النظرية السياسية
النظرية السياسية من المواضيع الرئيسة
في علم السياسة ، واعتمادها كمجال معرفي ومادة للتدريس إنما هو اعتراف بمرحلة
النضج التي وصل إليها الفكر السياسي وعلم السياسة بشكل عام ، فأن تُهيكل الأفكار
السياسية في إطار نظريات فهذا معناه أن السياسة لم تعد مجرد أفكار ومقولات عامة
بعيدة عن الواقع بل أصبح من الممكن ضبط وتقنين الشأن السياسي ليصبح علماً مثله مثل
العلوم الأخرى. ومن هنا ليس عبثاً استعمال لفظ النظرية وهو لفظ مستمد أصلاً من
العلوم الحقة التي وصلت إلى درجة من الدقة والضبط جعلا من الممكن ضبط مقولاتها
وتعميماتها في إطار نظريات علمية تكون هادياً للباحث في تلك العلوم.
فلا غرو، إن كان اعتماد مفهوم النظرية
والقوانين السياسية بالإضافة إلى توظيف أدوات البحث العلمي ومناهجه في المجال
الاجتماعي، محاولة من الباحثين الاجتماعيين للوصول بالمعرفة الاجتماعية إلى درجة
من الدقة والموضوعية شبيهة بالحالة التي عليها العلوم الحقة. ومع ذلك وبالرغم من
الجهود الشاقة التي بذلها العلماء الاجتماعيون في هذا المجال إلا أن البعض مازال
يشكك في علمية المعرفة الاجتماعية بما في ذلك النظريات والقوانين الاجتماعية، حتى
أن ليفي شتراوس (عالم وفيلسوف فرنسي معاصر) عندما سوئل هل هناك علوم اجتماعية؟
أجاب لدي شك في ذلك، وشكه ينبع من إدراكه أن الظواهر الاجتماعية تختلف عن الظواهر
الطبيعية، فإذا كانت الأولى قابلة للملاحظة والتكميم والضبط والتجريب، فإن الثانية
على درجة كبيرة من التعقيد وعدم الثبات والتحول من حال إلى حال، فالظاهرة
الاجتماعية يتداخل في تشكلها مؤثرات سسيولوجية ونفسية ودينية واقتصادية وعاطفية،
مما يجعل حصر مكوناتها وإخضاعها للتجربة أمراً شاقاً، وهذا الأمر يجعل من المخاطرة
وبمثابة مغامرة علمية، صياغة نظريات وقوانين بعدية المدى تزعم القدرة على فهم وتفسير
الظواهر الاجتماعية بشكل مرض، ومن هنا فإن الباحثين يتعاملون بحذر مع النظريات
الاجتماعية والسياسية وخصوصاً بعيدة المدى وشمولية التحليل.
إن قولنا المشار إليه أعلاه لا ينفي
الجدوى عن النظريات الاجتماعية ، ولكن المقصود هو القول أنه في مجال التنظير
الاجتماعي والسياسي يجب أن لا يتبادر إلى الذهن أن عملية التنظير في هذا المجال
تغني الباحث عن المقاربات الميدانية والتجريبية أو أن النظريات السياسية تعبير
صادق عن الواقع، فما بين الواقع والنظريات فجوة كبيرة والعلماء يلهثون دوماً
لصياغة نظريات يمكنها أن تواكب الواقع، فالنظيرات وحتى التي تزعم أنها علمية
وموضوعية لا تتطابق دوماً مع الواقع، ولنا في واقع الحياة السياسية اليوم خير دليل
على ذلك ، فلا توجد أي نظرية سياسية قادرة على تفسير ما يجري في السياسة الدولية
،وفهم ما يجري ، حيث الفهم والتفسير من أهم أهداف النظرية السياسية.
جاء اعتماد مصطلح النظرية في العلوم
السياسية بعد رحلة طويلة وشاقة وممانعات متعددة المصادر، واجهت الفكر السياسي، حيث
انتقل من الأسطورة السياسية إلى الفلسفة السياسية ومنها إلى العلم السياسي، هذا
الأخير هو الرحم الذي منه خرجت النظريات السياسية.وبالرغم من الاعتراف بالعلم
السياسي وبالنظريات السياسية ، إلا أن علماء السياسة ما زالوا يناضلون حتى يعترف
بهم كمرجعيات رئيسة في الحقل السياسي ، وما زالوا في بلدان العالم الثالث على وجه
التخصيص مهمشين ومستبعدين على مستوى الممارسة السياسية ، حيث هواة السياسة وتجار
السياسة ومستلبو السلطة من العسكر والمغامرين يحتكرون الحياة السياسية ،ة هذا
ناهيك عن الممانعة التي تجدها النظرية السياسية من الفكر الغيبي والأسطوري ومن
تيارات دينية ترفض أية مرجعية لشؤون الحياة بما فيها الشأن السياسي غير المرجعية
الدينية .
إن النظرية السياسية هي ذلك الجزء
العلمي والممنهج من الفكر السياسي الذي كان قبل أن تصبح السياسة علم ، مجرد أفكار
عائمة وغير مضبوطة. وقد يتساءل البعض أيهما أكثر دقة، مصطلح "نظرية
سياسية" أو "نظريات سياسية"؟ وهو تساؤل مشروع خصوصاً إذا رأينا
مؤلفات تتناول نفس الموضوعات تسمى أحياناً بالنظرية السياسية وحيناً آخر تسمى
بالنظريات السياسية. إن اختلاف التسمية في نظرنا وإن كان ليس بالأمر الذي يستحق
كثير نقاش، إلا أنه في بعض الأحيان يحدث لبسا، فاستعمال تسمية النظرية السياسية قد
يوحي عند البعض وجود نظرية واحدة تستوعب مجمل الشأن السياسي، كما أن تسمية نظرية
سياسية يجعل الأمر وكأن المقصود به تاريخ الأفكار السياسية أو مجمل التنظيرات
السياسية. أما اعتماد مصطلح النظريات السياسية فيوحي بوجود نظريات – بالمعنى
الدقيق للكلمة – متعددة كل منها يتناول جانباً من الظاهرة السياسية، فهناك نظرية
حول الدولة وأخرى حول الديمقراطية وثالثة حول السلطة الخ، وحيث إن مصطلح النظرية
السياسية هو الذي شاع في مجال الدراسات الأكاديمية، فسنستعمل هذا المصطلح.
مقاربة موضوع النظرية السياسية يحتاج
كمحاولة تفسيرية إلى تفكيك المصطلح إلى مفردتيه: النظرية، والسياسة، ثم القيام
ببنائه من جديد، فلا تفهم النظرية السياسية إلا إذا عرفنا ماذا تعني كلمة نظرية
أولاً ثم ماذا تعني كلمة سياسة ثانياً.ولكن قبل القيام بعملية التفكيك ثم التركيب،
لابد من الإشارة إلى أن مصطلح النظرية السياسية حاله حال المصطلحات والمفاهيم في
العلوم الاجتماعية والسياسية، حمال أوجه، بمعنى أن الناس وحتى المختصين في العلوم
السياسية يفهمون المصطلح انطلاقاً من خلفياتهم الفكرية والمذهبية. وبالرغم من
الرحلة الطويلة والشاقة التي قطعتها العلوم الاجتماعية – بما في ذلك علم السياسة –
في مجال ضبط مفاهيمها ومقولاتها ومحاولتها التشبه بالعلوم الطبيعة إلا أنها مازالت
بعيدة كل البعد على أن تصل إلى درجة الدقة والضبط في العلوم الطبيعية. وهذا يعني
أن ما يقصده باحث ما بالنظرية السياسية قد لا يكون هو نفسه الذي يعنيه باحث آخر،
فما اعتبره أنا نظرية قد لا يعتبره آخرون كذلك، مثلاً كان الماركسيون يطلقون على
مذهبهم اسم النظرية العلمية، فيما آخرين كانوا يمسونها الفلسفة الماركسية، وشتان
ما بين النظرية العلمية والفلسفة، ومع ذلك فقد تواضع علماء السياسية على عناصر
يمكن في حالة توفرها في منظومة فكرية ما أن تنعت هذه المنظومة بـ "نظرية
سياسية".
ولابد من الإشارة هنا إلى أنه في
محاولتنا هذه لعمل مؤلف حول النظرية السياسية كنا مترددين ما بين التركيز على
الجانب المفاهيمي من النظرية السياسية أو إعطاء الأولوية لمحتوى النظرية السياسية،
أي الموضوعات التي تدرسها وتدخل في حقل اهتماماتها، أيضاً كنا مترددين ما بين
الاهتمام بالجانب ألقيمي والأخلاقي من الشأن السياسي أو الاهتمام بواقع الممارسة
السياسية. لا شك أن الطالب الجامعي الذي يدرس لأول مرة النظرية السياسية وربما لا
يتوفر على معرفة كافية بالمقصود بالنظرية السياسية كمفهوم، يحتاج كماً كافياً من
المعلومات النظرية والمفهومات المجردة حول الموضوع، ولكن المفاهيم المجردة وحدها
لا تكون كافية إن لم تصاحب بأمثلة وتطبيقات وتحليل لموضوعات تقرب الطالب من فهم
المقصود بالنظرية السياسية. وعلى هذا الأساس حاولنا أن نجمع ما بين الجانب النظري
والجانب التطبيقي. ومع ذلك فقد انتابتنا حالة من التردد فيما يتعلق بالجانب
التطبيقي، ذلك أنه ليس من السهل تناول كل الموضوعات التي تدخل ضمن إطار اهتمام
النظرية السياسية لكثرة هذه الموضوعات وتعدد تفرعاتها، وحتى تباين تطبيقات النظرية
الواحدة من نظام سياسي إلى آخر، فالنظرية حول الدولة فيها الجانب التاريخي وفيها التنظيرات
التي تخص الدولة في العالم الغربي وتلك التي نظّرت للدولة الاشتراكية والشيوعية
زمن وجود المعسكر الاشتراكي، ولكننا كمجتمعات عربية إسلامية نعيش في دول لها
خصوصياتها، وعليه لا يفيد أن ندرس نظرية الدولة في الغرب ونتجاهل خصوصية الدولة في
العالم الثالث، حتى داخل هذه الخصوصية توجد خصوصيات، مثلاً الدولة في الحالة
الفلسطينية، فضمن أي مقاربة نظرية يمكن أن ندرجها، وأي من نظريات الدولة تصلح
للحالة الفلسطينية؟. ما قلناه حول الدولة ينطبق أيضاً على الديمقراطية، فدراسة
النظرية الديمقراطية كما نشأت في الغرب وتطورت وكما تمارس اليوم هناك، مفيدة ولا
شك وتعتبر مرشداً ونموذجاً يمكن الاسترشاد به أو البناء عليه، ولكن في مجتمعاتنا
العربية الإسلامية، هل يمكن الأخذ بالنظرية الديمقراطية الغربية بحذافيرها أم أن
الأمر يتطلب عملية تبيئة لمقولات هذه النظرية لتتناسب ومجتمعاتنا، هذا إن لم يحتاج
الأمر إلى مناقشة رأي القائلين بعدم ضرورة الأخذ بالديمقراطية ككل في مجتمعاتنا.
إلى آخره من الموضوعات التي تحتاج إلى الجمع ما بين النظرية والتطبيق.
وفي الختام لابد من الاعتراف بأن عملنا
هذا هو محاولة لتقريب الطالب من موضوع النظرية السياسية، سواء على مستوى الجانب
المفاهيمي أو على مستوى الموضوعات التي هي محل اهتمام النظرية السياسية، ونرجو أن
يوفر هذا الكتاب قاعدة منطلق لمناقشات مستفيضة حول النظرية السياسية، وخصوصاً أننا
حاولنا أن نثير قضايا لها علاقة بواقع النظرية السياسية في عالمنا العربي وفي
مجتمعنا الفلسطيني، قضايا تشغل الرأي العام وخصوصاً الطلبة الذين يتابعون أحداثاً
وتحولات سياسية عاصفة في أكثر من بلد، منها ما يتعلق بموضوع الانتقال الديمقراطي
وأخرى تتعلق بالسلطة السياسية ومصادر شرعيتها وقضايا حقوق الإنسان الخ.
مقاربة مفاهيمية للنظرية
السياسية
كما هو واضح فالموضوع هو النظرية
السياسية وهو مركب من كلمتين تحيل كل إلى الأخرى فالنظرية تحيل إلى السياسة
والسياسة تحيل إلى النظرية، بمعنى أن الفهم المتكامل للموضوع يتطلب أن نقارب
مفاهيميا مفردتي العنوان : الأولى السياسة و هو مجال العلم الذي إليه تنسب النظرية
التي توسًم علماء السياسة أنها تهديهم إلى إدراك أعمق للظاهرة السياسية، و الثانية
هو النظرية بمفهومها العلمي.
تعريف السياسة
النظرية السياسية بما هي نتاج عقل
الإنسان العالم، هي جزء من الفكر السياسي وجزء من علم السياسة، ولكنها ذلك الجزء
الذي يعبر عن مرحلة النضج في التفكير السياسي، وانتقال هذا الأخير من فكر تهيمن
عليه الأساطير والخرافات والتأملات الفلسفية البعيدة عن الواقع، إلى فكر ممنهج
ومنظم يستمد من الواقع ويحاول أن كون قريباً منه، قادراً على تفسيره وفهمه وتتبع تحولاته.
ومن هنا فأن فهم النظرية السياسية لن يكون ممكنا دون مقاربة مفهوم السياسة.
ليس بالأمر الهين تعريف السياسة، فبقدر
البساطة الظاهرة على هذا المصطلح وكثرة تداوله بين الناس العاديين وبين رجال
السياسة، فإن التعريف العلمي لهذا المصطلح لا يتفق مع هذا التعويم لاستعمال مصطلح
السياسة، ومن ناحية أخرى فإن تعقد البناء الاجتماعي وتداخل ما هو سياسي مع ما هو
اقتصادي أو ديني أو إيديولوجي أو قانوني يجعل عملية التمايز أو التمفصل بين هذه
الأنساق أو المجالات أمراً صعباً، أو كما قال جوليان فروند إن السياسة تشبه
"كيس سفر يحتوي ما تنوع من الأشياء...فيه ما شئت من الصراع، والحيلة، والقوة،
والتفاوض والعنف والإرهاب، والتخريب والحرب والقانون..."
حيث إن الشأن السياسي وكما هو الحال مع
المجالات الاجتماعية الأخرى أخضع للمنهج العلمي وأدواته الدقيقة، فقد أصبح من
الممكن مقاربة الظواهر السياسية مقاربة علمية، بل وظهور علماء وعلوم متخصصة
بدراستها، مع ما يصاحب ذلك من محاذير. بتوظيف علم الاشتقاق أو الإيتمولوجيا فإن
كلمة سياسة باللغة العربية تقابل كلمة
(Politics) بالإنكليزية و(Politique)
بالفرنسية والمصطلحان مشتقان من اللفظ
اللاتيني (Polis) بمعنى المدينة أو الناحية أو اجتماع المواطنين،
ومشتقاتها (Politeia) بمعنى المدينة والدستور والنظام السياسي و (Politike) بمعنى
الفن السياسي، أي أن معناها كان معالجة الأمور التي تعني المدينة. وهذا ما يوحي
بأن السياسة أو الحكم بالسياسة اقترن في نشأته بـ (دولة - المدينة)، أي أنه مرتبط
بتجاوز المجتمعات الإنسانية مرحلة العلاقات القائمة على انساق القرابة من أسرية
وعشائرية إلى المجتمع المدني المنظم على أساس المدينة والتساكن والمواطنة
والوظيفة، أي بشكل آخر انتقال المجتمعات من الحكم عن طريق رئيس القبيلة الذي يستند
في حكمه على النفوذ الشخصي الاجتماعي أو الديني أو على عامل السن إلى الحكم عن
طريق السلطة السياسية القائمة على الإكراه والقسر وعلاقة حاكمين بمحكومين، هذا
التعريف للسياسة انطلاقاً من التحليل الابستومولوجي للمصطلح دفع العديد من
الباحثين الغربيين وانطلاقاً من الأنوية الحضارية الغربية إلى اعتبار الشأن
السياسي أمراً مقتصراً على المجتمعات الأوروبية ولم تعرفه المجتمعات الأخرى –
مجتمعات ما قبل دولة – المدينة اليونانية. وهذا ما قال به مالينوفسكي Malinowski الذي
نفى وجود جماعات "سياسية" لدى جماعات الفيدا وأهالي أستراليا الأصليين،
فهذه المجتمعات تلعب فيها صلة القرابة العامل الرئيسي في علاقاتها الاجتماعية،
فعلاقات القرابة تتنافى مع العلاقات السياسية. إلا أن هذه المقاربة لمصطلح السياسة
اعتماداً على أصل الكلمة اليوناني تجد من يعارضها ويأخذ بمقولة أرسطو بأن الإنسان
حيوان سياسي بطبعه، فلا يوجد مجتمع بدون حكومة. إن الخلاف في الواقع يكمن في
اختلاف مفهوم السياسة لدى الأقدمين عنه لدى المجتمعات المنظمة في إطار دولة.
فالسياسة بمعنى القيادة موجودة في كل المجتمعات بما فيها البدائية، إلا أنها في
هذه الأخيرة لم تكن جهازاً منفصلاً عن الأجهزة الأخرى، من اقتصادية واجتماعية
ودينية، بل كانت متداخلة معها وكانت كلها تتركز في يد رجل واحد أو مجلس واحد. أما
السياسة في دولة – المدينة وما بعدها من نظم سياسية حديثة، فمختلفة، إنها مؤسسات
وأجهزة مستقلة قائمة بذاتها، تتقاطع وتتلاقى مع مؤسسات المجتمع الأخرى ولكنها لا
تذوب فيها.
هذا الرأي الذي يميز ما بين السياسة في
مجتمعات ما قبل دولة المدينة اليونانية والسياسة في المجتمعات الحديثة أو
المدينية، تطرق إليه بتوسع الانتربولوجي الفرنسي بيار كلاستر في كتابه "مجتمع
اللادولة"، حيث يقول بأن المجتمعات البدائية - أي تلك المنظمة على أساس غير
ما هو معروف في المجتمعات الأوروبية - لم تعرف السلطة السياسية كجهاز قائم بذاته
بل كانت مندمجة مع بقية المؤسسات الأخرى، ويميز بين السلطة السياسية وبين نفوذ
الزعيم في المجتمعات الأولى، فالزعيم يحظى بالاحترام والتقدير ويمثل الجماعة لدى
الجماعات الأخرى، ويفض النزاعات الداخلية، ولكنه لا يمتلك أي سلطة قسرية، وغياب
عنصر القسر أو الإكراه هو ما ينفي صفة السياسة عن سلطة الزعيم، إن الزعيم بما أنه
المعمم لنشاطات الجماعة الاقتصادية والطبقية لا يحوز على أي سلطة تقريرية، إنه غير
متأكد على الإطلاق من أن أوامره سوف تنفذ".
لا شك أن علم الاشتقاق وإن كان يقربنا
من دلالة الكلمات ومعانيها الأولية، فإنه لا يكشف عن الأبعاد العلمية والفكرية
التي تأخذها المصطلحات عندما تتحول إلى جزء من النظام الفكري والقيمي لمجتمع ما
وفي ظروف مختلفة، وخصوصاً المصطلح في العلوم الاجتماعية حيث هو ذو حمولة
إيديولوجية كبيرة. ومن هنا تأتي أهمية المعنى الاصطلاحي لكلمة سياسة.
تذهب غالبية التعريفات الاصطلاحية التي
أعطيت لكلمة سياسة إلى ربطها بنظام الحكم أو بعلاقة الحاكمين بالمحكومين، فالسياسة
لا تكون إلا في المجتمعات الكلية التي تقاد عن طريق هيئة سياسية تصدر قوانين ملزمة
للأفراد وتمارس عليهم الضغط والإكراه، فلا يمكن تصور سياسة دون وجود سلطة سياسية
وحيث لا يمكن تصور سلطة سياسية دون ممارسة التسلط – بدرجاته المتباينة – فإن وجود
السياسة يستدعي وجود السلطة.
برجوعنا إلى كلمة سياسة كما توردها
القواميس المتخصصة سنجد تعدداً خصباً في التعريفات، فعرفها معجم "روبير"
1962 بأنها "فن إدارة المجتمعات الإنسانية"، أما معجم كاسل Casslle فيقول:
إن السياسة ترتبط بالحكم والإدارة في المجتمع المدني "أما قاموس ليتره Littre الفرنسي
1870 فقد قدم ثمانية تعاريف لكلمة سياسة منها: "فن حكم الدولة"
"السياسة علم حكم الدول وإدارة العلاقات مع الدول الأخرى"، وفي قاموس
العلوم الاجتماعية عُرفت السياسة بأنها: "تلك العمليات الصادرة عن السلوك الإنساني
التي يتجلى فيها الصراع بين الخير العام من جهة ومصالح الجماعات من جهة أخرى،
ويظهر فيها استخدام القوة بصورة أو بأخرى لإنهاء هذا الصراع أو التخفيف منه أو
استمراريته".
وإذا انتقلنا من التعريف القاموس لكلمة
سياسة إلى التعريفات التي أعطاها المختصون لهذه الكلمة سنجد نفس التنوع فستانلي
هوفمان أعطى مائة تعريف لمفهوم السياسة، حتى يمكن أن يقال إن لكل عالم سياسة
تعريفه الخاص لها، فقد عرفها جوليان فروند بأنها: "الفعالية الاجتماعية التي
تأخذ على عاتقها – عن طريق القوة المرتكزة إجمالاً على القانون، تأمين السلامة الخارجية
والوفاق الداخلي لوحدة سياسية خاصة، وصيانة النظام وسط الصراعات الناجمة عن تنوع
واختلاف الآراء والمصالح". ومع ذلك فإن الكاتب هو بذاته غير مقتنع بدقة ووضوح
تعريفه حيث يقول في موضع آخر من كتابه، بأن السياسة تشبه كيس سفر يحتوي على تنوع
الأشياء، ففيه ما شئت من الصراع ومن الحيلة والقوة والتفاوض والعنف والإرهاب
والتخريب والحرب والقانون...
أما ماكس فيبر
Max Veber فقد عرف السياسة "بأنها الفعالية
التي تطالب بحق السيطرة من أجل السلطة القائمة على أرض ما، مع إمكان استخدام القوة
أو العنف في حالة الحاجة، سواء من أجل النظام الداخلي أو الفرص التي تنتج عنه، أو
من أجل الدفاع عن الجماعة في وجه التهديدات الخارجية". ويقترب من هذا التعريف
للسياسة ما جاء به غبرييل الموند
Almond الذي عرف السياسة أو المنتظم السياسي
الذي هو مجال اهتمام أو حقل عمل علم السياسة بأنها: "نظام التفاعلات الذي
يوجد في جميع المجتمعات المستقلة، والذي يقوم بوظائف التوحيد والتكيف ويؤديها في
الداخل وتجاه المجتمعات الأخرى، ويمارس هذه الوظائف باستخدام القسر المادي أو
بالتهديد باستخدامه، سواء أكان استخدامه شرعياً شرعية تامة أو بعض الشيء، فالنظام
"أو المنتظم" السياسي هو القيّم الشرعي على أمن المجتمع والصانع الشرعي
لما يحدث فيه من تغيير"
أما عند المفكرين المسلمين، فقد تم
التعامل مع الموضوع بشيء من الحذر والغموض حتى لا يحدث تضارب بين المنظور الإسلامي
للحياة كدين ودنيا، و السياسة كأمر دنيوي محض يعود للناس أمر التصرف فيه. وهذا
الغموض مازال سائداً إلى اليوم حيث يعود نصيب كبير من الصراع بين التيارات
الأصولية وبين الأنظمة الحاكمة ومؤيديها إلى مفهوم السياسة والحكم ومن أين يستمد
الحاكمون سلطتهم، وما هي مرجعيتهم؟.
وقد استشري هذا الاختلاف منذ اللحظة
التي تحولت فيها الخلافة إلى "ملك عضوض" على حد تعبير ابن خلدون، فكان
لزاماً التعامل مع الشأن السياسي كفكر وممارسة قائمة بغض النظر عن توافقها أو عدم
توافقها مع الشرع – وما بين التوافق وعدم التوافق احتمالات وأوضاع لا تعد ولا تحصى
–، وعليه رأى المفكرون المسلمون أن السياسة هي القيام على أمور المسلمين بأحسن
وجه، وإن كان الفارابي مثلاً يعمم مفهوم السياسة لتصبح معرفة قواعد التصرف الأنسب
في مجالات المنزل والحياة الفردية عموماً والسلوكيات الاجتماعية، فأن الفخر الرازي
يربط السياسة بالرياسة فالسياسة أو علم السياسة هو علم الرياسة.
أما ابن سينا فقد تأثر بالتقسيم الأرسطي – نسبة إلى الفيلسوف
اليوناني أرسطو – الذي ميز بين المعرفة لذاتها أي المعرفة النظرية، وبين المعرفة
الهادفة إلى تفضيل سلوك معين، أي المعرفة العملية، ومن هنا ميز ابن سينا بين
الأخلاق، وسياسة المنزل، وسياسة المدينة.
أما إخوان الصفا - فقد ميزوا بين
خمسة أنواع من السياسات وهي:
1- السياسة النبوية التي يضطلع بها
الأنبياء والرسل، إذ يضعون النواميس والسنن الذكية، يداوون النفوس المريضة من
الديانات الفاسدة.
2- السياسة الملوكية التي يقوم بها خلفاء
الأنبياء الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
3- السياسة العامة، وهي الرياسة على
الجماعات.
4- السياسة الخاصة وهي معرفة الإنسان
بكيفية تدبير أمر المنزل.
5- السياسة الذاتية وهي معرفة الإنسان
لنفسه وأخلاقه ومراجعة أقواله وأفعاله.
وبالنسبة لابن خلدون 3 فقد اعتبر أن
السياسة ضرورة بشرية، فنظر لما في طبائع البشر من الاستعصاء فلابد من وجود وازع
يزع بعضهم عن بعض، ولكنه ميز بين المُلك والرئاسة، فالمُلك هو السياسة بمفهومها
الحديث والمُلك لا يكون إلا بالغلبة والقهر أما الرئاسة فصاحبها متبوع ولكن ليس له
على متبوعيه قهر أو سلطة نافذة، ويقول في ذلك: "إن الآدميين بالطبيعة
الإنسانية يحتاجون في كل اجتماع إلى وازع وحاكم يزع بعضهم عن بعض، فلابد أن يكون
متغلباً عليهم وإلا لا تتم قدرته وهذا التغلب هو الملك وهو أمر زائد على الرئاسة
لأن الرئاسة إنما هي سؤدد وصاحبها متبوع، وليس عليهم قهر في أحكامه وأما الملك فهو
التغلب والحكم بالقهر" ثم يحلل ابن خلدون السياسة التي هي نتيجة طبيعة
للاجتماع البشري ويقسمها إلى ثلاثة أنواع:
1- السياسة الطبيعية التي يقصد بها حمل
الكافة على مقتضى الغرض والشهوة.
2- السياسة العقلية، وتعني حمل الكافة على
مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار، وبالتالي يحصل نفعها في
الدنيا فقط، وهي على وجهين: أحدهما يراعى فيه المصالح العامة ومصلحة الحاكم في
استقامة ملكه بصفة خاصة، ثانيهما يراعى فيه مصلحة السلطان وكيف يستقيم له الملك مع
القهر والاستطالة وتكون المصالح العامة في هذه تابعة لمصلحة الحاكم، هذه السياسة
العقلية، هي سياسة سائر الحكام سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين وإن كان المسلمون
يجرون منها على ما تقتضيه الشريعة الإسلامية بحسب جهودهم.
3- السياسة الشرعية، وتعني حمل الكافة على مقتضى
النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية والراجعة إليها، هذه السياسة يحصل
نفعها في الدنيا والآخرة، لعلم الشارع بالمصالح الدنيوية والأخروية.
ومن الإسهامات السياسية المتميزة
لعلماء المسلمين، ما جاء به أبن قيم الجوزية 3، فقد تبنى ابن الجوزية تعريف ابن
عقيل للسياسة بأنها " ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن
الفساد " ، كما تبنى قول الشافعي " لا سياسة إلا ما وافق الشرع : إلا أن
أبن الجوزية فسر هذا القول بان يعني ،لا سياسة إلا ما وافق الشرع ولم يعارضه ،
وليس أن لا سياسة إلا ما نطق به الشرع ، فهذا الفهم الأخير غلط وتغليط للصحابة 1.
وهذا التمييز بين ما نطق به الشرع وما وافق الشرع يفتح باب الاجتهاد وإعمال العقل
أمام العلماء ليشرعوا بما يتوافق مع الظروف المتغيرة.
هل علم السياسة علم الدولة
أم علم السلطة؟
في بداية ظهور علم السياسة كعلم مستقل قائم
بذاته في منتصف القرن التاسع عشر، كان ينظر إليه كعلم الدولة وهذا ما يتضح من خلال
التعريف الذي أعطاه معجم ليتره للسياسة عام 1870 "السياسة علم حكم
الدولة"، وهو تعريف كان متأثراً أو سائراً على هدى الدراسات والمفاهيم
السابقة منذ دولة اليونان القديمة التي نحتت كلمة
Polis بمعنى دولة المدينة.
فعلم السياسة كعلم الدولة يهتم فقط
بالدولة كمؤسسة قائمة محكومة بالقانون ومسيرة بسلطة سياسة، أي أنه يهتم أساساً
بالدولة والحكومة والقانون، وأنصار هذا الرأي لا يرون الظاهرة السياسية إلا حيث
تكون دولة ذات وجود قانوني وقد سبق أن أوضحنا ذلك.
وقد تعززت هذه النظرة مع أنصار وكتاب
نظرية السيادة وهي النظرية التي تجعل الدولة التجسيم الكامل لسيادة الأمة، أي
لمجموعة فعالياتها السياسية الداخلية والخارجية، ودراستها هي دراسة هذه الفعاليات،
كما تبنى هذه النظرة لعلم السياسة كعلم الدولة بعض المفكرين المعاصرين من أمثال
روجيه سولتو Roger Soltau وجان دابن Jean Dabi ومارسيل بريلو،
ويعجب هؤلاء من التفكير بأي موضوع رئيس لعلم السياسة غير الدولة، ويتساءل دابن عما
يمكن أن يكون علم السياسة إن لم يكن علم الدولة؟
إلا أنه مع تطور علم السياسة بدأ هجر
هذا المفهوم لعلم السياسة كعلم الدولة إلى النظر إليه كعلم القوة، أو السلطة، ذلك
أنه رغم أن الدولة هي مؤسسة اجتماعية أو "مؤسسة المؤسسات" كما توصف فهي
ليست خارج المجتمع بل إفراز له وتعبير عن مكوناته وعلاقات القوة التي تحكم وحداته،
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن حصر علم السياسة كعلم للدولة يثير تساؤلات حول ماذا
نعني بالدولة؟ وما هي صورها؟ وما هو موقف علم السياسة من المجتمع المدني بتنظيماته
وأنشطته وعلاقاته؟ وإذا كان علم السياسة هو علم الدولة فقط فما هو الشأن بالنسبة
لمجتمعات وجدت قبل وجود الدولة ومجتمعات موجودة اليوم وغير منظمة على شاكلة الدولة
الغربية المعاصرة؟ وضمن أي علم ندرس التنظيمات والجماعات كالنقابات والأحزاب
وجماعات الضغط والحركات الاجتماعية والدينية؟.
وهكذا فإن التوجه للحديث يتعامل مع علم
السياسة كعلم القوة والسلطة وهو توجه يتجاوز النظرة القانونية والمؤسساتية التي
كانت تحكم علم السياسة إلى نظرة جديدة تبحث في كل أشكال علاقات القوة التي تحكم
المجتمع سواء كعلاقة قوة بين أفراده بعضهم البعض أو كعلاقة قوة بين وحدات المجتمع
والدولة كجهاز سياسي. والتعامل مع علم السياسة كعلم القوة أي كعلم يهتم بالسلطة
وبكيفية الاستيلاء والمحافظة عليها وممارستها ومقاومتها هو الذي يميزه عن العلوم
الأخرى. ويرى مارسيل بريلو
Marcel Prelot أن فكرة السلطة هي الموضوع الخاص بعلم
السياسة، "ولمجتمع فروع هذا العلم موضوع مشترك هو دراسة السلطة في المجتمع من
مختلف وجوهها...فموضوع هذا العلم ليس الدولة فقط وإنما أيضاً الجمعيات المحلية
والنقابات والمؤسسات والكنائس "فكل تجمع يعود لعلم السياسة فور حيازته سلطة".
ولكن يبقى برلو متحفظاً في تعريف
السياسة كعلم السلطة، فهو يرى أن هذا التعريف لا يساعد على التوصل إلى المفهوم
الحقيقي لعلم السياسة، لأن هناك خلط بين السلطة والقدرة أو القوة، فالسلطة في رأيه
دائماً سياسية أي مرتبطة بالدولة، أما القدرة أو القوة فهي مجرد داعم للسلطة، كما
أنه يصعب عزل السلطة عن المجتمع أو الدولة عن المجتمع، ويرى أيضاً: "إن تحويل
علم السياسة إلى دراسة السلطة يعني في آن واحد توسيعه وتقليصه، توسيعه بجعله يدرس
أشكالاً للسلطة تختلف كثيراً عن السلطة السياسية وتقليصه، طالما أنه لا يقتصر على
الدراسة وحدها لظواهر السلطة".
ومن هنا ينتقد استعمال كلمة Politique كدال
على علم السلطة، لأن هذه الكلمة مشتقة من كلمة
Polis التي تعني المدينة أو الدولة والأصح أن
يسمى هذا العلم كراتولوجيا
Cratologie لأن كراتوس
Cratos تتفق مع السلطة وليس كلمة Polis.
أما موريس دوفرجيه Maurice Duvreger فيقول
بأن تعريف علم السياسة بأنها "علم السلطة" يتفوق على تعريفها بأنها
"علم الدولة"، لأنه يسمح من التحقق من صحة فرضيته الأساسية لأن دراسة
السلطة في جميع الجماعات دراسة مقارنة يسمح بكشف الفروق بين السلطة في الدولة
والسلطة في الجماعات الأخرى إذا كان في الجماعات الأخرى سلطة
ونشير هنا أن الفضل في التحول من
"علم الدولة" إلى "علم السلطة" يعود للأمريكيين، حيث انتقل من
أمريكا إلى أوروبا ولقي ترحيباً من علماء السياسة فيها، فخصوصية المجتمع الأمريكي
دفعت علماء السياسة فيها إلى التحول من دراسة الدولة والسيادة والقانون إلى مجال
أوسع يشمل دراسة العلاقات الفيدرالية، وفصل السلطات، والحكم المحلي، والهجرة،
والتصنيع، والتحضر وجماعات الضغط، حتى يمكن القول إن ما يسير السياسة الداخلية
الأمريكية ويؤثر على السياسة الخارجية ليست الحكومة المركزية بل هذه القوى
الاجتماعية وتوازنها. وللأمريكيين يعود الفضل أيضاً إلى استقلال علم السياسة وفصله
عن القانون الدستوري، فقبل 1880 لم تكن السياسة تدرس في أقسام أكاديمية خاصة بها
بل كفرع من التاريخ والفلسفة والقانون والأخلاق والاقتصاد، وفي يونيو من نفس العام
أنشأت جامعة كولومبيا أول مدرسة لعلم السياسة.
وفي فرنسا يعود الفضل إلى جورج بوردو Burdeau في
إكمال الثورة التي أدت إلى استقلال علم السياسة عن القانون الدستوري حيث انتقل هذا
الأخير كما يقول مارسيل بريلو من وضع العلم الأساسي إلى دور العلم المرجع.
إن وصول علم السياسة إلى المكانة
المتميزة بين العلوم جاء نتيجة مسيرة طويلة من الدراسة والبحث على يد عديد من
علماء السياسة المرموقين، حيث يشير البعض إلى ميكيافلي كأب لعلم السياسة الحديث
نظراً لإسهاماته المهمة في التنظير للدولة، وفي فصله بين السياسة من جهة والأخلاق
من جهة أخرى، وفي القرن السادس عشر انتقل الاهتمام من إيطاليا إلى فرنسا وذلك على
يد بودان Jean Bodin، الذي وضع كتابه
(عن الجمهورية) De La republique عام 1576، متضمناً نظرية في السيادة تبرر الحكم
الملكي المطلق.
وفي القرنين السابع عشر والثامن ظهر
فلاسفة العقد الاجتماعي ليغنوا النظرية السياسية متأثرين بالمنهج العلمي الذي بدأ
يفرض نفسه ويحقق مكتسبات في مجال العلوم الطبيعية، توماس هوبز Thomas Hobbs وجون
لوك John Loke ودافيد هيوم
David Hume، 1711 – 1776) وجرمي ينتام
Jermy Bentham 1748، وستيوارت مل 1806 –
1973، وتوالت الإسهامات في حقل علم السياسة على يد مونتسكيو ثم كنت ودي توكفيل Alexis de Tocqueville، وكارل ماركس، وماكس
فيبر وباريتو الخ.
نخلص مما سبق إلى ما يلي:
1-
أن الحديث عن السياسة وعلم السياسية هو في
جوهره حديث عن النظرية السياسة ، فعلم السياسة ما هو إلا مجمل الإسهامات الفكرية
لعلماء السياسة ، وما كان للسياسة أن تصبح علما لولا النظريات السياسية.
2-
إن الدولة هي قلب وأساس السياسة وعلم السياسة ،
وبالتالي فأن غالبية النظريات السياسية تمحورت حول الدولة.
3-
لكل مجتمع – أو مجموعة مجتمعات متشابه- نظرياته
السياسية الخاص به ، والتي غالبا ما تكون منسجمة مع / ونابعة من ، ثقافته الوطنية
ومستوى تطوره الحضاري . فبعض المجتمعات ترى أن الدكتاتورية هي الأقدر على ضبط
المجتمع وتأمينه من الأخطار – الداخلية والخارجية-، فيما مجتمعات أخرى ترى
بالديمقراطية الحل الأنسب للتعامل مع خصوصيات المجتمع ومتطلباته، ومجتمعات ثالثة
ترى أن الاشتراكية أو الحكم العسكري هو الأنسب لها ،الخ. ومن هنا تسود في
المجتمعات الأولى نظريات الدكتاتورية والاستبداد ، وفي الصنف الثاني من المجتمعات
، نظريات الديمقراطية وحقوق الأنسان ، وفي الصنف الثالث من المجتمعات ، تسود
النظرية الاشتراكية ومشتقاتها
ونشير أيضاً إلى أنه حتى منتصف هذا
القرن كان هناك عدم دقة في استعمال مصطلح علم السياسة وتداخله مع العلوم السياسية
الأخرى حيث كان علم السياسة أحد العلوم السياسية ،التي كانت تنقسم إلى العلوم التالية:
المذهب السياسي، والتاريخ السياسي، وعلم الاجتماع السياسي، وعلم القانون، وعلم
السياسة، إلا أن منظمة الأونسكو سعت إلى إعطاء علم السياسة مكانته التي يستحقها،
وكلفت مجموعة من علماء السياسة وضع مؤلف حول علم السياسة وتحديد موضوعاته ووضع حد
للتداخل بينه وبين العلوم الاجتماعية الأخرى، وبالفعل وضع مؤلف مشترك تحت عنوان
"علم السياسة المعاصر" عام 1950، وقد تم اعتماد عبارة "علم
السياسة" بدل "العلوم السياسية" وأوصت اللجنة بتدريس هذا العلم في
الجامعات وكانت النظرية السياسية على رأس هذه
الموضوعات.أما موضوعات هذا العلم فقد حددتها على الشكل التالي:
النظرية السياسية:
أ. النظرية السياسية
ب. تاريخ الأفكار السياسية
المؤسسات السياسية:
أ. الدستور
ب. الحكومة المركزية
ج. الحكومة الإقليمية والمحلية
د. الإدارة العامة
هـ. وظائف الحكومة الاقتصادية والاجتماعية
و. المؤسسات السياسية المقارنة
الأحزاب والفئات والرأي
العام:
أ. الأحزاب السياسية
ب. مشاركة المواطن في الحكومة والإدارة
ج. الرأي العام
العلاقات الدولية:
أ. السياسة الدولية
ب. التنظيمات والإدارات الدولية
ج. القانون الدولي
إلا أننا نلاحظ أن هذا التقسيم لم
يحترم، حيث أن علم السياسة يدرس في بعض الجامعات كمادة مستقلة جنباً إلى جنب مع
مواد هي حسب تقسيم الأونسكو فروع من علم السياسة.أيضا نلاحظ أن تاريخ الفكر
السياسي يعد جزءا من النظرية السياسية، وكلاهما يأتيان على رأس اهتمامات علم
السياسة
تعريف النظرية
تعد عملية التنظير عماد العلم الحديث
والوحدة الأساسية في نسق التفكير العلمي، فلا يوجد علم دون نظريات علمية، فالمعرفة
التجريبية أو الميدانية تستلهم النظريات العلمية، كما أن نتائجها قابلة للتحول
بدورها إلى نظريات علمية.
تعددت التعريفات المعطاة لمفهوم
النظرية، فهناك فرق بين الاستخدام الشائع لمفهوم النظرية الذي يعني كل ما هو نظري
وتأملي، وقائم على التصوارت
Insights، وبين المعنى العلمي الحديث للنظرية الذي يربط ما بين الجانب
النظري وبين الواقع التجريبي والمعاش. فالنظرية المنفصلة عن الواقع ما هي في الحقيقة
إلا فلسفة، أي مجموعة مقولات غير نابعة أو متفاعلة مع الواقع وأما النظرية العلمية
فهي تلك التي تكون في علاقة جدلية مع الواقع تتطور به ويتطور بها، ويكون الواقع هو
المحك العملي لتأكيد مصداقيتها وعلميتها.
فلا غرو إذن، أن يثير تعريف النظرية
كثيراً من اللبس حيث تتداخل التعريفات العلمية للنظرية مع المفاهيم السائدة لدى
العامة من الناس، وقد أثار ميلفن M.
Melvin هذه الإشكالية حيث كتب يقول:
"يستخدم مصطلح النظرية أولاً استخداماً عاماً للإشارة إلى الجوانب المتعلقة
بالخبرة الواقعية، ويستخدم ثانياً لكي يعني كل مبدأ تعميمي تفسيري، وعادة ما يتكون
هذا النوع من النظريات من قضية تقرر علاقة وظيفية بين المتغيرات، وحين تكون
المفاهيم قريبة من الواقع يُطلق على المبدأ التعميمي مصطلح القانون، أما حينما
تكون أكثر تجريداً، فغالباً ما يُستخدم مصطلح النظرية.وتعني النظرية، ثالثاً: مجموعة
من القوانين المتسقة منطقياً، وقد أصبح ذلك هو الاستخدام المفضل لأنه يلائم العلوم
التي قطعت شوطاً كبيراً في تطورها، كما أنه يرتبط بمفهوم النسق الذي يتضمن ترتيباً
معيناً لقضايا النظرية، ويستخدم المصطلح رابعاً وأخيراً استخداماً ضيقاً للإشارة
إلى العبارات التلخيصية، والتي تتخذ صورة مجموعة من القوانين تم التوصل إليها
بالبحث التجريبي .
أُعطي للنظرية عدة تعريفات، منها:
"بناء تصوري يبنيه الفكر ليربط بين مبادئ ونتائج معينة"، وأنها:
"إطار فكري يفسر مجموعة من الحقائق العلمية، ويضعها في نسق علمي مترابط"
وأنها "تفسر ظاهرة معينة من خلال نسق استنباطي"، وأنها "مجموعة من
القضايا التي ترتبط معاً بطريقة علمية منظمة، والتي تعمل على تحديد العلاقات
السببية بين المتغيرات"، وعرفت بأنها: "عبارة عن مجموعة مرتبطة من
المفاهيم والتعريفات والقضايا والتي تكون رؤية منظمة للظواهر عن طريق تحديدها
للعلاقات بين المتغيرات بهدف تفسير الظواهر والتنبؤ بها". أما أرنولد روس في
كتابه "النظرية والمنهج في العلوم الاجتماعية" فقد عرف النظرية بأنها:
"بناء متكامل، يضم مجموعة تعريفات وافتراضات وقضايا عامة تتعلق بظاهرة معينة،
بحيث يمكن أن يستنبط منها منطقياً مجموعة من الفروض القابلة للاختبار" ..
فالنظرية إذن هي ذلك الإطار
التصوري القادر على تفسير عالم الخبرة الواقعية، أي الظواهر والعلاقات بهدف البحث
عن العلل والأسباب والتنبؤ أيضاً، أو كما يقول تيماشيف Timasheff بأن النظرية بصورة عامة هي مجموعة من القضايا التي تتوافر فيها الشروط
التالية:
أولاً: ينبغي أن تكون المفهومات التي تعبر عن القضايا
محددة بدقة.
ثانياً: يجب أن تشق القضايا الواحدة من الأخرى.
ثالثاً: أن توضع في شكل يجعل من الممكن اشتقاق
التعميمات القائمة اشتقاقاً استنباطياً.
رابعاً: أن تكون هذه القضية خصيبة ومثمرة تستكشف
الطريق لملاحظات أبعد مدى وتعميمات تنمي مجال المعرفة.
فالنظريات العلمية تساعد على فهم
الواقع، ومع ذلك فقد انتقد عالم الاجتماع روبرت ميرتون
Mcrton الخلط الحاصل بين تفسر الظواهر
الاجتماعية من ناحية والنظرية السوسيولوجية من ناحية أخرى، حيث يرى أن النظرية يجب
أن تسبق التفسير وتوجهه 2. ومن جهة أخرى فأن النظريات العلمية أيضا لم تعد تلك
المقولات أو القضايا المتصفة بالصحة المطلقة أو باليقين الأكيد، بل هي مقولات
نسبية التأكيد، ومحددة الشمولية والتعميم، فالنظريات لا توضع من أجل الوصول إلى
اليقين، بل إنها تسعى للوصول إلى معرفة نسبية مؤقتة، ومن هنا تُعامل النظرية
أحياناً على أنها فرض من الدرجة الثانية، فهي أقل تأكيداً من القوانين.
إن تطور العلم لم يؤد إلى زيادة يقينية
المعرفة العلمية بل على العكس أدى إلى إثارة الشكوك حول ما كان يزعم حول يقينية
المعرفة العلمية، وهو الأمر الذي انعكس بدوره على النظرية العلمية، فمفهوم النظرية
الذي كان شائعاً باعتبارها نسقاً من المقولات الأكيدة، مهدد بأن يفقد معناه، وفي
هذا السياق عبر كثير من العلماء عن تشككهم بيقينية النظريات العلمية. فأوجست كونت
يقول: "إن المعاني المطلقة تبدو لي مستحيلة جداً إلى درجة أنه على الرغم من
دلائل الصدق التي أراها في نظرية الجاذبية، فإني لا أكاد أجرؤ على ضمان
استمرارها". وفي نفس الإطار يقول سوليفان
Sullivan في كتابه (حدود العلم) إن النظرية
العلمية الحقة ليست إلا فرضاً عاماً ناجحاً، وأنه لاحتمال كبير أن كل النظريات
العلمية خاطئة.
أما كارل بوبر
Karl Poper فقد ربط بين افتراضية العلم ونسبية
النظرية مميزاً بين النظرية والعلم من جانب وبين الدين والعقدية Cult, Dogma من
جانب آخر، فهذا الأخير هو الذي يملك صفة الإطلاق واليقينية، ولا يقبل النقاش أو
إعادة النظر. أما كلود برنارد فقد وصف مفهوم النظرية بالقول بأنها مجرد درجات
نستريح عندها حتى نتقدم في البحث، فهي تعبر وتعكس الوضع الراهن لمعرفتنا ولذا يجب
ألا نؤمن بها إيماناً بعقائد الدين وأن نعدلها تبعاً لتقدم العلم .
النظرية العلمية إذن نظرية نسبية Relative theory قابلة
للتعديل والتغيير بتطور الاكتشافات العلمية وبتطور الحياة الاجتماعية والمعرفة
الإنسانية، وما دام العقل الإنساني في حالة تطور فلا يعقل أن يبقى مقيداً بنظريات
تجاوزها الزمن وتجاوزتها المعرفة المحصلة حديثاً، فأي تقدم علمي في ميدان من
الميادين ينتج عنه ضرورة إعادة النظر في النظريات المطروحة سابقاً في نفس الميدان،
كما أن فشل النظرية من خلال احتكاكها بالواقع في إثبات الحقيقة أو إذا ظهرت حقائق
أخرى متناقضة معها، يتطلب أن تخلي مكانها لنظرية أخرى أكثر قدرة على إثبات
الحقيقة، والتعامل مع الواقع، ويعد تصارع النظريات في شتى الميادين مظهراً من
مظاهر التطور المعرفي وشرطاً لتطور المعارف الإنسانية، ذلك أن مبدأ البقاء للأصلح
يبقى هو الحكم في هذا المجال.
إن وضع النظرية على المحك العملي
وقدرتها على التحدي والاستجابة لمتطلبات الواقع شرط أساسي من شروط النظرة العلمية
فالنظرية لا تأخذ هذه الصفة لمجرد الانسجام والاتساق المنطقي بين حججها وبياناتها،
وإنما تتعدى ذلك إلى التحقق العلمي الناتج عن اختبار أدلتها، وافتراضاتها اختباراً
يعتمد على التجربة والقياس وغيرها من وسائل البحث العلمي، وهذا ما أكد عليه كارل
بوبر في أكثر من موضع في كتاباته، حيث يرى أن النظرية العلمية هي النظرية القابلة
للاختبار "أي أن باستطاعتنا أن نحاول تكذيبها، وإذا كانت هذه المحاولات بارعة
بما يكفي فإنها تستطيع في النهاية أن تبرهن، لا على النظرية صحيحة – وهو مستحيل –
بل إنها تتضمن حقاً عنصراً من الحقيقة"
.
النظرية في العلوم
الاجتماعية
ظهرت النظرية الاجتماعية – نسبة إلى
العلوم الاجتماعية بما فيها علم السياسة – متأخرة عن النظرية في العلوم الطبيعية،
ويمكن اعتبار القرن السادس عشر بداية ظهور الإرهاصات الأولى للنظرية الاجتماعية
على يد مجموعة من المفكرين الذين حاولوا دراسة المجتمع بطريقة منهجية عقلانية
مستلهمين طرائق البحث العلمي في ذلك. وكان المجال الذي ظهرت فيه النظرية لأول مرة
هي الدراسات الفلسفية والسياسية المتعلقة بنظرية الدولة من حيث أصل نشوئها،
والأشكال التي تتخذها عبر مراحل تطورها.
هذا التحديد الزمني لظهور النظرية لا
يخلو من تحيز للفكر الغربي الذي يؤرخ للمعرفة الإنسانية العلمية، بدءا من عصر
النهضة، ذلك أن للأولين فضل في وضع معرفة علمية بما فيها سياسية ترفى إلى درجة
العلم مثل أفلاطون وأرسطو وابن خلدون، إلا أن ما يؤخذ على معرفة الأولين، إنها لم
تتفاعل مع الواقع وتدخل معه في علاقة جدلية، فقد عبرت عن الواقع وهذا جزء من
النظرية العلمية، ولكنها لم تؤثر عليه، كما أنها لم تؤسس قاعدة لمراكمة معرفة
متواصلة، بل كانت تشبه الجزر المنعزلة وسط بحر من التفكير غير العلمي. فمثلا نظرية
أبن خلدون حول العصبية والدولة وفي مجال علم العمران، لم تؤثر في الواقع الذي كان
يعيشه، بل لم يتم الاهتمام بكتاباته إلا بعد زمن من موته.
تثير النظرية الاجتماعية كثيراً من
الإشكاليات سواء من حيث تعريفها أو من حيث مدى تلائمها مع الواقع، ذلك أنه توجد
فجوة كبيرة ما بين الواقع الملموس والمعرفة العقلية في العلوم الاجتماعية، وإن
كانت النظرية الاجتماعية تتفق مع غيرها من النظريات العلمية من حيث بنائها
ووظائفها في العلم إلا أنها تختلف من حيث المضمون لاختلاف الحياة الاجتماعية عن
المجال الطبيعي.
وقد أشاد العديد من الكتاب إلى هذا
الغموض الذي تثيره النظرية الاجتماعية، فنجد مرتون
Merton في كتابه النظرية الاجتماعية والبنية
الاجتماعية يقول: "إن عالم الاجتماع يميل إلى استعمال كلمة النظرية كمرادف
لكلمات:
1- المنهجية 2- الأفكار 3- تحليل المفاهيم
4- التفسيرات اللاحقة 5- التعميمات التجريبية 6- الاشتقاق "استنتاج الترابط الناجم
عن اقتراحات قائمة مسبقاً" والتقنين، "البحث بواسطة الاستنتاج عن
مقترحات عامة تسمح باستخلاص افتراضات خاصة قائمة مسبقاً" 7- النظرية
"بالمعنى الضيق للكلمة".
ويشير المعجم النقدي لعلم الاجتماع إلى
أن النظرية الاجتماعية، وإن كانت غير منحصرة بالمعنى الضيق للنظرية المشار إليه
سابقاً، فإنها ليست بالضرورة بهذا الحد من الغموض الذي أشار إليه مرتون. ويرى واضع
المعجم النقدي لعلم الاجتماع أن معنى النظرية يأخذ شكلين: الأول هو المعنى الضيق
لكلمة النظرية والثاني هو المثال، وهو "مجموعة من المقترحات أو الأحكام المابعد
نظرية، المتعلقة باللغة الواجب استعمالها لمعالجة الحقيقة الاجتماعية أقل مما
تتعلق بالحقيقة الاجتماعية .
وقد ساد لدى علماء الاجتماع مصطلح
النموذج Model أو المناهج النظرية أو الاتجاهات النظرية بدلاً
من مصطلح المثال المشار إليه أعلاه، وهكذا تتعدد المناهج النظرية باختلاف
المجتمعات وباختلاف الكتاب، وباختلاف الأيديولوجيات والمصالح، حيث تلعب
الأيديولوجيات دوراً خطيراً في صياغة النظرية الاجتماعية، ومن الملاحظ أن النظريات
الاجتماعية الغربية ليست محايدة، بل ذات حمولة أيديولوجية كبيرة، بل إن المشكلة
التي تواجه بناء نظرية اجتماعية لها قابلية أوسع على التفسير والقبول هي مشكلة
أيديولوجية أكثر مما هي علمية
.
إن المراقب للكتابات الاجتماعية
والسياسية يلاحظ أن العديد منها والذي يحمل عنوان النظرية الاجتماعية لا يشير إلا
قليلاً إلى النظرية بمعناها الضيق، بل يورد تحت العنوان كل عملية التنظير
الاجتماعي، أي كل ما جاء به العلماء والمختصون من تحليلات وتفسيرات تنصب على
الظواهر الاجتماعية، دون أن يكون مصدرها البحوث الميدانية التجريبية، وبهذا المعنى
تفترق النظريات الاجتماعية عن البحوث الميدانية التجريبية، ومع ذلك فإن العلاقة
وطيدة بين النظرية الاجتماعية والبحث الميداني
Field research وكلاهما مكمل
للآخر، فلا يمكن لباحث ميداني أن ينطلق من فراغ بل يكون غالباً مسترشداً بنظرية
وبأفكار اجتماعية مسبقة تنير له الطريق، كما أن نتائج البحث الميداني مآليتها أن
تصاغ في نظريات أو تعزز من مقولات نظريات سابقة "إن أي باحث في علم من العلوم
لابد له من نظرية توجهه في جمعه للوقائع المتعلقة بالظاهرة التي يريد دراستها، وفي
اختياره للفروض التي يريد أن يختبر صدقها، وفي اختياره للمنهج وللأدوات التي
يستخدمها في دراسته" .