصطلح شاع استعماله خاصة في مجال السياسة الخارجية للدول الكبرى، وانتشر الاهتمام في تطبيقاته بين مختلف دوائر صناعة القرار فيها، التي اعتبرته ذراعاً فعّالاً في ادارة سياستها الخارجية، وعند تعاملها مع الدول والشعوب الأخرى، لخدمة مصالحها الاستراتيجية طويلة المدى.
برز مصطلح «القوة الناعمة» وما زال، في ميادين السياسة الدولية، وظهر أول ما ظهر في بريطانيا أواخر القرن التاسع عشر، وكان من بين من سعى لبلورة مفهومه وتحديد سماته في العقدين الماضيين، وبخاصة بعد حرب تحرير الكويت، ثم في أعقاب أحداث سبتمبر (أيلول)، جوزيف ناي، وهو مساعد سابق لوزير الدفاع الأميركي، فألف في المصطلح كتابه «The Soft Power» الذي صدر في ترجمته العربية (القوة الناعمة) عام 2007.
المصطلح، شاع استخدامه إبان الحرب الباردة، في مقابل تعبير «القوة الخشنة» أو الصلبة «The Hard Power» التي تعني - بشكل أساسي - الأخذ بخيار القوة العسكرية سبيلا لحل النزاعات الدولية. وفي مقابل مفهوم ثالث يطلق عليه «القوة الذكية» التي تمزج بينهما، وركز على البدائل المتاحة لحل المشكلات عن طريق الجاذبية بدلا من الإرغام أو دفع الأموال، حيث بدأ المنظرون في العلوم السياسية والاجتماعية يضيفون على التعبير سمات وأبعادا أخرى تمتد إلى الاقتصاد والدين والثقافة والتعليم والإعلام، وصاروا يفتحون آفاقا متنوعة لكسب الشعوب، كنشر مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والمعونات الاقتصادية، يقول جوزيف ناي: «ليست العبرة في عدد الأعداء الذين تُخضعهم بل في عدد الأصدقاء الذين تكسبهم، وإن القوة الناعمة ليست ضعفا بل هي شكل من أشكال القوة، وإن الفشل في دمجها في الاستراتيجية الوطنية يُعد غلطة خطيرة.
ولا ينبغي الاستهانة بفاعلية (القوّة الناعمة) كسلاح يخدم مصالح الدول على المدى المتوسط والبعيد، فأمريكا استطاعت أن تكون امبراطورية مؤثرة ومهيمنة على العالم، ليس عبر السلاح.. بل عبر آلتها الإعلامية والثقافية الجبّارة، وعبر المسارح والأفلام والمجلات والصحف والكتب، ومن خلال تسهيل السياحة لولاياتها ومدنها، وتسهيل تعلّم اللغة الانجليزية لمن يرغب تعلّمها، وفتح جامعاتها لطلاب المشرق والمغرب، الذين تقاطروا عليها من أصقاع العالم، ثم أصبحوا - فيما بعد - يشكّلون القيادات والنخب السياسية والثقافية والاقتصادية والعلمية في بلدانهم، ويديرون دولاب البيروقراطية النافذة في أوطانهم، ناقلين معهم (التجربة الأمريكية)، وأسلوب الحياة فيها إلى مجتمعاتهم، مما جعلهم سفراء غير معتمدين لتلك القوة الناعمة في بلادهم.
كنا قد تعارفنا في عقود خلت على أن سياسة الردع تعبير عن القوة الخشنة، لكن في لغة السياسة، وفي علوم الاتصال، ومدارس الأخلاق، ما قد يتفوق عليها تأثيرا في اجتذاب الشعوب وجسر التواصل بينها، على أنه لا بد من التأكيد على أن الحديث عن استثمار القوة الناعمة لأي دولة، لا ينبغي أن يكون بديلا عن التسلح لحفظ الأمن بالقوة الرادعة.
ذهبت معظم الكتابات - على قلتها - التي تحدثت عن موضوع «القوة الناعمة» باتجاه تأسيسها على أنها «نظرية» بدأت معالمها تتضح في العقود الأخيرة، وبخاصة في أثناء فترة الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، حينما نفذت الدول الغربية تطبيقات منها على الشعوب التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي المنحل، وربطت تلك الكتابات مفهوم «القوة الناعمة» ربطا وثيقا مع السياسات الخارجية للدول، ثم صارت الكتابات الحديثة تدعو للأخذ بها في مجال السياسات الداخلية، وفي جهود التغيير والإصلاح الدستوري والإداري والاجتماعي، بل لقد ظهرت كتابات أحدث تتناول ما جرى من انتفاضات سياسية في بعض أنحاء الوطن العربي، وتعدها شكلا من أشكال اللاعنف في التغيير السياسي.
بعض الأقلام تناولت مسألة «القوة الناعمة» من زاوية الإعلام، مذكرة بالدور المؤثر الذي اضطلعت به إذاعة لندن وبرلين الحرة وصوت أميركا وغيرها إبان الحرب الباردة، ثم ما اتجهت إليه بعض الدول مؤخرا من توظيف شبكات المعلومات ومن إنشاء قنوات فضائية موجهة بلغات العالم المختلفة.
ولم تخل بعض الكتابات من التذكير بالمعاني الإسلامية الرائعة التي تضمنها القرآن الكريم والسنة المطهرة بوصفهما منبعين للكثير من التطبيقات التي تصب في مفهوم القوة الناعمة.
وكان أحمد زويل من آخر من كتب حول هذا الموضوع في صحيفة «الشروق» المصرية في يوليو (تموز) 2010 بعنوان: «هل تنجح القوة الناعمة في دفع الشرق الأوسط إلى آفاق جديدة؟»، وكأنه كان يقرأ فيما سيحدثه شباب بلاده بعد أقل من عام في ميدان التحرير بالقاهرة.
وهكذا تتنوع القوة الناعمة بتنوع مقوماتها الذاتية التي تسوق سمعتها وتحدد علاقتها مع الشعوب، حيث تتراوح عناصرها عند بعض الدول والشعوب من قوة صناعية كما في اليابان، إلى قوة اقتصاد كحال الصين، وقوة معلوماتية كما في فنلندا، وقوة حياد ومفاوضات سلام أممية كما في سويسرا والنرويج، وقوة إدارية كما في سنغافورة وماليزيا، وقوة فنون وإبداع كما في حال إيطاليا وفرنسا، وقوة بطولات رياضية كما هي الأرجنتين والبرازيل، وهنا يمكن الحديث عن نموذج يشكل في مجمله القوة الناعمة للمملكة العربية السعودية، ويضم في مكوناته البعد الديني والاقتصادي والحضاري والإنساني.
لقد مضى على إعلان توحيد المملكة العربية السعودية عام 1351هـ (1932) ثمانون عاما، اختارت فيها على مختلف العصور والعهود السياسية منحى الحياد وعدم الانحياز ولم تلجأ إلى خيار القوة إلا عندما اضطرتها الأمور لأن تسلك طريقها، وكانت الأسرع إلى تبني الوفاق، لا تتدخل إلا بمقدار ما يطلب منها، ولا تقبل من أحد أن يتدخل في شأنها وقراراتها، وكانت طيلة تلك العقود تؤثر بدائل الحسنى وتسلك طرق التصالح والوسطية والصمت والتعقل والتريث والبعد عن الانفعال، ووفرت للفرقاء ملاذا للحوار وحل المشكلات بالطرق المحمودة، وكان لها السبق في توقيع معاهدات المنظمات العربية والإسلامية والدولية، ولم تغفل طيلة تاريخها عن نصرة الشعوب المحبة للسلام، وعن إغاثة البلدان المنكوبة، والإسهام في بنوك التنمية وتوفير المساعدات الإنسانية.

فإن لدى المملكة مخزوناً هائلاً من القوّة الناعمة التي لم تُستثمر بعد، وتنتظر من صانع القرار السعودي إقرار إستراتيجيّة شاملة لهذا الغرض، تُرسم على أعلى المستويات السياسّية والاقتصاديّة والإعلاميّة والثقافيّة والدينيّة في بلادنا، لتُشكّل في مجموعها منظومة سياسات وأهداف ووسائل لتفعيل هذه القوّة، وتعظيم هذا المخزون الكامن، ليعكس القوّة الحقيقيّة للمملكة، في عين الشارع العربي وبين مختلف شرائح الرأي العام في العالم الإسلامي والغربي، خدمة للمصالح الحيويّة الإستراتيجيّة السعوديّة، على المدى المتوسط والبعيد.
إن لغة التفاوض والحوار من الدروس المستفادة لصناع السلام التي يمكن تطبيقها بين دول العالم المختلفة بشأن القضايا الدولية؛ لتحقيق المصالح المشتركة على طريقة «تبادل المنافع، أو خذ وهات». وأصبح ذلك نهجًا تتميز به الدول التي تمتلك القوة الناعمة للوصول إلى عقد الاتفاقيات المناسبة بينها وبين الدول الأخرى. وتعرف القوة الناعمة بأنها قدرات الدولة المتعددة الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية وجميع الوسائل السلمية الأخرى التي يمكن أن تستخدمها للتأثير على الهيئات العالمية والدول الأخرى، من خلال العلاقات والمصالح المشتركة للوصول إلى التفاهم المتبادل وتحقيق الإقناع وصياغة الاتفاقيات التي تخدم الطرفين. والميزة الكبرى لاستخدام القوة الناعمة أنها لا تكلف الدولة التي تستخدمها شيئًا، ولا تقدم تنازلات لتحقيق مصالحها الوطنية. والمملكة لا تتوانى عن نشر تأثيرها الاقتصادي والدبلوماسي والسياسي على الساحة الدولية باستخدام قوتها الناعمة من خلال الدعم الكبير للهيئات الإنسانية، مثل: مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، والدخول في الشراكات الاستراتيجية المتنوعة، مثل: عضوية المملكة في مجموعة العشرين الاقتصادية، والتحالفات الدولية، مثل: التحالف الدولي الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب الذي أعلن تأسيسه ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان في ديسمبر 2015م عبر إنشاء «مركز التحالف العسكري الإسلامي» في الرياض.
واليوم أصبحت الظروف مهيأة للمملكة بما تمتلكه من مصادر القوة الناعمة لتشارك بدور فعّال ومؤثر مع القوى الناعمة الدولية الأخرى في تحقيق التأثير على الساحة الدولية للأسباب الآتية:
أولاً: الانخفاض الحاد في الوضع الاقتصادي الأوروبي، وتطبيق خطط قاسية لترشيد الاستهلاك، وانشغالهم بالمحافظة على تماسك الاتحاد الأوروبي، وقلقهم من تفككه وانهياره، وخوفهم من خروج الأعضاء التدريجي بعد خروج بريطانيا منه.
ثانيًا: الموقع الجغرافي الاستراتيجي للمملكة، وتوسطها بين قارات العالم القديم (آسيا وإفريقيا وأوروبا)، وإشرافها على ممرات بحرية دولية استراتيجية عبر الخليج العربي والبحر الأحمر، يمر من خلالها 30 % من التجارة العالمية. وهذا الموقع يزيد قوتها الناعمة تأثيرًا على الساحة الدولية.
ثالثًا: قوة الاقتصاد السعودي: المملكة دولة غنية، واقتصادها قوي ومؤثر، وهي عضو في مجموعة العشرين الاقتصادية. والاقتصاد من أقوى الأدوات الفاعلة في تحقيق القوى الناعمة.
رابعًا: المصداقية الدبلوماسية ونزاهة القيم والمبادئ السياسية: إذ أجمعت أكثر دول العالم التي تعاملت مع المملكة على أنها لم تلمس تفاوتًا أو تباينًا أو تناقضًا بين الدبلوماسية السعودية المتأنية والمحسوبة وما تفعله، وصرحت بتطابق أقوالها مع أفعالها على أرض الواقع.
خامسًا: المملكة القلب النابض لمجلس التعاون الخليجي: مجلس التعاون قوة إقليمية مؤثرة اقتصاديًّا ودبلوماسيًّا وسياسيًّا، إضافة إلى معالجة المملكة لقضايا المنطقة، ورؤيتها العقلانية للشؤون العربية والإسلامية التي عززت مكانتها السياسية في منطقة الخليج والشرق الأوسط وبين دول العالم.
سادسًا: حضارة المملكة ومكانتها العربية والإسلامية التي تختلف اختلافًا كليًّا عن الدول الغربية؛ فجذورها التاريخية ليست شرقية ولا غربية، وإنما عربية إسلامية، وتنفرد بخدمة الحرمين الشريفين، قبلة المسلمين، وجميع الطلبة المسلمين الدارسين في جامعاتها من الدول الإسلامية، والوافدون العاملون فيها من مختلف دول العالم.
ولقد ظهر مصطلح (الاقتصاد المعرفي) - مؤخراً - كأحد الأبعاد للقوة الناعمة للدول، والمملكة لديها فرصة ذهبيّة لاستثمار هذا البعد، من خلال توفير بُنية تحتيّة معرفيّة تستقطب من خلالها العلماء المبرزين في العالم الإسلامي، من أطباء ومهندسين ومخترعين وطلاب نجباء.. ولعل (جامعة الملك عبدالله للعلوم) إحدى هذه المنافذ التي يتوق كل عالم أو مُبدع إسلامي أن يكون في بيئة إسلاميّة، ويكون - في نفس الوقت - على صلة مباشرة بأدوات العلم الحديث من جامعات ومكتبات ومختبرات.. ولن يجد العالم المسلم في غير المملكة حضناً روحانياً وبيئةً جاذبة في نفس الوقت إلا في هذه الجامعة.. وكذا الأمر ينسحب على الطلاب الموهوبين من مختلف أرجاء العالم الإسلامي، الذين سوف يلتحقون في هذه الجامعة الحضارية الوليدة، والتي سوف تكون أفضل (رمز) للقوّة السعوديّة الناعمة عبر اقتصاد المعرفة.. جذباً وتأثيراً.
القوة الإعلامية توازي القوة العسكرية في أهميتها وفاعليتها.
الإعلام يعتبر القوة الناعمة التي تستخدمها الدول في السيطرة على العقول وتتحكم بأخلاقها وتوجهاتها وعقائدها وأيضًا سياساتها وهو سلاح ذو عدة أوجه يُستخدم في التلميع والتضليل والهجوم.
 بواسطة الإعلام استطاع روبرت مردوخ الصهيوني مالك صحيفتي ذي صن، وذي تايمز، وفوكس نيوز، وغيرها من أعرق الصحف والقنوات العالمية تسخير نشاطها في خدمة القضية الصهيونية وتلميعها ! ولا غرابة لأن من يقرأ كتاب (بروتوكلات حكماء صهيون) سيٌدرك حجم أهمية سلاح الإعلام. وقد اٌستخدام الإعلام كسلاح في إسقاط الحكومات والتاريخ شاهد فقد استخدمته أمريكا في إسقاط حكومة مصدق في إيران في السبعينات. وفي عام 2003 نجحت الحملة الإعلامية في خداع الشعب الأمريكي وتغيير رأيه من معارضة الحرب على العراق إلى تأييدها!

ولا شك أن البروباغندا الإعلامية في كوريا الشمالية استطاعت أن توهم أربعة وعشرين مليون كوري بأن دولتهم دولة قوية اقتصاديًا وفي غنى عن العالم وقوة عسكرية لا تقهر تخشاها أمريكا !
وغيرها الكثير من الأمثلة على تأثير الإعلام على الشعوب وقدرته الساحرة على تحريك الجماهير وتعبئتها نفسيًا حسب ما يريد المحرك الرئيسي.
وفي الحديث عن المجال الثقافي والإعلامّي، فإنهما معين لا ينضب إذا أُحسن التخطيط لهما، وتمت إدارتهما بطرق غير تقليديّة، وأُنفق عليهما بسخاء، يمكّنهما من إحداث التأثير المطلوب منهما على شعوب الدول المُستهدفة، وعلى المدى المتوسط والبعيد.. ومن الوسائل المحققّة لهذا الهدف إطلاق قنوات فضائيّة موجّهة للعالم، يكون منطلقها البرامجي (السعوديّة في عيون الآخرين) وليس في عيوننا في الداخل، وبإعلام مهنيّ واحترافي هدفه مخاطبة الآخرين، وليس أنفسنا.. وكذلك إنشاء (مراكز ثقافية) دائمة، مُلحقة بالسفارات السعوديّة في الخارج، لتكون حلقة وصل وحوار دائم بين حضارات وثقافات وشعوب دول العالم مع المملكة، خاصة في الدول التي يهّم المملكة أن يكون لها حضور دائم ومؤثّر في سياستها وتوجهّات شعوبها، وكذا توسيع وظيفة إذاعة (القرآن الكريم)، لتكون محطّة إسلاميّة ذات برامج دينيّة ودعويّة متنوّعة، ويشارك في دوراتها البرامجية أفضل الدعاة والفقهاء وأهل الفتيا التقاة والمعتدلين، من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وتعمل على نشر ثقافة إسلاميّة (عالميّة) التوجّه، تعتمد على مبدأ القسط والوسطيّة والاعتدال والتسامح والحوار مع الآخر، الذي يعكس الجوهر الحقيقي للإسلام.. ونحن أولى بهذا الجهد من دول أخرى، فالمغرب على سبيل المثال، أطلق قناة تلفزيونية باسم (الوسطيّة)، وعُمان تُصدر مجلة دورّية باسم (التسامح)، والكويت أنشأت مركزاً عالميّاً باسم (المركز العالمي للوسطيّة).
ويندرج تحت هذه المنظومة، التي تحتاج إلى مزيد من التوسّع والدعم والإنفاق، الجوائز النوعية التي تقدّم للمبرزين من أنحاء العالم الإسلامي، والفعاليّات الخارجيّة مثل: معارض الكتب، والأسبوعيات الثقافيّة، وبرامج تبادل الزيارات على مستوى الوفود الشبابيّة والطلابيّة من مختلف أنحاء العالم، وعلى مستوى المثقفيّن والأدباء والنخب السياسّية، حتى وإن كانوا لا يشاطروننا جميع توجّهاتنا السياسّية والثقافيّة.. ويرتبط بهذا البعد، أهمية الاهتمام بنشر اللغة العربية وتدريسها، من خلال المنح المجانية سواء داخل المملكة، أو عبر المراكز الثقافيّة في الخارج.. وكذا الأمر بالنسبة للمجال السياحي، الذي بدأت بُنيته التحتيّة تتشكّل مؤخراً، عبر الهيئة العليا للسياحة، التي لابد أن تأخذ بالاعتبار تصميم برامج سياحّية ذات طابع إسلامي، تكون موجّهة لفئات معينة من رعايا العالم الإسلامي، وبرامج أخرى موجّهة للعالم الغربي.
وفي المجال الدبلوماسي، فإن نوعية السفراء وحسن اختيارهم، من أهمّ العوامل التي تحققّ للمملكة أهدافها الإستراتيجيّة عبر قوّتها الناعمة.. لقد تغيرّ التعريف التقليدي للسفير، وتغيّر معه الدور المناط بالسفارة، وعلينا أن نتغيّر طبقاً لذلك.. لقد أُعيد تعريف وظيفة السفارة، كما تغيرّ دور السفير من كونه يمثّل رئيس الدولة في الشؤون السياسّية الثنائيّة المباشرة، عندما كانت وسائل الاتصال محدودة بين رؤساء الدول إلاّ عبر السفير، إلى سفير يمثّل الدولة كجسم بمختلف مصالحها الاقتصاديّة والثقافيّة والسياسّية، بحيث تتحولّ السفارة إلى (جسرٍ) مؤثر لعبور هذه المصالح المتنوعّة.. ومن هنا، تأتي أهمية الانعتاق من الإسار التقليدي في نشاط السفارات، وفي اختيار السفراء، وضرورة العمل على (انتقائهم) من الأجيال الشابّة والمتعلّمة والمؤهلّة، التي تُتقن لغات الدول المُستهدفة ولغة العصر، وقادرة على (تسويق) القوّة الناعمة السعودية، وفقاً لطبيعة البلد المستهدف.. وكذا الأمر بالنسبة لمباني السفارات نفسها، لتكون قلاعاً تعكس مكانة المملكة، ومنصات تعبّر عن دورها الحيّوي في العالم، وتخدم مصالحها الإستراتيجيّة، في عالم العولمة والانفتاح والانفجار المعلوماتي.
وفي المجال السياسّي، فإن التوجهات السياسية للقيادة السعوديّة، القائمة على عدم التدخل في شؤون الآخرين، وتبني سياسة الاعتدال، والوقوف على مسافة واحدة من فرقاء النزاعات الإقليمية والدوليّة، كل هذا يشكّل في مجموعه رصيداً سياسيّاً ثميناً، يمكن للمملكة استثماره لدعم قوّتها الناعمة عربيّاً وإسلاميّاً ودوليّاً، وهذا ما نلمس شواهد منه عند ظهور بعض الأزمات.. كما تكتسب (الزيارات الملكيّة) أهمية خاصة في مدّ الذراع الناعم السعودي، خاصة مع الدول التي ترتبط معها المملكة بمصالح وعلاقات إستراتيجيّة، أو تلك الدول المرشّحة لهذا الدور مستقبلاً، سواء لأسباب سياسّية أو اقتصادية أو دينيّة، مثل الصين والهند وروسيا واليابان، ودول آسيا الوسطى، وأفريقيا.. ولعلنا نتذّكر كم كان لزيارات الملك فيصل لدول أفريقيا من تأثير واسع في خدمة مصالح المملكة في ذلك الوقت.
وفي دهاليز المنظمّات الدوليّة، فالمملكة بما لها من مكانة اقتصاديّة مرموقة، فهي عضو مؤثّر في جميع المنظمات الدوليّة الكبيرة، ومع ذلك فإننا من أقّل الدول استفادة منها، بالرغم من أن المملكة من أكثر الدول مساهمة ماديّة فيها، بل ومن أسرعها سداداً لحصصها، ومع كل هذا لا تُبذل جهودا كبيرة في الضغط عليها لتعيين موظفّين سعودييّن فيها، يُمكنهم - مع مرور الوقت - تسنّم مناصب قياديّة فيها، وبالتالي، التأثير المباشر وغير المباشر على سياستها، وبما يخدم مصالح المملكة، ويعزّز قوّتها الناعمة على المدى البعيد.. كما أننا - على استحياء - في استثمار القوّة الناعمة السعوديّة، عندما تكون مقاّر تلك المنظمّات الإقليميّة أو الإسلامية لدينا، مثل: رابطة العالم الإسلامي، ومنظمّة المؤتمر الإسلامي، والبنك الإسلامي للتنمية.. في حين أن الولايات المتحدة لا تجد غضاضة في ذلك، وترتفع عقيرتها عند إحساسها بأي توجّه تتبنّاه المنظمات الدوليّة لسياسات تُخالف توجهاتها أو مصالحها، بل وتهدّد بالانسحاب منها، أو إيقاف مشاركاتها وحصصها في ميزانياتها.. كما يحصل - دائماً - في تعاملها المتكرّر مع منظمات اليونسكو، والأمم المتحدة، والطاقة الدوليّة.
وفي مجال العمل الخيري والإغاثي والإنساني والتطوعي، فإن هذه - أيضاً - أذرعة تستخدمها جميع الدول لمدّ نفوذها الناعم عبر القارات، وهناك أعمال تطوعية مؤسسيّة ناجحة ومؤثّرة اضطلع بها المجتمع المدني بدعم مباشر من حكوماتهم مثل: (أطباء بلا حدود)، و(محامون بلا حدود)، ومنظمة (Oxfam)، وقبل عدة عقود (مارس - 1961م) أطلق الرئيس الأمريكي - جون كندي - مبادرة (مجموعة السلام - Peace Corps)، التي انخرط فيها معظم الشباب الأمريكي، لتقديم خدمات اجتماعيّة وإنسانيّة وطبيّة في أنحاء العالم.. ومنذ ذلك التاريخ انخرط في هذه المنظمة التطوعية العالمية (190.000) متطوع، ذهبوا إلى (139) دولة للمشاركة في قضايا إنسانيّة وصحيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وإغاثيّة، تشمل التوعية بمرض (الإيدز)، وتقنية المعلومات، والمحافظة على البيئة، والمساعدة على بناء حاضنات الأعمال الصغيرة وغيرها كثير.. وخلف كل هذه المناشط هدف (وحيد) مُعلن وهو: المساعدة على أن تطل الشعوب الأخرى على أمريكا، وأسلوب الحياة الأمريكيّة، ونشر القيم الأمريكيّة، وفهم أمريكا، ولا يخفى على لبيب الهدف النهائي لكل هذه الجهود! وهو نشر القوّة الناعمة لأمريكا حول العالم بوسائل ناعمة ومغرية ومحببّة للشعوب.
ولا ينبغي علينا في المملكة، وكنتيجة لرّد فعل أحداث سبتمبر، أن (ننكفىء) على أنفسنا في الداخل بحجة إيثار السلامة ودفع الحرج، بل على العكس من ذلك، فالأمر - الآن - أصبح أكثر إلحاحاً من ذي قبل للانطلاق والتوسع في المجالات الخيريّة والإنسانيّة والتطوعيّة والإغاثيّة حول العالم، ولكن عبر عمل مؤسسّي منظّم ومُراقب ومُحكم وموثوق بمن يقوم على شأنه، وليس نشاطاً فرديّاً كثير الأخطاء والزلاّت والإحراج السياسي

وبناء على ما سبق فإن المملكة العربية السعودية مؤهلة لتشارك في إحداث التوازن على الساحة الدولية والتنافس بقوة في ميدان القوة الناعمة الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحتل مركز الصدارة فيه، وتراجعت عنه للسببين الآتيين:
1. سياسة الكيل بمكيالين: انتهجها الرئيس أوباما، وأصبحت مكشوفة للجميع، مثل: إعلانه أن إيران دولة ترعى الإرهاب، وفي الوقت نفسه وقّع معها اتفاقية النووي المثيرة للجدل.
2. الانسحاب من بعض الاتفاقيات المتعددة السابقة: بعد أن تولى الرئيس ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية أعلن استراتيجياته الجديدة التي شملت الاقتصار على الاتفاقيات والشراكات الثنائية، وانتهاج ما سماه «بسياسة حماية المصالح الأمريكية من التوسع الشديد في الالتزامات الدولية التي وصلت إلى حد الإفراط» (على حد تعبير الرئيس ترامب نفسه)، ويقصد بها الخروج الأمريكي المنظم من الالتزامات الدولية التي تعهدت بها أمريكا، وفض الشراكات والتحالفات الدولية متعددة الأطراف التي دخلت فيها الحكومات الأمريكية السابقة، مثل: الانسحاب من اتفاقية باريس للتغيرات المناخية المكونة من 140 دولة، والانسحاب من حلف الباسيفيك التجاري المكون من 11 دولة. وهذا التراجع الأمريكي التدريجي في ميدان القوة الناعمة الذي بدأ خلال فترة الرئيس أوباما سيستمر خلال فترة الرئيس ترامب أيضًا بسبب استراتيجياته الجديدة؛ وسيترك فراغًا كبيرًا وغيابًا ملموسًا للقوة الأمريكية الناعمة الرئيسية على الساحة الدولية. وبما أن المملكة أصبحت تمتلك القوة الإقليمية الناعمة والمؤثرة في الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط والعالم الإسلامي فقد بادرت المملكة إلى الانضمام إلى الدول القوية الأخرى التي تمتلك القوة الناعمة، والمساهمة معها في التأثير على الساحة الدولية، ويؤيد هذه المبادرة السعودية والمساهمة الفعلية اختيارها الزمن والتزامن المحسوب بدقة بين جولة خادم الحرمين الشريفين إلى الدول الآسيوية، التي تعتبر نموذجًا مثاليًّا لتوظيف القوة الناعمة التي نتج منها اتفاقيات في المجالات العلمية والتقنية، والاقتصادية والسياسية والعسكرية بمليارات الدولارات.. وبين توقيت رحلة ولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والاجتماع مع الرئيس الأمريكي لاستثمار تفضيله الاتفاقيات الثنائية التي أعلنها.

المراجع :
1.    عبدالرحمن الشبيلي ، جريدة الشرق الأوسط ،الثلاثـاء 06 جمـادى الثانى 1432 هـ 10 مايو 2011 العدد 11851.
2.    د. يوسف بن أحمد العثيمين، جريدة الرياض ، الأثنين 4 صفر 1429هـ -11 فبراير 2008م - العدد 14476.
3.    رامي بدر، صحيفة الوئام الالكترونية، 18 يناير 2017م.
4.    م. خالد إبراهيم الحجي: جريدة الجزيرة الجمعة 17 رجب 1438 العدد 16269.



الجمعة، 22 ديسمبر 2017

الذكاء الاستراتيجي

 الذكاء الاستراتيجي

مفهوم الذكاء الاستراتيجي
 ينظر للذكاء بأنه القدرة التي وضعها الله (سبحانه وتعالى) في الإنسان حين ميزه عن سائر المخلوقات الأخرى بنعمة العقل والتي تؤكد دعوة الله (سبحانه وتعالى) للبشر كافة الى استخدام عقولهم والتفكير والتبصر في خلق الله (سبحانه وتعالى) ولعل ابرز ما ذكر من آيات في صدد ذلك قوله تعالى ﴿ أوَلَم يَتَفَكَروا في أَنفُسَهُم ما خَلَقَ اللهُ السَمواتِ والأَرضَ﴾ (سورة الروم آية 8(، أما لغويا فيشير مصطلح الذكاء (Intelligence)،  كما ورد في المعجم الوسيط (ما يتم به التفكير والاستدلال وترتيب التصورات) , وعرف (Webster, 1990: 617 ) الذكاء بأنه (القدرة على التعلم او الفهم او التعامل مع الحالات الجديدة او القدرة على المعرفة عند التعامل مع البيئة او التفكير المجرد الذي يتأت وفق معايير موضوعة ).
 وفى ميدان علم الإدارة نجد أن هناك العديد من إسهامات الباحثين التي أغنت المضمار العلمي للذكاء، فقد عرفته بأنه "عملية تهدف إلى دعم قرارات الأعمال في مجالات التسويق، التمويل، تحديد اتجاهات السوق، الزبائن والمنافسين، لأجل تحقيق الحصة السوقية والفوز بزبائن جدد والتفوق على المنافسين الآخرين (العذاري، 2008: 4)، كذلك يعرف بأنه يساعد الفرد على التفكير المنطقي والعمل على نحو هادف والتكيف مع البيئة التي تتصف بالحركة والتغيير (النعيمي ، 2000: 7) ويعرف الذكاء الاستراتيجي بأنه العملية او أداة لجمع المعلومات التي تحدد صناع القرار بالمعرفة التي تدعهم في صناعتهم لتلك القرارات وتمكنهم من الاستجابة للبيئة التي فيها المنظمة، ثم تحليل المعلومات لتعجيل قدراتهم في التنبؤ والتخطيط المستقبلي والتكيف مع التغييرات البيئية، وذلك في إطار تسلسلي متعاقب يهدف الى المسار الفكري ازاء ما يحدث الان وما سيحدث مستقبلاً (العزاوي ، 2010: 140) . ويرى (Kuhlman, et al, 1999, 14) بأنه ابتكار لخريطة الطريق توجه صناع القرار نحو صناعة قرارات اكثر وعياً عبر تلبية حاجاتهم الملحة للمعلومات وتوفيرها في الوقت المناسب بالدقة والكمية والجودة المطلوبة لصناعة قراراتهم بعقلانية .وعرف (Johanson, 2000 , 35) الذكاء الاستراتيجي على انه وظيفة تختص بالمنافسين أو فهم أهدافهم المستقبلية واستراتيجيتهم الحالية، وما يؤمنون به من فرضيات عن أنفسهم والصناعة وإدراك قدراتهم وابرز مكوناتهم ، كذلك عرفـه ( Clar, et al,2008:10 ) بانه مجموعة عمليات تستهدف البحث عن المعلومات ومعالجتها ثم نشرها وحمايتها لتكون في متناول الشخص المناسب وفي الوقت المناسب ليمكنه من اتخاذ القرار الصائب ، بينما عرفه (عبد اللطيف، 2002: 32-33) بأنه الوظيفة التي تتعامل مع بيئة السوق والطلب وهوية الشركة والحصول على المصادر، والتغيرات البيئية والتنبؤ التكنولوجي والاجتماعي بغية تحقيق الانتشار والفاعلية البعيدة الأمر، واكتساب الخبرة والحكمة العقلية.
 استنادا الى ما تقدم فان الباحثة ترى أن هناك تباين في اتجاهات التعاريف لا تنفي حقيقة الدور الجوهري للمعلومات في تشكيل مفهوم الذكاء الاستراتيجي، ودعم عمليات صناعة القرارات وصياغة السياسات والخطط والتنبؤ بتغيرات البيئة وبحركة المنافسين والتكيف معهما ، وكيف أن هذه المعلومات توفر دعماً للقائد الذي يوسم بعناصر الذكاء الاستراتيجي،  وبالتالي لابد من تعزيز قدراته في جمع المعلومات وتحليلها وتوظيفها في صناعته للقرارات، ورسمه للسياسات والخطط وهذا يتيح للباحثة وضع مفهوم لهذا النمط من الذكاء الاستراتيجي بمستوى البحث يذهب إلى انه ذكاء يوسم به القادة الذين يتمتعون بنظرة ثاقبة ورؤية مستقبلية وتفكير عالي المستوى وقدرة على رفع الابداع من التركيز على نظام معلوماتي يتيح لهم استقصاء المعلومات ومعالجتها وتحليلها ليتسنى لهم توظيف أفكارهم في صناعة القرارات وصياغة الاستراتيجيات بمستوى عالي من الذكاء والقدرة على العمل.
2- أهمية الذكاء الاستراتيجي
يمكن تشخيص جوانب الأهمية الخاصة بالذكاء الاستراتيجي من التعرف الى الأدوار التي ينهض بها هذا النمط من الذكاء، ومن هذه الأدوار هي كالآتي: (صالح وآخرون، 2010: 148-164)
·      دور الذكاء في ترسيخ السمات القيادية.
·      دوره في عمليات التغيير.
·       دور الذكاء الاستراتيجي كسلاح تنافسي.
·      دور الذكاء الاستراتيجي في دعم صناعة القرار.
3- أهداف الذكاء الاستراتيجي
     إن للذكاء الاستراتيجي أهداف محددة حددها بما يلي: ( صالح وآخرون، 2010: 148-164)
أ  ) توفير تنبؤات وتحذيرات مبكرة بالتهديدات المحيطة بالمنظمات واتخاذ الإجراءات الوقائية بأزائها.
ب) تمكين المنظمات من الاستجابة لتغيرات البيئة الحالية والمستقبلية والتخطيط والتنبؤ بالنتائج بالشكل الذي
    ينعكس إيجابياً عن سمعتها وموقعها.
ج) تشكيل القناعات لدى صناع القرارات وصياغة السياسات بوجوب الوصول إلى  القرارات وسياسات إبداعية
    مثلى.
د) النهوض بمهمة جمع المعلومات وتحليلها عن البيئة الخارجية وجعل المنظمات  تقيم تحالفات في مجال
   البحث والتطوير.
ه) تقديم الأفكار الهادفة التي تحول الابتكارات والاختراعات إلى سلع قابلية للتداول .
و) تطوير آراء تخمينية بصدد الأحداث المستقبلية واعتماد هذه الأحداث كأساس في المشكلات.
ز) توفير معلومات استراتيجية تمكن المنظمات من فهم التهديدات التي تحيط بها حالياً ومستقبلا .
4) خصائص الذكاء الاستراتيجي:
 يتسم الذكاء الاستراتيجي كغيره من أنماط الذكاء بجمله من الخصائص والسمات والموضحة بالشكل (2) (Tham & kim, 2002: 3  )
  أ) مرحلة الاستشعار (Sensing) بمؤثرات التغيرات الداخلية والخارجية وتشخيصها على  مستوى المنظمة.
 ب) الجمع (Collecting) للبيانات ذات المغزى.
 ج) التنظيم (Organizing) للبيانات وهيكلتها في شكل مصادر للمعلومات.
  د) المعالجة (Processing) للبيانات وتحويلها إلى معلومات.
 ه) الاستخدام (Uses) للمعلومات في صناعة القرارات ووضع الخطط وتحديد إجراءات تنفيذها.

.
5) أبعاد الذكاء الاستراتيجي
 حدد الباحثون مجموعة أبعاد للذكاء الاستراتيجي والتي ستكون محور تركيز الدراسة الحالية والموضحة بالشكل (3) وهي كما يلي: ( العزاوي، 2010: 152)، (الخفاجي، والبغدادي، 2001: 152)،
(صالح وآخرون، 2010: 191).


الاستشراف (البصيرة)
 جاءت لفظة الاستشراف في كتاب الله القرآن الكريم في (سورة الحشر آية 18)﴿ يا أَيُهَا ﭐلذينَ آمَنُوا ﭐتَقُوا الله وَلِتَنظُرَ نَفسٌ ما قَدَمَت لِغَدٍ وَاتَقُوا الله إنّ اللهَ خَبيِرٌ بِما تَعمَلون﴾.
 تعبر عن قابلية القائد بالتفكير في صورة قوى غير مرئية ولكنها تصنع المستقبل وتظهر أهمية العنصر في توظيف الذكاء لقادة المنظفات في المجالات التالية:
1- اعتماده  التوقع في إدارة التغيرات البيئية بأسلوب هادىء  ومنتظم
2- نجاح القادة في اعتماد السيناريو هات بتقديمها وصفاً لأحداث مستقبلية بديلة واستشعار التغيرات البيئية في صورة قوية غير مرئية.
3- توفير طاقة استقرائية تسمح للقائد بتطوير استراتيجيات موجهه نحو تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمنظمة.
4- استيعاب القادة للعمليات المنظمية الرئيسة، وتعزيز خياراتهم والارتقاء بمعرفتهم وخبراتهم العملية (الخفاجي، البغدادي، 2001: 152).
ب) التفكير المنظم:
يعبر عن القدرة على توليف دمج العناصر أكثر من فصلها إلى أجزاء ثم تحليلها مع بعضها ثم تقييمها من حيث علاقتها بالكل، والتركيز على أسلوب تفاعلها مع بعضها من حيث نجاحها في خدمة أهداف النظام(Davis, 2002: 6).
ج) الرؤية الإستراتيجية
إن الرؤية الإستراتيجية الواضحة والمغامرة عنصر ضروري في القيادة الإستراتيجية دون اتخاذ مفهوم مستقبلي للعمل التجاري، أي ما سوف يحتاجه إرضاء العملاء، فضلاً عن أنشطة العمل التي يجب السعي وراءها وأنواع حالات السوق طويلة الأجل التي يجب بناؤها مقارنة بالمنافسين،  ونوعية الشركة التي تسعى الشركة لإنشائها وتطويرها وتحدد تخطيط مسار الشركة باطلاع الإدارة العليا على الطريق والتوجه،  مع الإجابة على الأسئلة الآتية الى أين سوف تتحرك؟  ما طبيعة التغييرات المقبلة في هذا المجال التجاري الذي نعمل فيه؟ ما طبيعة الاختلافات التي سوف تحدثها مثل هذه التغيرات على عمل الشركة الحالي؟ وان تكوين الرؤية الاستراتيجية وصياغتها  لا يعتمد فقط على وجود تدريب ذهني يهدف لصياغة شعار جذاب للشركة،  بل انه يعد تدريباً على التفكير الحذر في الاتجاه الذي يجب على الشركة ان تتجه إليه لكي تحقق النجاح،  ويتضمن هذا الأمر تحديد مجالات السوق التي يُشارَك فيها،  ووضع الشركة على المسار الاستراتيجي السليم،  والالتزام باتباع هذا المسار المؤدي لتحقيق الأهداف ويكون للمديون ثلاث مهام متميزة في تكوين الرؤية الاستراتيجية وصياغتها وجعلها أداة إعداد مفيدة للمعمار الاستراتيجي وهذه المهام
هي (تومسون، 2006: 35).
·         التوصل إلى مضمون رسالة مستهدفة توضح الأعمال التجارية التي تقوم بها الشركة حاليا وتوضح كيان الشركة ومكانتها أو وضعها في الوقت الحالي.
·   استخدام مضمون الرسالة المستهدفة كأساس لتحديد مسار طويل المدى، واختيار ما يجب الاتجاه إليه وتخطيط المسار الاستراتيجي الذي يجب على الشركة أن تتبعه.
·      التعبير عن الرؤية الاستراتيجية بألفاظ بسيطة ومثيرة، تزيد من مدى الالتزام على مستوى الشركة بأكملها.


د ) الشراكة
تعكس الشراكة قدرة القائد الذكي استراتيجيا على إجادته في إقامة تحالفات إستراتيجية أي رؤية شاملة للشراكة بإبرامه اتفاقيات تعاونية وتحالفات او اندماجات مع شركات أخرى في صورة شبكات إستراتيجية،  وهنا يتحدد دور الشراكات في الارتقاء بقدرات قادة المنظمات وذلك كونها :
1-  احد اتجاهات التنظيم المعاصرة التي تمهد السبيل الى تحسين كفاءة الشركاء واشتراكهم في أداء المهمات وتقليل التكاليف وتحويل تنافسهم الى تعاون.
2-  احد آليات (التأقلم مع تحديات البيئة المضطربة، واقتناص الفرص الناتجة عن التطورات التكنولوجية، وضمان انسيابية الخبرات والأفكار بين الشركاء.
3-  إطار عمل تعاوني للتشارك في المواد النادرة وفي تهديدات الدخول إلى الاسواق الجديدة، وكذلك التكيف مع البينة المتغيرة.
4-  تُشبع حاجات المستفيدين وتوسيع نطاق خدمتهم،  مع (الإبداع في حل المشكلات، والتفوق في الأداء، ودعم الاستثمار الطويل الأمد) ثم تحقيق قيمة أكبر لأطراف الشراكة.
5- تتخلص من الجمود المنظمي وتقليل المخاطرة الناتجة عن تصنيع المنتجات الجديدة وتسويقها.
 (العزاوي، 2010: 152).
ه) الدافعية
 تعبر عن الفعل الذي يدفع الفرد إلى تبني وجهه نظر ملائمة لإنجاز العمل المكلف به بشكل مرض، كذلك تحفيز العواطف ورغبات الفرد لحثه على القيام بعمل معين وتجد دوافع الفرد في هيئة سلوك يعبر عن امتداده لبذل مجهودات تمكنه من تحقيق عدّة أهداف في آن واحد، وأدائه لعمله ثم إشباع ما يشعر به من نقص في حاجاته من العوائد المادية والمعنوية المتحققة نظير أدائه بما يؤشر أهمية تمتع القائد بالذكاءين الاستراتيجي والشعوري في آن واحد، توظيف الذكاء الشعوري (فهم الذات، وضبط النفس، والتقمص العاطفي) مع عناصر الذكاء الاستراتيجي لاسيما (الدافعية) لإيجاد قيادة متفوقة تشعر بنوايا العاملين وأهدافهم وتبني أفضل التصورات عنهم والارتقاء بفاعلية هذا العنصر (صالح وآخرون، 2010، 190-191)  ترى الباحثة أن الدافعية هي قدرة القادة الذين يتمتعون بذكاء استراتيجي على دفع  وتحفيز العاملين وحثهم على العمل ورفع روح الحماس لديهم ما يجعل المنظمة تحقق ميزة تنافسية.
و) الحدس
 ويوصفه (خير الله) بأنه ((هو الصوت الداخلي والذي يولد لدينا مشاعر ضد قراراتنا او معها بشكل عام لا سيّما إذا تضاربت البيانات او كانت غير كافية فإننا نعتمد عليها للوصول الى نتيجة على الحاسة السادسة وهي الحدس)) ومن أسباب زيادة الحدس هي:
·           تدريب على التنبؤ بالمستقبل.
·           تخيل انك تؤدي الواجب قبل حدوث حقيقته.
·           لاحظ مشاعرك وإحساساتك التي تتجاهلها عادة.
·           احتفظ بمسجل لأفكارك.
·           تعلم التأمل أو التنويم المغناطيسي الذاتي.
·           التصور الرمزي.





 الإبداع التنظيمي
1- مفهوم الإبداع التنظيمي:
يحيط مفهوم الإبداع شيئاً من الغموض لأنه يغطي حقلاً واسعاً، فضلا عن أنه يعد وعاءً لإنتاج الافراد المتنوعين معرفياً في المنظمة، وتحاول الباحثة التأطير لمفهوم الإبداع التنظيمي بعد التعرف به لغة وأصلاً، فقد جاء مفهوم الإبداع في اللغة العربية متشعباً واختلط بمفردات أخرى حسب اجتهادات الباحثين وتنوع مداخلهم، وجاء معنى الإبداع في لسان العرب على انه ((عدم النظر واشتق من الفعل بدع الشيء يبدعه بدعاً، وابتدعه إنشاه وأبداه)) (الكبيسي، 2002: 19) وقد ورد ذكر مصطلح الإبداع في كتاب الله القران الكريم كقوله تعالى ﴿ بَديعُ السَمواتِ وَالأرضَ﴾ سورة البقرة :الآية ( 117) معناه أن الله عز وجل خلق الكون وحده لا شريك له ولم يسبقه احد بمثالٍ قبله أو صنعٍ مثله، كذلك فقد تناولت الأدبيات والدراسات مفهوم الإبداع وقد اظهر عدد من الباحثين في هذا المجال ليعرفوا الإبداع كل حسب وجهة نظره المستوحاة من دراساته واتجاهاته فيرى (عيسى، 1999: 3 ) .
إن مصطلح الإبداع يستند على ثلاثة أمور:
أ‌)      إن الإبداع عمل واع وجهد دؤوب لا يأتي من دون عناء.
ب‌)       إن الابداع فعل تغير كونه توليداً وأدواته الخيال، التصور والمعرفة بأنواعها.
ج) الإبداع ابتكار تستنبط فيه الحقائق غير المعروفة من حقائق معروفة في الأصل.
 فقد عرّفهHippel, 1988: 17)) بأنه صنع شيء ما بشكل جديد يعتمد في تركيبه على اشياء موجودة اصلا, وعُرف بأنه ((العملية او النشاط الذي يؤدي إلى إنتاج يتصف بالجدة والأصالة والقيمة من أجل المجتمع (ACKSON, CH, 2000, 223-239ـJ)
 وعرف (TORRONCE)الإبداع بأنه (عملية تحسين للمشكلات والوعي بمواطن الضعف والثغرات وعدم الانسجام والنقص في المعلومات والبحث عن الحلول والتنبؤ وصياغة فرضيات جديدة واختيارها وإعادة صياغتها أو تعديلها من اجل التوصل إلى الحلول أو ارتباطات جديدة باستخدام المعطيات المتوافرة ونقل او توصيل النتائج الى الآخرين (عواشريه، 2009: 6) ويرى (Terziovski&Samson,2oo1:24) ان الابداع عملية معقدة من السهل تحديدها لأهميتها الاساسية في تحقيق النجاح المنظمي، ولكن من الصعب ادارتها حيث ان اشتداد المنافسة العالمية وتقصير دورة حياة المنتج تؤدي الى ضرورة الابداع  ، كما يرى(حسن) الإبداع على انه مجموعة خصائص الأفراد وقدراتهم وسمات الأفراد للتفكير الإبداعي  منطلقين من فكرة أن الفرد المباح يمتلك مهارات إضافية للإبداع مثل القدرة على تحمل الغموض وعدم الحكم المبكر على الأشياء وانفتاحه على الخبرات الجديدة المتنوعة او مهارات شخصية مثل حب الاستطلاع والمثابرة وروح المجازفة والقدرة على تغيير المشكلات (حسن، 2000: 331)، ويعرف الكبيسي الإبداع بأنه المزيج من الطلاقة والمرونة والأصالة والقدرة على التوسع والحماسية نحو الأفكار التي يمكن الفرد من الانطلاق من أمس التتابع العادي للتفكير الذي يؤدي الى إنتاج يتصف بالجدة والأصالة والقيمة، أو هو إيجاد حلول جديدة للمشكلات شريطة انه يتم التوصل اليها بطريقة مستقلة (الكبيسي، 2002: 94).
وقد عرف الابداع بانه (نقل او تحويل المعرفة الحالية الى افكار جديدة وتطبيقها على شكل منتج جديد يضيف قيمة للزبون) (www.flexiblearing.nelluu)، وعرفه (kotler,1997,335) هو (اي سلعة او خدمة او فكرة تدرك من قبل فرد وقد تكون للفكرة زمن طويل ولكنها تُعد جديدة بالنسبة للفرد الذي يرى بنفسه انها جديدة ، وقد أكد كل من (porter&stern,1999, 335) على أن الإبداع هو (تحويل المعرفة الى منتجات،  خدمات،  عمليات جديدة تتضمن اكثر من علم وتكنولوجيا، إذ تشتمل على البصيرة لمقابلة حاجات الزبون)، ويقدم (Griffin,1995: 251 & Moorhead ) تعريفا للإبداع يركن على انه (عملية عقلية معرفية او نمط من التفكير التباعدي يتصف بالخلاقة والمرونة والأصالة والحماسية للمشكلات،  وينتج عنه ناتجا ابتكاريا) ،اما ( Robbins,1996:105) عرف الابداع بأنه  القابلية على جمع الافكار واخراجها فريدة من نوعها او جعل ترابطات بين هذه الافكار وقد لا تكون هذه متولدة من الشخص نفسه كي يصبح مبدعا،  ويـرى (القريوني، 2005(11: الإبداع بأنه ( يشتمل على خطوة إضافية وهي تطبيق الافكار الخلّاقة بما يؤدي الى تقديم منتجات جديدة ويضيف قيمة ملحوظة للمنظمة، اما تحقيق مزيد من الارباح او تقليل التكامل ويُعد عنصر المخاطرة عنصراً أساسياً لازماً لتحقيق الإبداع ). واستناداً لما تقدم ترى الباحثة ( إن الابداع التنظيمي هو( بزوغ فكرة لدى شخص ذات قدرات عقلية وابداعية وذكاء عالٍ لم يستطع احد الوصول اليه ، يقوم بتطبيقها على ارض الواقع بشكل امثل ويتميز بالجدة والاصالة والمرونة والقيمة لحل المشكلات).
2) مراحل الإبداع
ان الابداع التنظيمي يمر بمراحل عديدة وكما موضح بالشكل (5 ) (خير الله جمال، 2008: 73-74):
أ‌) الإعداد: وهي تحديد الاعمال الامامية اي دراسة المعلومات والابحاث ذات العلاقة بموضوع ما.
ب‌) الاندماج مع المشكلة: وهي دراسة المشكلة من جميع الزوايا والاحتمالات والحقائق والابداع بمعنى معاينة الشكل بكامل تفاصيله وملابساته.
ج )احتضان المشكلة: اجعل عقلك الباطن يحتضن هذه المشكلة بعد ما استوعبها العقل الواعي، دع العقل الباطن والذي يحتوي على عملية الابداع والابتكار والتجميع يبحث عن حل للمشكلة.
د )الوصول الى الحل:  تجميع مرحلتا الاعداد والاحتضان لينتج عنها الحل بصورة مفاجأة بحيث تطفو على عقلك الواعي فتقول (وجدتها).
هـ )التقييم:  وهي مرحلة اختيار الافكار وتمحيصها وتطبيق المعايير عليها ومن ثم الحكم عليها بالصلاحية او عدمها.
و )التطبيق: وهي مرحلة ترجمة الابداع الى واقع عملي بمعنى ان افكارك الابداعية اصبحت ملموسة ومفيدة وقيمة وعملية.

3) نماذج الإبداع التنظيمي
 لقد وضح الكُتّاب والباحثون مجموعة من النماذج الاساسية المتعلقة بالابداع التنظيمي وهي على النحو الآتي:
أ- نموذج (1931_Rossman)
 لقد وضح (Rossman) أنموذجه اعتماداً على (Wallas) فقد أجرى دراسته على (615) مديراً في عام (1931) وتوصل الى وضع أنموذجا للإبداع مؤكداً على كونها عملية لا شعورية وغير موجهة
أ‌)        ملاحظة الحاجة.
ب‌)    جمع المعلومات.
ت‌)    تحديد الحلول.
ث‌)    تحليل ملائم لهيئة الحلول لبيان ميزاتها ومساوئها.
ج‌)     ولادة الفكرة الجديدة.
ح‌)     التجربة واختيار الحلول الموضوعية.
 يحدث التوفير في التكاليف نتيجة استبعاد وتقليص عناصر التكلفة التي تتناسب المنظمات على تقديمها للزبائن دون تمييز،  ويُزاد مزيج القيمة بالابداع بعناصر جديدة في المخرجات لم تقدمها الصناعة من الزبائن والشكل ( 5 ) يوضح ذلك الانموذج.
شكل (  5  )
نموذج (  Kim & Maubroge  )
 )Kim, & Maubroge, "Value Innovation: The strategicLongic of High Growth", Harvard Business Review, Jan, 1997).
  ب - أما ( 555:Kotler, 2000) فقد قدم نموذج تبني الأبداع يتبنى النموذج الأبداع تسويقياّ من خلال ثلاث مراحل، المرحلة الأولى: مرحلة الإدراك والتي تشير إلى أن المستهلك يصبح واعياّ بالإبداع لكن لديه نقص في المعلومات. ثم المرحلة الثانية وهي مرحلة التأثير وتشمل خطوتين هما الاهتمام والتقويم ثم المرحلة الثالثة : وهي مرحلة السلوك وتشمل على خطوتين هما الحكم والتبني.
 4) الإبداع التنظيمي
وبناءً على ما طُرِح من نماذج الابداع التنظيمي وحسب وجهة  نظر منظريها،  فيمكن تحديد مكونات الابداع التنظيمي بـ( تمكين العاملين، الابداع في اتخاذ القرار، تشجيع الابداع،التخطيط الاستراتيجي) والتي ستكون محور تركيز الدراسة الحالية والتي ستذكر  مفصلا في ادناه (الكبيسي 2002)
(الجنابي، 2012: 10-15):
أ) تمكين العاملين:
 هو مشاركة العاملين في انجاز القرارات واعطائهم المزيد من الحرية في العمل والتصرف والرقابة الذاتية مع دعم قدراتهم ومهارتهم بتوفير الموارد الكافية والمناخ الملائم وتأهيلهم فنيا وسلوكياً والثقة فيهم  ويُعَد دور القيادة في انجاح التمكين في غاية الاهمية،  لأن التمكين يتطلب من القيادات والإدارات العليا التنازل عن شيء من النفوذ الذي تتمتع به والاستعداد القوي لذلك التنازل،  وإعادة توزيع ذلك النفوذ على العاملين في مختلف مشتريات المنظمة ولكن واقع الامر فإن التنازل عن شيء من قوته لصالح المرؤوسين لا يعني فقدانه لتلك القوى،  لان القادة الناجحين هم الذين تزداد قوتهم عندما يشاركهم الآخرون بها، استنادا لما تقدم ترى الباحثة  ان القيادات وفي تبنيهم وانتمائهم لرؤية القائد والدفاع عنها بشكل ذاتي والمشاركة هي مقوم من مقومات التمكين في المنظمات المعاصرة فلابد من توفير مناخ المشاركة وتحفيز العاملين على التفكير الابداعي لتحسين العمل ومنح حق المسائلة الموضوعية لصالح المنظمة دون تحفظ او تردد ويتطلب من الموظفين ان يستخدموا حلاً حكيماً وتحكيم رأيهم في جميع المواقف والاوقات(الجنابي، 2013: 10).
وتعرف الباحثة تمكين العاملين بأنه ((هو إعطاء المزيد من الحرية في العمل ومشاركة العاملين في اتخاذ القرارات ودعم قدرتهم ومهارتهم الابداعية)).
ب- الإبداع في اتخاذ القرار
((هو عملية ترتبط في إعادة صياغة اتخاذ القرارات في إطار المنظمة بشكل عام مع التركيز على مفهوم المنظمة المتعلمة التي تعمل كوحدة واحدة بشكل مبدع ويمكن تحقيق ذلك بتوافر الشروط التالية وهي :
1- إن اتخاذ قرارات إبداعية يتطلب وجود مدراء ذوي تفكير عميق يعملون من مختلف المستويات التنظيمية.
2- إن اتخاذ قرارات إبداعية يتطلب أن يتعلم المدراء او متخذو القرار حل المشكلات كعالج بصورة ابداعية.
3- ان اتخاذ القرارات الإبداعية يتطلب تنمية المهارات والقدرات الابداعية وتعزيزها بشكل مستمر وذلك باكتساب المعرفة وذلك بالتشكيك وإثارة التساؤلات.
4- ان اتخاذ القرارات الادارية بشكل عام والإنتاجية او الخدمية بشكل خاص لا تعلن عن نفسها بل يجب ان  تشخص وتوضع على طاولة الحل والمعالجة (الفضل، 2009: 75).
 واستنادا لما تقدم ترى الباحثة إن أدوات اتخاذ القرارات هي التي تضمن عملية الابداع في هذا الجانب، وان عمل المدير الحقيقي او القائد الاستراتيجي هو اتخاذ القرار الذي يميز البديل الافضل والامثل بين البدائل المختلفة والمتاحة وبالتالي اختيار البديل الامثل الذي يعرض قابلية الذكاء الاستراتيجي لدى المدير وقدرته على الإبداع واعتماد هذا الذكاء كأساس منهجي لاتخاذ القرار.
ج) تشجيع الإبداع:
 يُعد تشجيع الابداع في المنظمات الحكومية وغير الحكومية ذو أهمية كبيرة فهو( ركيزة للتطوير الهادف الى رفع مستوى الاداء ولا يأتي ذلك إلا من خلال تلمس عوائد الإبداع داخل وخارج المنظمات)، اذ تُعد تهيئة الأجواء المناسبة للعاملين  في المنظمة هي الركيزة الأساسية لإطلاق مواهبهم وإبداعاتهم في انجاز الأعمال وحل المشاكل وتنفيذ الاستراتيجيات والخطط ويلحظ أن المنظمات الغربية تولي هذا الجانب أهمية قصوى في  البحث والدراسة المتعمقة في تشجيع الإبداع لغرض او بهدف معالجتها للمشكلات او المنافسة مع الآخرين ولا ريب أن ما وصلوا إليه من تقدم ليس وليد الصدفة بل يعتمد على تهيئة الأجواء الملائمة للمبدعين والموهوبين في إبراز طاقاتهم واستثمارها الاستثمار الأمثل. إذ أن حضارات الأمم والشعوب تنهض على اكتشاف المبدعين من أبنائها (توفيق، 2009: 48)، واستناداً لما تقدم ترى الباحثة بأنه إعطاء امتيازات لتنمية قدرات العاملين وحفزهم للأداء المتميز والإبداع وتهيئة المناخ الملائم لإطلاق إبداعاتهم باستخدام القادة لذكائهم الاستراتيجي.
د) التخطيط الاستراتيجي
يعد التخطيط الاستراتيجي ومنا ينجم عنه من أهداف بعيدة المدى، وما يتبعها من أهداف متوسطة وقصيرة المدى وتحويلها الى برامج وسياسات وفعاليات لتحليل الاوضاع الساندة محلياً وعالمياً، وتدرس الاحتياجات المتغيرة وتبعاتها على أعمال المنظمات وما يعنيه كل ذلك من فرص او تهديدات وتقوم المنظمات بتشخيص قدراتها وإمكانياتها الداخلية، بعدها تسعى المنظمة لوضع الاستراتيجيات الملائمة للتكيف مع المعطيات (كاستغلال الفرص المتاحة والتغلب على التهديدات) للحفاظ على استمرارية بقائها وصولاً بها لتتبوأ الموقع الريادي في جميع مجالات أنشطتها.
وعرف (Hussy) التخطيط الاستراتيجي بأنه (جزء مهم من الإدارة وعنصر حيوي من عناصرها لأنه يعبر عن إدراك المستقبل وتهيأة مستلزمات التعامل معه، فهو يجسد الآفاق الفكرية والفلسفية لإدارة ويواكب مراحل تطورها (الغالبي، 2007: 103) قد ازدهرت اهمية التخطيط الاستراتيجي في عصر العولمة والمتغيرات المتلاحقة والمنافسة الحادة في البيئة الخارجية/ حيث يشير (Steiner)  إلى أن التخطيط  الاستراتيجي يقوم على أربعة عناصر مهمة هي: (الغالبي، 2007: 101)
·      المستقبلية في اتخاذ القرار: أي ضرورة تحديد بدائل يمكن اتباع أي منها مستقبلاً.
·      العملية: أي أن التخطيط الاستراتيجي هو عملية تبدأ بتحديد الأهداف ثم السياسات وطرائق الوصول الى الاستراتيجيات
·      الفلسفة: التخطيط الاستراتيجي هو اتجاه وطريقة في الحياة وجزء مهم من العملية الإدارية.

·      الهيكلية: وهي عبارة عن عملية منظمة تسعى لتحديد الغايات والاهداف والسياسات والاستراتيجيات.

الترويكا بين المفهوم والمصطلح

  الترويكا بين المفهوم والمصطلح     الترويكا ثالوث الرأي السياسي، والمفهوم     الدال على اجماع الرأي الواحد، وفي وقتنا الحاضر، لم تع...