حلـف شـمال الأطلنطي الناتو
فكرة
عقد حلف الأطلنطي يرجع وجودها إلى التحالف الذي ربط بين كل من إنجلترا
وفرنسا والولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى. كما تمتد جذوره إلى التراث المشترك بين أوروبا
وأمريكا. وفى الحرب العالمية الثانية
تحالفت كل من بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتى السابق وكان هذا التحالف
قائمًا على المنفعة المتبادلة خلال فترة الحرب. لذلك لم يتمكن من الاستمرار
والبقاء لأكثر من أربع سنوات بعد الحرب العالمية الثانية. لأنه لم يكن قائمًا على
أساس سياسي أو ثقافي مشترك بل قام على التعاون العسكري من أجل تحقيق هدف محدد هو
هزيمة ألمانيا النازية وقد حدث فانهار هذا الائتلاف وانتهى.
وحين اشتدت الحرب
الباردة، وزاد النفوذ السوفيتي في أوروبا رأت كل من فرنسا وإنجلترا وبلجيكا
وهولندا ولكسمبورج إن مصالحها تقتضى أن تتحد عسكريًا وقد تم ذلك في حلف أبرم في
مارس 1948م وسمي ميثاق بروكسل، ولكن سرعان ما ظهر أن تلك الدول غير قادرة بمفردها
على الوقوف في وجه التوسع السوفيتي دون مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية. وفى عام 1949م انعقدت مباحثات حلف شمال
الأطلنطي وتم إعلان معاهدة حلف شمال الأطلنطي في مارس 1949م وتم التوقيع عليها
ودخلت حيز التنفيذ في أغسطس 1949م. ثم عقـدت اتفاقيات باريس 1954م ووثيقة لندن
1954م التي تكفلت ببيان أوجه التنسيق بين الحلف واتحاد غرب أوروبا وتمثل
الاتفاقيات الثلاث سالفة الذكر الأساس القانوني لحلف شمال الأطلنطي.
وقد اتخذ الحلف منذ البداية شكلاً مؤسسيًا مما
جعله مغايرًا للأحلاف الدولية السابقة. وقد وقع على ميثاق الحلف اثنتا عشرة دولة
هي: بلجيكا، كندا، الدانمارك، فرنسا، أيسلندا، إيطاليا، لوكسمبورج، هولندا،
النرويج، البرتغال المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأمريكية، وفى 22/10/1951م
انضمت تركيا واليونان للحلف ثم انضمت ألمانيا الغربية للحلف في 23/10/1955م([1]).
ويتكون ميثاق
الأطلنطي من ديباجة وأربع عشرة مادة. وقد ورد في الديباجة (يؤكد أطراف هذه
المعاهدة إيمانهم بأغراض ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه. كما يؤكدون رغبتهم في العيش في وئام مع جميع
الشعوب وجميع الحكومات، وقد عقدوا العزم على المحافظة على حرية شعوبهم وتراثهم
المشترك ومدنيتهم وفقًا للمبادئ الديمقراطية وحرية الفرد وسلطان القانون وهم يسعون
لاستقرار الأحوال ونشر الرفاهية في شمال الأطلنطي. وقد صمموا على توحيد جهودهم للدفاع المشترك
والمحافظة على السلم والأمن وبناء على ذلك وافقوا على أحكام هذه المادة الخاصة بالدفاع
عن منطقة شمال الأطلنطي. . . ) وقد اشتملت هذه الديباجة على أمور رئيسية منها:
1-
التأكيد على تراثهم المشترك والعمل على الحفاظ عليه.
2-
أن ميثاق الحلف دفاعي وليس هجومي.
3-
أن الميثاق يعترف بأولوية هيئة الأمم المتحدة ويخضع لمبادئها ويلتزم بأحكامها.
4-
أن هذا الميثاق لا يقتصر على الأمور العسكرية فقط بل يسعى لنشر الرفاهية.
5-
أن الحضارة المشتركة لأعضاء الميثاق تقوم على أسس من الديمقراطية ومبدأ سلطان القانون وحرية الفرد وهى
الأسس التى تقوم عليها حضارة الغرب([2]).
هذا
وقد ورد في المادة السابعة أنه لا تؤثر هذه المعاهدة "ميثاق الأطلنطي"
أو لا يجوز أن تفسر بأنها تؤثر بأي كيفية على حقوق الأطراف والتزاماتهم المنصوص
عليها في ميثاق الأمم المتحدة لأنهم من أعضائها ولا تخلى مجلس الأمن من أهم
مسئولياته (وهى مسئولية المحافظة على السلم والأمن الدولي) هذه المادة تؤكد على ما
ورد في الديباجة من أن الأولوية في التطبيق للالتزامات الواردة في ميثاق الأمم
المتحدة حال وجود تعارض فى الالتزامات بين ميثاق الأمم المتحدة وميثاق الأطلنطي
عملاً بنص المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة ونصها (إذا تعارضت الالتزامات التي
يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقًا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر
يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق). أما الجزء الثاني من نص المادة السابعة فإنه
يؤكد على أن الاختصاص الأصيل والعام لمجلس الأمن في المحافظة على السلم والأمن
الدوليين أما ميثاق الأطلنطي فإنه يختص تحت رقابة مجلس الأمن بالمحافظة على السلم
والأمن الدوليين في منطقة شمال الأطلنطي فقط فضلاً عن أن مهمة حلف الأطلنطي محدودة
ومؤقتة تنتهي متى بدأ مجلس الأمن الدولي في اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ الأمن
والسلم الدولي والتي توصف مهمته في ذلك بالدوام والاستمرار (3)
أما
المادة الثامنة فنصت على أن (يعلن كل طرف أنه ليست هناك اتفاقية دولية سارية
المفعول بينه وبين أي طرف أو بينهما وبين دولة ثالثة تتعارض مع أحكام هذه المعاهدة
ويتعهد بألا يدخل في أية اتفاقية دولية تتعارض مع هذه الاتفاقية) هذه المادة تنص
على الأفضلية في التطبيق تكون لهذه المعاهدة "ميثاق الأطلنطي" على أية
معاهدات بين أطرافه أو غيرهم الدول سواء عقدت هذه المعاهدة قبل العمل بأحكام هذا
الميثاق أو كانت سارية وقت العمل بهذا الميثاق أو ستعقد بعد العمل بهذا الميثاق.
فهذه المادة الثامنة تقرر مركز ميثاق الأطلنطي خاصة في حالات ثلاث هي:
أ
- من حيث اتفاقية سارية المفعول بين طرفين في ميثاق الأطلنطي.
ب-
من حيث اتفاقية سارية المفعول بين طرف في ميثاق الأطلنطي ودولة غير طرف فيه.
ج-
من حيث المعاهدات المستقبلية التي قد تبرمها أطراف ميثاق الأطلنطي فيما بينهم أو
مع دولة ثالثة، يسري الميثاق في كل حالة.
وقد نصت المادة
الحادية عشر من ميثاق الأطلنطي الشمالي على أن (سوف يتم التصديق على هذه المعاهدة،
ويتم تنفيذ شروطها من جانب الأطراف بما يتفق لدى حكومة الولايات المتحدة والتي
ستبلغ بدورها كل الأطراف الموقعة بما أودع لديها وسوف تدخل المعاهدة حيز التنفيذ
فيما بين الدول التي صدقت عليها بمجرد إيداع تصديق أغلبية الموقعين، بما فيها
تصديق بلجيكا وكندا وفرنسا ولوكسمبورج وهولندا والمملكة المتحدة، وسوف يبدأ
سريانها بالنسبة للدول الأخرى ابتداء من التاريخ الذي سيتم فيه إيداع تصديقها) هذه
المادة ورد فيها النص على طريقة إيداع التصديقات لدى حكومة الولايات المتحدة والتي
تتولى بدورها إخطار الأطراف الأخرى بالتصديقات التي ترد إليها.
أما الجزء الثاني من
المادة نص علي شرط لدخول المعاهدة حيز التنفيذ وهو ضرورة تصديق الدول
الأصلية في المعاهدة وقد وردت أسماء هذه الدول في صدر هذه المادة وهى بريطانيا
وفرنسا وكندا والولايات المتحدة ودول البنلوكس، وهذه الدول هي التي ساهمت في إعطاء
وتكوين ميثاق الأطلنطي ولم يفرق الميثاق إلا في هذه الحالة بين الدول الأعضاء
بعضها البعض. فضلاً عما سبق قد جعلت هذه
المادة سريان مفعول المعاهدة بالنسبة للأعضاء الغير مذكورين في صدر هذه المادة من
تاريخ إيداع وثائق تصديقهم لدى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية
أما
المادة الثانية عشر فقد ورد فيها (بعد عشر سنوات من سريان المعاهدة أو أي وقت بعد
ذلك، سوف تشاور الأطراف، إذا طلب أحدهما ذلك، بهدف مراجعة المعاهدة مع الوضع في
الاعتبار العوامل التي تؤثر حينئذ على السلام والأمن في منطقة شمال الأطلنطي بما
في ذلك تطور الترتيبات الدولية الإقليمية بناء على ميثاق الأمم المتحدة، وذلك من
أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين). هذه المادة خاصة بحكم تعديل المعاهدة. وقد ورد في قانون المعاهدات المادتين (39)،
(40) طرق تعديل المعاهدات، منها ما نصت عليه مواثيق المنظمات الإقليمية مثل ميثاق
جامعة الدول العربية، في المادة 19، التي اشترطت موافقة ثلثي أعضاء الجامعة لإقرار
التعديل، ومنها ما أخذت به ميثاق الأمم المتحدة في المادتين (108، 109) وقد اشترط
عقد مؤتمر عام من أعضاء الأمم المتحدة في المكان والزمان اللذين تحددهما الجمعية
العامة بأغلبية الثلثين وموافقة سبعة من أعضاء مجلس الأمن منهم جميع أعضاء مجلس
الأمن الدائمين
أما ميثاق الأطلنطي الشمالي في المادة سالفة الذكر فقد
اشترط عدة شروط لتعديله
وهى:
1- أن تمضى عشر سنوات
من تاريخ البدء في تنفيذ المعاهدة أي لا يجوز طلب التعديل قبل 23 أغسطس 1959م.
2- أن يقدم طلب
التعديل أحد الأعضاء الموقعين على المعاهدة.
3- اشترط ميثاق
الأطلنطي الإجماع لإقرار التعديل. وأن
كانت المادة الثانية عشر ذكرت عبارة (يتشاور الأطراف متى طلب أحدهم. . . ) وكلمة
يتشاور لا تفيد معنى الأغلبية أو الإجماع إلا أنه جرى العرف على أن إطلاق الحكم
يعنى أو يفسر بالإجماع. وهذا ملائم لروح
ميثاق الأطلنطي الشمالي.
4-
يوضع في الاعتبار عند التعديل العوامل الخاصة بالسلم والأمن في منطقة شمال الأطلنطي
وقت التعديل ومنها اتخاذ تدابير عالمية وإقليمية بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة
للمحافظة على السلم والأمن الدوليين، فإذا كانت الحالة لم تتغير عن وقت إبرام
ميثاق الأطلنطي الشمالي أي عام 1949م فلا يجوز التعديل. أما العوامل الخاصة التي
تتطلب التعديل فمن الصعب التكهن بها فقد تكون بسبب تعديل ميثاق الأمم المتحدة، أو
بسبب عقد اتفاقيات دولية جديدة. وهذا
الشرط سياسي فهو يتعلق بالملابسات الدولية التي يمكن أن تطرأ في المستقبل، فهي
بمثابة باب خلفي للخروج منه في حالة تغيير دولي([4]).
وفى المادة الثالثة
عشر، ورد حكم الانسحاب من المعاهدة فقد نصت على أن (بعد سريان المعاهدة بعشرين
عامًا، يصبح من حق أي طرف أن يتخلى عن عضويته، وذلك بعد عام من تسليم هذا القرار
لحكومة الولايات المتحدة التي ستبلغ بدورها الأطراف الأخرى بكل بلاغ من هذا
النوع). يتضح من استقراء هذه المادة أنها لم تحدد صراحة مدة معينة لانتهاء العمل
بأحكام هذه المعاهدة كما هو متبع عادة في المعاهدات وكما ورد في القسم الثالث
المادة (54) من قانون المعاهدات. ولكنها
حددت مدة عشرين عامًا يحق بعد لأي عضو من الأعضاء حق الانسحاب منها، مما يعنى أنها
معاهدة مؤقتة. وذلك بخلاف ما ورد في ميثاق
اتحاد الدول الأمريكية "ميثاق بوجوته" الذي نص على سريانه مدى الحياة في
المادة الثانية عشر بعد المائة (112)، وأيضًا خلافًا لميثاق بروكسيل الذي يعتبر
الأساس الذي بنى عليه حلف شمال الأطلنطي الذي حدد مدة سريانه بنصف قرن كما ورد في
نص المادة (10/3) منه. ويرجع ذلك الأمر
إلى سياسة العزلة التي فرضتها الولايات المتحدة فهي تتجنب الدخول في معاهدات
دائمة.
ويتضمن الجزء الثاني
من المادة الثالثة عشر، إجراءات الانسحاب التي يجب إتباعها حتى يتم الانسحاب من
المعاهدة فقد اشترطت المعاهدة ثلاثة شروط هي:
أولاً: أن يقدم طلب الانسحاب بعد عشرين عامًا من تاريخ
نفاذ المعاهدة.
ثانيًا: يجب إخطار حكومة الولايات المتحدة بالرغبة في
الانسحاب من قبل الدولة طالبة الانسحاب.
ثالثًا: لا ينتج الانسحاب أثره القانوني إلا بعد مرور
سنة على تقديمه لحكومة الولايات المتحدة التي تقوم بدورها بإخطار بقية الدول
الأعضاء برغبة الدولة طالبة الانسحاب. وهذا الشرط قد ورد في المادة الثانية عشر من
ميثاق جامعة الدول العربية، وكذلك في المادة (10/3) من ميثاق بروكسيل
والمادة
الأخيرة من ميثاق حلف شمال الأطلنطي ورد فيها (هذه المعاهدة - التي سيعتبر كل من
نصيها الإنجليزي والفرنسي صحيحًا- سوف يتم إيداعها في أرشيف حكومة الولايات
المتحدة، وسوف يبعث بنسخ معتمدة من هذه المعاهدة إلى الحكومات الأخرى الموقعة
عليها) مما سبق يتبين أن معاهدة حلف شمال الأطلنطي حررت بلغتين الإنجليزية
والفرنسية ولا فرق بين النصين وتودع النسخة الأصلية لدى حكومة الولايات المتحدة
الأمريكية. وتقوم هي بدورها بتوزيع نسخ
على الدول الأعضاء. وفى حالة تفسير هذه
المعاهدة يراعى الأحكام الواردة فى المادة (33) من قانون المعاهدات
وما
أن أعلن توقيع ميثاق حلف شمال الأطلنطي حتى ظهرت الانتقادات التي وجهت له من قبل
الشيوعيين ودول عدم الانحياز، فالانتقادات الشيوعية تمثلت في أن قيام حلف الأطلنطي
لا يخدم السلام العالمي كما أنه مخالف لميثاق الأمم المتحدة، وليس له علاقة
بالدفاع الشرعي حيث إن الدول الأعضاء في الحلف لا يهددها أي اعتداء، فضلاً عن أنه
يناقض معاهدتي الصداقة والوفاء بين كل من إنجلترا وفرنسا والاتحاد السوفيتي السابق،
ومعاهدتي بالفاربوتسدام بين كل من الولايات المتحدة، وإنجلترا وفرنسا والاتحاد
السوفيتي السابق
أما
انتقادات دول الانحياز فتمثلت هي الأخرى في أن قيام الحلف أكد انقسام العالم إلى
كتلتين متناهضتين، وأنه يدعو إلى سباق التسلح، فضلاً عن تأثير حلف الناتو على
الأمم المتحدة لأنه ينصب نفسه حارسا على السلام والأمن الدوليين مع أن الحلف تم
الاستعانة به في تدعيم الاستعمار والقضاء على الحركات التحريرية في الجزائر
والمستعمرات البرتغالية في أفريقيا، كما أن أنشاء الحلف زاد من حدة الحرب الباردة
حيث ثم إنشاء حلف وارسو عام 1955م.
الانتقـادات القانونيـة:
إن الانتقادات السابقة ليس فيها
جوانب قانونية، لأنها ركزت على الناحية السياسية،أما الانتقادات القانونية فتتعلق
بقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة بوصفه دستورًا لمواثيق المنظمات
الدولية العالمية والإقليمية. فلا يجوز مخالفة الالتزامات التي نص عليها وإذا حدث
فيعد ذلك باطلاً وأهم هذه الانتقادات هي:
1-
أورد البعض أن ميثاق حلف شمال الأطلنطي مخالف لميثاق هيئة الأمم المتحدة، ولمعرفة
مدى صحة ذلك من عدمه، يجب بداية أن نعرف الطبيعة القانونية لحلف شمال الأطلنطي فقد
قال البعض أن حلف الأطلنطي اتفاقية "وكالة إقليمية" فقد أنشأ الحلف
أجهزة داخلية منها مجلس الحلف وبعض اللجان في مختلف مجالات الحياة العسكرية
والاقتصادية والثقافية والاجتماعية أيضًا.
وقد أراد واضع ميثاق الأطلنطي جعله من قبيل المنظمات الإقليمية للأسباب
الآتية:
أ
- لأن ميثاق الأمم المتحدة نص في (م /52) على أنه: (ليس في هذا الميثاق ما يحول
دون قيام التنظيمات أو وكالات إقليمية. . . . ) لذلك اعتبرت دول حلف الناتو الحلف
منظمة إقليمية أو وكالة إقليمية خاصة وأن ميثاق الأمم المتحدة لم يتبن تعريف خاص
للمنظمة الإقليمية
ب-
ومن ذلك أيضًا نص الفقرة الثالثة من (م /52) التي تنص (على مجلس الأمن أن يشجع على
الاستكثار من الحل السلمي للمنازعات الإقليمية عن طريق التنظيمات الإقليمية أو
بواسطة تلك الوكالات الإقليمية. . . . . ) والتي استند عليها أعضاء الحلف في ذلك
على خضوع الحلف لميثاق الأمم المتحدة واتفاقه مع الأهداف والمبادئ
الأمم المتحدة.
مما
جعل كلا من جامعة الدول العربية والاتحاد الأمريكي وغيرهما تعتبر منظمات
إقليمية، وبررت ذلك استناداً إلى المواد 51، 52، 53، 54 من ميثاق الأمم المتحدة
2-
من استقرار نصوص ميثاق حلف الأطلنطي نجد كلمة إقليم مكررة عدة مرات منها الفقرة
الثالثة من الديباجة وفى المادة السادسة والعاشرة والثانية عشر. مما يجعل القارىء يستنتج أن حلف الأطلنطي منظمة
إقليمية
3-
إن الحلف لا يمكن اعتباره منظمة إقليمية لأنه يضم دولاً متباعدة جغرافيا مما تنتفي
صفة الإقليمية عنه. وقد رد على ما سلف
أعضاء الحلف بأن المحيط الأطلنطي أصبح بمثابة بحيرة تربط أسرة دولية واحدة. من أجل ذلك تم اعتبار حلف الأطلنطي منظمة أو
وكالة إقليمية ملائمة ومتمشية مع ميثاق الأمم المتحدة وأهدافه طبقًا لنص المادتين
52، 54 من ميثاق الأمم المتحدة بينما يرى البعض حسبما تشير نصوص ميثاق حلف الناتو،
أنه يستند في نشأته إلى الدفاع الشرعي الجماعي عن النفس وفقاً لنص المادة الواحدة
والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة وأنه يتلافى الإشارة إلى الفصل الثامن من
الميثاق. ويذكر ذلك أن المناقشات
البرلمانية التي سبقت نشأة الحلف أظهرت أن لدى مؤسسيه رغبة أكيدة في حصره في نطاق
الدفاع عن النفس، وإبعاده عن معنى المنظمات الإقليمية، وهو بهذا الوصف لا يحتاج
إلى إذن مسبق من مجلس الأمن قبل استخدام القوة المسلحة. وهو الأمر الذي يميز الأحلاف العسكرية عن المنظمات
الدولية الإقليمية التي تعمل تحت إشراف المجلس، ولا تستطيع الالتجاء إلى القوة دون
الحصول على إذن منه.
