التويبلوماسية
أثبت موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) دوراً محورياً في تغيير وجه الدبلوماسية
المعاصرة والاتصال السياسي والدبلوماسي، وأثبت قوته في التأثير على تشكيل الرأي
العام المحلي والإقليمي والدولي، وعلى صناعة السياسات، والعلاقات الدولية، واستطاع
قادة الدول والدبلوماسيون والسياسيون حول العالم، تحويل موقع (تويتر) من منصة
اجتماعية الى منصة سياسية ودبلوماسية من خلال قلب أدوات التواصل السياسية من
التقليدية المعتمدة على بلاغات وبيانات تبث عبر وسائل الإعلام الرسمية إلى
افتراضية تعتمد على تغريدات يستعين بها السياسيين
من زعماء الدول والوزراء والبرلمانيين لإعلان المواقف الرسمية والدبلوماسية والتعبير
عن آرائهم ومخاطبة الرأي العام بكلمات قليلة بشكل مباشر وغير تقليدي والإعلان حتى
عن قراراتهم المصيرية عبر هذه البوابة الجماهيرية.
حين انطلق موقع (تويتر) للتواصل
الاجتماعي عام 2006م، تعامل الناس مع هذا الموقع على أنه ساحة للمشاهير للتواصل مع
متابعيهم بشكل محدود، ولكن سرعان ما تحول (تويتر) إلى وسيلة للتواصل عبر الرسائل
القصيرة بين الملايين من الناس حول العالم، ليصل عدد المستخدمين المسجلين على (تويتر)
بـ 1.3 مليار في العام 2018م،
ويوجد لدى (تويتر) أكثر من 330
مليون مستخدم نشط شهريا، و من المستخدمين النشطين شهريا 70 مليون منهم من الولايات
المتحدة الأمريكية، ويبلغ عدد المستخدمين النشطين يوميا على (تويتر) حوالي 100 مليون، و يتم تسجيل ما يقرب من
460.000 حساب جديد على (تويتر) كل يوم، وعدد
التغريدات اليومية هو أكثر من 140مليون تغريدة، ليصل إلى مليار تغريدة في الأسبوع،
و كل مستخدم لتويتر لديه في المتوسط 208 متابع.
أمام هذه القدرة "التواصلية" الهائلة أصبحت كل المنافذ
الإعلامية والسياسية والهيئات لها حسابات على (تويتر)، ترسل ما لديها من أخبار
وآراء، حتى توفرت للسياسيين والدبلوماسيين، من مقر السلطة وصنع القرار، أداة فاعلة
ومهمة للتواصل مع الجمهور ـ ليس فقط بتوجيه الرسائل، بل أيضا من أجل "جس
نبض" ذلك الجمهور والرأي العام من إعادة التغريد واضافة الردود، ولا يكاد
رئيس دولة أو حكومة أو وزير أو ناشط سياسي إلا وله حساب على (تويتر).
ظهور المصطلح
"تويبلوماسي" (Twiplomacy)، ظهر هذا المصطلح في تقرير لشركة "بيرسون مارستيلليرBurson-Marsteller" المُتخصصة بالعلاقات
العامة. (مقرها نيويورك)، ويتكوَّن هذا المصطلح من Twitter وDiplomacy ليشكّل (twiplomacy) ويطلق على السياسة عبر موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)، وأيضا
جاء في قاموس أكسفورد تيبلوماسي، وتويتلوماسي، حيث انتشر هذا المفهوم أو المصطلح اعتباراً من
عام 2016م، إثر استخدام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على وجه الخصوص لموقع (تويتر)
بشكل يختلف مع الاعراف السياسية والدبلوماسية المتبعة، من خلال تغريداته التلقائية
والحساسة المقتضبة، التي استخدمها على الدوام في كافة التصريحات السياسية.
وقد
وصف موقع (تويتر) بأنه أقوى وسائل الدبلوماسية الدولية التي انتقلت من حيز
اللاتفكير إلى أن أصبح أول وسائل النفوذ السياسي، التي يفكر فيها الرؤساء
والدبلوماسيون، والأعلى استخداما في قوة الأثر والتأثير، حيث يعد (تويتر) (الباروميتر
الدبلوماسي)، ليس في التحليل السياسي الدولي فحسب، بل في استشراف الأحداث السياسية
والتنبؤ بمتغيرات مسار العلاقات الدولية.
ونقل موقع (تويتر) الدبلوماسية الدولية إلى مرحلة جديدة ليصبح نقطة تحول اتسمت
بالحيوية والتفاعل النشط بين القادة والجماهير. فلم تعد هناك حواجز بين الجماهير
وقادتهم حول العالم. كما قفز موقع (تويتر) بالخطاب السياسي من بيانات رسمية، إلى
تغريدات قصيرة بكلمات قوية ذات تأثير فوري، تدفع كافة المختصين إلى متابعة ورصد
هذه التغريدات لمعرفة الأحداث والتوجهات المستقبلية للسياسة الدولية.
يقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مقابلة أجرتها معه صحيفة الفانيشال
تايمز " لولا التغريدات لم أكن هنا".
تويتر الأداة الدبلوماسية الأولى والأسرع للأخبار في
العالم
مع تزايد الأزمات في العالم وتشابك وجهات النظر بين مختلف الدول، تحول
موقع (تويتر) من مجرد وسيلة للتواصل
الاجتماعي بين الناس، إلى منصة يلجأ إليها زعماء العالم للتعبير عن آرائهم،
والإعلان عن قرارات جديدة، وحتى للدخول في سجالات مع نظرائهم السياسيين. أجمع
الخبراء على أن موقع (تويتر) أصبحت المصدر الأول والأسرع للأخبار في العالم، وأن
الجمهور أصبح ينتظر تصريحات كبار القادة السياسيين والدبلوماسيين وتفاعلهم مع
القضايا الهامة، عبر التغريدات على (تويتر) ، وليس على وسائل الإعلام التقليدية.
وفي
الجانب الأوربي احتفلت الدنمارك بتعين أول سفير لها في "الجمهوريات
الافتراضية"، حيث يعد السفير "كاسبر كلينج" والذي عمل سفير لبلاده
لدى إندونيسيا، أول سفير كما يطلق على نفسه "تكنوبلوماسي" وأعلن بأن مقر
سفارتها القادم سوف يكون في وادي السيليكون "silicon valley" بسان فرانسيسكو.
اهتمت مبكرا أمريكا وبريطانيا وفرنسا وبعض الدول الغربية بهذه
الدبلوماسية، فلا يكاد سفير لإحدى هذه الدول إلا ويوجد لديه حساب فعّال في توتير
للمشاركة والتفاعل مع الدول التي يمثل بلاده فيها، فالرسائل التي يريد إيصالها أو
القضايا التي يرغب بطرحها يكتبها من خلال حسابه في أدوات التواصل الاجتماعي
وبالأخص (تويتر).
المملكة العربية السعودية وتويتر
حساب وزارة الخارجية في المملكة العربية السعودية النشط والفعال في توتير
تجاوز 2مليون متابع نتيجة لفهم القائمين على العمل الدبلوماسي أهمية التفاعل
والتواصل عبر الأدوات المؤثرة في وسائل التواصل الاجتماعي.
حيث تحتل اللغة العربية المرتبة السادسة في قائمة اللغات الأكثر استخداما
على موقع التدوين المصغر (تويتر)، حسب آخر الإحصاءات، والمثير في الأمر أن دول
الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، تسهم بالنصيب الأكبر من التغريدات
العربية، ما يعكس شعبية واسعة للموقع في دول الخليج العربي، حيث يعتمد قادة الرأي
على موقع (تويتر) كأداةً أساسيةً لإيصال أفكارهم ومشاركة وجهات نظرهم في قضايا
كثيرة، سياسية واقتصادية واجتماعية.
إحصائيات التويبلوماسي
تشير إحصائية حديثة نشرت في دراسة تويبلوماسي 2018م، أعدتها شركة العلاقات
العامة العالمية "بيرسون مارستيللير" عبر موقعtwiplomacy.com ، بهدف قياس مدى نشاط وفعالية
رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية، استنادا إلى بيانات موقع (تويتر) أن 97%
من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة (مجموعها 193 دولة) لديها حسابات رسمية على موقع (تويتر).
وهناك 6 دول لا تملك حسابات رسمية على منصت (تويتر) وهي: تركمانستان، وموريتانيا، ونيكاراجوا، وكوريا الشمالية، ولاوس،
وسوازيلاند. ورصدت الدراسة وجود 951حساباً تابعاً لرئاسة وزراء ووزراء خارجية 187
دولة، توزعت كالتالي: 372 حساباً شخصياً و579 حساباً لدوائر حكومية، و 485 مليون متابع
لتلك الحسابات.
الحضور الدبلوماسي على (تويتر)
ويهدف تقرير الحضور الدبلوماسي على (تويتر) Twiplomacy إلى تحديد مدى استخدام زعماء العالم لهذه الشبكة الاجتماعية
وكيفية تواصلهم:
الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أول زعيم في العالم يستعين بـموقع (تويتر) لأغراض سياسية وليس لأغراض التواصل الاجتماعي،
حينما كان سيناتور ولاية إلينوي الأمريكية عام 2007م، وأن الرئيس الأميركي دونالد
ترمب يعتبر هو زعيم (تويتر) الذي اختار إهمال المنابر الصحافية ولجأ إلى موقع
التواصل الاجتماعي لنشر قراراته مباشرة إلى العالم. منذ أيام أعلن وزير الخارجية
البريطاني السابق بوريس جونسون استقالته عبر (تويتر)، مؤكداً أن هذا المنبر تعدى
كونه مجرد شبكة تواصل اجتماعي، بل بات أداة يستعين بها الزعماء والملوك لإعلان
مواقفهم الرسمية وقراراتهم المصيرية.
مايكل ماكفول، الدبلوماسي، والبروفيسور وعضو الحزب الديمقراطي الأمريكي
يعتبر سابع سفير أميركي لدى روسيا، وأول دبلوماسي في العالم ينضم لـموقع (تويتر)،
وذلك في عام 2011م، حيث كان يغرد بالروسية والإنجليزية.
-
قادة العالم الأكثر نفوذاً في عام 2018م:
وأعدّت الدراسة قائمةً بالحسابات الدبلوماسية الأكثر نوفوذا، جاء على
رأسها حساب خادم الحرمين الشريفين ملك المملكة العربية السعودية الملك سلمان بن
عبدالعزيز آل سعود . ويأتي من خلفه الرئيس ترامب والبابا فرانسيس الأول.
-
قادة العالم الأكثر متابعة في عام 2018م:
وأعدت الدراسة قائمةً بالحسابات الدبلوماسية الأكثر متابعة، جاء على رأسها
حساب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب 52 مليون متابع. أصبح ترامب القائد العالمي الأكثر متابعة على (تويتر)
حين تجاوز البابا فرنسيس الذي أصبح الثاني عالميا مع أكثر من 47 مليون متابع
لحساباته في تسع لغات.
تويبلوماسية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
اعتاد الرئيس الأمريكي على التغريد عبر (تويتر) ليشرح رؤيته وقراراته حيال مختلف الملفات، حتى
أن وزير خارجيته السابق ريكس تيلرسون علم بإقالته من خلال تغريدة.
ترامب يهاجم أعداءه من (تويتر) حيث دفعت تيبلوماسية ترامب بكل من البيروقراطية والإعلام إلى المقام
الثاني في اتخاذ القرارات، إذ يعتبر هذا التصرف جزءا من استراتيجية ترامب في
مواجهة معارضيه:
-
كتب ترامب على (تويتر): إن إيران "سوف تعاني عواقب وخيمة لم يشهد
التاريخ مثلها إلا القليل إذا "هددت الولايات المتحدة".
-
كتب ترامب على (تويتر): "سندمر تركيا اقتصاديا إذا هاجمت
الأكراد".
-
حيث هاجم في تغريده له مدير الاستخبارات الأمريكية بقوله "إن جون
برينان أسوأ مدير مخابرات في تاريخ أمريكا".
تأثير الفضاء الإلكتروني
على الدبلوماسية
أثر الفضاء الإلكتروني على العمل
الدبلوماسي من خلال ما يتاح في مواقع
التواصل الاجتماعي وخاصة (تويتر) من معلومات جيو سياسية، حيث ساعد الفضاء
الإلكتروني في تغيير شكل العلاقات الدولية عن طريق التأثير على العنصر البشري وعلى
فن الدبلوماسية والمبعوثين الدبلوماسيين في طريقة جمعهم المعلومات وطرق الارسال،
وعملية اختبار الدبلوماسي الذي يجب ان
يمتلك قدرة عالية من التعامل مع تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ويستطيع
ان يتفاعل من خلالها، وكذلك في طبيعة
الرسائل التي يمكن ان يبعثها المبعوثون
الدبلوماسيون، وفن دبلوماسية الردود.
فالرسالة
التويبلوماسية تنبع من عدة أسباب:
أولا: الممارسة
الديمقراطية وحرية الرأي.
ثانيا: التفاعل الفوري للمغردين مع الرسالة، ونوع
التأثير ومداه.
ثالثا: كشف الجمهور وأجندة اهتماماته اليومية.
رابعا: ظهور صحافة المواطن كإعلام جديد
"نيوميديا".
واخير نود القول بأن الدبلوماسية العلنية اليوم هي مشهد مفتوح يعلن عن
مبادئه، فزمن "الدبلوماسية السرية" انتهى.. في عصر التحولات الراهنة.
التي تقاس بمدى قوة تأثيرها داخل العالم الرقمي برسم معالم الثورة الدبلوماسية
الرقمية الجديدة التي غيرت قواعد وأساليب السياسة الخارجية، وسمحت للاعبين الجدد
بدخول ساحة الفلسفة السياسية ودبلوماسية التأثير، فأصبحوا ينافسون بقوة تأثيرهم
قوة الحكومات والدول والمنظمات الدولية ولنا في (تويتر) نموذجا.
فهد بن ناصر الدرسوني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق