الجمعة، 28 أبريل 2017

مستقبل النظام الإقليمي العربي وتحدياته

مستقبل النظام الإقليمي العربي وتحدياته
  مقدمة  
إن النظام الإقليمي عامة كما يعرفه (كانتوري) و(سبيغل) ، هو عبارة عن ..دولة او دولتين أو أكثر متجاورة ، ومتفاعلة وتملك بعض الروابط الاثنية ، واللغوية والثقافية والاجتماعية والتاريخية المشتركة ، ويزداد فيها الشعور بالهوية أحيانا بسبب أعمال ومواقف الدول الغربية عن النظام.
 وبناء علي هذا نلاحظ أن المنطقة العربية ، هي أكثر تأهيلا لاكتساب صفة النظام الإقليمي ، فهي تزخر بالخصائص التي تعمل علي تقريب مكوناتها ،فعلاوة علي العور بالانتماء إلي القومية العربية ،هناك عوامل مادية تكرس هذا الواقع من بينها الامتداد الجغرافي ، واللغة والتماثل ودرجة التفاعلات التي ظهرت أبرز تجلياتها علي المستوي التنظيمي ، حيث تتوفر المنطقة العربية علي شبكة مكثفة من التنظيمات الرسمية وغير الرسمية، كما تزداد درجة التفاعلات ،كما تعرضت المنطقة لتحدي خارجي ،كما هو الشأن بالنسبة لإسرائيل ،كما أن هناك عدة تحديات التي تهدد النظام الإقليمي العربي وترهن مستقبله   في ظل التحولات الدولية والداخلي.واستناداً إلى هذه العموميات سيكون عنوان بحثنامستقبل النظام الإقليمي العربي وتحدياته، وقد تمحور هذا الموضوع على الإشكاليات التالية: .
§       فما هي خصائص النظام الإقليمي العربي؟ ودوره؟ وتفاعلاته؟
§       في ظل التحديات الراهنة   ؟        
المطالب الأول: مفهوم النظام الإقليمي العربي وخصائصه وتفاعلاته
   المبحث الأول : تعريف بالنظام الإقليمي العربي
 إن المنطقة العربية تعتبر من أكثر المناطق في العالم المؤهلة لاكتساب صفة النظام الإقليمي ،فمن الناحية السلوكية يمكن وصف المنطقة العربية بأنها نظام إقليمي، ترتبط الدول المختلفة في ظله ضمن تفاعلات متصارعة أو متعاونة. وحسب علي الدين وجميل مطر فمفهوم النظام الإقليمي العربي يشير منظومة البلاد العربي من موريتانية إلي الخليج، والتي يربط بين أعضائه عناصر التواصل الجغرافي والتماثل في عديد من العناصر اللغوية والثقافية والتاريخية والاجتماعية مع وجود تفاعلات بين أعضائه وإن كانت متفاوتة.
 ومن هذا المفهوم فإن النظام الإقليمي العربي تنطبق عليه العناصر الثلاثة الرئيسية في تعريف النظام الإقليمي "هو مجموعة العلاقات المنسجمة و المتكاملة بين عدد من الدول، المتجاورة في إقليم جغرافي محدد".
فمن الناحية الجغرافية ، تمثل المنطقة العربية إقليميا ، ومن ناحية التماثل، تتمتع البلاد العربية بالعديد كم عناصر التشابه التاريخية والاقتصادية الاجتماعية... وغيرها. من ناحية التفاعلات، فإن هذه تشهد دفعا مستمرا وكثيفا للتفاعلات فيما بينها.
 وعلي هذا،فغن مصطلح النظام الإقليمي العربي، يستخدم للدلالة علي ذلك الإقليم الذي يضم وحدات سياسية متماثلة ومتقاربة في النواحي الثقافية و الإجتماعية والإقتصادية والتاريخية، تدخل في شبكة معقدة من التفاعلات متعددة الأغراض والمضامين،أي أن مصطلح النظام الإقليمي العربي ليس إشارة إلي إقليم جغرافي فحسب وإنما يعكس المصطلح نفسه توجهات السياسية،نظاما يستند إلي التجانس لثقافي فريد ذي عمق حضاري.
ورغم هذا فقد رفض البعض فكرة وجود نظام عربي بالمعني المتعارف عليه لمفهوم النظام، وذلك في ضوء نقدهم لطبيعة الدول العربية، فمعظم الأقطار العربية في نظرهم ليست   دولا بالمعني الاجتماعي والسياسي الذي يميز الدولة في الغرب ، فهي اقرب ما تكون إلي السلطات أو الهيآت الحاكمة ، منها إلي الدولة وهي في الغالب دول الأفراد والرؤساء والمشايخ والقبائل ، وكذلك في رصدهم لحالة الفضي والتشتت والتبعثر بين الكيانات العربية، وعدم الانضباط في العلاقات والتفاعلات السياسية بينها، هذا إلي جانب غياب آليات تحديد التوجهات و ضبط التفاعلات، وحل الصراعات بين الوحدات المكونة للنظام.     واعترض آخرون علي مفهوم النظام العربي، من زاوية أنه غامض، ويفتح المجال لخلاط واللبس مع مفهوم النظام السياسي الوطني في هذا القطر وذاك ، لذلك اقترحت مفاهيم بديلة مثل مفهوم النسق العربي، والمنظومة العربية كما يمكن الإشارة هنا إلي مصطلح منطقة الشرق الأوسط أو النظام الشرق أوسطى، الذي يبدو في الكتابات الغربية، وإصرار هذه الكتابات منذ الحرب العالمية الثانية علي استخدامه للدلالة علي المنطقة العربية، التي تضم حسبهم_خليطا_ من القوميات والسلالات والأديان والشعوب واللغات ، والقاعدة في ذلك هي التعدد و التنوع، وليس الوحدة أو التماثل

