الاثنين، 15 أكتوبر 2018

تقدير الموقف السياسي


"تقدير الموقف السياسي"
فهد بن ناصر الدرسوني

مدخل إلى تقدير الموقف:
أن تقدير الموقف لا يستند على المشاعر والعواطف والتوقعات، وإنما يخضع بالمقام الأول على الأدلة والبراهين والأسباب.
وتقدير الموقف السياسي هو عبارة عن خطوات واجراءات تحليلية مركبة لمجموعة من الظروف والتفاعلات والعناصر المؤثرة في قضية سياسية معينة، مع الاستشراف والنقد للخروج برؤية تلامس واقع القضية السياسية.
وتقدير الموقف: هو التحليل الذي يجري على القضايا الحساسة وشديدة الأهمية التي تمس الأمن الوطني ( القومي). حيث أنه تقدير نصي يرتكز على معلومات موثوقة ومحللة، ومشفوعة ببدائل الرأي كتحديد القضية المطروحة و تشخيص التحديات والمشكلات والسيناريوهات، وتحديد الخيارات ذات الاولوية ( السيناريو المرجح أو الأنسب)، ومن ثم المقترحات، وترفع في الوقت المناسب إلى الجهة المعنية لاتخاذ القرار ، خاصة وان "تقدير الموقف" يركز على تحليل مسار التطورات والمتغيرات السياسية التي تتطلب بلورة سياسات عاجلة ويقوم على بناء رأي حول موضوع معين ينتهي إلى خلاصات محددة يبنى على ضوئها موقف أو مواقف سياسية.  
وهناك عدة شروط يجب توافرها لتكون عملية "تقدير الموقف" سليمة، ونتائجها مضمونة إلى حد بعيد، وهذه الشروط هي:
-         جمع المعلومات: هو أمر أساسي لتقدير الموقف، على أن تكون المعلومة موثوقة ومحددة المصدر، وذات مصداقية عالية.
-         التقييم: يرتبط التقييم بشقين، الأول يتعلق بتقييم المعلومة الأولية. هل تؤثر على الأمن الوطني بالفعل؟ حيث يتعامل تقدير الموقف مع القضايا التي تمس الأمن. ويرتبط الشق الثاني بتفريعات المعلومة التي تم الحصول عليها من خلال التحليل، فإذا تم الوصول إلى نتيجة أن المعلومة وتحليلها تمس الأمن لابد أن تدخل إلى مرحلة التقدير.
-         وضع بدائل الرأي: فأحيانا يكون هناك ميل للتوسط في التقدير (مسك العصا من المنتصف)، وهذه النوعية من التقديرات تربك متخذ القرار أكثر من كونها تدعمه، ومن ناحية أخرى هناك أوقات من عدم التأكد القطعي التي تمكن من وضع تقدير موقف واحد محدد، وفي هذه الحالة يتم وضع مجموعة من البدائل تلبي الاحتمالات المحتملة.
-         العقلانية: التفكير في الأمر، ثم تحديد التصورات بما يتناسب مع الإمكانات المتاحة لدى مقدري الموقف، وما يتماشى مع الواقع الحالي.
-         المرونة والاستمرار: عدم تأخر إعداد تقدير المواقف، وادخال التحديثات بما يستجد من معطيات ومتغيرات محلية وإقليمية ودولية.
-         عدم التسرع والعشوائية: فكلما كان القرار سليماً وصحيحاً أدى الى نتائج ذات ايجابية أكبر، والعكس صحيح، فبالقدر الذي يكون فيه تقدير الموقف غير مدروس يكون القرار خاطئاً.

تنويه:
أن عملية تقدير الموقف السياسي ترتبط بشكل وثيق مع عملية التحليل السياسي، والذي من خلاله يمكن التعرف على عناصر القوة والفرص المتاحة والمخاطر والتحديات، والفهم الصحيح للأحداث السياسية، وفهم أفضل لطريقة تشكُّل القوى السياسية، وأوزانها النسبية، ومن لا يملك مهارات التحليل لا يستطيع تقدير الموقف السياسي.
هناك صعوبات في اعداد تقدير الموقف تكمن في:
-         التعامل مع عقول مختلفة في فهم التحليل الموقفي للازمة أو الحدث.
-         عدم الدقة في التقديرات السياسية المؤثرة على الواقع ( قد تفشل احيانا) .
-         مشكلة الصلاحيات ( مجتمع صنع القرار مغلق) وعدم القدرة على الاطلاع على بعض المعلومات.
-         فكرة التبعية في بناء المواقف، كذلك التقليد في صياغة المقترحات والتوصيات ( المدح المبالغ والذم المبالغ)، إضافة إلى الـتأخر في تقدير المواقف أو عدم التحديث بما يستجد من معطيات ومتغيرات.
أما الخطوات العملية لكتابة "تقدير الموقف" فيمكن إيجازها بالتالي:
-         تحديد الإشكالية.
-         جمع المعلومات.
-         بناء الرؤية السليمة.
-         تحديد السيناريوهات.( تحدد من ضمنها وبشكل موجز النتائج المختلفة المعارضة لتقدير المحلل)
-         تحديد السيناريو المرجح.
-         المقترحات.( صياغة استنتاجات على شكل توصيات أو تحذيرات مع تحديد النتائج المختلفة المعارضة لتقديرك)
-         خاتمة مختصرة لا تتجاوز سطرين يوضح فيها مقدر الموقف رأيه الشخصي. (الموضوعية هي شرط لا يمكن التنازل عنه و إلا فقد "تقدير الموقف" قيمته.

نموذج مختصر
 لتقدير موقف

صياغة تقدير الموقف: الشكل والمضمون والنتائج
العنوان :........................................................
مقدمة:
شرح مختصر للازمة المراد تقدير موقفها مع طرح أسئلة استفهامية للأسباب والدوافع والتداعيات  أو محاور توضح تسلسل وتطورات الأزمة أو القضية ويتم تناول كافة الأبعاد؛ البعد الداخلي والخارجي والإقليمي ومواقف كافة الأطراف المعينة والرأي العام ........ 

هل ...............................................
متى...................................................
إذا......................................................
كيف......................................................
أو عن طريق عرض محاور:
محور: ..................................
محور:...............................
محور:...............................

السيناريوهات المحتملة ( المتوقعة ):
-         سيناريو تشاؤمي
-         سيناريو معتدل
-         سيناريو مرجح ( مناسب)

-         الرأي الشخصي ( بموضوعية)

المقترحات:  توصيات أو تحذيرات



      أ.فهد بن ناصر الدرسوني
طالب الدكتوراه في الفلسفه السياسية
      الرياض - المملكة العربية السعودية

الجمعة، 12 أكتوبر 2018

ماهو الانفوجرافيك


الانفوجرافيك هو فن تحويل البيانات والمعلومات الى صور ورسوم يسهل فهمها بوضوح ، هناك العديد من المسميات لهذا الفن و الذي نفتقر له في العالم العربي بشكل عام . ومن هذه المسميات ( انفوجرافيكس / Infographics ) أو ( البيانات التصورية “التفاعلية” / Data Visualization ) وايضاً يطلق عليها ( التصاميم المعلوماتية / Information Design ) ، عندما نستخدم مصطلح ( البيانات التصورية / Data Visualization ) فهي تعبر عن هذه الفئة ككل . قد تتسائل ما هي هذه الفئات ؟! نحن نتحدث عن أي رسم يحتوي على بيانات/معلومات أو نصوص .عندما نستخدم مصطلح ( البيانات التصورية / Data Visualization ) ما معناه بأنه مصطلح عام يستخدم لوصف البيانات المعروضة بطريقة مرئية .
بالنسبة لنا عندما نقول المصطلح ( انفوجرافيكس / Infographics ) فهي مختلفه اختلاف تام عن مصطلح ( البيانات التصورية “التفاعلية” / Data Visualization ) لأن التدفق المعلوماتي للبيانات/المعلومات المعقدة يكون بصورة اسرع و واوضح .لنقل خرائط جوجل التفاعلية على سبيل المثال فقد يسهل البحث للوصول إلى منطقة أو دولة معينة بضغطة زر !اينما ما توفرت مادة بصرية مرئية تبين معلومات مهمة فهو يسمى بشكل عام ( انفوجرافيكس / Infographics ) بينما اذا ما احتوت الصورة على مواد تفاعلية تسمى ( البيانات التصورية “التفاعلية” / Data Visualization ).
ان التصاميم الإنفوجرافيكية مهمة جداً , لماذا؟ لأنها تعمل على تغيير طريقة الناس في التفكير من الناحية البيانية و المعلوماتية و القصصية منها وخاصة في الوقت الراهن , عندما نسخدم التصاميم الإنفوجرافيكية فأننا نزيد من المحتوى العلمي عبر شبكة الانترنت , نضفي شكل آخر لعرض المعلومات/البيانات بأسلوب جديد والتي تساعد على توصيل الأفكار المعقدة بطريقة واضحة وجميلة .
في حين ان العالم بدأ اكثر تراكماً من الناحية المعلوماتية و هناك المزيد من البيانات و الرسوم البيانية , فان التصاميم الإنفوجرافيكية لها دور مهم و فعال في تبسيط هذه المعلومات و السهولة في قراءة هذه الكميات الهائلة من البيانات المعلوماتية , والتي يسهل قراءتها وتمكينها لجعل هذه البيانات اكثر سلاسة في قراءتها ومعرفتها و المقدرة على تحليل هذه البيانات بأسلوب جميل و جذاب وملفت للنظر.
وبهذا , وبالإخذ بعين الإعتبار عن جميع التداخلات في المصطلحات المبينة اعلاه , فما هي العناصر التي تشكل التصميم الإنفوجرافيكي أو الإنفوجرافيك ( Infographics ) ؟
– تصورات تقدم المعلومات المعقدة بسرعة وبشكل واضح.
– تصورات تدمج النصوص و الرسومات بهدف كشف عن معلومات , انماط أو اتجاهات .
– تصورات التي هي أسهل للفهم من النصوص وحدها .
– تصورات جميلة وجذابة للتعبير وايضاح فكرة معينة ( الاحداث / القصص .. إلخ ).
الانفوجرافيك هو مقال ولكن يتم تبسيطه بقدر الامكان مع تعويضه ببعض الصور التى تعبر عن المكتوب وتثير ذهن القارئ

- فمثلا اذا كنت تكتب مقال عن اضرار التدخين فيمكن اختصاره لبعض صور الاعضاء التى تتضرر منه وبعض الكلمات المعبره " مثل المثال المرفق الذى من تصميمي "

- لكى يكون التصميم مناسب يجب ان يحتوى على اربع اساسيات وهى :
1 - الالوان المستخدمه في التصميم
2 - الخطوط المستخدمه في التصميم 
3 - الايقونات والصور الرمزيه التعبيريه 
4 - الموضوع نفسه 

- اذا اتقنت العمل في الاربع جوانب فأنت انشئت تصميم انفوجرافيك مميز وراقي 
افضل البرامج من وجهة نظرى هو "ادوبي اليستراتور" سهل ويمكنك التعامل معه بخبره بسيطه .

العلاقات السعـودية – الإثيـوبية





ملخـص:
تمتاز منطقـة القرن الإفريقي بخصائص الموقع الاستـراتيجي الهام وأهميتها الكبيـرة على المستوى الدولى والإقليمي، باعتبارها المنطقـة الأكثـر انتعاشاً وشراكة وتأثيـراً  في العلاقات الدوليـة.
ولذلك تحرص جميـع القوى الدوليـة والإقليميـة على توثيق علاقاتها مع دول المنطقـة وتعـزيز نفوذها وترسيـخ وجودها في هذه المنطقـة المهمـة من العالم.
وبالتالي فإن التقارب السعـودي الإثيـوبي الراهنـة تأتي في هذا السياق الاستـراتيجي لتأطيـر العلاقات والثنائيـة بينهما على كافة المستويات السياسيـة، الاقتصادية، والأمنيـة وذلك ظل التطورات الإقليميـة التي تشهدها المنطقـة، ووجود عديد من الملفات الإقليميـة تهم الجانبين، وهو ما يدفعهمـا نحو مزيد من التقارب ووضع استـراتيجية للعمل المشتـرك لخلق شـراكـة حقيقيـة ومستقبليـة وتكون نواه للتكامل الـإقليمي.
ولا شـك أن التحـرك السعـودي الراهن واهتمامـه الكبيـر تجاه إثيوبيـا ودول المنطقـة عموماً، يرجع لجملـة من المتغيـرات طرأت مؤخـراً على المشهـد الإقليمي وعلى رأسها الأزمـة اليمنيـة.
وتعد تلك المتغيـرات السياسيـة والأمنيـة عاملاً رئيسيـاً في التقارب السعـودي ـ الإثيـوبي الراهن وما تشهده العلاقات الثنائيـة بين البلدين من تطـور متـزايد.
ويتم تفصيـل ذلك عبـر المحاور التاليـة:
  • أولاً: طبيعة العلاقات السعودية – الإثيـوبية وجذورها:
  • ثانيـاً: ملامح التقارب السعودي – الإثيـوبي الراهن ودوافعه:
  • ثالثاً: أبعاد التقارب السعودي الاثيوبي الراهن:
  • رابعاً: تداعيات التقارب السعودي – الإثيوبي وانعكاساته على المنطقـة.
  • خامساً: الفرص والتحديات أمام التقارب الراهن بين البلدين.
  • سادساً: رؤية مستقبلية للعلاقات السعـودية الإثيوبية في ظل المتغيرات الراهنة. 
  • أولاً: طبيعة العلاقات السعودية الإثيوبية وجذورها:          
تعود الجذور التاريخيـة للعلاقات السعـودية الإثيـوبية (المعاصـرة) إلى عام 1948م، وذلك عندما أقيمت العلاقات الدبلوماسيـة بينهما على مستـوى القائم بالأعمال، وقد كانت للظروف الدوليـة في تلك الفتـرة، انعكاساتها وأثرها الكبيـر على طبيعـة العلاقات الوليـدة.
واتسمت العلاقات الثنائيـة بين البلدين في تلك الفتـرة نوع من البـرودة، وظلت على حالها لعقود عدة، ولم تشهد تطور يذكـر إلا بعد إطاحـة النظام العسكري بقيادة منقستـو هايلي ماريم، واستلام الجبهـة الثورية للسلطـة في مطلع التسعينات من القرن الماضي.
و كانت البداية تفعيل العلاقات الدبلوماسيـة في الـ14 أكتوبر 1994م، حين تمّ ورفع مستـوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى درجـة سفيـر.
ومع استعداد وحرص الطـرفين على تطـوير وتنميـة علاقاتهما الثنائيـة، لم يأخذ تفعيل العلاقات وقتـاً طويلاَ، وذلك لعدة أسباب لعل من أبرزها:
  • أن العلاقات السعـودية + الإثيـوبيـة، تميـزت بالاستـقرار، وظلت متماسكـة ولم تنقطـع منذ ميلادها.
  • التعاون في المحافل الدوليـة وقد ظل البلدان يتخذان مواقف متطابقة أو متقاربة في كثيـر من القضايا الجوهـرية التي تبحثها وتقررها الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصـة خاصـة في قضايا السلم والأمن والتنميـة.
  • أهميـة البلدين باعتبارهما دولتين إقليميتين رئيسيتين في الخليج والعالم العربي ومنطقـة شـرق إفريقيا.
ولذلك كانت الإستجابة الفورية التي تلتها مباشـرة الزيارة الرسميـة التي قام بها رئيس الوزراء الأثيـوبي ميلس زيناوي إلى المملكـة في 2001م، ثم تتابعت الزيارات بين البلدين على كل المستويات.
ومع توقيع البلدين في الـ7 /10/2002م، على الإتفاقية العامة لـلتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والفنيـة والثقافيـة وغيرها، دخلت العلاقات في آفاق جديدة.
وعلى رغم أن أساس العلاقات السعـودية – الإثيـوبيـة، كان التعاون والتنسيق في المحافل الدوليـة في حقبـة الخميسنات والستينات من القرن الماضي، فيما يتعلق بقضايا تصفيـة الاستعمـار وحق الشعـوب المستعمـرة في تقـرير المصيـر، ثم لاحقاً في قضايا السـلم والأمن والتنميـة.
وقد شـارك البلدان في تأسيس الأمم المتحدة ومجمـوعة دول عدم الإنحياز التي كانت تسعى إلى وضع سياسـة خاصة بدول المجمـوعة مستقلة عن المعسـكر الغربي والشـرقي.
إلا أن التعاون الاقتصادي مفتاح تفعيل هذه العلاقات والمحرك الأساسي لإطلاقها مرة أخرى في مطلع الألفيـة الثالثـة.
ولعب رئيس الوزراء الإثيـوبي الراحـل ميلس زيناوي، دوراً محـوريا في تعـزيز العلاقات الاقتصادي بين البلدين وجذب الاستثمـارات السعـودية إلى بلاده.
  • ثانيـاً: ملامح التقارب السعودي – الإثيوبي ودوافعه:
شهدت العلاقات السعـودية – الإثيـوبيـة في الأونة الأخيـرة، تطورا كبيـراً في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسيـة والأمنيـة وغيـرها.
ومع زيارة رئيس الوزراء الإثيـوبي هابلي مريام ديسالين لـلمملكـة في أكتـوبر 2015م، دخلت العلاقات مرحلة من التعاون المشتـرك بدأت تظهر ملامح التقارب السعـودي – الإثيـوبي الراهن بشكل مفاجئ.
ومن خلال الصفحات التاليـة نحاول عكس طبيعة هذا التقارب السعـودي – الإثيـوبي ونحلل أسبابه ودوافعـه الحقيقيـة، ويمكن تفصيـل ذلك بالآتي:.
  •  مهددات الأمـن الإقليمي بالنسبـة لكلا البلدين:   
الأمن القومي (National Security) هـو عبارة عن مجموعة من التدابير والاحتياجات النظرية والعلمية التي تتخذها الدولـة لحماية أرضها، شعبها، مواردها، ومصالحها من التهديدات الداخليـة والخارجيـة.
ولعل من المهم الإشـارة إلى أن الأمن القومي يرتبط إرتباطاً وثيقـاً بالأمن الإقليمي وذلك باعتباره مكملاً لـلأمن القومي لأنه يشمل السياسات الأمنية لـلمحيط الإقليمي من خلال معادلات التقارب والتناقض بين الدولة ومحيطها، وتقديـر موازنات القوة العسكرية والبشرية والاقتصادية وتحديد أوجه القوة والضعف لكل دول جوار الإقليم.
وهناك جملة من التهديدات المشـتركة في هذه المرحلة، تتمثل بالصـراع المحتدم في اليمن وهشاشـة وضعف دول الإقليم التي تعاني حالة من الفوضى وعدم الاستقـرار واتساع رقعة انتشار الجماعات والتنظمات الإرهابيـة إضافة إلى القرصنة البحرية وغيرها.
ودون أدنى شك، تساهم تلك التهدات المشتـركة في التقارب السعودي الإثيـوبي وتعزز قناعاتهما بضـرورة التعاون المشتـركة لمواجهة التحديات المختلفة.
ويتضـح من الاستعـراض السابق أن كـلاً من الحكومة السعـودية والإثيـوبية، تنظـران إلى الصـراع الجاري في اليمن بأنه واحد من أخطـر مهدات الأمن الإقليمي في منطقـة القرن الإفريقي والخليـج العربي.
وفي المنظـور الإثيوبي تعتبـر اليمن جسـر للتواصل بين القرن الإفريقي والجـزيرة العربيـة وحالة استثمائيـة من حيث تعقيداتها المتعددة وتركيبتها المتميـزة، وهي دائماً تؤثر وتتأثـر بالأوضاع في منطقـة القرن الإفريقي.
الأهميـة الجيوسياسيـة لإثيـوبيا في المنظور السعـودي:
وفقا للمنظور السعـودي، فإن إثيـوبيا تحتل مكانة مـرموقة في المنطقـة وذلك لعوامل عدة من أبرزها:
  • إنها ثالث أكبـر دولة في إفريقيا جنوب الصحراء من حيث المساحة والسكان والأهميـة الاقتصادية.
  • موقعها المـركزي بالنسبة لدول القرن الإفريقي، باعتبارها تمتلك أقوى قوة عسكرية في المنطقـة.
  • استضافتها لمقـر منظمة الإتحاد الإفريقي، ومقـر اللجنـة الاقتصادية الإفريقية التابعة لـلأمم المتحدة، وعديد من مكاتب المنظمات الدوليـة والإقليميـة والهيئات غير الحكوميـة.
  • كونها دولة ذات أهميـة للدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكيـة وتتعاون معها في مجالات الأمنيـة والعسكرية وعلى رأسها محاربة الإرهاب.
وفي ضـوء ما تقدم، فإن السعـودية تعمل على تعزيز العلاقات مع إثيـوبيا لتحقيق المزيد من التقارب والتفاهم لضمان أمنها ومصالحها الحيـوية في المنطقة.
  •  أبعاد التقارب السعودي الاثيوبي الراهن:
ويلاحـظ أن التقارب السعـودي – الإثيـوبي الراهن، تبلور من خلال عدد من الأبعاد الإستراتيجية، ويأتي ذلك ضمن المساعي السعـودية لإعادة ترتيب علاقاتها مع دول المنطقـة.
ومع أن البعد الاقتصادي يعتبر حجـر الزاوية في التفارب السعـودي الإثيـوبي، إلا أن البعد الأمني يشكل عاملاً مهماً ولا يمكن الإلتفاف عليه.
ونستعـرض من خلال الصفحات التاليـة لـأبعاد التعاون المشتـرك وذلك على النحـو التالي:
  • البعد الاقتصادي:
ازدهـرت العلاقات الاقتصادية بين السعـودية وإثيـوبيا مؤخـراً، ودخلت آفاق جديدة من التعاون المشتـرك بحكم العلاقات التي توثقت بين البلدين منذ تفعيلها في الـ 14 أكتوبر 1994م.
ويرتبط البلدان في المجال الاقتصـادي بإتفاقيات لـلتعاون المشتـرك، تم التوقيع عليها في الـ7/10/ 2002م.
وفي الـ16 ينايـر 2012م، عقدت الـلجنـة المشتـركة، أعمال دورتها الثالثـة في العاصمـة الإثيـوبية أديس أبابا.
وفي الـ2 ديسمبـر 2015م، انعقدت في العاصمـة السعـودية الرياض، أعمال اجتماعات الـلجنة السعـودية – الإثيـوبية المشتـركة في دورتها الرابعة.وتركـزت أعمال الدورة على مراجعـة الأداء وتقييم ما تمّ انفاذه مع تحديد المعوقات والمشاكل لتصحيح المسار نحو تحقيق الأهداف المنشـودة للتعاون الثنائي بين البلدين، ووضع آلية مناسبة للتنفيذ والمتابعـة المستمـرة. وناقشـت الـلجنة أيضاً، بالموضـوعات ذات العلاقة بتعـزيز التعاون المشترك، وفي هذا الإطـار اتفق الطرفان على تشكيـل ثلاث لجان، شملت لجنـة التعاون الخاريجي والأمن والعمل والـلجنة الاقتصادية والفنيـة والجنـة التعاون التعليمي والثقافي والشؤون الدينيـة والشباب والرياضـة.
ودعت اللجنـة بضـرورة تنفيذ الإتفاقيات المشتـركة لتوسيع الشـراكة الاستـراتيجية الشاملة خاصـة في المجالات الزراعيـة والإنتـاج الجيواني، من خلال تنفيذ خطـة استثمارية مشتـركة لتأمين الغذاء النباتي والحيـواني لـلبلدين.        
  • البعد الاستثمـاري:
تشهد إثيـوبيا منذ عام 2011م، تدفقات استثمارية سعودية كبيـرة، شملت في مختلف المجالات خاصـة مجالات الإنتاج الزراعي والحيـوني، نتيجـة لـلحوافز الكبيـرة التي طرحتها أديس أبابا لـلمستثمرين السعوديين، من بينها الإعفاء الجمـركي وإلغاء الإزدواج الضـريبي وغيرها. 
وتعد السعـودية ثالث أكبـر مستثمـر في إثيوبيـا، وتجاوز عدد المشـروعات الاستثمارية السعـودية لـما يزيد عنـ 294 مشـروعا.
ومن بينها 141 مشـروعاً، في مجال الإنتاج الحيـواني والزراعي، فضـلاً عن المشـروعات الصناعيـة التي تجاوزت لـ64 مشـروعا، إضافة إلى مشروعات أخرى في مجالات أخرى متنوعة.
واختلفت التقـديرات حول حجم الاستثمارات السعـودية في إثيـوبيا، ولكن وفقاً لمسـؤول إثيـوبي رفيع بلغت القيمة الإجماليـة لتلك الاستثمارات بحـوالي (13.3) مليار دولار أمريكي.
البعد التجاري:
تعد العلاقات التجاريـة بين السعـودية وإثيـوبيا قديمـة جداً، ومع أنها تعتبـر بالنسبـة للسعـودية مدخلاً مهماً لـتعزيز التعاون المشتـرك مع إثيـوبيا، خاصـة وأن الأخيـرة تمثل سـوقاً كبيـراً ومهماً بحجم سكانها وهـو الثاني في إفريقيـا، وهي تعتبر مصدراً لـلكثيـر من الثـروات التي تحتاجها المملكة العربية السعـودية، وإثيـوبيا تشكـل الثقل الحقيقي الأكبـر في القرن الإفريقي، مما يجعل التعاون الاقتصادي بل الشـراكة معها أمراً في غاية الأهميـة للاقتصاد السعـودي.   
وبدأت المملكة العربية السعـودية جهـوداً كبيـرة لتنشيط التبادل التجاري مع إثيـوبيا، أسـوة بالصين والهند وتركيـا، وفي هذا السياق تم رفع الميـزان التجاري مع إثيـوبيا باعتبارها الشـريك التجاري الأهم لـلسعـودية في منطقـة القرن الإفريقي.
وفي مسعى لتفعيل تطلعات البلدين في مجال تعزيز العلاقات التجاريـة فيما بينهما، تم توقيـع مذكرة تفاهم بين الغرفتين التجاريتين، تنص على تنظيم اجتماعات مشتـركة لرجال الأعمال وعقد ندوات وإقامة معارض تجارية، ولبدل مزيد من الجهـود لتعزيز العلاقات في المجالين التجاري والاستثماري.
وإنطلاقاً من تلك التفاهمات قام وفد من الوكالـة الإثيـوبية لترويج التجارة الخارجيـة بـزيارات متكررة إلى المملكـة بهدف تعزيز العلاقات التجارية وتوسيـع فرص التسويق وبحث إمكانيـة القيام بالمزيد من المشـروعات المشتركـة مع السعـودية ووضع أسس وقواعد لحل الإشكالات التي تواجه النشاط التجاري بين البلدين، وقد سبق للسعـودية وإثيـوبية أن وقعتا اتفاقيـة تجنب الإزدواج الضـريبي مع المملكة العربية السعـودية في عام 2014م.
  • حجم التدول التجاري بين البلدين:
 التبادل التجاري مع السعـودية، شهد تطوراً ملحـوظاً خلال السنوات الماضيـة، وبلغت معدلات النمو السنوية ما بين ( 9% ـ 17%).
وفيما كان حجم التداول التجاري في 2011م، بحدود 226.82 مليـون دولار، فإن حجم التبادل التجاري شهد ارتفاعا كبيـراً حتى بلغ في عام 2015م، نحو 563.380.281 دولار أمريكي.
وفي الوقت الراهن، يتجاوز عدد الشـركات السعـودية المسجلة لدى الجهات الرسمية الإثيـوبية، بـ69 شـركة، أغلبها تعمل في مجال التجارة في إثيـوبيا برأسمال يناهـز 360 مليـون دولار أمريكي.
الإحصاءات السعـودية:
 فبينما كان حجم التداول التجاري في عام 2004م، في حدود 242 مليون ريال سعـودي، وكان الميـزان التجاري لصالح إثيـوبيا حيث ارتفعت صادراتها لتصل قيمتها إلى 190 مليـون. ثم إرتفع حجم التبادل وصل في عام 2006 إلى 455 مليـون ريال وظل الميـزان التجاري لصالح إثيـوبيا، واستمـر في الارتفاع حتى بلغ عام 2011م، إلى 850 مليـون وما زال الميـزان التجاري لصالح إثيـوبي وذلك بفائض بقارب بـ 354 مليـون ريال. (المصـدر: مجلس الغرفـة السعـودية)
  • أبرز الصادرات الإثيـوبية:
وأهم الصادرات الإثيـوبية إلى السعـودية، البـن، الحيوانات الحيـة، اللحـوم بمختلف أنواعها والحبوب الزيتيـة، الذهب، الصمـغ، الجلود وغيرها.
  • أهم الواردات:
تأتي النفط على رأس الواردات الإثيـوبية من السعـودية، ثم المعدات الصناعيـة والمشتقات البتـرولية والكيماويات والعربات وقطع الغيار وغيرها.
  • المشاكـل والمعوقات التي تواجه التبادل التجاري:
ويمكن القول أنه ما زال هناك كثيـر من المشاكل والمعـوقات تواجه عملية تحريك التبادل التجاري مع إثيـوبيا، ولعل من أهمها:
  • بعض القوانين التجارية التي تحتاج إلى تحديث لمواكبـة العمليـة.
  • وجود قيود فنيـة على بعض السلع التجارية.
  • ضعف مشاركة القطاع الحكومي في أنشطـة التجارية.

  • بعض العومل المشجعة لزيادة التبادل التجاري مع إثيـوبيا:
  • تتمتـع إثيـوبيا باقتصاد وفعال.
  • وجود ضمانات قانونيـة لحماية الاستثمارات.
  • وجود بنيـة تحتية جيدة.
  • لا يوجد قيـود على تحولات رؤوس الأموال.
البعـد السياسي والدبلوماسي:
التقارب الراهـن بين السعـودية وإثيـوبيا، انعكس إيجابياً على مجمل العلاقات الثنائيـة بين البلدين، وعلى المستـوى السياسي والدبلوماسي بشكـل خاص. وشهد مسار العلاقات السياسيـة في الأونة الأخيـرة، تطـوراً نوعياً يمهد تأسيس علاقة استـراتيجية لمواجهـة المخاطـر والتهديدات الإقليميـة، ذلك تطبيقاً لـلإتفاقيات التعاون ومذكـرات التنفاهم التي يمتد ترجمتها في شكـل مشاريـع على أرض الوقـع.  وهذا التوجـه السيـاسي لم يأت من فـراغ، كما أن المتغيـرات الإقليميـة لم تكن وحدها الدافـع، بل هناك أيضاً عديد من المصالح المتبادلة يحرص عليها الطـرفان وتدفعهما إلى تطورير علاقاتهما وتنميـتها.


السلام الإثيوبي الإريتري.. السعودية تقهر التحدي التركي الإيراني وتنتصر لمصالحها

نجحت السعودية في إحداث انعطافة تاريخية في مسار العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، تكللت بتوقيع اتفاق سلام دائم بين البلدين، ينهي حالة العداء التي امتدت بينهما لمدة عشرين عاما، بعد حرب ضروس قتل فيها أكثر من 100 ألف شخص من مواطني الدولتين، وتضاعفت في أعقابها معدلات عدم الاستقرار الأمني في منطقة القرن الأفريقي، التي عانت طيلة ما يزيد على ربع قرن من تضعضع نظامها الأمني على المستوى الاستراتيجي؛ نتيجة انهيار الدولة الصومالية وزيادة التوترات بين دولها، ما يعطي أهمية للتعرف على دوافع السعودية من تحقيق هذا الإنجاز التاريخي، الذي شهده الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد، في دلالة واضحة على أهميته الدولية والإقليمية.
إنهاء الاختراقات
وليس من قبيل التزيد القول إن تحرك السعودية لتعميق حالة التقارب بين أديس أبابا وأسمرة، قبل وبعد الانفراجة التي شهدتها الأزمة بين البلدين بتولي آبي أحمد مقاليد السلطة في إثيوبيا، نابع من حرصها على نشر السلام في ربوع الكرة الأرضية، وإنهاء حدة النزاعات البينية التي تفسد حالة الوئام والتعايش بين الشعوب، لكن المؤكد أن الرياض تحركت على هذا الصعيد من منطلق قاعدة المصالح، التي تعزز أمنها الإقليمي في حوض البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي، التي تعد عمقها الأمني المباشر خصوصاً في تلك الرقعة المهمة من قارة أفريقيا.
ويتمثل الهدف الأساسي للسعودية من إرساء دعائم السلام بين إريتريا وإثيوبيا، في إعادة بناء منظومة الأمن الإقليمي في البحر الأحمر، وتحصينه ضد الاختراقات الخارجية من قبل تركيا وإيران بدعم قطر، وذلك من خلال تغيير موازين القوى بين جاراتها الإفريقيات الأربع، إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتي، بإيجاد صيغة للشراكة والتعاون تَنظِم جهودها بدلاً من حالة العداء والخصومة وجمود العلاقات، التي تستغلها القوى الخارجية في التسلل إلى المنطقة والإخلال بنظامها الأمني.
مساعدات مسمومة
فعلى امتداد السنوات السابقة استغلت تركيا وإيران حالة العداء والتفكك، التي عانت منها منطقة القرن الإفريقي في إيجاد مواطئ قدم لها على الساحل الشرقي للقارة السمراء تمهيدا لتأسيس وجودها العسكري فيها، واستطاعت تركيا بمساعيها المحمومة إنشاء أكبر قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في الصومال بعد ثلاثة زيارات قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان في الفترة من 2011 إلى 2016 إلى ذلك البلد الذي مزقته الحرب الأهلية.
واتفقت تركيا أيضا مع السودان على إنشاء قاعدة لها في جزيرة سواكن الإستراتيجية في البحر الأحمر، وبالمثل تغلغلت إيران في أفريقيا مستغلة الأوضاع الصعبة لبعض دول القارة وحاجتها إلى المساعدات، واستطاعت كما أشارت تقارير متواترة إقناع إريتريا بالسماح لها بالوجود العسكري في قاعدة قرب ميناء عصب الحيوي القريب من مضيق باب المندب.
مخاطر جسيمة
وتفرض الاختراقات التركية والإيرانية للبحر الأحمر العديد من المخاطر التي لا يستهان بها على أمن السعودية، لا سيما مع ضيق المسافة التي يفصل بها البحر اليابسة عن بعضها، وحيث لا تبعد المسافة بين جزيرة سواكن السودانية وأراضي المملكة على الجهة المقابلة سوى 400 كيلو متر فقط، وعند وضع القاعدة العسكرية التي أنشأتها تركيا في قطر في الاعتبار نجد أن الوجود التركي أصبح ملامساً للخطوط الحيوية لأمن المملكة عبر مثلث قواعده في السودان والصومال وقطر، ما يؤدى إلى خلق أوضاعا لا تتوائم مع المتطلبات الأمنية للسعودية.
وفي ضوء جسامة تلك التحديات الأمنية، يمكن تقدير حجم النتائج المهمة، التي ستجنيها السعودية من إسهامها في ترسيخ السلام الدائم بين إريتريا وإثيوبيا، فمن شأن وفاق البلدين أن يعزز شراكتهما الأمنية مع المملكة في ضمان سلامة البحر الأحمر، ما يؤدي إلى محاصرة الوجود التركي والإيراني وقهره وإزاحته خارج المنطقة، كما أن تعزيز آفاق التعاون بين دول القرن الأفريقي وتنقية الأجواء بينها، وتقوية قدرتها على حماية أمنها الإقليمي، بالاعتماد على نفسها والشراكة مع السعودية واليمن، سيتمخض عن بناء منظومة أمنية تتصدى لأي مخاطر قد تهدد الملاحة في البحر الأحمر، وبذلك تكون السعودية قد انتصرت لمصالحها باستكمال المصالحة بين إريتريا وإثيوبيا، ووضعت حدا للتهديدات التركية والإيرانية على أمنها من هذه الناحية الجغرافية.


المراجع

صحيفة سبق https://sabq.org/HWB5bz
مركز مقديشوللبحوث والدراسات
عبدالله الفاتح 2017م


أ. فهد بن ناصر الدرسوني
طالب الدكتوراه في الفلسفة السياسية
الرياض - المملكة العربية السعودية

التحليل السياسي




اصبح التحليل السياسي من الضروريات في الحياة السياسية المعاصرة , سواء لرجل الدولة الذي مجال عمله السياسة أو المهتمين عامة بالشأن السياسي , أو المفكرين من ذوي الدراية وسعه الأفق بما يؤهلهم لفهم ما يدور في العالم من احداث مختلفة تستحق العناية والبحث والمعالجة ,او المحللين السياسيين عبر الاعلام او في مراكز الدراسات المعنية , ويعد التحليل بمثابة الوقاية من جهة والتحسب للظواهر السلبية الزاحفة وبيان المخرجات الخاصة بها لتامين وقاية طوعية تعتمد مفردات تطبيقية واقعية لحصر وتفتيت الازمة او الظاهرة موضوع البحث  وعلى سبيل المثال عندما تطرح ازمة اقتصادية تتعلق بالفساد فان ظاهرها اقتصادي اداري ولكن مضاعفاتها سياسية اجتماعية وعندما توضع هذه الازمة وتحدد اسبابها والفاعلين فيها ويجري التحسب لمعالجتها بتفتيت عناصرها فان هذا التحليل منع تفاقم الازمة الى ظاهرة وحدد الخلل وتمكن من حصر وتطويق الازمة ومعالجتها وبذلك حقق الوقاية الكبرى للدولة والمجتمع وبالتالي يكون عائداتها ومردودها سياسي بالدرجة الاولى , وكعلاج من جهة اخرى , ومعالجة الاسباب المشابهة التي تؤدي الى وصول الاحداث المضطربة الى مسرح الحراك السياسي في حالة عدم تحليلها الى عواملها الاولية ومعرفة مخرجاتها
والقراءة... إنها المدخل الأول والرئيس لفقه الواقع، ولا يمكن تخيل انتشار الوعي السياسي الحقيقي بدون انتشار القراءة، لأن جميع طرق الحصول على وعي سياسي حقيقي بعيدا عن الخداع لا تأتي عن طريق مشاهدة الأفلام ولا مشاهدة نشرات الأخبار، ولا حتى قراءة بعض الكتب البسيطة، الوعي السياسي الحقيقي يحتاج للبحث والتنقيب، ويحتاج للتأكد من الأحداث، ويحتاج إلى إعمال التفكير في التحليل السياسي من أجل الحصول على فقه حقيقي وواقعي.

التحليل السياسي هو عملية البحث في الاحتمالات الممكنة لمسارات التفاعلات بين القوى السياسية في المجتمع وتفسير علمي واضح لنوع العلاقات بين هذه القوى السياسية الداخلية والخارجية، وهو الطريقة التي نحكم بها على الظواهر والأحداث السياسية محلياً وإقليمياً وعالمياً، ولذلك فهو يحتاج إلى فهم الواقع السياسي للبلد وعلاقة هذا الواقع السياسي بالسياسة الدولية.

ولهذا فإن التحليل السياسي هو شكل من أشكال العمل السياسي، والحكومات الناضجة تعتمد على التحليل السياسي في اتخاذ قراراتها السياسية فيما يتعلق بالشأن الداخلي أو الخارجي للدولة، ويتم التحليل السياسي وفق معايير وقواعد وأسس محددة.

 مقدمة

كثيراً ما نسمع ونشاهد بعض الأشخاص يقومون بعملية التحليل السياسي في وسائل الإعلام المختلفة، خاصة عند وقوع أحداث تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، ولعل هذا يثير لدى الكثيرين منا تساؤلات حول ماهية التحليل السياسي وأدواته وأبرز مبادئه ومهاراته، وهى التساؤلات التي يحاول الملف الحالي الإجابة عنها بشكل علمي ومبسط.

1.  ما التحليل السياسي؟

هو عملية بحث وتفسير حدث معين، ومعرفة أسبابه والاحتمالات الممكنة له. وغالباً ما يتعلق بفهم وشرح موقف اُتخذ من جانب جماعة أو حزب أو دولة..إلخ تجاه موقف محدد وتفسير ذلك. والتحليل السياسي هو في النهاية وسيلة يتم من خلالها إيصال فكرة أو وجهة نظر معينة إلى المتلقي من خلال عرض جميع جوانب الحدث واستنتاج أسبابه ودوافعه، وتوقع ما سوف تؤول إليه الأحداث في المستقبل، ومعرفة تأثيراته على الواقع، وذلك بأفضل وأسهل أسلوب ممكن أن يستوعبه المتلقي محاولاً الإجابة عن الأسئلة المعلقة والمبهمة لديه، وكذلك محاولة التأثير عليه، وبالتالي يكون لدى المتلقي تصور ورأي تجاه حدث يشاهده ويسمع عنه.

والتحليل السياسي هو علم وفن لا يتقنه إلا القلة من السياسيين والإعلاميين، فهناك خلط واضح وكبير بين إبداء الرأي وطرح فكرة أو تصور تجاه قضية محددة، والتدليل على صواب الرأي وبين التحليل السياسي، الذي يجب ألا يحمل رأي المحلل، ولكنه يكون عرضاً للحقائق المصحوبة بالدلائل والوثائق والبراهين.

وكذلك من الأمور المهمة التي يجب مراعاتها في التحليل السياسي الفصل بين الإمكان والنية، فالإمكان هو قدرة طرف معين باتخاذ طريقة حل معينة. والنية هي العزم والإصرار على تنفيذ هذه الطريقة، وهذه أصعب بكثير من معرفة الإمكانات. ومثال على ذلك: هل لدى إسرائيل القدرة على ضرب المفاعل النووي الإيراني؟ وهذه تسمى الإمكان، أما النية فهي هل إسرائيل سوف تقوم بضرب المفاعل النووي الإيراني؟، وهنا يتضح الفارق الكبير بين الإمكان والنية فمعرفة الإمكانات أسهل بكثير من معرفة النوايا.

2.  ما مواصفات وإمكانات المحلل السياسي الناجح؟

المحلل السياسي هو ذلك الشخص الذي يقوم بعملية التحليل. وكلما كان لديه معلومات كثيرة وصحيحة ومصادر متعددة كانت رؤيته السياسية صائبة، وكان تحليله أقرب للحقيقة.

ويجب على المحلل السياسي أن يبتعد عن المبالغة وكثرة ضرب الأمثلة لتأكيد صواب رأيه، كما يجب عليه أن يبتعد عن اللغة العاطفية والأدبية الزائدة، وكذلك يجب عليه أن يبتعد عن التوجيه المباشر أو الخطابة أو محاولة الإقناع بالتخويف وإطلاق الاتهامات دون معلومات تؤكد ذلك، كما أن استخدام المحلل السياسي مصطلحات سياسية معروفة ولها مدلولات محددة في ذهن المتلقي مثل الحرب الباردة، حلف الناتو وغيرها لها تأثير جيد على عملية التحليل، وكلما استخدم المحلل لغة الأرقام والوثائق في عملية التحليل كان ذلك أفضل، والشيء المؤكد أن عملية التحليل السياسية عملية معقدة وصعبة، وتحتاج إلى الكثير من المهارات والصفات الواجب توفرها في المحلل السياسي، وأهمها:

·   المعرفة والثقافة: وهي الأساس الذي يجب أن تتوفر في المحلل مثل التأهيل المناسب وقاعدة معلومات وبيانات وكذلك مواكبة الأحداث والمتغيرات على الساحة السياسية ومراعاة الظروف السياسية الراهنة.

·   التخصص: لا شك أن الثقافة العامة مطلوبة في كل شيء لاسيما في المحلل، ولكن يجب أن يكون المحلل شخصاً متخصصاً في الموضوع المراد تحليله سواء كان سياسياً أو عسكرياً أو اقتصادياً وغيرها من المجالات، فالخبرة والمعلومات التي يمتلكها المتخصص لا تتوافر لدى الآخرين وتكون ذات فائدة كبيرة.

·   الدقة: على المحلل دائماً تحري الدقة والابتعاد عن المعلومات الخاطئة والمضللة والبعيدة عن التهويل أو التهوين وإنما عرض الحقيقة المجردة حتى تكون لديه المصداقية في تحليله.

·   بُعد النظر: وتقصد بها أن يكون لدى المحلل الرؤية الثاقبة للموضوع وما قد تؤول إليه الأحداث وعدم الانخداع ببعض المؤشرات، بالإضافة إلى القدرة على ربط الأحداث واستخلاص النتائج، وكذلك على المحلل الابتعاد عن الأحكام المسبقة والقياس على أحداث مشابهة دون مراعاة اختلاف الظروف والمعطيات.

·   التجرد من العاطفة: وهذه من الملاحظات المهمة التي يجب مراعاتها بحيث لا يخلط المحلل بين معتقداته وعواطفه، ففي الحقيقة كلما كان عرض الموضوع بحيادية وموضوعية كان ذلك في صالح التحليل.

·   القدرة على الإقناع: وهذه ملكة قل ما يتصف بها شخص معين، وهي تحتاج إلى صقل وتدريب واستخدام أساليب مشوقة لشد انتباه المتلقي، وكذلك التركيز على النقاط المهمة ومحاولة أبرازها بشكل واضح.

3.  ما فوائد التحليل السياسي؟

1)  البعد عن الأحكام المطلقة، والبحث  في كافة الاحتمالات الممكنة، ودرجة القوة في هذه الاحتمالات ومدى تأثيرها، ومن ثم ترك المجال لتعدد وجهات النظر وقبول الرأى الأخر.

2)  معالجة القضايا والمواقف بشكل أكثر وعياً وعمقاً، والبعد عن المعالجة العاطفية أو التي لا تستند إلي أدلة واضحة يمكن أن يقبل بها الطرف الأخر.

3)  عدم الوقوف عند رأى واحد وإغلاق الباب أمام آراء الآخرين حتى وإن كانت أكثر قناعة أو موضوعية، وبالتالي القدرة علي مناقشة الآراء وتفنيدها، ومراجعة النفس إن وجدت الصواب أكثر في رأى غيرها، والتعود علي احترام الرأى الآخر.

4.  ما أبرز مدخلات التحليل السياسي؟

1)    الخبرة التاريخية والمعلومات السابقة عن الموضوع المطروح  للتحليل.

2)  المعلومات الحالية مثل أقوال المسؤولين– المفكرين– صانعي الأحداث–الأخبار الموثقة المتداولة في وسائل الإعلام من إذاعة وصحافة وتليفزيون وإنترنت … إلخ.

3)  المعلومات الخاصة التي يمكن أن يحصل عليها كاتب التحليل السياسي بحكم موقعة أو اتصالاته أو بحثه، وكذلك مدى عمق خبرته في المجال الذي يكتب فيه.

5.  كيف تكون لغة التحليل السياسي؟

لغة التحليل السياسي ينبغي أن تبتعد عن المبالغات وكثرة ضرب الأمثلة لتأكيد الرأى، وأن تبتعد عن اللغة العاطفية أو الأدبية الزائدة، وكذلك أن تبتعد عن  التوجيه المباشر أو الخطابة أو الإقناع بالتخويف أو إطلاق الاتهامات دون بحث ومعلومات. كما يستخدم التحليل السياسي المصطلحات السياسية المعروفة التي لها مدلولات محددة في ذهن غالبية القراء مثل: حلف الناتو – اتفاقية الجات –الحرب الباردة – اتفاقية أوسلو …. إلخ.

6.  ما الفرق بين التحليل والمقال؟

المقال يعالج فكرة واحدة يدعو إليها أو يرفضها، ويحمل رأى كاتبه ويقدم رؤيته حسب خبرته وتجربته واجتهاده، أما التحليل فيعالج العلاقة بين القوى المختلفة، والمفترض أنه لا يحمل رأى كاتبه ولكن يسير وراء الأدلة والبراهين، وبالتالي يتسم بالموضوعية والعلمية.

7.  هل التحليل السياسي ينبغي أن يكون محايداً وموضوعياً؟
  
        في كل العلوم الإنسانية: الآداب -  الاجتماع – الفلسفة – التدين والعقائد – السياسة.. إلخ، من الصعب أن يكون الكاتب محايدا حياداً كاملاً؛ لأن الكاتب في كل الأحوال يتأثر بثقافتة وبيئته ورؤيته الشخصية وتجربته الخاصة وهدفه من وراء هذا التحليل، وكذلك الصحيفة أو المجلة التي يمكن أن تنشر هذا التحليل، والدولة التي ستسمح بنشره … إلخ، ولكنه عموماً أكثر حياداً من أشكال أخرى في العلوم السياسية. إلا أننا إذا كنا نتحدث عن الوضع الأمثل للتحليل السياسي، فإنه يمكن القول إن التحليل السياسي ينبغي أن يكون محايداً وموضوعياً.

8.  كيف تكتب تحليلاً سياسياً؟

كاتب التحليل لابد أن يكون قارئاً جيداً خصوصاً في المجال الذي يرغب في الكتابة فيه، ولا يمل من البحث عن معلومات حقيقية من مصادر موثوقة. ومصادر المعلومات إما حية وهي الأشخاص وإما غير حية مثل الكتب والوثائق والصحف وأجهزة المعلومات: إذاعة – تليفزيون – إنترنت.. إلخ.

وكاتب التحليل يتصور كافة الاحتمالات المطروحة في محاولة للتفسير الموضوعي والمقنع والمحايد للأسباب وكذلك للنتائج المتوقعة أو أقربها إلي ذلك. وكثرة الكتابة والمتابعة وقراءة نماذج من التحليلات السياسية سوف تؤدي بالتالي إلي الإجادة سواء من حيث طريقة العرض أو سلامة الأسلوب أو حجم المعلومات المتوافرة.

9.  كيف يمكن تحليل النص السياسي؟

هناك أربع مراحل يمر بها العقل الإنساني خلال قراءاته للنص السياسي بغية تحليله سياسياً لتحقيق الهدف، وهو أن يحصل علي ثلاثة أنواع من المنتجات الفكرية حول النص السياسي: معلومات وبيانات خام (أرقام – حقائق) عن أشياء أو أحداث معينة، وتحليلات وتصورات عن هذه الأحداث والأشياء، ومواقف واتجاهات لكاتب أو اتجاه إزاء الأحداث والأشياء. وأما الخطوات الأربع التي يمر بها العقل الإنساني، وهو يقوم بتحليل النص السياسي فيمكن تبسيطها فيما يلي:


·      الأولي: مرحلة تركيز النص:
      تشمل معرفة كل ما يحيط بالنص من بيئة معينة تؤدي معرفتها لزيادة الفهم والمعرفة بالنص السياسي المعين  ويشمل ذلك معرفة:
  
- التاريخ: When

فمعرفة توقيت كتابة النص السياسي أمر ذو دلالة في بعض الأحيان حيث إن بعض النصوص السياسية تنشر في أوقات معينة تشير إلي توجــــهات وسياسات تريدها الأنظمة السياسية، كما أن تسلسل بعض المقالات زمانياً يفيد بوجود قضية هامة تناقشها وينوى النظام أن يأخذ بصددها إجراء ما، انقطاع كاتب يكتب بتسلل زمني معين عن الكتابة دون إبداء الأسباب - اختفاء عمود يومي أو مقال أسبوعي مثلا(.
- المؤلف: Who


 
من المفيد لتحليل النص السياسي أن نعرف جيداً أكبر قدر ممكن من المعلومات حول الكاتب: مركزه ودرجته العلمية، اختصاصه الأصلي، دراسته الأصلية، لأن ذلك يعين علي فهم أسلوبه، وصلاته بأي من الأجهزة أو الهيئات الحاكمة وغيرها مما يساعد علي فهم وتفسير اتجاهات كتابته.

 - أين: Where

ترد علي الإطار الضيق أو المرجع الذي نشر فيه النص السياسي ( كتاب- صحيفة- مجلة، وبالتالي يكون للنص اتجاه سياسي معين، أو قيمة علمية تبعاً لذلك، فأهمية المقال أو النص السياسي تكون وفقاً للمصدر المنشور فيه.

الثانية: مرحلة استكشاف النص السياسي:
         يحاول المحلل في هذه المرحلة أن يوضح الغامض أو المبهم من التعبيرات سواء أكانت كلمات بسيطة أو مفاهيم أساسية أو أفكار … إلخ. فلا يجب أن يهمل أيه كلمة لا يعرف معناها أو يأخذ المعني المباشر الذي قد يتبادر إلي الذهن لأول وهلة – خاصة إذا كانت الكلمة ترتبط بحقل علمى معين كالسياسة، أو القانون أو الفن، أو الآداب، فيجب أن يحدد معني الكلمة في هذا الحقل العلمى ثم معناها في الاستخدام الشائع. أما بالنسبة للأفكار، فعادة فإن النص السياسي، يضم عدة أفكار أساسية، أو فكرة محورية، وهناك عدة أفكار أساسية في كل تخصص أيا كانت التعبيرات المستخدمة للدلالة عليها، ففي السياسة هناك عدة أفكار أساسية في مجال القيم السياسية كالعدالة والديمقراطية والمساواة، وفي مجال الحركة السياسية كالتوازن والتطور، والتحديد، … إلخ. ويجب وهو بصدد تحليل النص السياسي – أن يفحص هذه الأفكار بدقة، لأنها تعطيه إطاراً عاماً عن النص السياسي أو تكون ما أطلقنا عليه ( النظام العام ) للنص السياسي.

·      الثالثة: مرحلة الغوص في بنية النص السياسي:
      يتوقف المحلل في هذه المرحلة أمام موضوع وجسد النص السياسي ويفحصه من الداخل، وهناك ثلاثة أنواع من البني يشملها النص السياسي يتم التوقف أمامها:
  
أ- البنية الطبوغرافية للنص السياسي:
  بمعني تضاريس النص السياسي وهيكله، عندما يقوم المحلل بتحليل النص السياسي سوف يجد أن بعض النصوص السياسية مقسمة إلي عدد من المقاطع كل مقطع عادة ما يتضمن فكرة معينة، ومن تجميع المقاطع تتجمع الأفكار الأساسية في النص السياسي.

    وأحياناً تكون في النص السياسي فكرة واحدة حاكمة ومحورية ينبثق منها عدة أفكار جزئية ومساندة تدعمها، عندئذ يكون النص السياسي مجمعاً حول هذه النقطة.
      فيجب الالتفات إلي كل هذا وأخذه في الحسبان وأيضاً يجب الالتفات إلي مسألة التسلسل في الأفكار وانتظام تنسيقها.



 
ب- البنية اللغوية:

  وهي ذات دلالة خصوصاً فى النصوص السياسية الهامة، وتشمل البنية اللغوية كل ما يندرج في إطار اللغة مما له دلالة: صيغ الجمل خاصة صيغة النفي والنهي، محل الجملة من الإعراب – حروف الوصل والإشارة.. إلخ، لأن هذه الصياغات في كثير من الأحيان كاشفة عن غايات النص السياسي.

ج- البنية المنطقية للنص السياسي:
     المنطق هو لغة العقل المنظم، وعادة ما يحتوى النص السياسي الجيد علي قاعدة منطقية أو أكثر يدور حولها بناء النص كله ويستدل منها علي النص السياسي، ومن هذه القواعد المنطقية ذات الدلالة التي ينبغي الانتباه اليها عند تحليل النص السياسي:
 -   الانتقال من القاعدة الكلية إلي الوقائع والأحداث الجزئية: أي أن ما يصدق علي الكل ينصرف بالضرورة علي المكونات والأجزاء الداخلة في تكوينه، فإذا كان التحليل الكلي قد توصل إلي أن نظاماً معيناً يتسم بالفساد السياسي، فإن ذلك بعدا دالاً على أن أنظمته الفرعية أ- النظام الاجتماعي    ب- النظام الاقتصادى    ج- النظام الثقافي    د- النظام السياسي تتسم بنفس السمة التي تسم النظام ككل باعتبارها جزء منه.
 -   الانتقال من الوقائع الجزئية إلى القاعدة الكلية: أي أن ما يصدق علي "الجزء" يصدق بدرجة احتمال عالية علي "الكل" أو علي مجموع الأجزاء، فإذا صدق تحليل جزئية معينة من النظام السياسي بأنها تتسم  بسمات محددة معينة فمنطقى أن الأمر يصدق علي النظام السياسي بوجه عام ككل. فإذا كان النظام القضائي مثلاً غير منضبط فإن الأمر الأكثر احتمالاً أن ذلك يتصرف أيضا الي كافة  الأنظمة الرئيسية كالنظام الإداري والتنفيذي …. إلخ.
  
·      المرحلة الرابعة: البحث عن غاية النص السياسي:
     السؤال الذي يبحث عنه المحلل في هذه المرحلة هو: ماذا يريد الكاتب أو صاحب النص السياسى أن يقوله لمن يوجه إليهم الخطاب في النص السياسي أو ما هى الرسالة التى يحملها النص السياسى ويريدها أن تصل للقارئ؟. وبالطبع فإن البعض قد يتعجل من القراءة الأولية للنص السياسي، ويحاول أن يستخرج غايته، ولكن هذه العملية لا تكون منهجية إلا إذا كانت تتويجاً للمراحل السابقة ويتم الاستعانة بهذه المراحل جميعا سواء المرحلة الأولى أو الثانية أو الثالثة …. إلخ.

·      المرحلة الخامسة: في هذه المرحلة وبعد المرور بكافة المراحل السابقة يصل المحلل إلى فهم:
 -       غاية النص السياسي بعد التنقيب وليس انطلاقا من أحكام أولية.
 -       العناصر الأساسية في النص السياسي (معلومات، أفكار، مفاهيم).
 -       تقسيمات النص السياسي.
      وبالطبع يستطيع المحلل بعد ذلك أن يقدم تعليقاً علمياً على النص السياسي، ومن تجميع هذه التعليقات حول أكثر من نص سياسى حول ذات الموضوع يستطيع المحلل أن يكون له رؤية سياسية خاصة حول موضوع من الموضوعات بطريقة علمية ومنهجية.

10.       ما المبادئ الأساسية للتحليل السياسي؟
 -   تعدد العوامل وتباين أوزانها النسبية: لتحليل الظاهرة السياسية أو الحدث السياسي ينبغي الرجوع لعوامل كثيرة اقتصادية، استراتيجية، ثقافية، اجتماعية … إلخ، ولا ينبغي الاقتصاد علي عامل واحد في التحلي والتفسير مهما كانت أهميته ويرجع ذلك لاعتبارين:

 أ- تعقد الظواهر السياسية وتشابك أبعادها.
 ب- كلما تعددت النوافذ التي نرى منها الظاهرة السياسية كلما كان الفهم والتحليل أقرب الي حقيقة الواقعة أو الحادثة السياسية.

 - تطور البعد الزماني للظاهرة السياسية:
       فالظاهرة السياسية "حلقة" في سلسلة من الأحداث والوقائع لا يمكن فصلها عن بعضها ومن ثم فالظاهرة السياسية: لها ذاكرة تاريخية أي لها ماض معين وسوابق محددة. ولها واقع حال، ولها تأثيرات وتفاعلات تتعدى واقعها المحدود لتؤثر في المستقبل أى أننا كى نفهم الظاهرة السياسية ينبغي أخذ الأبعاد الثلاثة في الاعتبار تاريخ الظاهرة – واقع الظاهرة – مستقبل الظاهرة.
  
- إطار تفاعل الظاهرة المكاني: المحلي والإقليمي والدولي:


  هناك ثلاثة أطر أساسية لتحليل أية ظاهرة أو حدث سياسي محدد وذلك علي النحو التالي:

 أ- الإطار المحلي (الوطني): الذي تنبع منه الظاهرة أو يقع في إطاره الحدث السياسي ويشكل البيئة الداخلية له.
 ب- الإطار الإقليمي (القومي): الذي ينتسب إليه الإطار المحلى ويؤثر فيه بدرجات متفاوتة وقد يكون بالغ الأهمية ويفوق الأول في تأثيره.
 ج- الإطار العالمي (الكونى): وهو الإطار الكلي الذي تحدث أو من المفترق أن تحدث في ظله الظاهرة السياسية وأحيانا يكون الفاعل الأساسي وغيره في ذلك الأمر أقل أهمية.
   وهذه الأطر الثلاثة لازمة عند تحليل آيه أحداث أو ظواهر سياسية أيا كانت طبيعتها ونلاحظ أن البعض في الوقت الراهن يضخم من مستوى الإطار الثالث في التحليل  ومن ثم ينبغي ملاحظة ما يلي: 
أ- ضرورة عدم الوقوع  في تضخيم دور العامل الخارجي والاستراتيجيات الدولية ودور أمريكا والصهيونية العالمية.
  
ب- توخي عدم الوقوع في شراك التفسيرات التآمريه للأحداث والوقائع  السياسية المختلفة وهو التفسير الذي يأبي إلا أن يرى ما يحدث في كل بقعة من بقاع العالم الثالث جزءاً من مؤامرة أو مخطط كبير مرسوم ومعد مسبقاً في البيت الأبيض أو داوننج ستريت …… إلخ.
 ولا نريد هنا أن ننفي ما للدول الكبرى من دور بل أدوار خطيرة في صنع القرارات السياسية في العالم الثالث وما يخططون له باستمرار لإجهاض حركة الشعوب، أو سعي بعض الأنظمة للتحرر من الدول الكبرى فكثير من مصائب العالم الثالث وويلاته كتبت سيناريوهاتها في الشرق والغرب، ولكن المبالغة في هذا التفكير تفقد الأفراد والجماعات توازنها الفكري والسياسي حيث أن لذلك سلبيات عديدة منها:
* تعطيل وتجميد العقل عن التفكير في خلفيات ودوافع الأحداث حيث أن تسمية كل حدث بأنه مؤامرة وحبك قصة أو سيناريو معين هو أسهل أنواع التحليل السياسي.
  
 *تضخيم مبالغ فيه في قدرة الأعداء علي صنع الأحداث من أكبرها حتى أدقها وهذا من شأنه أن يخلق حالة من الانهزامية لدى الشعوب والجماعات أمام القوى الكبرى.
  
* أن هذا التفسير للأحداث هو تبرير مقنع لدى الكثيرين للتقاعس عن العمل لإحداث التغيير في مجتمعاتهم، حيث أنه بزعمهم لا يمكن إحداث تغيير نظام سياسي أو إحداث تطور سياسي في أي بلد إلا بعد الحصول علي أذن وتصريح من أمريكا.
  
* التقليل من دور الشعوب في العملية السياسية، حيث أن كثيراً من الأحداث العامة في العالم هي من صنع الشعوب أو نتيجة كفاح الحركات والتنظيمات الثورية في العالم.
  
- اختلاف طبيعة التحليل وفقا لطبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة:
 حيث تختلف طبيعة المدخل التحليلي لأي حادثة أو ظاهرة سياسية وفقاً لطبيعة النظام السياسي– كفاعل أساسي – فيها وهذه الأنظمة هي النظام الدكتاتوري – الشمولي – التسلطي – التعددي – الديمقراطي.




11. ما الفرق بين التنبؤ والتوقع والتخمين؟
التنبؤ هو تقدير مستقبلي معتمد علي نماذج إحصائية تم اختبار سلامتها، وجربت وتعطي نتائج دقيقة – تقدير مقتبس يمكن التدليل والبرهنة لكل تفاصيله وعمومياته.
  أما التوقع، فهو تقدير مستقبلي معتمد علي القدرة الذاتية في تطويع البيانات المتسقة بالمحتوى المراد تقديره – تقدير موجه عام ولكن غير مقتبس يمكن تدليل عمومياته فقط ولكن التفاصيل لا. وأما التخمين فلا يستند إلي أي أسس أو مؤشرات ولكن فقط خيالات.

12.       ما أهمية التنبؤ واستشراف المستقبل السياسي؟
    تعد دراسات المستقبل أحد العلوم المهمة المبنية علي أسس واقعية، ودون الدخول في تفاصيل فإن الأحداث أو الظواهر الأساسية المهمة غالباً ما يكون لها امتداداتها أو تأثيراتها المستقبلية، فلا يقتصر تأثيرها علي الواقع اللحظي أو الآني بل ربما يمتد لأجيال بعيدة، ومن هنا تأتي أهمية التنبؤ بالأحداث والوقائع السياسية أو بآثارها المستقبلية (وكانت قديماً شائعة في الفقه الإسلامي محاولات من هذا القبيل: الفقه الافتراضي).

13.       كيف تستطيع التنبؤ؟
 ü     حدد وحلل ما تم إنجازه مسبقا (في حالة وجوده) وكيفية الاستفادة منه.
 ü     حدد ظروفك البيئية الحالية.
 ü     حدد أهم العوامل أو القوى المحركة لهذه الظروف.
 ü     حدد أثر هذه العوامل أو القوى المحركة في المستقبل.
 ü  فكر بجدية "ما المحتمل ظهوره علي الساحة في الفترة القادمة من هذه العوامل سواء عوامل جديدة أو سبق ظهورها من قبل"؟.
 ü  جمع البيانات وقيم المعلومات التي وصلت لها، وحاول أن تربط بينها وتجمع الأمور لتصل إلي شيء محدد، وعليك أن تستخدم في ذلك رأى من له خبره بالأمور عن اتجاهات المستقبل والتغيرات المتوقعة في  سلوك الأفراد والمجتمع

 ابرز فوائد التحليل السياسي هي :-
1.حصر الازمات المتفاعلة  ومعالجتها وتحقيق عنصر الوقاية الشاملة في الواقع السياسي موضوع الازمة
2.تكوين قاعدة بيانات منظمة تعتمد في اقسمها معلومات دقيقة تتعلق بالأحداث موضوع التحليل وتربطه بالوقائع التاريخية وتحدد طرق معالجتها التطبيقية مما يتيح هذه المعلومات في كل وقت وخصوصا عند ظهور احداث وأزمات مماثلة .
3.البعد عن الأحكام المطلقة ، والبحث  في كافة الاحتمالات الممكنة ، ودرجة القوة في هذه الاحتمالات ومدى تأثيرها ، ومن ثم ترك المجال لتعدد وجهات النظر وقبول الرأى الأخر.
4.معالجة القضايا والمواقف بشكل أكثر وعياً وعمقاً ، والبعد عن المعالجة العاطفية أو التي لا تستند إلي أدلة واضحة يمكن أن يقبل بها الطرف الأخر.
5.عدم الوقوف عند رأى واحد وإغلاق الباب أمام آراء الآخرين حتى وإن كانت أكثر قناعة أو موضوعية ، وبالتالي القدرة علي مناقشة الآراء وتفنيدها ، ومراجعة النفس إن وجدت الصواب أكثر في رأى غيرها ، والتعود علي احترام الرأى الآخر.
6.المشاركة في صناعة القرار السياسي المتعلق برسم السياسات
7.المشاركة في تكوين رأي عام بخصوص قضية ما
8.التحدث للرأي العام والتوعية عند الازمات المتفاعلة والخطيرة
9. طرح منظومات بحث متعددة مقتدرة ذات خبرة في معالجة الاحداث وتحليلها .

ماهية التحليل السياسي:يمكننا أن نعرف التحليل السياسي بأنه الادراك الفكري العميق بجذور السياسة ومخرجاتها والفكر الاستراتيجي وعناصره وطبيعة الاحداث ومساراتها وشكل الدوافع وعناصرها المسؤولة عن صنع الاحداث والأزمات والإلمام المتقن بالشواهد التاريخية المماثلة وهو "الفهم الدقيق والعميق لمسار الأحداث السياسية وإدراك  الدوافع المتعلقة بها والإلمام بجذور الاحداث ومخرجاتها  والتنبوء بالتطورات والنتائج المترتبة عليها ووضع التوصيات المعنية بالحدث ".

متى نقوم بالتحليل السياسي


1.عندما ندرك المتغيرات ونستطيع التفكير بعناصر تلك المتغيرات
2.عند وجود امرا غامضا يتعلق بالواقع السياسي يتطلب الدراسة والتحليل
3.عندما تكلف خلية  الازمة بمعالجة مشكلة ما
4.عندما يكلف شخص معني  باتجاه معين بتحليل حدث او ازمة او ظاهرة سياسية ما تتعلق بتخصصه
5. عندما تستشعر مؤسسات الدولة بمخاطر سياسية ما
6. عندما يكلف قسم الدراسات والبحوث في الجامعات او المؤسسات بمهمة التحليل
7.عند وجود حدث سياسي مفاجئ
8.عند الخشية من تطور ازمة ما
9.عند بروز ظاهرة اجتماعية تتعلق بالواقع السياسي
10.عند التوقع تعرض البلد لتهديد خارجي ما تشكل خلية ازمة
11.عند القيام بمهام المتابعة الدورية للواقع السياسي الداخلي والخارجي
12.عند حضور المؤتمرات الدولية والإقليمية
13.عندما يكون هناك قرار استراتيجي يتطلب البحث والتحليل
14. عند نشوب صراع اقليمي متاخم
15.عند نشوب حرب  غير متوقعة
16. عند ورود تقارير تفيد بوجود ضغط سياسي ما

أدوات التحليل السياسي


1.تبعد فلسفة التحليل السياسي عن التضخيم والتبسيط والمبالغة في ضرب الأمثلة لتأكيد الرأى ، كما تبتعد عن اللغة العاطفية ، كما تبتعد عن التوجيه المباشر أو الخطابه أو الإقناع بالتخويف أو إطلاق الاتهامات دون بحث ومعلومات كما يستخدم التحليل السياسي المصطلحات السياسية المبسطة والمتداولة التي لها مدلولات محددة في ذهن الرأي العام  ويستخدم المحلل او الباحث عدد من ادوات التحليل وهي :-
2.أولا : المخزون المعرفي الذهني
3.ثانيا : معطيات الخارطة السياسية والواقع السياسي
4.ثالثا : مصادر المعلومات الحديثة والمتاحة كالتقارير والنشرات والإحصاءات والتصريحات الرسمية -المسئولين – المفكرين – صانعي الأحداث  -  مسرح الاحداث.
5.رابعا : مصادر المعلومات الخاصة التي يمكن أن يحصل عليها كاتب التحليل السياسي بحكم موقعة أو اتصالاته أو بحثه ، وكذلك مدى عمق خبرته في المجال الذي يكتب فيه
6.خامسا. الاستبيان والإحصاء والمقابلة الشخصية واختيار العينات
7.سادسا .  مصادر التأصيل والإسناد الظرفي  والزمني للأحداث والوقائع
8.سابعا. الاستطلاع الاعلامي والتغطيات الميدانية
9.ثامنا . الطرائق العلمية والنظريات الاكاديمية
10.تاسعا. الحضور الميداني المباشر والإطلاع الشخصي
11.عاشرا. استخدام الوسائل الحديثة وأدوات البحث العلمي

المراجع
لدكتور مهند العزاوي
*مقتطفات من كتاب التحليل السياسي تأليف الخبير الاستراتيجي ا
‏11‏ تشرين الأول‏، 2014
الفرق بين الواقعة والحادثة والأزمة؟
عبد المعطي زكي
http://alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=3568

الترويكا بين المفهوم والمصطلح

  الترويكا بين المفهوم والمصطلح     الترويكا ثالوث الرأي السياسي، والمفهوم     الدال على اجماع الرأي الواحد، وفي وقتنا الحاضر، لم تع...