الأربعاء، 3 يناير 2018

التفكير الاستراتيجي بين المفهوم والمصطلح

التفكير الاستراتيجي 
بين المفهوم والمصطلح




فهد بن ناصر الدرسوني - الرياض

مقدمة:
التفكير الإستراتيجي ليس ترفاً فكرياً أو نوعاً من التنجيم بل هو نشاط إبداعي ومسار فكري تخطيطي شمولي متعدد الرؤى والأبعاد ينطلق من دراسة الواقع بكل أبعاده ومظاهره ويرسم رؤى وأهداف مستقبلية ويضع برامج وخطط عملية تساعد على الانتقال إلى المستقبل المنشود. فالتفكير الإستراتيجي يؤدي إلى التخطيط السليم لأن عملية التخطيط هي عملية لاحقة للتفكير الاستراتيجي الناضج ولا يمكن ان يكون هناك تخطيط استراتيجي دون ان يكون هناك تفكير سابق لما نريد ان نخطط أي ان الفكرة هي التي تذهب الى صياغة الخطة وليس الخطة هي التي تولد الفكرة.
البعد المؤثر في طريقة التفكير الإستراتيجي هي مخرجات التخطيط الاستراتيجي، وله تبعات حيث يتُرجَم في المستويات الأدنى سواء في المستوى العملياتي أو التكتيكي أو التشغيلي، إلى خطط تفصيلية وبرامج، وقد تُمرحل بعض الخطط والبرامج. مع العلم أن أثر نتائج تلك المخرجات يظهر في القطاع الخاص أسرع منه في القطاع العام، نتيجة لمساحة القطاع وطبيعة ديناميكيته وسرعة حراكه.
وبإختصار يمكن القول إن التفكير الإستراتيجي هو مسار فكري تخطيطي يستبق الأحداث وينطلق من استقراء الماضي واستكناه الحاضر ليرسم معالم المستقبل. ويمكن التحدث عن خصائص عديدة يمتاز بها التفكير الإستراتيجي، نذكر منها التمتع برؤية ذات أبعاد شمولية، صناعة الغايات العليا والواضحة والإلتزام بها، الإستشراف والنظرة البعيدة في اتجاه المستقبل، الواقعية، التفاؤلية، الحدس والفطنة والذكاء الطبيعي ومرونة التفكير، والتراكم المعرفي والقدرة على التصور والتحسس والتحليل والتشخيص والخلق والإبداع في الإدراك الإستراتيجي والتخطيط والتأثير في مجرى الأحداث وغيرها من الخصائص.

مفاهيم ومصطلحات التفكير الاستراتيجي:

التفكير الإستراتيجي: هو القدرة على توحيد مختلف الرؤى والطروحات الغامضة والمعقدة، مع الأخذ في الاعتبار الماضي والحاضر والمستقبل، وتقييم المعلومات والمخرجات من خلال مناظير علمية وحيوية وإبداعية وأخلاقية منظمة.
التفكير الاستراتيجي : هو ذلك النوع من التفكير الذي يساعدنا عن الإجابة على السؤال التالي، هل نحن نقوم  بفعل الشيء الصحيح ؟
التفكير الاستراتيجي: هو تفكير طويل المدى، يقوم على التعلم المستمر، ويحدد القضايا الأساسية والفرص المتاحة والمرتقبة، ويبحث عن الجديد،ويتحقق من فاعلية ما نقوم به من أعمال، وينظر للمشهد من علو ليحصل على رؤية للصورة الكلية الشاملة للمسارات والاحتمالات والأخطار المهددة وعوامل التغير الزمني، في مقابل التفكير العملياتي الذي يعتبر قصيراً ومباشراً، يحل المشاكل الحالية، وينشغل بروتين العمل القائم،ويحرص على أداء الأعمال بصورة صحيحة، ويفكر بشكل جزئي بالتركيز على الوقت الحاضر وما يتم العمل عليه.


التفكير الاستراتيجي
هو طريقة في التفكير (تحاكي التحرك بميدان الشطرنج) تبدأ بجواب للسؤال "من هم أهم الخصوم" ثم تشرع بدراسة طبيعتهم (ملك, حصان, جندي ) لتفهم طريقة تحركهم و نقاط قوتهم و ضعفهم و ردود فعلهم المتوقعة للهجمة. و من ذلك, يتمكن المفكر الاستراتيجي من بناء خطة هجوم مركزة بحسب إمكانيات أقوى الخصموم بالميدان ليسهل تجاوزهم أو القضاء عليهم بضربات معدودة و بأقل الخسائر

مصطلح التفكير الاستراتيجي:
القدرة علي فحص وتحليل البيئة الخارجية والداخلية للمؤسسة الخاصة بك والقيام بالتنبؤات المستقبلية لكل من الفرص والمخاطر التي من الممكن أن تواجه المؤسسة مستبقلا والاستعداد لها بالبدائل والاحتمالات وبرامج الوقاية من المخاطر وبرامج انتهاز الفرص
عن طريق التفكير الاستراتيجي يمكنك الانتقال بمؤسستك خطوة بخطوة بسرعة وثبات تجاه رؤية واضحة مبنية علي أسس سليمة وواقعية تعمل علي التغيير الإيجابي لواقع ومستقبل المؤسسة وكيفية استغلال العوامل الخارجية والداخلية للمؤسسة
وقد ظهر مفهوم التفكير الإستراتيجي كبديل لتخطيط الاستراتيجي ليتجاوز الأخطاء التي وقعت أثناء تطبيقاته بما يخدم التوجيهات الإستراتيجية في المنظمات.
ولا بد من إدراك للفارق الكبير بين التفكير الإستراتيجي كمنهج وفلسفة ينتج عنها حس وإدراك إستراتيجي يتم التفكير دائماً في إطاره، وبين الخطط الإستراتيجية كمسار وخطوات ومراحل يتم التحرك بناء عليها ومن خلالها
إن بناء وتنمية منهج التفكير الإستراتيجي لدى أعضاء المنظمة، وممارسته، يترتب عليه حتماً وضع إستراتيجيات وخطط وبرامج وسياسات وأنظمة تخدم رسالة المنظمة وتحقق أهدافها.
في حين أن الإصرار على وضع خطط وبرامج وسياسات وأنظمة، مع غياب تطبيق منهج التفكير الاستراتيجي، عادة ما يضع المديرين والقيادات والمسئولين في جو من التشويش وعدم وضوح الرؤية.

التفكير الاستراتيجي باختصار يكمن في النقاط التالية :
§       التفكير الاستراتيجي يهتم بالمستقبل
§       التفكير الاستراتيجي واسع النظرة والنطاق
§       التفكير الاستراتيجي مهتم بالفرص
§       التفكير الاستراتيجي مختلف
§       التفكير الاستراتيجي عملي وبه حالة تدفق
§       التفكير الاستراتيجي توجيهي
§       التفكير الاستراتيجي يعتمد على الفص الأيمن للمخ
§       التفكير الاستراتيجي يعتمد على التشبيهات والمقارنات
§       التفكير الاستراتيجي يهتم بالحاضر
§       التفكير الاستراتيجي مفصل ومركز
§       التفكير الاستراتيجي متوجه نحو حل المشاكل
§       التفكير الاستراتيجي متشابه
§       التفكير الاستراتيجي مهتم بالمهمة أو النشاط
§       التفكير الاستراتيجي تقريري
§       التفكير الاستراتيجي يعتمد على الفص الأيسر للمخ
§       التفكير الاستراتيجي منفصل ومنطقي

وبذلك فأن من لديه فكر استراتيجي قادر على وضع خطط إستراتيجية والعكس غير صحيح.
مبادئ التفكير الاستراتيجي :
التفكير الاستراتيجي وسيلة وليس غاية.
التفكير الاستراتيجي يتطلب التزام القيادة.
التفكير الاستراتيجي يتطلب توسيع المشاركة.
التفكير الاستراتيجي عملية ديناميكية مرنة وليست رتيبة أو منتظمة
سمات التفكير الاستراتيجي
يتميز التفكير الاستراتيجي عن التفكير العادي بأن التفكير الاستراتيجي ينظر إلي شمول الصورة فيدرس الماضي جيدا ويعرف الحاضر ويتوقع المستقبل ويستعد له وبالتالي تتميز الأفعال والخطوات المترتبة علي عملية التفكير بأنها رد فعل مستقبلي بعيد الأمد، ويمكن ايجاز سمات التفكير الاستراتيجي بالآتي:
§       في التفكير الاستراتيجي الكثير من التكرار
§       في التفكير الاستراتيجي تقريبي،  تخمينات معقولة
§       في التفكير الاستراتيجي أسئلة "ماذا لو"
§       في التفكير الاستراتيجي نبرة الشك والقلق
§       في التفكير الاستراتيجي أفكار تولد مزيدًا من الأفكار
§       في التفكير الاستراتيجي قد تبقى موضوعات كثيرة التفاصيل دون حل
§       في التفكير الاستراتيجي تصور الاحتمالات المستقبلية
§       في التفكير الاستراتيجي الصراع فيه مقبول
§       في التفكير الاستراتيجي ظهور بعض الفائزين الخاسرين
§       في التفكير الاستراتيجي التفكير في المخاطر
§       في التفكير الاستراتيجي استخدام النماذج الناشئة والمتغيرة
§       في التفكير الاستراتيجي كثير من الرسوم البيانية والوسائل البصرية
§       في التفكير الاستراتيجي القلق والشك باستمرار
§       في التفكير الاستراتيجي عدم الانتهاء مطلقًا
§       في التفكير الاستراتيجي التسبب في الضيق
§       في التفكير الاستراتيجي الفوضى،  سوء التنظيم،  صعوبة المتابعة غالبًا
§       في التفكير الاستراتيجي تسلسلي،  تحديدي
§       في التفكير الاستراتيجي توقعات وتنبؤات
§       في التفكير الاستراتيجي عبارات تبدأ بـــ "إنه"
§       في التفكير الاستراتيجي نبرة تصريحيه
§       في التفكير الاستراتيجي تقييم الأفكار وقبولها ورفضها
§       في التفكير الاستراتيجي السعي نحو الإنهاء والحصول عليه غالبًا
§       في التفكير الاستراتيجي تجنب الشك والغموض
§       في التفكير الاستراتيجي تجنب الصراع
§       في التفكير الاستراتيجي ظهور الفائزين والخاسرين
§       في التفكير الاستراتيجي تقليل المخاطر أو تجنبها
§       في التفكير الاستراتيجي استخدام النماذج المعروفة والمقبولة
§       في التفكير الاستراتيجي يتكون من الأرقام والكلمات غالبًا
§       في التفكير الاستراتيجي عمل جاد منهجي
§       في التفكير الاستراتيجي الحسم
§       في التفكير الاستراتيجي التدفق الحواري المنظم والمرتب وسهل المتابعة

التفكير الاستراتيجي هو الذي يجعل أحلام اليوم  واقع المستقبل
ويميز التفكير الاستراتيجي صاحبه بأنه يجعله من أصحاب البصائر ويعطيه القدرة علي صياغة وكتابة الغايات والأهداف بعيدة المدي  ويخلق لديه القدرة علي تحليل ودراسة وتقييم البيانات والقدرة علي اتخاذ القرار المناسب القدرة علي الاستغلال الأمثل الموارد المتاحة وتقديم اعلي جودة ممكنة
التفكير الاستراتيجي والتشغيلي
التفكير التشغيلي ويهتم بالحاضر والواقع والتفكير في الخطوات الواجب اتخاذها الأن لتحقيق الرؤية الاستراتيجية وكل نوع مفتقر للأخر
التفكير التشغيلي بدون التفكير الاستراتيجي سيكون عمل عشوائي لا رؤية له والتفكير الاستراتيجي بدون التفكير التشغيلي هو مجرد عالم من الخيال لا تنفيذ فيه
ويمكننا أن نختصر الأمر في أن اصحاب التفكير الاستراتيجي هم صناع المستقبل واصحاب التفكير التشغيلي هم اصحاب الحاضر فالمستقبل يعتمد علي الحاضر والحاضر يحتاج إلي رؤية المستقبل
التفكير الاستراتيجي هل هي صفة وراثية أم مكتسبة
التفكير الاستراتيجي من الصفات المكتسبة التي يمكن لأي فرد أن يمتلكها بالتدرب الجيد وبالمعرفة فيجب أولا عليك معرفة ما هو التفكير الاستراتيجي ثم تعرف كيف تجعل تفكيرك استراتيجيا ولكن لا تنسي حظ التفكير التشغيلي فيجب الدمج بين النوعين كما ذكرنا مسبقا
ومن أهم الوسائل لاكتساب التفكير الاستراتيجي هو التفكير بالسيناريو : وضع سيناريوهات مستقبلية لكل شئ متوقع أن يحدث ووضع درجات لهذا السيناريوهات بناء علي الأقرب للواقع والهدف منه هو تشعب .
المشاكل التي تواجه التفكير الاستراتيجي
يعاني البعض من مشكلة وهي عدم معرفة حقيقة الشيئ فكثيير من الناس يظنون إنهم بالفعل يفكرون تفكيرا استراتيجيا وإنهم لديهم القدرة والخبرة اللازمة لقيادة الأزمات وتوقعها وتحليلها فالنفس تخدع دائما ولهذا يجب أن تتابع دائما مع متخصص في التفكير الاستراتيجي وتقييم نفسك دائما وتعلم ما تحتاج من مهارات لاكتسابها
ضيق الوقت وكثرة الوقت المستخدم في التنفيذ : التفكير الاستراتيجي يحتاج إلي وقت كبيير للتفكير وتحديد الخطوات ورسم الرؤية والإطلاع علي الصورة من جميع جوانبها وبعض الناس يعتبرون هذا قد يجعل الأمر يمر بشكل ابطئ ولكن حقيقة الأمر كل ساعة تستهلكها في التفكير توفر عليك اربعة ساعات من العمل وإن التقدم بسرعة بعشوائية يؤدي إلي السقوط أما التقدم بمستوي معتدل مع الثبات أفضل بكثيير
التفكير الأحادي الجانب : بعض الاشخاص يرون الأفكار أما أفكار جيدة بالكلية أو سيئة بالكلية ويتغاضون بنظرهم عن بعض الأجزاء الهامة جدا في الفكرة التي من الممكن الاستعانة بها وتطويرها لأنتاج أفكار جديدة أكثر فاعلية فعند التفكير ووضع رؤية لفكرة معينة قم بتحليل وتجزئة هذه الفكرة وضع درجات تقييمة بناء علي الفاعلية والقدرة علي التنفيذ والنتائج والقيم المقدمة
سبع خطوات لاستخدام التفكير الاستراتيجي  في بناء خطة استراتيجية قوية :
تحليل البيئة الداخلية والخارجية للمشروع باستخدام منظومة S W O T
تحليل القيمة المضافة : ماذا قدمت المنظمة من قيمة بالمقارنة مع المنافسين
تحليل وضع المنافسة : قوة المنافسين وقوة السوق المحلي والخارجي مقارنة بالمنظمة
إعداد عدة سيناريوهات بديلة للمستقبل : وهذه الاستراتيجية تسمي التفكير بالسيناريو ويتم توقع كل السيناريوهات التي من الممكن أن تحدث ووضع بدائل واحتمالات وتجهيزات للسيناريوهات السيئة
§       وضع نظام لطرق اتخاذ القرار داخل المؤسسة
§       تحديد البيانات الكمية والنوعية التي تحتاجها المؤسسة
§       بدء كتابة الخطة الاستراتيجية
وتبدو الحاجة للتفكير الاستراتيجي في اشدها ونحن نتابع هذا الكم الهائل من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعاصرة والشديدة التعقيد نظرا لتداخلها وتشعبها حتى اصبحت الحلول المخففة والمعالجات السريعة والجزئية تزيد من اخطارها وتعجل في تفجرها مما يهدد الامن والاستقرار فكان لابد من دق جرس الخطر ليتداعى الامر واصحاب الحل والعقد لتدبر الامر قبل فوات الاوان.


نسبية الفرص والتهديدات والقوة والضعف:

أدركت المنظمات أنه لا يوجد فرصة مطلقة أو تهديد مطلق، فهذه أمور نسبية تختلف من منظمة لأخرى وتختلف من وقت لآخر بالنسبة للمنظمة ذاتها، فما يمكن اعتباره قوة قي بداية المنظمة مثل انتشارها الجغرافي الواسع، قد يعتبر نقطة ضعف عند تدهور المنظمة نظرًا لصعوبة التخلص من بعض منافذ التوزيع في بعض المناطق الجغرافية، كما أن تحديد الفرص والتهديدات يتوقف على إمكانيات المنظمة متمثلة في نقاط قوتها وضعفها، كما أدركت المنظمات أن نقاط قوتها وضعفها ليست مسألة مطلقة أيضًا بل ينبغي أن تقيم بالمقارنة بالمنافسين، فالاختلاف في القوة والضعف بالمقارنة بالمنافسين هو الذي يؤخذ في الحسبان.




التحديات الاستراتيجية

و نتيجة لهذه الاتجاهات الحديثة في الفكر الاستراتيجي، ظهرت تحديات استراتيجية لا يمكن مواجهتها والاستفادة منها إلا إذا أديرت المنظمة بشكل فعال، ومن أبرز تلك التحديات ما يلي:

- ازدياد سرعة التغيرات:

لقد بات معدل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية آخذ في التسارع خلال السنوات القليلة الماضية، والتغير هو الذي يخلق الفرص والتهديدات، ومن ثم أصبح وضع الاستراتيجيات والتعامل مع الفرص والتهديدات أمرًا هامًا وحيويًّا في المنظمات المعاصرة بالمقارنة بأهمية الاستراتيجيات في المنظمات التي كانت تعمل في بيئة أكثر استقرارًا وثباتًا.
فعلى سبيل المثال، برامج الكمبيوتر والتجارة عبر الإنترنت في تطور وتغير مستمر، ولكي تبقى المنظمة على قيد الحياة، لابد أن تكون قادرة على التأقلم مع هذه المتغيرات المتسارعة.

- ازدياد حده المنافسة:

حيث لم تعد المنافسة بين المنظمات مقتصرة على السعر وجودة المنتج فحسب، بل تعددت أسس المنافسة لتشمل كل أنشطة المنظمة، وأصبح من الضروري تتبع استراتيجيات المنافسين ورغبات العملاء حتى يمكن وضع استراتيجيات لمواجهة استراتيجيات المنافسين المتعددة.

وساعدت العولمة بشكل كبير في زيادة تلك المنافسة، واتساع نطاقها لتشمل العالم كله، بالإضافة إلى ما أثمرته من نفوذ كبير للشركات الكبرى والعملاقة، التي جعلت كل أنحاء العالم سوقًا لها.

ولذا؛ فإن الإدارة الاستراتيجية تقوي من مركز المنظمة في ظل الظروف التنافسية سواءً على المستوى المحلي أو العالمي، حيث تنجح المنظمات التي تنتهج الفكر الاستراتيجي في بناء مزايا تنافسية تستند إلى فهمها لبيئتها الخارجية وما تفرزه من فرص وتنميتها لمواردها الداخلية التي تمكنها من استغلال هذه الفرص بطريقة تفوق منافسيها.

- تغير هيكل العمالة:

بمعنى أن نجاح المنظمات العصرية يعتمد على توافر الخبراء ذوي المعرفة المتخصصة في الانتاج والتسويق والتمويل والإدارة، وهم يمتلكون المعرفة اللازمة والخبرة الضرورية التي تمكنمهم من الإسهام في وضع استراتيجيات ذات كفاءة عالية من أجل زيادة رضا العميل عما يقدمونه من سلع أو خدمات

- ندرة الموارد:

حيث بات الصراع على موارد الطاقة والماء والكفاءات النادرة سمة من سمات العصر الحديث، وأصبحت المنظمات تضع استراتيجيات تضمن توفير الموارد كمًا وكيفًا بالشكل الملائم وفي الوقت الملائم، فقد انتهى عصر الوفرة الذي عاشته المنظمات منذ بدء الثورة الصناعية وحتى وقت قريب.

ولذا تساعد الإدارة الاستراتيجية المنظمات على توجيه مواردها المتاحة التوجيه الصحيح في المدى البعيد، كما تسهم في تمكينها من استخدام مواردها وإمكاناتها بشكل فعال، بما يمكنها من استغلال نواحي القوة والتغلب على نواحي الضعف.

- العناية بالبيئة:

لم تعد المنظمات في العصر الحديث قادرة على تحدي قوانين الحفاظ على البيئة أو تجاهلها؛ وذلك لتعاظم الاهتمام بحماية البيئة وازدياد قوة جماعات حماية البيئة وقدرتها على التأثير على بعض المنظمات وعلى صانعي القرار السياسي الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقرارات الاقتصادية.
وارتفعت دعوات كثيرة من أجل حماية البيئة، حيث لفتت تلك الدعوات نظر المجتمعات العالمية إلى خطر الاحتباس الحراري، وثقب الأوزون، بالإضافة إلى نجاحها في الضغط من أجل سن قوانين واتفاقيات عالمية مثل اتفاقية كيوتو وغيرها.

- ازدياد أهمية المدراء الاستراتيجيين:

فقد بات واضحًا أن الجزء الأهم من نجاح المنظمات المعاصرة يرجع إلى استراتيجيات مبتكرة وضعها الإداريون الاستراتيجيون، ولذا؛ تدفع لهم تلك المنظمات ملايين الدولارات من أجل استراتيجياتهم فقط، فليس لهؤلاء أي مهام إدارية سوى وضع تلك الاستراتيجيات القاضية بتحقيق الفوز على المنافسين والمهتمة بزيادة رضا العملاء، حتى صار التنافس على هؤلاء سمة عصرية بين المنظمات.


جدلية العلاقة بين التخطيط الاستراتيجي والتفكير الاستراتيجي

الفكر الاستراتيجي دور في عملية صياغة أهداف الدول والتخطيط لها عن طريق المزج ما بين هذين المفهومين لكي تتولد لنا علاقة جدلية ما بين الفكر والتخطيط الاستراتيجي حيث يوفر الفكر الاستراتيجي الأرضية الصلبة التي يبنى عليها التخطيط المستند على اسس علمية رصينة قائمة من تجارب الشعوب وتاريخها الطويل وهنا تكمن طبيعة العلاقة ما بين المفهومين حيث ان الفكر الاستراتيجي هو الذي يولد منه التخطيط السليم لان عملية التخطيط هي عملية لاحقة للتفكير الاستراتيجي حيث ان عملية التفكير الاستراتيجي هي عملية ذهنية عقلية غير مرئية قائمة في العقل بينما ان عملية التخطيط الاستراتيجي هي عملية قائمة على تحركات فعلية عن طريق رصد الموارد والامكانات التي يحتاجها هدف ما لكي توصل الى الغاية المبتغى الوصول إليها وكذلك العملية التقويمية التي تحدث إثناء فترة التخطيط عن طريق تقويم الأمور الغير واقعية وتعديلها قبل الشروع في عملية التنفيذ.

لذى فأن هذه العلاقة الجدلية ما بين التخطيط الاستراتيجي والتفكير الاستراتيجي تغني طبيعة التخطيط وترتقي به الى أعلى المناص من خلال رفده بكل الأمور التي تساعده على تقويم عمل المخطط الاستراتيجي فلا يمكن للمخطط الاستراتيجي ان يكون ناجحاً الا إذا كان مفكرا استراتيجيا ناجحاً.  
وعلى هذا الاساس فأن عملية التفكير الاستراتيجي هي الأسبق من عملية التخطيط الاستراتيجي لان الفكرة عندما تولد ، تولد جزية ثم ما تلبث الى ان تتحول مع مرور الزمن الى مجموعة أفكار متناسقة يعمل المفكر الناجح على تأطيرها في اطار معرفي لكي يصوغها لنا على شكل خطة استراتيجية قصيرة او متوسطة او بعيدة المدى وهذه الخطة هي وليدة الفكرة المتطورة التي أصبحت فيما بعد خطة مقومة من قبل المفكر الاستراتيجي حيث يقوم باختبار صلاحيتها وتعديلها بما يتماشى مع الإمكانات المتاحة للهدف المراد تحقيقه كغاية نهائية.

ومن خلال ذلك يمكننا ان نلاحظ من بين كل الذي سبق ان عملية التفكير لاستراتيجي هي العملية الأولى التي تسبق عملية التخطيط الاستراتيجي ،حيث لا يمكن ان يكون هناك تخطيط استراتيجي دون ان يكون هناك تفكير سابق لما نريد ان نخطط أي ان الفكرة هي التي تذهب الى صياغة الخطة وليس الخطة هي التي تولد الفكرة.وهذا الحديث يدل على ان كل خطة استراتيجية ناجحة بدأت بعملية تفكيرية ذهنية من قبل المفكر الاستراتيجي وانتهت بوضع خطة استراتيجية ناجحة ،ويجب ان نشير الى النسبية التي تتمتع بها الخطط الاستراتيجية وذلك لان المفكر الاستراتيجي مهمى عمل على سد جميع الفراغات والثغرات الموجودة في فكرته الا انها تبقى تحمل معها امور سلبية تظهر في العملية التخطيطية .

الفكر الاستراتيجي عطاء ثقافي إنساني

بالتفكير الإستراتيجي تبدأ فكرة الاستراتيجية، ثم بالتخطيط تتحول الفكرة إلى خطة استراتيجية، ثم بالإدارة الإستراتيجية يتم تنفيذ الخطة، ويوجه ذلك كله قائد إستراتيجي وكل منا يمارس يومياً نوعا من الأداء الاستراتيجي، وكل مخلوق له بديهة أو بعض تجربة وممارسة، وهو نوع من التصرف الاستراتيجي الذي يمليه عليه صراع الحياة ومواجهة شدائدها وعدوانية عديد من المخلوقات بها، ولا جرم أن نجد النسيج الثقافي لمجتمع ما محاكاً ومصاغاً لتنفجر منه طاقات فكرية وفلسفية ومعرفية (إبستمولوجية) تغذي الفكر الاستراتيجي في كل مجتمع إنساني، الذي يتجاذب أطرافه المصيغة والمغذية كل من الأنا والآخر. فحماية الأنا، تستدعي تشريح الآخر من خلال دراسة إمكانية تجانسه مع رغبات الأنا وتحليل الاحتمالات العدوانية لها.
ولقد انتقل الفكر الاستراتيجي ليحتل مرتبة مهمة في العصر الحالي حين تشكلت المؤسسات والمقاولات في شكل مجتمعات متنافسة، وأضحى التنافس في السوق الدولية حرباً ضروساً، باردة حيناً وساخنة أحياناً، مستندة إلى الجانب العسكري والإخباري والدبلوماسي، مع ما يوازي ذلك من النفوذ والتحيز لاستكمال جوانب أخرى من الحركة الاستراتيجية، مؤججة ساحة الصراع، ومهيمنة بدلائلها ومفاهيمها على أدبيات المجتمع، قصدُها كسب المواجهة على ساحة الفكر والثقافة
هذا في الوقت الذي أسهم الانفجار المعرفي، وتوسيع دائرة الفكر الاقتصادي في حياة الناس، في جعل الخطاب الاستراتيجي يغزو العديد من المجالات الحياتية للمجتمع الغربي، وأضحى كل فن داخل منظومته الفكرية والثقافية والاقتصادية له أسلوبه في معالجة الداخل، وطريقته في حماية ذاته وحركاته ونتاجه من التقلبات المؤثرة والهزات القاتلة.
فالمتدخلون كثيرون، منهم الدولة والفرد والمجتمع، ومنهم المقاولة والمؤسسة والمنظمة، ومنهم الأحزاب والهيئات والتنظيمات. والعوامل متعددة، منها الزمان والمكان والمناخ، ومنها وضع البيئة، والاقتصاد والسياسة، ورأس ذلك كله الثقافة.

الخاتمة
فإن الإدارة الاستراتيجية علم له خطواته ومراحله، ويتمثل ذلك العلم في مجموعة من المبادئ المستقرة في الفكر الإداري، فهو علم تطبيقي واقعي يستخدم في الفوز على المتنافسين، وزيادة قيمة كثير من المنظمات من وجهة نظر المتعاملين معها، ولا يمكننا تطبيق هذا العلم بصورة جزئية، أو في وقت دون آخر، فالمنظمات التي تقرر الأخذ بالفكر الاستراتيجي عليها أن تطبق كل الأفكار والمبادئ وأن تتبع الخطوات التي استقرت في الفكر الإداري.
كما عليها أن تواكب كل جديد، وتسعى إلى الاستفادة منه، سواءً في مجال الإدارة ونظرياتها، أو في مجال السوق وآلياته، أو في المجال العلمي والتكنولوجي الذي يخرج علينا كل يوم بما هو جديد.
وكل منظمة تسعى إلى النجاح والتميز والمنافسة، عليها أن تسير على هذا الخط، وإلا فسوف تنكمش المنظمة على أقل تقدير، إن لم يكن في ذلك اندثارها تمامًا.
وسنظل نكرر ما قلناه حول الثقافة ما دام جزء كبير من الأمة لا يعي أن العلم جزء منها، ولا يستسيغ أن السياسة لون من أوانها، ولا يقبل أن الحرب هجوم ثقافة غالبة على ثقافة مندحرة، وأن العوامل الاقتصادية والاجتماعية ليست إلا عوامل فاعلة على ترسيخ الوعي بالفكر الاستراتيجي حتى نعي دوافع الصراع الثقافي وبواعثه، ونكون على أهبة نخوض الحرب الثقافية كسباً ونصراً لا مجازفة ومخاطرة، ونعي أننا مهما تشدقنا بألفاظ السلام، فإن معاول الحرب لا ترحمنا حتى نقبل بسيادة ثقافة غير ثقافتنا، ثقافة صاحب القوة العسكرية، ولن ترضى عنا أساطينه ولا أساطيله حتى ننضوي جنوداً في المراتب الدنيا في صفوف قوته الفكرية والثقافية والعسكرية الغازية لنا والناهشة لأجسامنا وذواتنا.


المراجع
-         البراك ، عبد الرحمن . (1996م) . مدى الحاجة إلى الإدارة الاستراتيجية في القطاع العام . جامعة الإسكندرية ، مجلة كلية التجارة ، مج (33) ، ع (1) : 595-640 .
-         برايسون ، جون و اينسفايلر ، روبرت . (2003م) . التخطيط الاستراتيجي : المخاطر والفرص للمخططين . (الطبعة الأولى) . د.ن (نشر الكتاب قبل الترجمة سنة 1988م) .
-         البريدي ، عبد الله . (1426هـ) . أمراض الاستراتيجيا العربية : إشكالية ثقافية أم بحثية ؟ . بحث مقدم لندوة الإدارة الاستراتيجية في مؤسسات التعليم العالي – جامعة الملك خالد بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الإدارية – أبها-  18-20/11/1426هـ
-         جواد ، شوقي . (2000م) . إدارة الستراتيج . (الطبعة الأولى) . الأردن : دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع .
-         شريف يونس طارق، الفكر الإستراتيجي للقادة (دروس مستوحاة من التجارب العالمية والعربية)، المنظمة العربية للتنمية الإدارية (بحوث ودراسات)، 2002
-         محمو د إبراهيم نور وآخرون، التفكير الإداري والإستراتيجي في عالم متغير، مكتبة اĐتمع العربي للنشر والتوزيع، (بدون بلد)، 2010
-         محسن منصور طاهر، الخفاجي نعمة عباس، قراءات في الفكر الإداري المعاصر، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، الأردن، 2008
-         بن علي الملا عيسى، التفكير الاستراتيجي، مجلة الدفاع، عدد 2 ،2002 ، www.al-defaa.com/detail.asp?innewsitemid=86823
-         مزهودة عبد المليك، الفكر الإستراتيجي من نموذج SWOT إلى نظرية الإستراتيجية، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة محمد خيضر -بسكرة، عدد 4 ،الجزائر، 2003
-         سيد محمد جاد الرب، إدارة الموارد الفكرية والمعرفية في منظمات الأعمال العصرية، مطبعة العشرى، مصر، 2006 9 -سعد غالب ياسين، الإدارة الإستراتيجية، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، الأردن، 2002
فهد بن ناصر الدرسوني - الرياض



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الترويكا بين المفهوم والمصطلح

  الترويكا بين المفهوم والمصطلح     الترويكا ثالوث الرأي السياسي، والمفهوم     الدال على اجماع الرأي الواحد، وفي وقتنا الحاضر، لم تع...