المبحث الثاني : خصائص النظام الإقليمي العربي   
إن الرفض لمصطلح الشرق الأوسط ، يدفعنا لتناول خصائص النظام الإقليمي العربي لتتضح الرؤية أكثر
فمن ناحية الموقع:   
نجد أن النظام الإقليمي العربي يشمل منطقة جغرافية متصلة ، تحده حدود طبيعية واضحة المعالم ، فمن جهة الشرق تحده الهضبة الإيرانية ، ومن جهة الغرب المحيط الأطلسي ، بينما يمتد في شماله البحر المتوسط من مضيق جبل طارق، حتى خليج مرسين، حيث يفصل جبل طورورس الوطن العربي عن بلاد الأنضول وآسيا الصغرى، ويشكل المحيط الهندي حدا طبيعيا من الجنوب الشرقي ، والصحراء الكبرى من الجنوب، وهذه الحدود ليست مجرد خيوط علي الخرائط، بل تجسد معالم وجود طبيعي، وثقافي وحضاري ساهمت في صنعه عوامل طبيعية وبشرية علي امتداد14قرنا.
وعلي المستوي افقتصادي:
تندرج أغلب دول النظام الإقليمي العربي ضمن دول العلم الثالث، وهي بذلك تتصف بهيمنة اقتصادية ذيليه و تابعة لمركز السيطرة الرأسمالية، ومندمجة في توزيع العمل الدول اللامتكافيء بشكل جعل العنصر الخارجي   هو العنصر الدافع للمبادرات الاستثمار، والمتحكمة في التوازنات الاقتصادية الداخلية والخارجية ، بحيث أصبح اقتصاد كل باد قائما أساسا علي التخصص في إنتاج سلع تستجيب لطلب المركبات الإنتاجية والاستهلاكية للخارج وبخاصة الدول الرأسمالية
اماعلي الصعيد الإجتماعي :
 كنتاج للبنيات الاقتصادية ، يتميز التركيب الاجتماعي في غالب البلدان العربية ، بالفوارق المجحفة وبتسلط أقلية متخلفة فكريا علي القدرات الاقتصادية، وإغراقها في فقر مدقع، يمكن لمسه من خلال الأوضاع المزرية التي تتخبط فيها الجماهير العريضة سواء في المدن أو في الأرياف ، وكذلك من خلال مأساوية أزمة السكن والصحة والتعليم والبطالة...
ومن الناحية السياسية :
غالبا ما تنجم شرعية الدول العربية من التزامها في الدفاع عن قضايا الوطن العربي ،يضاعف الإحساس بالانتماء إلي عائلة واحدة، مطلب التضامن العربي، جاعلا الوحدة هدفا مرغوبا وضروريا معا.
 ميزة أخري   يتميز بها النظام الإقليمي العربي هو الإمكانيات الاقتصادية والمادية والبشرية والجيوسياسية .فلا أحد يتجاهل أن النظام العربي ، يتميز عن غيره من النظم الإقليمية ،بمكانته في إنتاج البترول وتصديره

المبحث الثالث : نشأة وتطوره
           فإننا نجد   نشأة النظام الإقليمي العربي تختلف عن نشأة غيره من النظم الإقليمية في أكثر من مجال ، النظام العربي لم ينشأ فقط لأن الدول السبع المستقلة سنة1945، قررت إنشاء جامعة الدول العربية ، أو أنها هذه الدول المتجاورة تتشابه ثقافيا وسياسيا، وتتقارب في مراحل نموها وتطلعاتها، أو لأن التهديد الصهيوني فرض عليها التجمع والتفاعل، أو لأن القوي الدولية المهيمنة آنذاك كانت تحبذ إنشاء منظمة إقليمية عربية.
       لقد نشأ النظام العربي ،نتيجة تفاعل عديد من العوام، كثير منها لم يوجد أصلا عند قيام نظم إقليمية أخري   ، فالشعوب التي تشكل قاعدة النظام العربي ، عاشت بصفة دائمة علي أرضها مئات السنين ، تتحدث اللغو نفسها وتدين غالبيتها بالعقيدة نفسها، وفي أغلب الأحيان تخضع لنظام الحكم نفسه. و بالتالي فإن اختلاف الشعوب وتفاعلها وتوحدها، سبق قرار الدول السبع أن تتفاعل في شكل منظمة إقليمية.
     وعلي الرغم من تعدد ظروف وعوامل النشأة ،فإن   عاملا رئيسيا يشكل أساس النظام العربي وهو عنصر القومية ،فالمنطقة عاشت مرحلة سادت فيها فكرة القومية، أفرزت مفكرين وسياسيين بعضهم اعتنقها ، وبعضهم لم يستطع تجاهلها.لقد بدأت الحركة القومية في المنطقة العربية في شكل تيار سياسي في وقت كانت معظم الهياكل الفوقية تخضع للحكم العثماني أو الاحتلال الغربي .
     ولقد مر النظام الإقليمي العربي بعدة مراحل تطور من خلاله، فهناك شبه اتفاق بين الدارسين حول مراحل تطور النظام الإقليمي العربي   ونحن في دراستنا هذه نميل إلي الأخذ بالتقسيم الذي قدمه كل من "علي الدين هلال" و "جميل مطر" نظرا لوضوحه ، ولتقاربه من تقسيمات المفكرين آخرين وقد قسمنها إلي أربع مراحل :
المرحلة الأولي :مرحلة النشأة (1945-1955 ): هي المرحلة التي أرسيت خلالها قواعد وسلوك أعضاء النظام العربي ، وأنشئ   خلالها الإطار المؤسس للنظام العربي ، ممثلا في الجامعة العربية ، حيث شهدت هذه المرحلة من الأحداث البارزة التي لعبة دورا في صياغة ملامح نظام إقليمي عربي،حيث كانت نكسة فلسكين1947-19488 وصار الصراع العربي _الإسرائيلي نواة العلاقات العربية-عربية   .
 كما كانت في هذه الموحلة ثورة يوليو 1956في مصر والتي أحدثت تغييرا قيا في إمكانيات، و طاقة النظام العربي، ودفعت بحركة التحرر في الوطن العربية. كما أنه خلال هذه المرحلة، أنحسر الوجود العسكري الاستعماري المباشر عن معظم الأقطار العربية، وظهور أنظمة الحكم العربي بمظهرها الوطني المستقل.
 المرحلة الثانية:مرحلة المد القومي (1955-1970):هي مرحلة استكملت البلدان الرئيسية استقلالها كما اتسمت هذه المرحلة بالهجمة الأمريكية لمنع تطور النظام العربي.وفي هذه مرحلة ظهرت أولوية الوحدة العربية التي تعززت بمحددات هامة مثل وجود منطقة ارتكاز(مصر) كاتم إنشاء الجمهورية العربية المتحدة، وبلغة الموجة القومية الوحدوية ذروتها في هذه المرحلة.
    المرحلة الثالثة:مرحلة الإنحسارالقومي (1970-1977): شهدت هذه المرحلة تحولات رئيسية في النظام العربي، إذ غابت الشخصيات الكاريزماتية التي لعبة دورا مهما في المرحلة السابقة _ زوال دولة الارتكاز ،ونشبت حروب جديدة ، وتفجرت الثورة في بلدا الخليج إذ أخرجت الأزمة النفطية بلدان الخليج إلي الساحة وعززت موقعها، تفجر الفقر في بلدان أخري ،اختراق اشمل وأعمق من جانب النظام الدولي ، بأخص من جانب الولايات المتحدة. وشهدت هذه المرحلة الحرب الأهلية في لبنان ، وزيارة السادات للقدس 1977،مما غير جذريا الثقافة السياسية العربية.
المرحلة الرابعة: مرحلة التبعثر القومي (1977-1990 ) : بلغ في هذه المرحلة التبعثر لقومي مداه، وبرزت الاتجاهات القطرية الضيقة ، فقد اخترقت إسرائيل هذا الأمن القومي باحتلالها لبنان ، وحققت  أهدافها ، وأصبحت الدولة الإقليمية المهيمنة في المنطقة ، كذلك تراجع الدور العربي والقبول بالتسوية وكرست مبدأ التفاوض مع إسرائيل   ، كما تميزت هذه المرحلة بالتشتت والانقسام   وانتهت هذه المرحلة باجتياح العراق للكويت (2أوت1990)و التي أدت إلي أزمة وحرب الخليج




   الفصل الثانيدور النظام الإقليمي العربي وتفاعلاته
المبحث الأول : دور النظام الإقليمي العربي  
يعيش ويتحرك النظام الإقليمي العربي في إطارا لنظام الدولي ويتفاعل معه،ومع الأنظمة الإقليمية الأخرى، ويؤثر ويتأثر بها سلبا وإيجابا وذلك بوصفه نظاما فرعيا له ديناميكياته التي ينفرد بها.
          إن للنظام الإقليمي العربي عدة نقاط تمنحه ثقلا استراتجيا اقليميا وعالميا ، وخاصة إذا تم استغلالها تكمن هذه النقاط في:

أولا :  الموقع و الأهمية الاستراتيجية
الموقع : يقع الوطن العربي في قلب العالم القديم , عند ملتقى القارات الثلاث . وهو يقع جنوب غربي لاآسيا وشمالي أفريقيا .

الحدود الطبيعية :
1_ يحد الوطن العربي غربا المحيط الأطلنطي ( الأطلسي )
2_ ويحده شرقا جبل زاغروس , وفارس وخليج عمان .
3_ البحر المتوسط وجبال زغروس من الشمال .
4_ البحر العربي والمحيط الهندي وهضاب الحبشة والبحيرات والصحراء من الجنوب 

الحدود السياسية : الدول التي تحد الوطن العربي هي : تركيا من الشمال إيران من الشرق. وفي القسم الإفريقي تحده أثيوبيا وكينية وأوغندة وزائير  وإفريقية الوسطى وتشاد والنيجير ومالي من الجنوب 

مسافة الوطن العربي :
إن مساة الوطن العربي هي 14 مليون كيلو متر مربع .
أهمية الإستراتيجية: تتجلى أهمية موقع الوطن العربي الإستراتيجية بالنقاط التالية :
1_ موقع الوطن العربي المتوسط جعله طريق اتصال بين قارات العالم القديم براً وبحراً وجواً .
2_ إشرافه على بحار ومحيطات وخلجان نشطة بالملاحة العالمية .
3_ يتحكم بالمنافذ البحرية والبرية ذات الأهمية الاقتصادية والعسكرية . وأهم المنافذ البحرية هي : مضيق جبل طارق مضيق باب المندب مضيق باب السلام .
أما الطرق البرية هي : طريق بلاد الشام الرافدين , طريق وادي النيل , الطرق العابرة للصحراء بين المتوسط وإفريقيا .
4_ يعد الوطن العربي عقدة مواصلات حيوية بين الغرب والشرق .
5_ تتوافر فيه مساحات كبيرة صالحة للزراعة والرعي, مما أدى إلى تنوع موارده الزراعية والرعوية
6_ إن موقعه بين منطقتين مختلفتي الإنتاج ( آسيا و إفريقيا) جعله طريقاً للمبادلات التجارية بينهما .
7_ الوطن العربي يعد من أهم مناطق العالم تصديراً للنفط بسبب غناه بالإنتاج والاحتياطي
 . كل هذا يكسب المنطقة قيمة إستراتجية هائلة (عسكريا و لوجيستيكيا وتجاريا)
ثانيا: الموارد الطبيعية
المصدر الثاني من مصادر قوة النظام العربي هو الموارد الطبيعية، حيث تتحكم وتملك المنطقة العربية إمكانيات هائلة من هذه الموارد، من حيث الإنتاج أو الاحتياط، فهي تحتل مواقع متقدمة   من إنتاج الحديد والفوسفات وغيرها من المعادن التي تقوم عليها الصناعات الحديثة ، وإن كان المورد الأهم بينها هو البترول، إذ تنتج المنطقة العربية 1/3 بترول العالم، وتضم2/3 الاحتياطي الؤكد.
  لقد شكل النفط الموضوع الرئيسي لعلاقات العرب بغيرهم، فانطلاقا منه، تجري عملية قولبة الأشكال الأخرى للعلاقات المختلفة، كما أنه من منفذه يتدخل العامل الأجنبي، ليمارس سلطته في توجيه العلاقات العربية_العربية والتأثير في مساراتها.
كما أنه عامل قوة وإمكانية الضغط علي قمة النظام الدولي من خلال وقف أو تقليل إنتاج البترول أو تصديره، أو تهديد، هذا أعطى أهمية ومكانة للمنطقة   العربية في الاقتصاد العالمي، مما جعل دول الشمال ،تابعة للشرق الأوسط بمعني من المعاني ، كما تغيرت صورة النظام الإقليمي العربي ، بعد استخدم سلاح البترول  
 ثالثا: الصراع العربي الإسرائيلي
المصدر الثالث الذي أعطي   دينامكية للنظام الإقليمي العربي ، هو الصراع العربي_الإسرائيلي، فهذا الصراع يعتبر أهم الصراعات التي يظهر فيها بوضوح التفاعل بين التوازن الإقليمي والنظام الدولي، ذلك لأنه يثير بعمق مشكلة خطورة تدخل القوي الدولية.
     فالصراع العربي _ الإسرائيلي، يؤثر علي سلام وامن العالم، كونه يجري في منطقة إستراتجية تملك نصيبا وافرا من الثورة والموارد    الاقتصادية مما يجعل لأية حركة فيها ، تأثيرا إقليميا دوليا ، بحكم ارتباط مصالح القوى في العالم.
     كما أن هذا الصراع يعد احد الأسباب الهامة لانتقال استقطاب الصراع بين الشرق والغرب إلي المنطقة العربية. ولقد لعبت القوتان العظم دورا هاما فيه، علي نحو اثر علي رغبة وقدرة دولها، وعلي التعامل مع قوى خارجية أخرى.
     هذا الصراع ليس مجرد صراع إقليمي ، ولكن تسبب أزماته المتتالية خللا في السياسات الإقليمية والعالمية أيضا، لأنه يثير المواجهة بين القوى العالمية علي النحو يؤثر علي التوازن العام.
إن استمرار هذا الصراع واحتدامه، فرض استمرار الانشغال بها علي الصعيد الدولي، كما للمنطقة العربية من أهمية في الإستراتجية العالمية، ولما للصراع من تأثير علي الأمن العالمية، ولما للصراع من تأثير علي الأمن العالمي، وهذا الانشغال يعني استمرار المساعي الدولية للتوصل إلي حل شامل ومتابعة إقامة سلام في المنطقة.
  رابعا : الطبيعة الحضارية
المصدر الرابع من مصادر قوة النظام الإقليمي العربي، هو الطبيعة الحضارية له، ذلك أن هذا الأخير لا يستند إلي الجوار الإقليمي ، بقدر ما يستند إلي التوجه سياسي وتجانس ووحدة ثقافية وتاريخية، وإحساس عميق بوجود تراث مشترك، وهي عناصر اقترنت في تطورها وانصهارها التاريخي ، بتطور الإسلام وانتشاره في تلك المنطقة ، وتاريخه السياسي والحضاري الممتد، الأمر الذي عكس حقيقة هامة من التطور الإستراتيجي للمنطقة مفادها ، ان المنطقة العربية، لديها القدرة علي أن تكون منطقة جذب رهيبة للقوي المحيطة بها.

المبحث الثاني : التفاعل بين النظام الإقليمي العربي والنظام الدولي  
يعرف النظام الدولي أو العالمي بأنه ذلك الذي يمثل أنماط التفاعلات والعلاقات بين الدول، أو هو شبكة التفاعلات بين أقطار ودول وأقاليم العالم المختلفة، وله نظما وانساقا فرعية، إقليمية،تؤثر وتتأثر به، ومن هذه النظم الفرعية ، النظام الإقليمي العربي، وبالتالي لهذا الأخير علاقة جدلية ووثيقة مع النظام العالمي. ويمتلك النظام الإقليمي العربي خاصية في علاقته بالنظام العالمي، هي الموقع الجيوستراتيجي والمكانة الاقتصادية العالمية.
 إن النظام الإقليمي العربي هو جزء من النظام العالمي يؤثر فيه أحيانا ، ويتأثر به في معظم الأحيان، أي أن النظام الإقليمي العربي ، يمكن أن يشكل إحدى المرايا العاكسة لعلاقات القوي والمتغيرات الهيكلية في النظام العالمي ككل، بالإضافة إلي أنه يمثل واحدة من المتغيرات فيه التي لعبت دورا في تغييره ودفعه نحو آفاق جديدة فالنظام الإقليمي العربي يعتبر كفاعل رئيسي في النظام العالمي في أبعاده العسكرية والسياسية و الاقتصادي والقيمة.
    أما فيما يخص تأثير النظام العالمي، فإننا نجد النظام الإقليمي العربي قد نشأ غير متناقض مع النظام الدولي، ففي مرحلته الفاعلة بين(1955_1975) تعرض  النظام العربي لتأثير حقبتين في تطور النظام الدولي، أولهما : الحرب الباردة ثم مرحلة الوفاق،فقد عاني النظام العربي بكل وضوح من تأثيرات الحرب الباردة في صورة خطر"الاستقطاب" بين أطراف النظام العربي. وبشكل عام فإن التفاعل بين النظام الدولي والنظام العربي،إنما نجم عن التناقض بين مقتضيات الحفاظ علي تماسك النظام وفعاليته وإمكانيات نموه، وبين مقتضيات حفاظ القوي الدولية الكبرى علي مصالحها في المنطقة ، وتأثيرات التنافس بينهما فيها.
    وظل النظام العربي دائما يحاول التحرر من ضغط النظام العالمي عليه، واخذ مكان لائق في هذا النظام، فقد أعضاؤه أشكالا مختلفة للتدخل الخارجي لتأثير علي سلوكهم، وعلي توازن القوي فيما بينهم. فقد حاول النظام الدولي التغلغل في العلاقات العربية _العربية، واستقطاب بعض الدول العربية لمصلحة هذا الظرف أو ذاك ( الدول العظمى)، مما كان له آثارا علي العلاقات العربية  - العربية نفسها.
   ورغم انتكاسات النظام العربي، سواء علي الصعيد تجاربه ومساعيه الوحدوية، أو بصراعه مع إسرائيل ومن خلفها ، فقد استطاع أن يقود مواجهة بينه وبين النظام الدولي، إذ مثلت حرب أكتوبر1973 ونتائجها ، تحديا إقليميا للنظام الدولي فضلا عن تأثيرات القوي الاقتصادية العربية علي النظام الاقتصادي الدولي ، حيث استطاع النظام العربي، أن يعيد لذاته الحضور وتأثيرا دوليين عبر توظيف إمكانياته وطاقاته الاقتصادية في صراعه وتفاعلاته، مما اكسبه موقفا اقتصاديا عبر زيادة ضخمة لموارده المالية بفضل ارتفاع سعر النفط.
ويتفق الباحثون في تطور النظام الإقليمي العربي ان أداءه بلغ ذروته في حرب أكتوبر والحظر النفطي ، فخلال هذه الحرب ، ومع التنسيق السياسيات العربية ، والتعبئة العسكرية الاقتصادية والسياسية والإعلامية لمواجهة التحديات المصيرية، والتعاون مع دول عدم الإنحياز ،وتدعيم هذه السياسة في كل المتغيرات الدولية واتخاذ سياسات مدروسة تجاه الدول الكبرى في ظل الوفاق والتقارب، استطاع النظام العربي أن يواجه التحدي الخارجي، وان يقرر مصيره بدرجة معينة ، وأن تبرز قوة الحركة الدول العربية في المجال الدولي ، وموجهة الصهيوني والتصدي له ، برز العمل الاقتصادي العربي المشترك من خلال استخدام البترول كوسيلة من وسائل الإدارة للصراع السياسي في مواجهة الدولي التي تؤيد إسرائيل ، ومن خلال الدعم الاقتصادي لمصر وسوريا بالإضافة إلي العمل السياسي من حيث المواقف المشتركة والحركة في مجال الدولي ، وتدعيم العلاقات مع الدول المؤيدة للعرب
إذن لم يكن النظام الإقليمي العربي بعيدا عن التطورات في النظام العالمي، وتفاعلات بين قواه ( أمريكا و الإتحاد السوفيتي) ، بقدر ما عكست هذه التفاعلات نفسها علي النظام العربي ، فقد كان هذا النظام فاعلا مشاركا بدرجات متفاوتة في هذه التفاعلات.

الفصل الثالث :تحديات مستقبل النظام الإقليمي العربي
الفصل الأول : عامل التجزئة
             إن العرب ليسوا دولة واحدة ، وبالتالي تتعدد أهدافهم ومصالحهم، وتنفرد كل دولة برسم علاقاتها الخارجية ، علاوة ان هناك ارتباطات بين غالبية هذه الدول العربية ولغرب خاصة أمريكا ، ومن ثمة فإن هذه الدول تخضع في الغالب لضغوط هذا الغرب ، مما جعل تأثيرهم محدود.
كما يرتبط هذا المفهوم بنسبة الانقسامات والمشاكل العالقة بين الدول العربية وهذا راجع إلي طبيعة الأنظمة السياسية العربية التي   يتميز بمستوى من التخلف في مختلف المجالات وكما يتميز بتبعيتها للقوي الخارجية الكبرى وهذا أثر علي حركة التعاون العربي في مواجهة التحديات والتهديدات وأصبحت سمة التجزئة هي انتشار النزاعات العربية في داخلها في مختلف السياسات وهذا ما أثر علي مجال العمل العربي المشترك واتجهت مختلف التجارب العربية إلي سياسات عدائية وأحيانا قطيعة سياسية ويرجع هذا إلي خلل في علاقة التعاون التنسيق العربي وحتى في اختلاف النظام العربية في توجيهاتها وعدم توحيد الجهود لمواجهة التحديات الخارجية وعدم القدرة علي احتوائها   .
 وأهم تحدي في عامل التجزئة هو الانقسام الداخلي و يمكن تقسيم أسباب ومحركات الصراعات الداخلية العربية إلى مستويين: الأول، على مستوى العوامل أو الأسباب الداخليةوالثاني، على مستوى العوامل والأسباب الخارجية، أي عوامل غير عربية، المصدر والفعل.
أولا العوامل الداخلية:
1- أزمة الشرعية للسلطة السياسية الحاكمة
2- "غربة" السلطة السياسية سياسياً وثقافياً عن محيطها الشعبي
3- "الجهل" بالدين والجهل بالتاريخ السياسي للمجتمع العرقي
4- غياب وضوح العلاقة "التعاقدية" العادلة بين الدولة وطوائفها المختلفة
5- التكوين ألقسري للدولة القطرية في العالم العربي (أزمة الدولة القطرية)
6- غياب "الضابط الحضاري" عند الاختلاف
7- دور "النخبة" في النظام السياسي أو الأقليات
8- وجود إشكاليات في الفكر العربي المعاصر
ثانياً: العوامل الخارجية :
1- الدور السلبي للاستشراق والتبشير والاستعمار في العالم العربي
2- اضطراب الأمن الإقليمي، والصراعات العربية ـ العربية
3- التنافس بين القوى الدولية حول النفوذ في العالم العربي إبان الحرب الباردة
4- الدور الصهيوني والصراعات الداخلية العربية  
    ومن أمثلة حالة الصراع العربي الداخلي   نستحضر الحالة لبناني والسوداني التي تأثر في الوقت الراهن علي مستقبل النظام الإقليمي العربي:                                                                                    
 الحالة اللبنانية :
تتمثل حالة الصراع الداخلي في الحالة اللبنانية بما يلي:
§       الإرث الاستعماري.
§         وجود الفلسطينيين في لبنان 1965-1994.
§         سقوط الحكومة المسيحية المسيطرة في حرب أهلية الدروز والشيعة والمارونية والسنة. واستمرت هذه الحرب لفترة طويلة 65-91.
§       ساهم في سوء الأحوال اللبنانية الغزو الإسرائيلي عام 1985.
وبدأت الأوضاع بالهدوء بعد اتفاق "الطائف"، وتحديث الدستور الذي يدعو للمشاركة السياسية والانتخابات التي عقدت عام 1992 بإشراف سوري. لكنه يلاحظ أن بقاء الدور السوري في لبنان قد يصعّد من الصراعات الداخلية، خاصة على خلفية اعتقال شخصيات مسيحية عام (2001).
     الحالة السودانية 
تعد حالة الصراع الداخلي في السودان من الصراعات المعقدة التي شهدت عدة تطورات كبيرة خلال العقود الماضية، فمشكلة جنوبي السودان (السكان غير المسلمين) ووقوفهم ضد الحكومة قد مرت عبر عدد من المراحل منذ الخمسينيات، وانتهى الصراع عام 1972 بعد اتفاقية الحكم الذاتي، لكن ذلك لم يدم طويلا حين تراجعت الحكومة السودانية عن اتفاقية الحكم المحلي. وأدى ذلك إلى استنزاف موارد السودان بسبب ظاهرة الحرب المستمرة وعدم الاستقرار السياسي، نتيجة لتداخل عدة عوامل داخلية وخارجية في الصراع الداخلي الدائر في السودان.
وهو ذلك التقسيم الحاصل بين الأقطار العربية وجاذبية فكرة الاستقلال الوطني فالتوجه القطري يؤدي إلي تشتيت القدرة القومية العربية وهذا كان سبب غياب فهو موحد للأمن العربي مما عزز التهديدات الأجنبية وخاصة الإسرائيلية وهذا ما زاد اتساع الهوة بين المواقف الجماعية إلي تعبير عنها بدبلوماسية لفظية وهذا ما يؤكد   عدم وجود سياسية خارجية عربية واحدة لأن ن توجهاتها الحكومات تختلف باختلاف نظم السائدة أو بمعني أخر فإنها تتفق في تجسيدها لسياسة أمريكية واحدة في ظل تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع السياسيات العربية معاملة متساوية في إطار القضية العربية و الدول العربية تختلف في الرد علي هذه السياسية وهذا ما يجزم بعدم وجود سياسية عربية موحدة بسبب نزاعات داخلية والخلافات الإيديولوجية   والإقليمية , وأهم عامل لغياب سياسة عربية موحدة هو صعوبة الحوار وعملية تنسيق في الجانب العربي ولعل أهم مثل لتجميد الحوار و الانقسام العربي   هو عزل مصر عن الأمة العربية بعد التوقيع معاهدة كامبديفد 1978 .
وأهم عامل للتجزئة هو غياب الديمقراطية واتساع الهوة بين الشعب والقيادة السياسية في ظل التهديدات الإقليمية والدولية الرامية إلي تشتيت النظام العربي إلي مفهوم جديد بديل ومناقض هو النظام الشرق أوسطي   ودخول المنطقة في جدلية الصراع والوحدة في نفس الوقت وهذا أدي إلي انقسام بين الدول العربية عن الدول راديكالية والدول براغماتية    وبين الدول ذات طابع مختلف من   موالية للغرب وموالية للسوفيت وكذلك غياب دولة القائدة في العالم العربي مؤهلة لقيادة خاصة بعد عزل مصر وخرجها من صف العربي أما العراق والسعودية فليست مؤهلتين لعدة أسباب ,كما أن استمرار تبلور فكرة الدولة الوطنية القطرية علي حساب الوحدة العربية .
  غيب الدولة القائدة في العالم العربي ، لي ثمة دولة مؤهلة لقيادة   الجزء الأساسي من العالم العربي، إن مصر وسوريا شبه معزولتين ،بينما استطاعت مصر الخروج منها ما تزال سوريا غارقة فيها ، أما السعودية فليست لها مقومات لأداء الدور القائد في العالم العربي. استمرار تبلور فكرة الدولة الوطنية ( القطرية) علي حساب استمرار هبوط قوة الاتجاه نحو للوحدة العربية.
المبحث الثاني : الصراع العربي _ العربي
  تتصف العلاقات داخل النظام العربي بالازدواجية، لأنها تحصل على مستويين، فهي تتم على المستوى الرسمي بين دول ذات سيادة من جهة. ومن جهة أخرى تتم بين تنظيمات ومؤسسات شعبية، وذلك بحكم الرابطة القومية بين أبناء الدول العربية . ومن هنا فإن الانقسام الى دول ذات سيادة، لا يلغي الرابطة القومية التي تجمع بين الشعوب والأفراد، والنظر إلى التفاعلات العربية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار ذلك، وإلا تكون النظرة إليها ناقصة إذا اقتصرت على العلاقات الرسمية. وهذا ما يفسر مرونة أنماط التفاعل من صراع وتعاون، أو خلاف واتفاق. لا يعرف النظام العربي عموماً تحالفات جامدة، بل إن تحالفاته تتسم بالتغيّر والمرونة، وهو ما نراه في تفكك المثلث المصري ـ السعودي ـ السوري، بعد سنوات من مركزية هذه العلاقة في إطار النظام العربي، خاصة بعد حرب الكويت. ولعل ذلك أحد مظاهر صعوبة رسم حدود فاصلة للتحالفات والصراعات مما يعطي صورة متشابكة للتفاعلات العربية ـ العربية .

وفي هذا الإطار لا يمكن فصل التفاعلات في النظام العربي عن تأثيرات النظام الدولي، فقد عمد الأخير إلى اختراق النظام العربي بهدف تعميق عجز أولوياته وتطويع توازناته الداخلية لتتلاءم مع المتطلبات الدولية. وقد أدى هذا الاختراق إلى نقل الصراعات إلى مستوى أعلى باستمرار من حيث متطلبات التوازن الاستراتيجي والتكاليف المادية والبشرية سواء على الصعيد البيني أو على الصعيد الإقليمي. عمل ذلك على ازدياد الخطر الخارجي الناتج عن مفهوم المجال الأمني وغياب التوجه القومي وقصور الدور البنيوي والسلوكي للجامعة العربية، بعد أن انضم العراق ليخضع للاحتلال الأميركي، بعد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. فكلما تدهورت علاقات أطراف النظام العربي أصبحت الأقطاب الدولية هي الأكثر تقريراً لما يجري داخل النظام العربي، وأصبح تقرر مصير النظام العربي يتجاوز قدرة ورغبات أطرافه، وهو ما يصل بها إلى حالة العجز عن مساعدة عضو من أعضائه، كما هي الحال في أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان، ناهيك عن الوضع في فلسطين .

      لقد مثل إقليم المشرق العربي المسرح الرئيسي الذي جرت فيه أكثر التفاعلات الصراعية داخل الوطن العربي شدة وانتشاراً، وهو ما يجد تفسيره في أهمية الموقع الاستراتيجي للإقليم الذي جعله هدفاً رئيسياً لأبرز محاولات الاختراق الخارجي، يضاف إلى ذلك الوجود الإسرائيلي في وسطه. كما أنه باستثناء مصر، حققت أقطار المشرق سبقاً نسبياً في مجال الاستقلال والقرار السياسي، الأمر الذي هيأ لحركات التغيير داخل هذا الإقليم أن تسبق غيرها في المواقع الأخرى .

      لكن هذه المركزية للتفاعلات الصراعية للمشرق العربي لا تعني خلو الأقاليم الأخرى منها. فلا يوجد إقليم عربي إلا وكانت القوتان الرئيسيتان فيه متورطتين في نزاع مزمن في ما بينهما، الجزائر / المغرب، سوريا / العراق، السعودية/ مصر، السعودية / العراق، في فترات مختلفة. فلم يتوقف النظام العربي لحظة عن إفراز المحاور السياسية المتنافسة أو المتناقضة. ويشكل قيام المحور، عملياً، إقراراً بعدم إمكانية طرف ما في السيطرة على النظام بأكمله، مما يدفعه إلى تشكيل مجموعة صغيرة من البلدان المؤيدة له، أو التي هي بحاجة ماسة إليه، بهدف إقامة تكتل مؤيد، ويمكن اعتباره خط دفاع أول. ولا شك أن دينامية النظام الذاتية تجعل إنشاء محور يحمل في طياته احتمال إنشاء محور مقابل ـ كما يقول غسان سلامة ـ. والأمر الخطير في هذه الظاهرة أنها تشير الى ضعف ذاتي في النظام العربي، في الوقت الذي يتعرض النظام باستمرار لضغوط خارجية تعمل على تقليل تماسكه، بل وتفكيكه، وذلك أن قوته تعني عادة إمكان الإضرار بمصالح القوى الخارجية، غير أن الأمر الذي يساعد على نجاح هذه الضغوط في كثير من الأحيان أنها تقع على بنية غير متماسكة ذاتياً، ضعيفة المناعة بسبب ما تعانيه من انكفاء على نزاعاتها البينية . 

لقد كان لتوالي الأحداث الأثر الأكبر في تثبيت حقيقة واضحة مفادها أن فرص النظام العربي أو القيود أمام تطوره المستقبلي وتجلياته الواضحة على الصعيد الإقليمي والدولي، ارتبطت أساساً بما يسمح به الظرف الدولي، فقد عاش النظام العربي وقتاً طويلاً من حياته في بيئة دولية تقوم على نظام القطبية الثنائية. وقد عمق هذا الاستقطابات الداخلية في النظام العربي، ولكنه منح فرصة جماعية أكبر للمناورة الدولية. ومن هنا أثبت النظام العربي درجة عالية من الاستجابة بقدر ما أثبت قدرة عالية على إدارة الصراع. عندما ظل النظام عرضة لتقلبات النظام الدولي تأرجحا وتثبيتاً. فقد بقي في حال تبدل سواء على مســتوى التلاحم والتكــامل أو التفــكك والتــبعثر. وذلك ناتج عن ارتباطه بوعي أو بغير وعي مع النظام الدولي ميكانيكياً . 

إن النزاعات بين الدول من طبيعة الأشياء، غير أن تطور هذه النزاعات بين أطراف النظام العربي لم تُحل على قاعدة تجاوزها، بل تمت معالجتها عبر أسلوب التجميد الذي يجعلها قابلة للاشتعال في أي لحظة. كما عملت هذه النزعات على تشتيت قوة النظام وتفكيكه. وهذا ما سمح بنجاح الضغوط الدولية على أطرافه، لأن هذه الضغوط عندما تعمل على بنية مفككه وضعيفة تكون فرصتها من النجاح أكبر منها من حالة تماسك النظام التي تجعل قدرة أطرافه على مواجهة الضغوطات الدولية أكبر. فقد شهدت النزاعات العربية ـ العربية صدامات وتوترات منذ نشأة النظام العربي . 

فقد وقعت صدامات بين العديد من الدول العربية. لكن هذه الصدامات بقيت تحت مستوى الإلغــاء الكامل لبلد عن الخريطة السياسية، وهي الحالة التي شهــدها النظـام العربي في العام 1990 باحتلال القوات العراقية للكــويت مــن خلال حرب شاملة بين الطرفين. وهكذا كان الضم العراقي للكويت الحالة النوعية الأولى في سجل التفاعلات العربية ـ العربية المعاصرة التي يصل فيها الصدام إلى هذه الدرجة من الشمولية. وقد شكل احتلال الكويت نقلة نوعية في النظر إلى النزاعات العربية ـ العربية. فعلى رغم الصدامات المسلحة السابقة التي وقعت بين أطراف النظام العربي، إلا أن أياً من أطرافه لم يعتبر الدولة التي حصل الصدام معها هي الخطر الرئيسي. أما بعد السابقة الكويتية فأصبحت أطراف النظام ولو على مستوى السلوك العملي التي كانت تتصرف على اعتبار أن الخطر على النظام العربي خطر خارجي، جاءت أزمة الخليج لتثبت عكس ذلك، بأن الخطر الرئيسي قادم من الشريك في النظام لا من خارجه. بذلك أدت أزمة الخليج إلى تعزيز ومضاعفة الاختلال في النظام العربي، ونقلت صراعاته من مستوى إلى آخر . 

بحكم هذه الطبيعة ليس من المستغرب أن تتسم النزاعات العربية ـ العربية بالصفة السلبية، لأنها ترتبط باستنزاف هائل لموارد النظام، وهذه السمة وجدت طريقها إلى النظام العربي مع النزاع المصري ـ العربي في أواخر السبعينات بعد الخروج المصري من النظام بحكم اتفاقات كامب ديفيد، حيث استمر هذا النزاع قرابة عقد من الزمان أخفق فيه النظام العربي في بلورة سياسات بديلة عن سياسات السادات، مما جعل سياسات الأخير تصبح السقف التفاوضي وتحدد مستوى المطالب العربية في أية مفاوضات مع إسرائيل، وهذا ما جرى في مؤتمر مدريد، وهو أيضاً ما فرض عودة مصر إلى النظام العربي بين عامي 1987 و1989 من دون تغيير مواقفها .
منذ ذلك الوقت أخذت النزاعات العربية ـ العربية طابعاً تصاعدياً، أدى إلى مزيد  من أوضاع التدهور بين أطراف النظام، إلى درجة اعتبار بعض الدول العربية أن الخطر عليها يأتي من دول عربية أخرى. واستمرار الوضع على ما هو عليه من التفاعلات العربية ـ العربية السلبية، وهو المصير المرجح، يؤدي إلى المزيد من هدر طاقات أطرافه مجتمعة ومنفردة، وصولاً إلى تفككه النهائي في أطر أخرى، وهو ما نشاهده اليوم في

المبحث الثالث : العالم العربي و تحديات العولمة
       انتشرت لعولمة بشكل كبير حيث استولت على كل شيء تقريبا: الشركات الأسواق الكبرى، الاتصالات، العلم...وتتمثل شركات متعددة الجنسية عماد اقتصاد العولمة وهي تنتشر في جميع دول العالم لكن أغلبها من أصل أوربي أو أمريكي.
-    تهدف العولمة إلى تركيز رأس المال في يد فئة قليلة من الناس حيث أن 15% من سكان العالم تهيمن على 85% من الاقتصاد العالمي كما أن رأس مال بعض الشركات يزيد عن رأس مال العديد من الدول.
مكانة العالم العربي الراهنة:
رغم التطور الذي شهدته البلدان العربية في العقود الأخيرة فإنها ما تزال تعاني من مظاهر التخلف الاقتصادي والتبعية التجارية للخارج حيث أنها لم تحقق لحد الآن الثورة الصناعية الأولى مع العلم أن الدول الغربية تمر بالمرحلة الثالثة من الثورة الصناعية. كما أن الإقتصاد الوطني لدول العربي ما يزال مشوها سواءا   كان زراعيا أو نفطيا كما الصناعة ضعيفة ومشوهة البنية حتى في أكثرها تقدما إضافة إلى تخلف البنية الاجتماعية وانتشار الأمية.

انعكاسات العولمة على العالم العربي
من انعكاسات العولمة على العالم العربي:
§       انعكاسات اقتصادية: تتمثل في حرية المنافسة وتحكم قوى السوق الدولية في الاقتصاد الوطني وكذا الاعتماد على الاستثمارات ألأجنبية إضافة إلى إزالة القيود على السلع والمبادلات.
§       انعكاسات اجتماعية: تتجلى في غزو القيم الأخلاقية الغربية وتقليد الغرب والسعي إلى التشبه به.
§       انعكاسات ثقافية: تتمثل في سيادة القيم الثقافية الغربية في الدول العربية والغزو الإعلامي والمعلوماتي وكذا الغزو اللغوي.
- ستلحق بالدول العربية أضرار بالغة باقتصادياتها بسبب المخاطر المتولدة عن رياح العولمة ذلك أن تحرير التجارة سوف يؤدي إلى تدفق السلع والخدمات في اتجاه واحد وليس في اتجاهين( من الخارج إلى الداخل) لأن المواد الأولية تتحكم في أسعارها الاحتكارات الدولية والمواد المصنعة تتميز بارتفاع أسعارها وتدني مستوى جودتها والمواد الفلاحية تتميز بانخفاض المردود والمواصفات
- ندرك جانبا من ظاهرة العولمة في البلدان العربية حيث يتم استعمال أدوات الاتصال والإعلام ونقل النصوص بالفاكس واستقبال الرسائل الإلكترونية ومشاهدة البث التلفزيوني الفضائي الحي إضافة على انتشار شركات العولمة في البلدان العربية ( كالمكدونالدز و كوكاكولا) حيث تم إحلال الآلة محل ألإنسان
- يعاني الطفل العربي من ظاهرة العولمة حيث أن القنوات الفضائية العربية وغير العربية وعبر الحاسبات الآلية تساهم في تعرض الطفل العربي لتيارات وقيم ثقافية متباينة في حين ينحصر دور الأسرة والمدرسة في التنشئة الثقافية فقط.

  بعض التدابير المتخذة لمواجهة العولمة:
البحث عن عولمة بديلة لمواجهة العولمة الرأسمالية من أجل عالم أفضل خال من وحشية استغلال الرأسمالية العالمية وكذا فضح الظلم العالمي الذي تمارسه الرأسمالية وفي هذا الإيطار جاء المنتدى الاجتماعي العالمي في مواجهة منتى دافوس ( منتدى عالمي اقتصادي يوجد بسويسرا)
-   لمقاومة العولمة بالدول العربية يجب إقامة تكتل اقتصادي إقليمي عربي وتركيز الرأسمال العربي في البلدان العربية وتنويع الشراكة مع الاتحاد الأوربي وآسيا وتفعيل دور الجامعة العربية.

الخاتمة
 أخيرا إعادة الروح لمفهوم الأمن القومي العربي ومقوماته بعده حجر الزاوية للنظام الإقليمي العربي وهو خيار مصيري لا يمكن إغفاله لمواجهة التهديدات الخارجية في ظل المتغيرات الدولية الجديدة. والجدير بالإشارة إليه أن جميع الأقطار العربية تواجه الآن قوى دولية كبرى لا يمكن التحاور معها بشكل متكافئ إلا من خلال التضامن والتكتل والوحدة وكلما يقطع العرب خطوات في  اتجاه التكامل والتضامن كلما كانت القوى الخارجية أكثر استعداداً للتجاوب معهموالتعاون، في حين يشكل عكس ذلك مزيد من الإذعان والإذلال والانهزام ولله الأمر من قبل ومن بعد.

قائمة المراجع   
§       جميل مطر و علي الدين هلال. النظام الإقليمي العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 1983 (الطبعة الثالثة).
§        عبد القادر محمودي. النزاعات العربية-العربية وتطور النظام الإقليمي العربي. الجزائر: منشورات المؤسسة الوطنية للإتصال والنشر والإشهار,2001م.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الترويكا بين المفهوم والمصطلح

  الترويكا بين المفهوم والمصطلح     الترويكا ثالوث الرأي السياسي، والمفهوم     الدال على اجماع الرأي الواحد، وفي وقتنا الحاضر، لم تع...