ولا
يعنى القول بأن الصفة الإقليمية لا تنطبق على حلف شمال الأطلنطي أن الصلة مقطوعة
بينه وبين الأمم المتحدة، بل على العكس من ذلك، فسياق نصوص الحلف تؤكد تلك الصلة،
كما تؤكد على أهداف ومبادئ الأمم المتحدة خاصة المادة
السابعة من ميثاق حلف الأطلنطي
ولكن
الذي يراه جانب من الفقهاء هو أن حلف الأطلنطي ليس وكالة ولا منظمة إقليمية وذلك
للأسباب التالية:
1-
من استقراء نصوص ميثاق حلف شمال الأطلنطي يتضح أنه لم يستند صراحة ولا ضمنًا إلى
المواد 52، 53، 54 من ميثاق الأمم المتحدة، بعكس الحال في ميثاق بوجوته فقد نص في
مادته الأولى (حسب ميثاق هيئة الأمم المتحدة تعتبر منظمة الدول الأمريكية وكالة
إقليمية) فهذا التصريح البين لا نجد مثله في حلف الأطلنطي.
2-
الوكالات والمنظمات الإقليمية لا يجوز لها طبقًا للمادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة
القيام بأي عمل من أعمال القمع بغير إذن مجلس الأمن فإذا كان حلف الناتو أنشأ
أساسًا المحاربة نفوذ الاتحاد السوفيتي وهو عضوًا في مجلس الأمن يملك حق الفيتو
"النقض" فهل يتمكن حلف الناتو من ممارسة وظائفه علمًا بأن الاتحاد
السوفيتي استطاع في فترة من الزمن أن يوقف أعمال مجلس الأمن نفسه بالإسراف في
استخدام حق الفيتو، وبذلك تبطل الحكمة من إنشاء حلف الأطلنطي.
3-
تنص (م /54) من الميثاق أنه: (يجب أن يكون مجلس الأمن على علم تام بما يجرى من
الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي بمقتضى تنظيمات أو بواسطة وكالات إقليمية أو ما
يزمع إجراءه) وفقا لنص المادة السالفة ينبغي على حلف الناتو أن يبلغ مجلس الأمن
بكل الأعمال التي سوف يقوم بها مسبقًا وجميع الخطط العسكرية وجميع التدابير
الاقتصادية والمالية التي تقوم بها لجنة الشئون الاقتصادية وجميع القرارات السرية
التي يجب اتخاذها، وبما أن الاتحاد السوفيتي السابق عضو دائم في هذا
المجلس فسيكون على علم بكل هذا. فهل تسمح الدول الأعضاء في حلف الناتو ذلك. لذلك
ليس من مصلحة حلف الأطلنطي أن يكون وكالة إقليمية، بل لم يكن في نية واضعيه أن
يقبلوا هذا الوصف. مما سبق يتبين، أنه ليس من مصلحة حلف الأطلنطي أن يوصف بأنه
وكالة إقليمية، وقد تكون نية واضعيه لم تنصرف إلى هذا.
ولكن كيف يتفادى حلف الناتو رقابة مجلس الأمن؟
نعتقد
أنه من السهل الاستناد إلى المادة (53) من ميثاق هيئة الأمم وخاصة الاستثناء
الوارد فيها، فبعد أن قيد اختصاص المنظمات الإقليمية فيما يتعلق بأعمال القمع بإذن
خاص من مجلس الأمن نصت على:
(يستثنى
مما تقدم التدابير التي تتخذ ضد أية دولة من دول الأعداء المعروف في الفقرة الآتية
من هذه المادة مما هو منصوص عليه في المادة (107) أو التدابير التي يكون من
المقصود بها في التنظيمات الإقليمية منع تجدد سياسة العدوان من جانب دولة من تلك
الدول، وذلك إلى حين يعهد فيه إلى الهيئة بناء على طلب الحكومات ذات الشأن
بالمسئولية عن منع كل عدوان آخر من جانب أية دولة من تلك الدول) وهناك استثناء آخر
هو نص الفقرة الثانية من المادة 53 من ميثاق هيئة الأمم المتحدة([5]) وهى لا
تنطبق على الاتحاد السوفيتي السابق.
بعد أن استعرضتا سابقا ميثاق حلف شمال الأطلنطي في دراسة
موجزة حتى نضع الحقائق كاملة علي بساط
البحث والدراسة القانونية، يتبين لنا أن المجال الإقليمي المحدد في الميثاق هو
أراضي الدول الأعضاء ولا يجوز ممارسة أي أنشطة خارجها وتعبر غير شرعية مهما
قيل في تبريرها، وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية جعل حلف الأطلنطي الذراع العسكرية واليد الطولي لها لتأديب الدول التي
ترفض الهيمنة والسيطرة كما أنها تحاول جاهدة أن يكون الحلف بدلا من لجنة المادة(47) المنصوص عليها في
ميثاق الأمم المتحدة، وتضغط الولايات المتحدة علي تقنين ذلك واقعيا من خلال تدخل
الحلف في أزمات دولية مثل أزمات يوجوسلافيا السابقة وأفغانستان وحاولت توريطه في
العراق ولكن الدول الأعضاء رفضت ذلك.
وتستعمل الولايات المتحدة حلف الناتو كآلية عسكرية من
الآليات التي تفرض بها هيمنتها وسيطرتها تحت زعم أنها تقف علي رأس النظام الدولي،
لذلك يجب الاعتماد علي قوات حفظ السلام التي تشكلها الأمم المتحدة وعدم قبول تدخل
أو الاستعانة بحلف الناتو بدلا عنها لأن ذلك مخالف لميثاق الحلف والقواعد العامة في
قانون المنظمات الدولية وقواعد القانون الدولي، وينبغي التعامل معه خارج نطاقه
المحدد والمحصور في الميثاق علي أن قواته قوات احتلال يجب مقاومتها.
وقد حاولت الدول الأعضاء في الحلف أثناء مؤتمر عام 1999م
الذي عقد بمناسبة مرور نصف قرن علي إنشاء الحلف أن توسع من نشاطه ونطاقه بإضافة
أهداف جديدة تتمثل في محاربة الإرهاب في المجتمع الدولي، مما يهدد الأمن والسلم
الدوليين ويشيع جوا من الإرهاب، كن أن ذلك لا يجوز قانونا وهو باطل قانونا
لمخالفته قواعد قانون المنظمات الدولية كما أن ذلك يمثل اعتداء صريح علي ميثاق
الأمم المتحدة أهداف ومبادئ وقواعد وأحكام ينبغي الوقوف في وجهه ومحاربة.
أن حلف الناتو منظمة إقليمية عسكرية لها اختصاصات محددة
ومحصورة لا يجوز تخطيها بمبررات زائفة لفرض الحضارة الغربية منهجا وسلوكا علي
العالمين أي فرض الهيمنة والسيطرة تحت تهديد السلاح، وينبغي علي المجتمع الدولي
محاربة فكرة تدويل حلف الناتو وجعله بمثابة ذراع للأمم المتحدة وبديلا عن قوات حفظ
السلام الدولية والوقوف في وجه هذا الاتجاه ومحاربة في كافة المحافل الدولية
والمنظمات الإقليمية.
في النهاية نقول أن محاولة تدويل حلف الناتو وجعله بديلا
عن قوات حفظ السلام بدعوى عدم تشكيل اللجنة العسكرية التي نص عليها ميثاق الأمم
المتحدة في المادة(47) لأن عدم تشكليها راجع لخلافات سياسية بين دول الفيتو وليس
لعجز الأمم المتحدة لبطلان ذلك بطلانا مطلقا لمخالفته القواعد الآمرة في قانون
المنظمات الدولية والقانون الدولي العام وميثاق الأمم المتحدة
- د/ عبد الله هدية، دراسة عن ظاهرة التكتل
الإقليمي وارتباطها بالحياة الدولية، المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد 39، 1983، ص57.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق