الخميس، 14 أبريل 2016

شخصية صانع القرار الدولي: فلاديمير بوتين وباراك أوباما





شخصية صانع القرار الدولي:  فلاديمير بوتين  وباراك أوباما

من المتعارف عليه في أبجديات العلوم السياسية أن يؤدي الجانب الشخصي دوراً كبيراً في صناعة القرار على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الدولي ، والذي قد يسهم بدرجة أو بأخرى في توقع ذلك القرار وتحليل نتائجه أكثر من أي عامل أو متغيير آخر .فالسمة الشخصية والأيديولوجية التي يؤمن بها متخذ القرار من الممكن أن تؤثر وتترك بصماتها على القرارات السياسية الخارجية بأعتبار أن الدولة هيكل قانوني يقوم عليه مجموعة اشخاص يتخذون القرارات بأسمها أو ما يسمى بظاهرة تشخيص الدول . فالدور الرسمي والكارزمي الذي قد يتمتع به متخذ القرار من الممكن أن يسهم في خلق جاذبية شعبية لقراراته على صعيد البيئة الدولية .ومن هنا تنطلق فرضية بحثنا من فكرة اساسية مفادها أن التنوع والأختلاف في صناعة القرار الدولي والمحلي يكمن في الأختلاف الموجود بين صناع القرار في المعتقدات والقيم التي يؤمنون بها والتي تؤثر على توجهاتهم وسياساتهم .
1)   فلاديمير بوتين

أ ) الولادة والنشأة
ولد فلاديمير بوتين ذي الأصل الروسي سنة ( 1952م ) في مدينة ( سان بطرسبورغ ) التي تعد عاصمة روسيا الأتحادية الشمالية ، حيث نشأ ( بوتين ) في وسط عائلة متواضعة الدخل ، وكان الصغير بوتين يعشق ممارسة رياضة ( السامبو ) وهي أحدى رياضات المصارعة الروسية المشهورة بالدفاع عن النفس ، ثم تحول بسرعة إلى بطل رياضي في هذه المصارعة ثم أستاذاَ لها ، ثم مارس رياضة الجودو وحصل فيها على الحزام الأسود كما فاز بالعديد من البطولات في (سان بطرسبورغ).
بعد اكمال دراسته الأولية التحق ( بوتين ) بكلية الحقوق التابعة للدولة وكتب فيها بحثاً للتخرج وبعنوان ( مبادىء الدول الناجحة في المجال الدولي ) ، ثم ألتحق بعد تخرجه سنة ( 1975م ) بجهاز امن الدولة (KBG) فرع مدينة ( لينينغراد ) ، ثم عمل مديراً لدائرة الصداقة السوفيتية الألمانية في ألمانيا لمدة خمس سنوات ، ثم أصبح ضابط أحتياط برتبة مقدم سنة ( 1990م ) ثم مساعد رئيس الجامعة التي تخرج منها سابقاً(1) . وفي سنة (1994م) تولى ( بوتين ) منصب النائب الأول لرئيس حكومة سان بطرسبورغ وحصل بموجبها على صلاحيات واسعة وساهم في تطوير المدينة عمرانياً وأمنياً ، وفي سنة ( 1996م ) حصل على درجة الدكتوراة في مجال التخطيط الاستراتيجي والنمو الأقتصادي ليصبح فيما بعد شخصية نافذة وحاسمة في الحياة السياسية والاقتصادية في مدينة سان بطرسبورغ
ثم تقلد بعدها العديد من المناصب الحكومية أنتمى ( بوتين ) إلى حزب ( روسيا الموحدة ) والذي تأسس قبل ثلاثة أشهر من الأنتخابات التشريعية الروسية في ديسمبر ( 1999م ) ، حيث كانت إيديولوجية الحزب قائمة على أساس قيم الحرية الفردية للمواطن الروسي والعدالة الاجتماعية ، والعمل على أساس المسؤولية الحقوقية التي تعني بالقبول الايجابي للحقوق . ومنذ تلك السنة سعى ( بوتين ) بعد ان تولى السلطة موقتا بعد ( يلتسن ) إلى تطوير الأقتصاد الروسي داخلياً وخارجياً ومضاعفته ( 10 مرات ) ، فضلاً عن محاربة الفقر وتطوير القوات المسلحة الروسية كي تصبح قادرة على الدفاع عن روسيا وإصلاح منظومة الضرائب وتحسين أجور العمال وظروف الهجرة والعمل ، وعلى الصعيد الخارجي اكد على ضرورة التعاون مع دول الكومنولث في كافة المجالات وإصلاح الجيش تحسباً لأي نزاعات أقليمية تضطر روسيا إلى حلها مستقبلاً ، والدفاع عن المصالح القومية الروسية في الخارج كأولوية أستراتيجية ضمن أطار القانون الدولي

سعى ( فلاديمير بوتين ) منذ ان تولى السلطة على القضاء على الأزمات الداخلية التي تعاني منها روسيا ومكافحة الفساد ومواجهة المافيات المسلحة ، وتشجيع الأستثمار وتطوير الصناعات العسكرية وإصلاح النظام المصرفي كمقدمات حاسمة للسياسة الخارجية الروسية . وعلى الصعيد الدولي عمل جاهداً على أعادة أدماج روسيا بالساحة الدولية للخروج من العزلة التي كان يتبناها الأتحاد السوفيتي سابقاً والذي ساهم بدرجة كبيرة في تاخير روسيا .
ب ) سمات فلاديمير بوتين الشخصية

ساهمت السمات الشخصية التي يتمتع بها ( بوتين ) الى لعب دور كبير في أعادة انتخابة لأكثر من ولاية رئاسية ، فهو شخصية تظهر عليه ملامح الشخصية الوطنية المهتمة بقضايا المجتمع الروسي في مدة اتسمت بها روسيا بالضعف الكارزمي لمن يقود نظامها السياسي وتحديداً مدة ولاية ( يلتسن ) ، وفي ظل وجود شخصيات روسية تتسم بالتهور الإيديولوجي امثال ( فلاديمير جيرينوفسكي ، يفغيني يفلنسكي ) ، في حين كان ( بوتين ) يملك فكراً أصلاحياً طموحاً ، فهو لم يقم بتغيير الدستور الروسي كي ينتخب مرة ثالثة بل رشح نفسه لمنصب رئيس الوزراء كي يكمل مساره الإصلاحي الذي قاده آبان رئاسته لروسيا مما يجعله صاحب دور رائد في قيادة روسيا إلى ما وصلت اليه الآن . هذه الشخصية نادراً ما تتعصب او تظهر عليها ملامح الفرح أو الحزن ولم تظهر عواطفها أمام شاشات التلفاز سوى مرة واحدة عندما توفى مدرس بوتين ومدربه في الكاراتيه ، إذ طلب من حمايته الخاصة عدم مرافقته ورجع للقصر الذي يسكنه منفرداً سيراً على الأقدام كتعبير لحزنه العميق .
كان ( بوتين ) أول رئيس روسي يتكلم اللغات الأجنبية بطلاقة ، فهو متكلم جيد في اللغة الالمانية

والأنكليزية ، وهو ثالث رئيس روسي يمتلك شهادة في القانون ، ويتمتع بأنضباط عالي ومرونة عالية بالتكيف مع الظروف المتغيرة ، وصارماً في تطبيق القوانين التي طالما أعتبرها السلوك الصحيح لتطوير روسيا ، فوفقاً ل ( موخين ) أن هذه الشخصية تؤمن بالتفاوض لحل النزاعات لكن في الأزمات تصبح قوية وبشدة(4) . وهذه الشخصية تتمتع بحسن السمعة والإرادة القوية في روسيا وهذا الأمر نجده كذلك في الولايات المتحدة الأمريكية ، إذ نجد أعجاب أمريكي غير معلن لشخصية ( بوتين ) من حيث قدرته على ضبط النفس والتمتع بالثقة وعدم الأنجرار وراء الاستفزازات الأمريكية المستمرة في جورجيا وأوكرانيا ، وتعاملها معها بطريقة لينة بسبب كفاءته التنفيذية في إدارة الدولة دون الحاجة لأحتكاك عسكري مباشر او غير مباشر مع الجارة الأمريكية ، مما مكن روسيا من تجاوز العديد من الأزمات الداخلية والخارجية .
ج ) موقف بوتين من القضايا الدولية

كان مجيء ( بوتين ) الى السلطة عام ( 2000م ) بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت على أسوء عقود الضعف التي مرت بها روسيا في التاريخ الحديث ، إذ كان الاعتقاد السائد أن روسيا في عهد فلاديمير لن تكون بأفضل حال من سلفه ( يلتسن ) ، لكن الأمر تغير عندما سعى ( بوتين ) إلى وضع عدد من المبادىء التس ساهمت في تطوير روسيا في النظام الدولي ، وعدم السماح للولايات المتحدة بتهميش الدور الروسي على صعيد العلاقات الدولية . إذ رأى أن روسيا لا يمكن أن تستعيد مكانتها الدولية كقوى كبرى ما لم تتجاوز حالة المساعدات الخارجية وأزماتها الاقتصادية بالاعتماد على مواردها الذاتية ، ومن هنا بدأ ( بوتين ) جاهداً بترتيب أوراق الأستقرار الروسي والاقتصادي الداخلي كمنطلق لتوظيفها في السياسة الخارجية مما ساهم في زيادة فاعلية الدور الروسي على الصعيد الدولي .
هذه الأجراءات جعلت الكثير من السياسيين الامريكيين يسترجعون ذكريات الحرب الباردة وأن روسيا ولدت من جديد عندما تولي ( بوتين ) مقاليد حكمها .
على الصعيد الدولي وتحديداً فيما يتعلق بأبرز القضايا العربية ذات الأبعاد الدولية كان ( بوتين ) فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية يتبع سياسة ذات بابين ، الأول \ يسمح لروسيا تطوير علاقاتها مع الكيان الصهيوني ، الثاني \ يسمح في نفس الوقت دعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية وتطوير مصالحها مع الدول العربية ، وهذه السياسة سمحت لروسيا بتعزيز رصيدها الاقتصادي والاستراتيجي بعد أنهيار الاتحاد السوفيتي
أما فيما يتعلق بالملف الايراني فكان موقف ( بوتين ) واضحاً جداً يتسم بالبراغماتية والمتجسد في دعم ملف إيران النووي وصولاً إلى دورها الواضح في تسوية ذلك الملف بأتفاق نووي سلمي .أما الشأن العراق فكانت روسيا من أشد المعارضين للحرب على العراق عام ( 2003م ) وموقفها هذا ادى إلى تراجع
المصالح الروسية في العراق بدرجة كبيرة بعد ان تم تغيير النظام السياسي في العراق بالقوة ، إلاَ أن هنالك محاولات عدة لأسترجاع الدور الروسي في العراق من بوابة الأستثمار في مجال الطاقة وعقود التسليح ودعم قوات الجيش العراقي في حربه ضد تنظيم داعش الإرهابي ، والذي تجسد في حلف رباعي أمني أطرافه ( العراق ، ايران ، روسيا ، سوريا ) ، ومركز الحلف في بغداد تكون رئاستة دورية حسب الترتيب الابجدي لأسماء الدول المشاركة به
على صعيد الحراك الشعبي العربي ( الربيع العربي ) كان موقف ( بوتين ) حذراً في التعامل معها لحين أنضاج المواقف وإزاحة الأنظمة القائمة كما حدث في ( مصر ، تونس ) ، أما موقفه من احداث ( البحرين ، اليمن ) كان حيادياً نوعاً ما ويتسم بالبطء في ردة الفعل
أما الموقف الروسي من الإزمة السورية فقد كان منتظم وواضح والذي تحكمه عدة توجهات منها أن سوريا لها الامكانات لتؤدي دوراً فاعلاً في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى والذي من الممكن أن يتم أدماجه مع الدور الروسي وتوظيفه إزاء الملف النووي الإيراني ، فضلاً عن أن سوريا أحد أهم شركاء روسيا التجاريين بحوالي ( 20 ) مليار دولار سنوياً ، فالدعم الروسي لسوريا أصبح عسكريا في الوقت الراهن والذي لم يتخذ لدعم نظام ( بشار الأسد ) بقدر ما هو مصلحة روسيا القومية وهو ما أكد عليه ( بوتين ) من أن (( موسكو ليست منشغلة ببقاء الأسد بقدر ما هي تسعى جاهدة إلى مكافحة الإرهاب ودعم التسوية السياسية العادلة
2)   باراك أوباما
أ) الولادة والنشأة
ولد ( باراك حسين أوباما ) عام ( 1961م ) في الولايات المتحدة الأمريكية من أب كيني مسلم وام من أصول إيرلندية ، حيث ترعرع في ظروف أرتفعت فيها تكاليف الرعاية الصحية وتردي المدارس الحكومية وأنشغال الساسة الامريكيين بالصراعات الحزبية ، إذ نشأ في فترة زمنية لم يشعر بها الأمريكيون بأنه يتم تمثيلهم على نحو صحيح(5) . وساهمت خلفية ( أوباما ) الأمريكية وجذوره المسلمة ودراسته الأبتدائية في مدرستين أحداهما كاثولوكية والأخرى مسلمة في أندنوسيا في تفتحه على عالم كبير وتلقي تنشئة غير تقليدية تختلف عن نشأة الطفل في داخل الولايات المتحدة ، إذ أتاح له ذلك الاحتكاك بشعوب أخرى وهو في سن مبكرة(6) . عانى ( أوباما ) في بداية حياته من مشاكل عنصرية فقد كان يتنقل من جدته البيضاء إلى جدته السمراء إلا أن العنصرية لاحقته أثناء بلوغه مرحلة المراهقة ، وبدأ أقرانه
ينظرون اليه نظرة مختلفة لكونه من أعراق مختلفة ، إذ عانى ( أوباما ) من قضية أنفصال والدته بعد ولادته بسنتين ولم يستطع رؤية والده إلا مرة واحدة ، حيث عانى بعد تلك المرحلة من حياة مضطربة من اجل البحث عن ذاته ، وحاول تناسي تلك المرارة بتعاطي المخدرات حتى انه أعترف بذلك أن تعاطيه للمخدرات في فترة شبابه كان أكبر فشل أخلاقي في حياته ، إلا ان هذا الأمر لم يشكل عائقاً له في أكمال مسيرته العلمية والتعليمية ، فبعد الدراسة الأولية والثانوية ألتحق ( أوباما ) بجامعة صغيرة في ولاية كاليفورنيا ثم تركتها ليلتحق بجامعة كولومبيا المتميزة وحصل منها على شهادة البكلوريوس سنة ( 1983م ) ودرس القانون في جامعة هارفرد وتخرج منها سنة ( 1991م ) ، ثم عمل في شركة المؤسسة الدولية ثم في مجموعة نيويورك للمصلحة العامة ثم ناشط مدني في شيكاغو ، وكانت طبيعة هذه الوظيفة تفرض عليه مخالطة الفقراء والمعدومين ، حيث سعى إلى الأنصات لمشاكلهم وهمومهم ووضع حلول لمساعدتهم من خلال المشاريع التنموية ، وتشير بعض المعلومات إلى أن الدروس التي تعلمها ( أوباما ) من هذه الوظيفة هو ان التغيير صعب ويحتاج إلى موارد كبيرة وسلطة ونفوذ سياسي هائل لذلك ترك هذه الوظيفة بعد ثلاث سنوات من أجل البحث عن مصدر قوة أكبر لأصلاح حال الفقراء في شيكاغو لذلك عمل محامياً وأستاذاً للقانون الدستوري بجامعة شيكاغو ( 1992 – 2004م ) ، فضلاً عن كونه أول أفريقي أمريكي يتولى رئاسة تحرير مجلة هارفرد للقانون ، ثم أنتخب عضواً في مجلس شيوخ ولاية ألينوي سنة ( 2004م ) وخاض أنتخابات الكنونغرس في نفس السنة
كان ( أوباما ) الديمقراطي أول رئيس أمريكي من أصل أفريقي خصوصاً إذا ما عرفنا أن كل الرؤساء الأمريكيين من أصول أوربية ، وكان أول رئيس ملون يرفع شعار التغيير السياسي في أمريكا ، إذ سعى بعد تولي السلطة إلى وضع أستراتيجية للولايات المتحدة لتجاوز الظروف الصعبة التي مرت بها البلاد في عهد ( بوش الإبن ) من حيث العجز المالي المتزايد ، الدين المالي الضخم ، التمدد الأمريكي الخارجي الواسع
فالأزمة المالية ساهمت في إفلاس صناديق الضمانات الإجتماعية والصحية والبنية التحتية ، أما خارجيا فقد أدت الأزمة المالية إلى تراجع القدرات العسكرية الأمريكية وعدم قدرتها على مواصلة العمل كضامن للأمن الجماعي !! ، فضلاً عن الأستنزاف العسكري الأمريكي المتسم بالفشل في الشرق الأوسط . أن وصول ( أوباما ) إلى السلطة جاء في لحظة صعبة تمر بها الولايات المتحدة في ظل موارد قليلة وتصاعد كبير لأدوار لاعبين دوليين كروسيا والصين ، ومن هنا بدأ التفكير الأستراتيجي ( لأوباما ) يستند في العمل على دائرة التعديل في السياسات لا التحول الجذري ، وأتباع سياسة هادئة في العمل كبديل لسلطة القوة التي أنتهجها سلفه ( بوش ) خصوصاً على الصعيد الدولي
ب) السمات الشخصية لـ ( باراك أوباما (
يمتاز ( أوباما ) بصورة عامة بميوله الدينية ، إذ ذكر في أكثر من مناسبة أنهُ من أسرة متدينة حيث تطورت نظرته للمسيحية عندما أصبح بالغاً ، وسعى جاهداً لأثبات مسيحيته عندما أتهمه البعض بأن جذوره إسلامية من اجل أن يدخل معترك العمل السياسي والأنتخابي الأمريكي ، إذ سعى دائماً لاثبات ذلك من خلال مواصلته في المشاركة في الأنشطة الكنسية ، والأبتعاد عن بعض أصدقائه المسلمين منهم الفيلسوف الفلسطيني ( رشيد الخالدي ) والناشط المدني ( علي أبو تيمه ) ، أما معتقداته الايديولوجية فيصنف ( أوباما ) على أنهُ ليبرالي متحرر يدافع عن حقوق الشواذ وفي نفس الوقت متدين أما من حيث القيادة والإدارة فيصنف ( باراك أوباما ) حسب تصنيف ( باربر )* للرؤساء الأمريكيين بانه ينتمي لنمط المنفعل الإيجابي ، صاحب شخصية قوية مع مسحة من التفاؤل المهيمن على سلوكه ، وهو نمط يفاوض بشكل جيد يتمتع بمهارات التفاوض الفعالة . وطبقاً لتحليل شخصية ( أوباما ) الذي أجرته وحدة تحليل الشخصيات السياسية في جامعة ( سان جون ) الامريكية ، تبين أنها شخصية تتميز بالرغبة في التغيير وتتمتع بثقة عالية ( شخصية صفقة ) ، تحركها أيديولوجية تؤمن بتغيير المجتمع نحو الأفضل ، وتمتعها بقيادة كارزمية قادرة على مس شغف قلوب الأمريكيين .
ج) الموقف من القضايا الدولية
كانت الاولوية ( لأوباما ) بداية حكمه معالجة القضايا الداخلية التي تتصدرها الأزمة الاقتصادية الامريكية قبل التفرغ للملفات الدولية ، فالأزمة المالية جعلت من ( أوباما ) يتراجع بعض الشيء حسب استطلاعات الرأي العام الأمريكي عن قضايا السياسة الخارجية والأنشغال بقضايا الفقر والبطالة والرعاية الصحية ، إذ أعتبر ( أوباما ) قضايا المواطن الأمريكي اليومية ورقة رابحة في تحقيق الرضا الأمريكي ، أذ أصر على أتخاذ خطوات متسارعة لإنعاش الاقتصاد ، وكان أول قانون أصدره بهذا الصدد قانون الأجر العادل لسنة ( 2009م ) لأنعاش الاستثمار وتحفيز الاقتصاد وأنقاذ صناعة السيارات ، وعلى الصعيد الاجتماعي أقترح برنامج للتأمين الصحي للأطفال ليغطي ( 4 ملايين طفل ) ، وفي مجال البيئة شن معركة شاملة ضد الأحتباس الحراري ودعم تكنولوجيا الطاقة النظيفة ، فضلاً عن دعمه لتسوية ملف الهجرة بطرق سلمية وإنسانية . وبعد ان حسم تلك الملفات أنطلق ( أوباما ) إلى الساحة الدولية بدءاً من العراق حيث كان من أشد المعارضين للحرب ولم يتغير موقفه هذا حتى آبان حملته الانتخابية واستلامه الحكم ووعد بسحب القوات الأمريكية في غضون 16 شهراً وعدم الأحتفاظ

* تصنيف باربر للرؤساء الأمريكيين قائم على السمات الشخصية لصانع القرار الأمريكي ، وهذا التصنيف ينقسم إلى أربع أنواع ( المنفعل الايجابي ، المنفعل السلبي ، الفاعل الايجابي ، الفاعل السلبي
بقواعد عسكرية دائمة في العراق وهو ما تحقق فعلاً ، لكن التغيير الذي حصل هو انه غير من مصطلح الأنسحاب الفوري إلى مصطلح الأنسحاب المسؤول لفتح باب التدخلات في العراق مستقبلاً . اما في ( أفغانستان ) فبين ( أوباما ) أن الملف الأفغاني هو المحور الأساس في سياسته الخارجية عبر زيادة عدد قواته فيها وأتباع سياسة مراقبة دولية لمنع حصول المتطرفين على الأسلحة النووية . اما الملف النووي الإيراني فأتبع معه سياسة الأبواب المفتوحة والتي تتراوح ما بين القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية والدبلوماسية المعقدة ، والذي توج في النهاية بأتفاق نووي عده بعض الخبراء بأنها ضربة قاضية لسياسة ( أوباما ) الخارجية .
أما القضية الفلسطينية فأدعى ( اوباما ) أنه يرغب في دفع عجلة السلام بين الفلسطينيين والأسرائيليين وضمان حل نهائي بأقامة دولة فلسطين عبر سلام مع أسرائيل ، لكن هذا الأمر تراجع عنه فيما بعد عندما أشترط حماية أسرائيل وعزل سلاح المقاومة ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين من الخارج وأعتبار القدس الغير مجزأة عاصمة أسرائيل ، فضلاً عن التأكيد على يهودية الكيان الصهيوني ، مما جعل من دعواته لأقامة السلام حبر على ورق
في الحقيقة والواقع أقر ( اوباما ) بعد أنقضاء مدة معينة من حكمه أن معيار القوة قد تأرجع بصورة ملحوظة إلى الشرق خصوصاً الصين وروسيا ، لذلك أتبع سياسة ( الطمأنة الأستراتيجية ) للتعامل مع بكين كشريك عالمي والتشديد على مزايا بروز الصين أقتصادياً ، خصوصاً إذا ما عرفنا أن النسبة الأعظم من سندات الدين الأمريكي تملكها الصين ، أما روسيا فلجأ ( أوباما ) إلى سياسة ضبط النفس في أدارة العلاقات مع الجار الروسي دون الأمتناع عن أتباع سياسة الأستفزاز العسكري سواء في أوكرانيا أو جورجيا أو في أي مكان آخر ، إلا أن هذه السياسة فشلت إلى حد معين عندما أستطاعت روسيا بأعادة جزيرة القرم وفرض أمر واقع فيما يتعلق بي ( أبخازيا وأوسيتا الجنوبية ) وكأن ( بوتين ) السبب المباشر في سحب القواعد العسكرية الأمريكية من كازاخستان وقيرغستان مما شكل خسارة مؤلمة لسياسة (أوباما) تلك .

3)   أوجه الأختلاف بين فلاديمير بوتين وباراك أوباما

ا) أن الخلفية الأمنية والعسكرية التي تمتع بها ( بوتين ) جعلت منه رجل دولة قوي وحاسم تجاه القضايا الدولة التي تمس الأمن القومي الروسي وشهدنا ذلك في العديد من الملفات ( أوكرانيا ، جورجيا ، إيران ….. ) ، على عكس نظيره الأمريكي
ب) أن قرارات ومواقف ( أوباما ) في كثير من الأحيان يصعب التنبؤ بها وبالتالي صعب ذلك على المواطن الأمريكي التعامل معها أو التوافق عليها ، على عكس نظيره الروسي الذي بدأ حازماً وواثقاً في قراراته وقدرته على كسب ثقة المجتمع الروسي عليها
ج) يمتاز السجل السياسي ( لأوباما ) بشكل عام مقارنة بي ( بوتين ) وفق معايير النجاحات على الصعيد الداخلي والخارجي بالضعف بشكل عام .
د) في المجال الأقتصادي هنالك تفوق واضح لـ ( بوتين ) على نظيره الأمريكي ، أحدى تلك النجاحات تشكيله لتكتل البريكس الاقتصادي الذي شكل تهديداً حقيقياً للهيمنة الاقتصادية الأمريكية
هـ) ضعف خبرة ( أوباما ) في مجال السياسة الخارجية بسبب قلة سنوات خدمته في دوائر صنع القرار بواشنطن مقارنة بنظيره الروسي .
و) يمتاز الطاقم الإداري المحيط بي ( بوتين ) بالخبرة في مجال السياسة الدولية ويشغلون مراكزهم تلك لمدة طويلة على عكس الطاقم الإداري المحيط بي ( أوباما ) وهي مقارنة نسبية نوعاً ما .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الترويكا بين المفهوم والمصطلح

  الترويكا بين المفهوم والمصطلح     الترويكا ثالوث الرأي السياسي، والمفهوم     الدال على اجماع الرأي الواحد، وفي وقتنا الحاضر، لم تع...