فيلسوف
الصين العظيم
كونفوشيوس والكونفوشيوسية
كونفوشيوس فيلسوف الصين العظيم وزعيم حكماء الصين القدامى،
أحد الرجال القلائل الذين أثروا تأثيرا عميقا في التاريخ البشري بفضل قوة شخصيته
ومواهبه العقلية ومنجزاته الفكرية فقد كان حكيما وفيلسوفا سياسيا ودبلوماسيا
واخلاقيا ورائد من رواد التربية والتعليم شكلت شخصيته الوعي الصيني فكان الممثل
الرسمي لحظارته العتيقه، كان شديد القسوة على المنافقين، أصحاب الوجهين، فوصفهم
بــ "لصوص الفضيلة"، حاربه السياسيون ومجَّده الفقراء وأكبروا فكره
العلماء فلسفته كانت مصدر دساتير العديد من الحكام والرؤساء، وهو أول فيلسوف صيني
يقيم مذهباً يجمع كل التقاليد الصينية عن السلوك الاجتماعي والأخلاقي، وقد أثرت
تعاليمه المفرطة في مثلها وقيمها ومبادئها، بشكل عميق على الفكر والحياة الصينية
والكورية واليابانية والتايوانية والفيتنامية.
سما بالخُلـُق، وسبق أفلاطون بمدينته الكاملة وفضائلها،
كان ملكاً دون أن يتوج أو يحكم، وأرسى "فن الاستدلال"، المنهج القياسي في
التفرقة بين الصواب والخطأ من الآراء، أسموه "النبي" لكنه كان يرفض ذلك،
وكان يكتفي بأن يكون إنساناً، وهو أول من شرح الطبيعة الإنسانية للفرد والجماعة
والمجتمع. سعى إلى وضع نظام أخلاقي لقواعد الفضيلة بالطاعة البنيوية في بر
الوالدين واحترامهما وتنظيم شؤون الأسرة، وأوجد قانون قواعد السلوك البشري وآداب
اللباقة الاجتماعية ووصفها بأنها عصب المجتمع، فهو أول من شرح فن الاتيكيت
والبروتوكول في آداب المناسبات وطريقة تقديم الطعام وأنواع اللباس التي يرتديها
الناس، والذي يدرس اليوم كأحد البروتوكولات و الاتيكيت في العمل الدبلوماسي.
كونفوشيوس
اسمه "كونج" وهو اسم القبيلة التي ينتمي
إليها، و"فوتس" معناه الرئيس أو الفيلسوف، ولد سنة 551 قبل الميلاد، أي قبل ولادة أفلاطون بـ 52 عاماً، ليسبق بذلك أفلاطون
في طرح نموذج "الدولة الكاملة"، أو "المدينة الفاضلة".، وينحدر
من أسرة نبيلة تنسب أصولها إلى الإمبراطور "هوانج دي"، تُوفّي في الثالثة والسبعين من عمره، في 21 نوفمبر من عام 479
قبل الميلاد، في مدينة "كوفو"،استمر الحداد على وفاته ثلاث سنين، رحل
بعد أن أسّس مذهب الكونفوشيوسية الذي أصبح منهجًا ومذهباً رسميًّا وشعبيًّا
للإمبراطورية الصينية، واستمرّ فكره يدرس حتى عصرنا هذا.
كتب كونفوشيوس:
تعرف المؤلفات التي تناولت فلسفة
كونفوشيوس بالكتب التسعة وهي تتكون من مجموعتين ، المجموعة الأولى تسمى الكتب
الخمسة الإنسانية القديمة أو الكلاسيكيات الخمس، أما المجموعة الثانية ، فتسمى
الكتب الأربعة أو كتب الفلاسفة.
المجموعة الأولى: الكتب الخمسة الإنسانية القديمة أو
الكلاسيكيات الخمس
1- كتاب الأغاني أو الشعر: الذي يشرح حقيقة الحياة
البشرية، ويصف دوافعها، ويوضح مبادئ الأخلاق الفاضلة فيه 350 أغنية إلى جانب ستة
تواشيح دينية تغني بمصاحبة الموسيقى.
2- كتاب التاريخ: يشتمل على الوثائق التاريخية
الخاصة بالإمبراطورية الصينية وماضي إمارة «لو» وفيه وثائق تاريخية تعود إلى
التاريخ الصيني السحيق.
3- كتاب التغييرات: وهو كتاب للتنجيم ومعرفة الحوادث
المستقبلة، وهو كتاب استثنائي في مسيرة كونفوشيوس الذي حرص ألا يتناول الميتافيزيقا
(ما وراء الطبيعة) في فلسفته. فيه فلسفة تطور الحوادث الإنسانية، وقد حوّله
كونفوشيوس إلى كتاب علمي لدراسة السلوك الإنساني.
4- كتاب الربيع والخريف: وهو كتاب تاريخي يتضمن
تسجيلًا موجزًا لأهم ما وقع من أحداث في موطنه «لو» كما يظهر الواجبات التي نهض
بها حكماء الصين في ما قبل التاريخ يؤرخ للفترة الواقعة بين 722 – 481 ق.م.
5- كتاب الطقوس: وهو جامع لقواعد السلوك الروحي
والطبيعي التي لا بد منها لتقويم الأخلاق واستقرار النظام الاجتماعي فيه وصف
للطقوس الدينية الصينية القديمة مع معالجة النظام الأساسي لأسرة تشو تلك الأسرة
التي لعبت دوراً هاماً في التاريخ الصيني البعيد.
المجموعة الثانية: الكتب الأربعة أو كتب الفلاسفة
وهي الكتب
التي ألفها كونفوشيوس وأتباعه تدعى بالصينية «سوشو» وتمثل فلسفة كونفوشيوس ذاته،
وتعتبر في الواقع المرجع الرئيسي للفلسفة الكونفوشيوسية وهي:
1- كتاب الأخلاق والسياسة.
2- كتاب الانسجام المركزي .
3- كتاب المنتجات أو الأحاديث والمحاورات: ويطلق
عليه اسم إنجيل كونفوشيوس، ويحتوي هذا الكتاب على عشرين فصلًا تتضمن مجموعة آراء
كونفوشيوس حول القضايا المختلفة.
4- كتاب منسيوس: وهو يتألف من سبعة كتب.
من أشهر أقوال وحكم ومبادئ كونفوشيوس:
-
من يتكلم دون تواضع سيجد صعوبةً في جعل كلماته مسموعة.
-
على الأبناء فريضة اجلال الوالدين وتوقيرهما، والعناية
بهما في حياتهما.
-
لا تتشاور مع من يحملون وجهات نظر مختلفة في السياسة.
-
مهما بلغت درجة انشغالك فلا بدّ أن تجد وقتاً للقراءة، وإن
لم تفعل فقد سلّمت نفسك للجهل
-
لكي تتّقي حقد الناس، كن قاسياً على نفسك وكريماً معهم.
-
عندما تتيقّن بأنّ أهدافك باتت مستحيلة ، لا تغير
أهدافك، فقط غير طريقتك في الوصول إليها.
-
لست حزيناً؛ لأنّ الناس لا تعرفني، ولكنّي حزين لأنني لا
أعرفهم.
-
المتكبّر والبخيل مهما تكن مزاياهما، لا يستحقّان
الاهتمام.
-
لا يُمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا بعد أن يتعلّم
كيف يفكر.
-
قل لي وسوف أنسى، أرني ولعلّي أتذكّر، أشركني وسوف أفهم.
-
دراسة الماضي مهمة لمن يُريد التخطيط للمستقبل.
-
كي تصبح حكيماً هناك ثلاث طرق: التفكير؛ وهي أنبل الطرق،
والثانية بالتقليد؛ وهي أسهل الطّرق، والثالثة بالتجربة؛ وهي أكثر الطرق مذاقاً.
دبلوماسية كونفوشيوس
تدرك
الصين أن التواصل مع الشعوب أحد أهم دعائم العلاقات الدولية المتميزة، وأن القوة
الناعمة للدولة تكون أحيانا أكثر أهمية من قوتها العسكرية والاقتصادية، وهو ما
دفعهم إلى العمل على نشر الثقافة الصينية حول العالم، وكسر حاجز التواصل مع الخارج
بوسائل متعددة،معاهد كونفوشيوس حول العالم:
حيث يعتبر معهد كونفوشيوس بمثابة العامل الرئيسي
في تعزيز اللغة والثقافة الصينية،وأن معهد كونفوشيوس يقدم فرص وتحديات في تطلعات
السياسة الخارجية الصينية وهو قائم على مشروع دبلوماسي حيث تعمل الصين على تعزيز
ثقافتها ولغتها لزيادة قوتها الناعمة فى العالم. وعلى المستوى الرسمي، كان تأسيس
الصين لـ "معاهد كونفوشيوس" في مختلف أنحاء العالم، إعترافا من الصين
المعاصرة بمكانة هذا الحكيم، ودليلا على أن مكانة كونفوشيوس لا تزال محفوظة في
حاضر ومستقبل الصين، حيث تم إنشاء 525 معهد كونفوشيوس و1113حلقة دراسية في المدارس
الابتدائية والثانوية في 146 دولة ومنطقة في العالم لتقديم دورات في اللغة الصينية
والثقافة الصينية إلى نحو 9.16 مليون دارس.
تمثال
برونزي لكونفوشيوس في الولايات المتحدة الأمريكية
وضع تمثال برونزي للفيلسوف والمفكر والمعلم الصيني
كونفوشيوس، في حرم كلية مجتمع هيوستن في ولاية تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية،
هو الاول الذى يوضع في مؤسسة تعليمية أمريكية، وأن نصب التمثال في الكلية سيساعد
المزيد من الأمريكيين في فهم فلسفة كونفوشيوس ونشر فكرة.
الذكرى 2555
لميلاد كونفوشيوس:
شهدت الصين في عام 2005م، انعقاد المهرجان العالمي الأول
من نوعه منذ فترة طويلة حول فكر كونفوشيوس وتعاليمه شارك فيه عدد ضخم من المفكرين
والفلاسفة والأكاديميين والسياسيين، من مختلف أنحاء العالم. وكانت المناسبة
بالتحديد هي الذكرى 2555 لولادة فيلسوف وعالم وحكيم الصين الأكبر، كونفوشيوس، حيث
قرر أن يقام المهرجان سنويا.
الكونفوشيوسية
الكونفوشيوسية هي ديانة أهل الصين، وهي ترجع إلى الفيلسوف
كونفوشيوس،التي ورثها الصينيون عن أجدادهم وتقوم على أربعة مبادئ : العلم الغزير، والسلوك
الحسن، والطبيعة السمحة، والعزيمة القوية.
التأسيس:
أسّس تلاميذ كونفوشيوس المدرسة الكونفوشيوسية في القرن
السادس قبل الميلاد وهي مدرسة فكرية لتعليم المبادئ الأخلاقية الشخصية،
• انقسمت الكونفوشيوسية إلى اتجاهين ( مذهبين):
- مذهب متشدد حرفي، يدعو إلى الاحتفاظ بحرفية آراء كونفوشيوس
وتطبيقها بكل دقة.
- مذهب تحليلي، ويقوم على أساس تحليل وتفسير آراء
كونفوشيوس واستنباط الأفكار.
- المعتقدات الكونفوشيوسية:
• المعتقدات الأساسية :
تتمثل المعتقدات الأساسية لديهم في الإله أو إله السماء،
والملائكة، وأرواح الأجداد.
- معتقدات أخرى:
- معتقد الجنة والنار: لا يعتقدون بهما، ولا يعتقدون
بالبعث.
- معتقد الجزاء والثواب: إنما يكونان في الدنيا، إن خيراً
فخير، وإن شرًّا فشر.
- معتقد القضاء والقدر: إن تكاثرت الآثام والذنوب كان
عقاب السماء لهم بالزلازل والبراكين.
- الجذور الفكرية والعقائدية للكونفوشيوسية:
ترجع الكونفوشيوسية إلى معتقدات الصينيين القدماء، تلك
المعتقدات التي ترجع إلى 2600 سنة قبل الميلاد. وقد قبلها كونفوشيوس أولاً، والكونفوشيوسيون
ثانياً، دون مناقشة أو جدال أو تمحيص.
في القرن الرابع قبل الميلاد حدثت إضافة جديدة وهي عبادة
النجمة القطبية لاعتقادهم بأنها المحور الذي تدور السماء حوله، ويعتقد الباحثون بأن
هذه النزعة قد وفدت إليهم من ديانة بعض سكان حوض البحر المتوسط.
تغلبت الكونفوشيوسية على النزعة الشيوعية والنزعة الاشتراكية
اللتان طرأتا عليها في القرنين السابقين للميلاد وانتصرت عليهما. كما أنها استطاعت
أن تصهر البوذية بالقالب الكونفوشيوسي الصيني وتنتج بوذية صينية خاصة متميزة عن البوذية
الهندية الأصلية.
لا تزال المعتقدات الكونفوشيوسية موجودة في عقيدة أكثر
الصينيين المعاصرين على الرغم من السيطرة السياسية للشيوعيين.
الكونفوشيوسية
الحديثة
رغم ظهور
العديد من المدارس الفكرية الصينية، ودخول العديد من الأديان إلى الصين. لكن
الكونفوشيوسية كانت دائما الأكثر تأثيرا في الثقافة الصينية والنظام الإقطاعي الذي
إستمر لنحو 2000 عام في الصين. ورغم الضربات القوية التي وجّهت للكونفوشيوسية في
فترات من التاريخ الصيني الحديث، إلا أن أفكار كونفوشيوس كانت أكثر تغلغلا وتمترسا
في الطبقات العميقة للثقافة الصينية وفي وعي ولا وعي الصينيين. واستطاعت أفكار
كونفوشيوس أن تعيش وتؤثر في الصين المعاصرة، سواء من خلال العادات والتقاليد، أو
تيارات "الكونفوشيوسية الجديدة"، أو من خلال الجدل المستمر الذي تثيره
أفكار كونفوشيوس بين المثقفين.
حيث أن الكونفوشيوسية الحديثة تأخذ
الفكر الكونفوشيوسي وتضعه في قالب حديث، و أن المستقبل يمكن بناؤه على الماضي
الجيد. وأن الفكر والمعتقدات يمكن أن تتطور والتعامل مع القيم القديمة بروح
الحاضر، ووفقاً لشروط هذا الحاضر.
أ. فهد بن ناصر الدرسوني
طالب الدكتوراه في الفلسفة السياسية
الرياض - المملكة العربية السعودية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق