الاثنين، 30 يناير 2017

مثلث النفوذ الشرق أوسطي (السعودية – تركيا - إيران) تفاعلات القوة الإقليمية بعد الربيع العربي

مثلث النفوذ الشرق أوسطي (السعودية – تركيا - إيران) تفاعلات القوة الإقليمية بعد الربيع العربي

منذ الغزو الأميركي للعراق وما تلاه من ثورات الربيع العربي : دخلت المنطقة الممتدة من باكستان شرقاً وتركيا شمالاً ومصر غرباً واليمن جنوباً - والمسماة بالشرق الأوسط ([1]) - في حالة من إعادة الترتيب لمناطق نفوذ الدول ، سواء القوى الكبرى أو القوى الإقليمية ، بصعود وهبوط لها ، كما تهدد وجود ما يسمى بالنظام الإقليمي العربي برمته ([2]) ، ليتحول إلى دوائر جديدة ، أهمها الدائرة الخليجية الممثلة في مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية ، والدائرتين الإيرانية والتركية .

ومن هنا تبرز على الساحة قضية المنافسة الإقليمية بين الدول متوسطة القوة ، وحدودها وأنماطها ، وما يترتب عليه من تأثيرات على شكل النظام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ، وتبرز تلك القوى التي يمكن وصفها بأنها قوى ما بين متوسطة ومتوسطة صاعدة ، تمتلك مقومات القوة وتطمح إلى لعب دور أكبر مما هو متاح لها في الإقليم ، مستغلة تصاعد مؤشرات قوتها في الفترة الأخيرة ، وعلى رأسها تركيا وإيران .

بينما على الجانب الآخر : تظل هناك قوى إقليمية متوسطة تمر بمراحل هبوط في منحنى قوتها القومية مما أثر على دورها الإقليمي ، مثل الدولة المصرية ؛ مما له من أثر على إعادة تشكل النظام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ، وتداعيات ذلك على تفاعلات القوة وعلى شكل الخريطة الإقليمية في المنطقة .

بعدسقوط نظام صدام حسين برزت إيران كقوة إقليمية نافذة ، واتسعت دائرة نفوذها لتصل إلى ساحل المتوسط عند حدود الدولة اللبنانية ، وأدى ذلك إلى اشتعال الكثير من نقاط التماس حول حدود المملكة ؛ سواء في جنوب العراق أو في البحرين أو في اليمن ، وامتداداً حتى غرب باكستان ، وكان لذلك أثر وصل حتى عمق منظومة مجلس التعاون الخليجي ذاته ، برؤى مختلفة لكيفية التعامل مع التهديد الإيراني المحتمل ، وبأولويات الاتحاد الاقتصادية والأمنية ، كما صعدت تركيا في حقبة العدالة والتنمية منذ عام 2002 ، لتصنع لها دائرة نفوذ جديدة في العالم العربي ، تتقاطع بالضرورة مع كل من المصالح الإيرانية والسعودية .

وفي هذه الدراسة سنركز على القوى الإقليمية الثلاثة ، السعودية وإيران وتركيا وتفاعلات القوة فيما بينها .

مفهوم القوة الإقليمية

القوة الإقليمية هي تلك الوحدة الدولية التي تمتلك كلاً من القوة والقدرة على التأثير داخل حدود إقليمها، فهي مشابهة للقوى الكبرى في النظام الدولي ، ولكن فقط على مستوى الإقليم التابعة له ([3]) .

والفرق بين القوة المتوسطة التقليدية والصاعدة " الإقليمية " هو فكرة امتلاك الوحدة الدولية القدرة على أن تقود في الأساس ، فالقوة الإقليمية " المتوسطة الصاعدة " تتمتع بتلك المهارة ، بينما القوة المتوسطة التقليدية تفتقد لعنصر القيادة ، فيقتصر دورها على تشكيل ائتلافات ، بالإضافة إلى محاولة الخروج بحلول توافقية وقائمة في الأساس على مبدأ الشراكة لتحقيق مصالح مشتركة .

" ويمكن تعريف القوى المتوسطة بأنها تلك الدولة التي تمتلك قدراً متوسطاً من مصادر القوة الصلبة والناعمة يجعلها قادرة على التصرف في قضايا النظام الدولي بتبني أنماط من السلوك ترتكز على التوافق على أن يتم إدراكها كقوة متوسطة من جانب الدول الأخرى في النظام الدولي " ([4]) .

أهمية الدراسة

تنبع أهمية الدراسة من أهمية تداعيات صعود الدول الإقليمية المتوسطة في المنطقة الواقعة من أفغانستان وحتى لبنان ، وهي كل من تركيا وإيران ، وتداعيات ذلك على الإقليم ، لاسيما في حالة عقد شراكة بين القوتين ، وأثر ذلك على المملكة العربية السعودية ، القوة المتوسطة الأخرى في الإقليم ، ومدى استجابة القوى العظمى لذلك الصعود أو الشراكة المحتملة فيما بينهما ، وهو ما سيكون له تداعيات كبرى على المنطقة ينبغي دراستها بعناية ، لاسيما مع تأثيراتها على القوى المتوسطة الأخرى أو التي تمر بحالة تحول ديموقراطي في حقبة الربيع العربي .

المشكلة البحثية

تكمن المشكلة البحثية للدراسة في رصد تفاعلات القوة بين المثلث الإقليمي - السعودية وتركيا وإيران - وتداعيات ذلك على النظام الإقليمي وبالتبعية على الداخل السعودي ، ويمكن صياغة المشكلة البحثية في السؤال الرئيس التالي :

ما هي تداعيات الصعود الإقليمي لكل من إيران وتركيا على السعودية ؟

ويتفرع عنه الأسئلة البحثية التالية :

ما هي تداعيات الشراكة الإيرانية التركية ؟

ما هي خيارات السعودية في التعامل مع الصعود الإيراني؟

ما هي أبعاد العلاقة مع تركيا السنية ؟

وكيف يمكن الاستفادة من ذلك لاحتواء النفوذ المذهبي لإيران في المنطقة ؟

المنهج البحثي

يرى الباحث أن منهج تحليل النظم هو المنهج المناسب لتحليل تفاعلات القوى في إطار النظام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ودوائر القوة هناك ، وكذلك اقتراب الدور ، لتحديد دور كل من الدول الثلاثة في الإقليم .

فرضية الدراسة

يرى الباحث أن القوى المتوسطة الصاعدة في الإقليم هي كل من إيران وتركيا وذلك بناء على مقدرات الدولتين، وأن القوى المتوسطة الأخرى هي السعودية ومصر ، وأن التحولات في العلاقات الأميركية الإيرانية وما تلاه من محاولة عقد شراكة تركية إيرانية سيكون لها تداعيات كبرى على المنطقة الممتدة من أفغانستان وحتى لبنان .

محاور الدراسة

تنقسم الدراسة إلى أربعة محاور أساسية :

المحور الأول : التحولات في الاستراتيجية الإقليمية للسعودية .

المحور الثاني : تفاعلات القوة السعودية الإيرانية .

المحور الثالث : تفاعلات القوة السعودية التركية .

المحور الرابع : التفاعلات الإقليمية بين مثلث النفوذ وتداعياتها .

المحور الأول :

التحولات في الاستراتيجية الإقليمية للسعودية

تخوض المملكة العربية السعودية عملية واسعة من إعادة النظر في سياساتها الخارجية وأولويات أمنها القومي في أعقاب التحول الذي طرأ على المنطقة في أعقاب التقارب الأميركي الإيراني ، وهناك أربعة أسباب رئيسة تجعل السعودية تحدث نقلة كبيرة في رؤيتها الاستراتيجية وسياستها الخارجية ، وهي :

1. التحول الداخلي والحوار السياسي في المملكة تحسباً من اندلاع قلاقل داخلية بسبب التحولات الإقليمية والدولية .

2. القلاقل الإقليمية بعد الربيع العربي والتي قوضت الأنظمة الاستبدادية التي نشأت في حقبة ما بعد التحرر من الاستعمار وانعكاس ذلك على السعودية .

3. محاولة مواكبة التغير في الدور الإيراني في المنطقة ؛ حيث تستعد طهران لتحصد مكاسب تحولات العقد الماضي بعد سقوط نظامي طالبان وصدام حسين، بعد صفقتها مع الغرب حول برنامجها النووي .

4. التحول في استراتيجية الولايات المتحدة نحو إيران خاصة أن الولايات المتحدة قد رحبت علنا بهذه الخطوة على لسان وزير دفاعها " شاك هيجل " الذي حاول التقليل من أهمية النقلة الأميركية الأخيرة في علاقاتها مع إيران وأنها عبارة عن " تحرك استراتيجي بسيط من أجل النشر الذكي للنفوذ الأميركي " ([5]) .

وأضاف هيجل أن أميركا ستساعد المجلس على تكامل أنظمة دفاعه الصاروخية بكونه " إطار تعددي لتنمية أفضل للدفاع الصاروخي الإقليمي ، وهذا سيتطلب لقاء سنوياً لقادة سلاح الجو بين الجانبين لجعل الدفاع الصاروخي والأمن البحري ومبيعات السلاح الأميركية الأخرى لدول الخليج مثل وسائل مكافحة الإرهاب كمنظومة واحدة متكاملة وسيتم عقد مؤتمر لوزراء الدفاع ، وسيتم عقد اللقاء الأول في الأشهر القادمة([6]).

لذلك فإن السعودية ترصد تلك التحولات الإقليمية والتحولات في استراتيجيات القوى الكبرى تجاه إيران ، ويعضد ذلك أيضاً آراء كبار المخططين الاستراتيجيين والمحللين القريبين من صنع القرار الأميركي ([7]) .



تحولات الاستراتيجية السعودية

حدث تحول في السياسة الخارجية السعودية في الفترة الماضية ، بدأ بالشكوى العلانية من سياسة الولايات المتحدة لإقناع واشنطن بتغيير ما يرونه مساراً خاطئاً ، بحسب تقرير نشره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ، وقد جاء إعلان الأمير بندر بعد أيــــام من قـــرار المملكة المفاجئ رفـــض مقعدهـــا بمجلـس الأمن الدولي ، أنها لا تستطيع تقبل " المعايير المزدوجة " لتلك الهيئة ، وكما أشار الأمير بندر بصورة تدل على ذلك ، بأن الحدث " رسالة للولايات المتحدة ، وليس الأمم المتحدة " .

ووفقاً لمسؤول في واشنطن فإن " تقارير الإحاطة " التي قدمها الأمير بندر كانت في الواقع عبارة عن محادثة دامت عدة ساعات مع السفير الفرنسي لدى المملكة العربية السعودية برتران بيسانسينوت ، الذي شارك ملاحظاته لاحقاً مع زملائه الأوروبيين ([8]) ، وهو ما أكده الأمير تركي الفيصل في كلمته أمام المؤتمر الثاني والعشرين لصناع السياسات العرب والأميركيين والذي عقد في واشطن في 22 و23 أكتوبر 2013 وعبر فيه عن استيائه من عدم اتخاذ إجراءات حاسمة مع إيران والسماح بالانتشار النووي في المنطقة وأن ذلك سيدفع دول مجلس التعاون إلى الحصول على رادع نووي إذا ما نجحت إيران في بناء سلاح نووي ([9]) .

كذلك تسعى المملكة قدماً في خطط تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد بالرغم من اعتراض عمان على ذلك والخلاف مع دولة قطر .

المحور الثاني :

تفاعلات القوة السعودية الإيرانية

الامتداد التاريخي للإمبراطورية الفارسية

تعتبر إيران مفتاحاً هاماً للدائرة النفطية المحيطة ببحر قزوين والجمهوريات السوفيتية السابقة التي لها أصول فارسية وغالبية شيعية - معظمها علمانية - ، وأن إيران بمثابة المعبر لدول منطقة بحر قزوين المغلقة إلى الخليج العربي وإلى أوروبا ، كما أن إيران يمكن أن تكون أداة هامة في احتواء روسيا بكونها بديلاً للنفط والغاز الروسيين إلى أوروبا عن طريق تركيا ، وهو ما بدأ يتشكل بالفعل في إطار محور تعاون جديد بين أنقرة وطهران ([10]) ، كما أن خلع إيران من داخل التحالف الروسي الصيني سوف يضعف هذا المحور الذي يشكل أزمة للولايات المتحدة في مختلف أوليات أمنها القومي باعتبارهما أيضاً عضوين دائمين في مجلس الأمن ، لذلك تحمل إيران أهمية استراتيجية كبرى للولايات المتحدة .

إيران في الرؤية الأميركية

كمعبر استراتيجي بين الشمال والجنوب والشرق والغرب

إن ما تخشاه السعودية ومعها دول مجلس التعاون - فيما عدا عمان على ما يبدو - ليس صواريخ إيران ولا زوارقها ولا أسلحتها النووية ، بقدر خوفها من جيشها التقليدي الذي يعد الأضخم عدداً في المنطقة بعد سقوط النظام العراقي ، ويظل ساحل الخليج العربي الممتد لمئات الكيلومترات قبالة السواحل الإيرانية مصدر تهديد دائم لدول الخليج خشية الاجتياح الفارسي ، لاسيما في ظل وجود أقليات شيعية ووجود عصب الاقتصاد – النفط .

وبعد عقد صفقة أميركية إيرانية فإن المعركة في أفغانستان ستشتعل بين الخصمين السعودي والإيراني ؛ حيث تستعد الأخيرة للعب دور غير مسبوق في المنطقة كدولة ليست مارقة أو معزولة ولكن كدولة أعادت اندماجها بالمجتمع الدولي ، ولذلك ستسطيع أن تمارس قوتها بسهولة نسبية عما مضى بالتنسيق مع القوى الغربية ، وبخاصة على حدودها الشرقية في أفغانستان وباكستان حيث النفوذ السعودي القوي هناك ([11]) ، بل تعتقد إيران أن تجدد الهجمات التي يشنها إسلاميون سُنة في المحافظة الجنوبية الغربية " سيستان بلوشستان " المتاخمة للحدود الباكستانية والأفغانية هي من عمل المخابرات السعودية التي أعادت تنشيطها بعد التقارب الإيراني الأميركي ؛ حيث قامت إيران بإعدام 16 من السنة في 24 ديسمبر 2013 انتقاماً لهجمات على الحدود مع باكستان أسفرت عن مصرع 14 من حرس الحدود الإيرانيين ( [12]) .

ولدى إيران نفوذ كبير على أفغانستان بالوضع في الاعتبار التنوع العرقي والمذهبي والقبلي في البلاد ، وقد حسنت طهران علاقاتها ونفوذها في أفغانستان في السنوات السابقة عن طريق الأقلية الفارسية هناك ، ودعمت حكم كرزاي وطورت علاقات مع عناصر طالبان ، ومع الانسحاب الأميركي من أفغانستان وتحسين علاقاتها مع إيران ، مع الوضع في الاعتبار التنسيق السابق بين الجانبين لإسقاط طالبان ، فمن المتوقع أن ينسق الأميركيون والإيرانيون معاً من أجل احتواء الميليشيات الإسلامية السنية في أفغانستان لتحقيق مصالح الطرفين .

إن الولايات المتحدة أوقفت دعم المقاتلين السوريين من أجل تجنب إغضاب إيران في المحادثات السرية بينهما التي جرت في عُمان ، وما زاد من غضب السعوديين أنهم رأوا أن إيران تكسر العزلة الإقليمية بعدما تأثرت بأدبيات روحاني عدد من دول الخليج الأخرى وكذلك تركيا التي عرضت شراكة استراتيجية مع إيران في مجالات النفط ونقله عبر أنابيب تركية إلى أوروبا ، وما سيتلوه ذلك من فرص تجارية كبيرة مع دول الخليج وتركيا إذا ما تم حل قضية النووي الإيراني ([13]) .

وعلى الجانب الآخر فإن التهديد الإيراني في الخليج يتعاظم حيث قامت طهران بتجهيز الحرس الثوري بصواريخ وراجمات تستطيع أن تعبر الخليج العربي ، وينقصها فقط أجهزة توجيه ستجعلها بمثابة تهديد دولي خطير ؛ حيث إنها لديها دوافع قوية بتسليح تلك القوات بأسلحة نووية من أجل ترويع الدول العربية والتأثير عليها ، وبينما تركز أدبيات الصقور الإيرانيين على إسرائيل ، إلا أن الهدف الرئيس لإيران هو الهيمنة على الخليج ([14]) .

تحتوي " القطيف " شرق المملكة على أقلية شيعية كبيرة ، لذلك فإن أية صراع مستقبلي مع إيران من المتوقع أن يكون له أصداؤه على تلك المنطقة ، والتي لا تخلو من قلاقل دائمة تثيرها الأقليات الشيعية هناك والتي لم تتسم تحركاتها بالسلمية بصورة عامة .

لذلك تتوقع بعض الدراسات ([15]) أن يؤدي ما يوصف بالتهميش التاريخي للشيعة في المملكة إلى تصاعد عدائهم ضد الحكومة وقابليتهم الدائمة للاختراق والتجنيد من قبل الدولة الإيرانية لزعزعة استقرار المملكة ، حيث تقع شركة أرامكو السعودية - والتي تعد العمود الفقري لاقتصاد المملكة - في تلك المنطقة ، ويشكل الشيعة أكثر من نصف عدد العمالة فيها ([16]).

تداخل الآبار النفطية

مع المناطق ذات الغالبية الشيعية في المملكة

إن أصداء الصراع الطائفي في المنطقة يمكن أن ينتقل بسهولة إلى المملكة التي تقع بين عدة نقاط تماس في المناطق الحدودية مع العراق واليمن والبحرين وكذلك سوريا ، وقد تصاعدت حدة الحرب الإعلامية السنية الشيعية ، ومع كسر العزلة الدولية عن إيران في الأيام القادمة ، فمن المتوقع أن تكون حقوق الأقليات الشيعية في المنطقة الشرقية السعودية على رأس أولويات الدولة الإيــرانــية وربما تكون على أجندة أي مفاوضات قادمة من أجل " تطبيع " العلاقات مع إيران وحل الملفات الطائفية في المنطقة بعد سحب الولايات المتحدة غطاءها الأمني والسياسي لدول الخليج ، مما سيزيد من وطأة المفاوض الإيراني ولعبه بورقة المليشيات المسلحة التي يدعمها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن ، وربما يتم إنشاء بعضها قريباً في المملكة ، لاسيما بعد قيام جماعة " جيش المختار " بقيادة واثق البطاط بقصف الأراضي السعودية بقذائف هاون تحذيرية للمملكة في نوفمبر الماضي بأنها في نطاق حدود عمل المليشيات المدعومة إيرانياً ([17]) .

لذلك تخوض المملكة العربية السعودية حرباً على أكثر من جبهة في ظل الربيع العربي ، بعدما أصبحت فعلياً أكبر دولة عربية وقائدة في محيطها ، سواء في الدائرة الخليجية أو في دعمها للنظام المصري الحالي ، كما تنامى دورها ليصل إلى التأثير في كل من الداخل العراقي والسوري واللبناني واليمني ، وأصبحت دولة مركزية في دائرة إقليمية ممتدة من تركيا شمالا وحتى اليمن جنوباً ، وذلك وضع عليها أعباءً متزايدة ، في ظل تحديات داخلية وإقليمية ودولية ، وفي ظل تحديات اقتصادية ومجتمعية ، وتحولات في الخريطة الإقليمية .

كما أن الصراع بين إيران والسعودية تحول إلى صراع على قيادة العالم الإسلامي ؛ بالإضافة إلى صراع مذهبي له بعد آخر وهو الصراع بين الأنظمة الخليجية وبين الميليشيات الإسلامية المسلحة بمختلف مذاهبها وتوجهاتها ؛ فقد رصد المركز القومي الأميركي لمكافحة الإرهاب - والمراكز الأخرى التي تتابع حوادث الإرهاب في العالم - أن معظم الهجمات الأخيرة في المنطقة وضحاياها كانت عبارة عن مسلمين يستهدفون مسلمين ، فيما يرى أنه " صراع داخل الحضارة " الواحدة ، وليس " صراع بين الحضارات " ، وأن الغرب فيه على الهامش وليس في القلب ([18]) .

في حين ترى الدول الخليجية أن هذا الصراع لا يملك الغرب أن يتجاهله ؛ بسبب الأهمية الاستراتيجية للمنطقة حيث يقبع 20% من نفط العالم و35% منه ينتقل عبر خليج هرمز بالإضافة إلى كميات هائلة من الغاز ، كما تنتقل ملايين البراميل أيضاً عبر البحر الأحمر ، والكثير من النفط ينتقل عبر تركيا في مسارات تتعرض أيضاً إلى قلاقل إقليمية ، وإذا تصاعد الصراع فإنه سيمس الجميع ، ولا تستطيع دولة في العالم أن تعزل نفسها عنه ، فحتى مع استقلال أميركا النفطي المتوقع فإنها ستظل تستورد ما يقرب من 35% من حاجاتها من الوقود المسال حتى 2040، كما سيظل الاقتصاد الأميركي يعتمد على واردات من آسيا تعتمد على النفط الخليجي ([19]) .

وسيشكل التقارب الأميركي الإيراني هاجساً مخيفاً للسعودية وإسرائيل ، ومعهم في ذلك أيضاً قوات الحرس الثوري ، في حين ستصبح تركيا بمثابة الثقل الموازن والمنافس الاستراتيجي لإيران في المنطقة بالرغم من معارضة بعض دول المنطقة لهذا الدور – وعلى رأسها السعودية- ، وستؤجل تركيا أية علامات للتنافس الجيواستراتيجي حتى تصلح بيتها الداخلي ([20]) .

كما أن هناك سباقاً محموماً في التسلح يجري في المنطقة ما بين السعودية وإيران وحلفائهما ، وتشير التقارير إلى أن عمليات الشراء المحمومة من الأسلحة سوف تغير التوازن العسكري في المنطقة؛ فسوف تصدر أميركا مروحيات أباتشي إلى العراق لمقاومة القاعدة، كما سيحصل حزب الله على صواريخ ياخونت الروسية القادرة على إصابة السفن على مسافة 75 كيلومتراً في عرض البحر ، كما سيحصل نظام بشار الأسد أيضاً على أسلحة جديدة من كل من موسكو وطهران ([21]) .

لذلك فإن السعودية هي الأخرى دخلت في سباق تسلح ، حيث تتربع في المرتبة السابعة من حيث الإنفاق العسكري على مستوى العالم ، وقد ازدادت نسبة الإنفاق 111% منذ الغزو الأميركي للعراق ما بين 2003 و2012 ، ويشير التقرير إلى أن التسليح السعودي يهدف إلى ردع إيران ، وتركز السعودية على الإنفاق على سلاح الجو ، حيث تنتظر الآن دفعات من طائرات تايفون وإف15 من بريطانيا وأميركا على الترتيب ، كما تقوم المملكة بتحديث أسطولها من طائرات إف15 وتورنيدو .

كما زادت الولايات المتحدة من تصديرها للأسلحة للعراق ، حيث باعت له أسلحة تجاوزت 8 مليار دولار منذ 2005، وصدرت واشنطن طائرات بدون طيار إلى العراق من طراز ScanEagle تكلفة الواحدة مائة ألف دولار ، وستحصل بغداد أيضاً على 75 صاروخ هيلفاير يصل تكلفة الواحد إلى 70 ألف دولار ، كل تلك الأسلحة ـبالإضافة إلى مروحيات الأباتشي مخصصة لمحاربة تنظيم الدولة وما تصفه الحكومة العراقية بـ " التمرد السني " في المحافظات الغربية في الأنبار وحولها ، وسيتم استهداف معسكرات تنظيم الدولة ، وذلك بمساعدة من الاستخبارات الأميركية التي ستوجه الصواريخ العراقية على الأرض ([22]) وعبر مشاركة سلاح الجو الأميركي .

هذا التوتر بين إيران والسعودية ودول الخليج الأخرى لا يمكن فصله عن الثورات السياسية في الأجزاء الأخرى من العالم العربي ، فالتوترات مع الولايات المتحدة تدفع إلى خليط من المخاوف الأمنية في المنطقة ([23]) ، وتسعى إيران إلى الاستفادة من الثورات العربية عكس دول الخليج مع احتمالية أن تواجه تحدياً أكبر من الجماعات السنية التي تعتبرها متطرفة ، إلا أنها أصبح لديها فرصاً أكبر في العراق وسوريا ولبنان ، فلم تعد تواجه مصر كدولة كبرى ومعادية لها كما كان الحال قبل " انقلاب 3 يوليو " ، وقد أصبح لديها فرصاً أكبر لاستغلال الشيعة في الخليج العربي واليمن ([24]) .

لذا تشعر السعودية بالقلق الكبير من الأحداث الجارية في منطقة الهلال الشيعي ( العراق ، سوريا ، لبنان ) ، ومن تداعيات التدخل الإيراني هناك ، فلأول مرة أصبح لإيران قوات عسكرية بأعداد كبيرة نسبياً في تلك البلدان ، وقد شكل سيطر تنظيم الدولة على مناطق واسعة من العراق وسوريا هاجساً أمنياً للسعودية فضلاً عن انزعاجها من سيطرة حركات سياسية موالية لإيران على مقاليد السلطة في تلك البلدان ، فقامت السعودية بحماية حدودها مع العراق عبر انتشار عسكري واسع تحسباً من تدفق المسلحين إلى أراضيها ، ومن استغلال بعض الجهات المدعومة إيرانياً لتنفيذ عمليات داخل المملكة .

المحور الثالث :

تفاعلات القوى السعودية التركية

مع النجاح الاقتصادي والسياسي الذي تحقق في ظل حكم حزب العدالة والتنمية : بدأت تركيا تبحث عن دور أكبر في محيطها الإقليمي، وقد وصف هذا الدور رئيس الوزراء التركي - ووزير الخارجية السابق - أحمد داود أوغلو في تصريح له بالقول أن " تركيا لديها الآن رؤية سياسة خارجية قوية نحو الشرق الأوسط والبلقان ومنطقة القوقاز " ، مضيفاً أنه " يجب أن تتولى دور بلد يرسي النظام في كل تلك المناطق " وأن " تركيا لم تعد البلد الذي تصدر عنه ردود أفعال إزاء الأزمات وإنما يتابع الأزمات قبل ظهورها ويتدخل في الأزمات بفاعلية ويعطي شكلاً لنظام المنطقة المحيطة به " ([25]) ، مما يدلل على أن تركيا تسعى للعب دوراً محورياً في المنطقة .

وبالرغم من الترحيب الأولي من شعوب وحكومات المنطقة لعودة الاهتمام التركي بالشرق الأوسط ، وعقد عدة اتفاقات أمنية واقتصادية وتجارية بين معظم الدول العربية تقريباً - بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي - إلا أن الهوة اتسعت بين الأنظمة العربية وبين تركيا سيما بعد الربيع العربي ، وبعد وضوح خطورة نموذج ما يسمى بـ " الإسلام السياسي " على بعض الأنظمة .

كما أن إيران هي الأخرى ترى تركيا السنية ونموذجها السياسي تهديداً لطموحاتها الإقليمية بتصديرها نموذجاً حضارياً سنياً ، لذلك فإن الخوف من النموذج " السياسي التركي " ودعمه لثورات الربيع في كل من مصر وليبيا وتونس قد غير من طبيعة العلاقة بين البلدين ، وبات الطرفان ببراجماتيتهما يشكلان محوراً جديداً في المنطقة يمكن أن يبتلع معه كل من العراق وسوريا ولبنان أيضاً ، وتتشكل دائرة إقليمية جديدة تكون في مواجهة الدائرة الخليجية الباقية الوحيدة من النظام الإقليمي العربي السابق([26]) .

لذلك فمن المتوقع أن يقوم ذلك المحور الجديد في حال تبلوره في صورة شراكة استراتيجية ، كما ينوي الطرفان إلى تشكيل مدار جديد من النفوذ سيمثل ضغطاً على الأنظمة الخليجية لاسيما النظام السعودي وقدرته على تحريك الأوضاع على الأرض ودعم المليشيات السنية المسلحة في المنطقة ، كما ستكون الدولة السورية هي منطقة صراع كبرى بين القوى الثلاثة ، تركيا وإيران والسعودية ، ولن يكون الصراع في مصلحة الأخيرة في هذه الحالة ، وسيؤدي إلى تداعيات كبرى ربما تصل حتى إلى الداخل السعودي .

كما أن الشراكة الإيرانية التركية – إذا ما تطورت – فتشكل خطراً على دول الخليج ، وبالرغم وجود احتمالات للتباعد بين البلدين إلا أنه في المقابل يوجد ما يدعو إلى التقارب وبناء علاقات اقتصادية وسياسية متينة ، فحاجة تركيا إلى الغاز والنفط الإيراني واتفاقهما على مواجهة خطر التمرد الكردي في كلا البلدين ، فضلاً عن رغبة إيران في تحييد تركيا في الأزمة السورية ، كل ذلك يشكل أسباباً منطقية وملحة في بعض الأحيان لبناء شراكة طويلة الأمد .

وتشير التقارير إلى أن الحرس الثوري والنظام الإيراني يستثمر بالعديد من الدول بما في ذلك تركيا ، حيث يملك بابك زنجاني - الملياردير الإيراني والمقرب من إيران والحرس الثوري - ما يقرب من 70 شركة في إيران وماليزيا وطاجكستان وتركيا ، ورجله في تركيا هو رضا ضراب الذي تورط مؤخراً في قضايا فساد في البلاد ([27]) .

وقد حدد سيد حسن موسويان ([28]) عدة محددات لسياسة خارجية جديدة لتركيا يمكن أن تساهم في عودتها إلى التعاون الإقليمي مع إيران ، وتعود لتلعب دوراً محورياً في استقرار وأمن الشرق الأوسط ووسط آسيا ، وهي :

1. ألا تلقي بثقلها خلف جماعة الإخوان المسلمين بناء على افتراض خاطئ بأن مستقبل المنطقة يقع على عاتق هذا الطرف .

2. ينبغي ألا تدفع الصحوة العربية تركيا إلى التخلي عن سياستها بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى .

3. الحفاظ على الموقف الحيادي ، كي تتمكن أنقرة من لعب دور موثوق في إدارة الأزمة الإقليمية .

4. تحديد مسار سياستها الخارجية ، فالسياسة الخارجية الإيرانية في أعقاب ثورة 1979كانت تقوم على المصالح القومية والأيديولوجية ، لكن تركيا كدولة علمانية تتصرف من الناحية العملية بناء على أيديولوجية أكثر منها على سياسة خارجية .

5. ألا يكون لديها طموح لإحياء الماضي العثماني ، لأن هذا من شأنه أن تكون له عواقب وخيمة على تركيا والمنطقة ، فقد جعلت سياسات تركيا في الآونة الأخيرة بعض البلدان تعتقد أن أنقرة تسعى إلى إحياء الهيمنة العثمانية السابقة على المنطقة ، معتبرة أن " سياسة تصفير المشكلات " ليست سوى غطاء للطموحات " العثمانية الجديدة " في أنقرة .

6. ألا تنسى التحديات الداخلية ، فقد تعرضت مصداقية تركيا في المنطقة والعالم إلى عدة انتكاسات نتيجة لقرار أردوغان بفض المظاهرات باستخدام شرطة مكافحة الشغب والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه ، مما أدى إلى اعتقال وإصابة المئات من المتظاهرين في نحو 50 مدينة .

7. محاولة للتعاون مع القوى الإقليمية ، لاسيما إيران والسعودية والعراق ومصر لإدارة الأزمة الناشئة عن الصحوة العربية ، لكن هذه السياسة ينبغي أن تقوم على عدم التدخل والاحترام المتبادل والتسوية السلمية ([29]) .

ومن شأن ذلك التقارب الإيراني التركي إذا تبلور في صيغة تحالف ما أن يهدد بتشكيل دائرة نفوذ جديدة تتكون من الرباعي إيران وتركيا والعراق وسوريا ، ويستطيعان معاً أن يتفقا على حل الملف السوري وسحب البساط من تحت أقدام الدول الخليجية الأخرى مثل السعودية وقطر - والتي لديها نفوذاً أيضا على بعض المليشيات في الداخل السوري - تحقيقاً لمصالح الطرفين التركي والإيراني ، واللذان تصر الدائرة الخليجية على إبعاد نفوذيهما من المنطقة لتوليفة من الأسباب الجيواستراتيجية والسياسية والمذهبية .

المحور الرابع :

التفاعلات الإقليمية بين مثلث النفوذ وتداعياتها

تشير المعطيات السابقة إلى دخول المنطقة في إعادة ترتيب شامل وإعادة رسم لدوائر النفوذ على الأرض ، وأن القضية السورية ستكون محورية في رسم تلك الدوائر الجديدة ، وأن صراع النماذج ، الإيراني والتركي والخليجي، سيكون مؤثراً في إدارة تلك التفاعلات الإقليمية ، لذا فإن ذلك الصراع سيتحكم فيه عدة محددات داخلية وإقليمية:

أولاً : على المستوى الداخلي

أ. قدرة روحاني ومدى براجماتيته التي تسمح له بعقد صفقة مع تركيا والانفتاح على الغرب ، ومحاولة التقرب مع دول الخليج ، وتقليص مساحة المذهبية كأداة من أدوات سياسة إيران الخارجية ، وقدرته على إقناع الداخل الإيراني بتلك السياسة وتوفير الزخم الشعبي المناسب لها لمواجهة نفوذ كل من الحرس الثوري والمرشد الأعلى .

ب. مدى النجاح الذي ستحققه الدولة التركية في مساعيها في بناء دور إقليمي مؤثر وفاعل ، فضلاً عن صورة الإقليم التي سترسم في حال حصول شراكة اقتصادية وسياسية مع إيران وانعكاسات ذلك على المنطقة .

ج. قدرة النظام السعودي على التعامل مع المتغيرات العربية وما يمثله من تحدٍ على المستوى الداخلي ، وكذلك المرونة مع الحوار الوطني .

ثانياً : على المستوى الإقليمي

أ. الصراع في سوريا ، وقدرة الأطراف على الوصول إلى حلول تفاوضية تمثل مكسباً لكل طرف من الأطراف .

ب. الصراع في العراق وسيطرة تنظيم الدولة على نصف مساحة العراق تقريباً وتعزيز فرص التعاون بين الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في العراق في محاربة تنظيم الدولة .

ج. الدور الخارجي للولايات المتحدة في الإقليم باعتبارها ضابطة لإيقاع المنطقة ومستوى تدخلها ، فيما يعرف بدرجة التغلغل الخارجي في النظام الإقليمي ، ومقدار تعزيز وجودها في الخليج العربي ، بما يطمأن مجلس التعاون ويحد من الطموح النووي الإيراني ([30]) .

د. تأثير الربيع العربي على الأنظمة الخليجية واستمرار حالة التدافع بين الشعوب والأنظمة لنيل قدرتها على التأثير والمشاركة في السياسة العامة .

فالصراع السوري لن يستمر إلى مالا نهاية ، وقدرة نظام بشار الأسد على التماسك لن تستمر إلى الأبد؛ فالضغوط الاقتصادية على النظام وقدرته على توفير الحاجات الأساسية لشعبه في المناطق التي يسيطر عليها والتدافع بينه وبين القوى الثورية ستمثل قوة ضاغطة على جميع الأطراف من أجل إيجاد حلول ، بدلاً من حرب الاستنزاف الدائرة التي يضار فيها جميع الأطراف المتداخلة في الصراع وعلى رأسها تركيا وإيران والسعودية وقطر، كما أن أداء حزب العدالة والتنمية التركي في المنافسة الانتخابية وقدرته على تعزيز صورته التي شوهت كثيراً في الفترة الماضية ستكون حاسمة ، فضلاً عن سيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة من العراق وسوريا قد عقد الأوضاع أكثر وشكل ضغطاً إضافياً على الأطراف المتصارعة في سوريا .

كما أن الصفقة الإيرانية الغربية ربما تمثل حلولاً جذرية من خلال التفاوض مع إيران عبر مجموعة " 5+ 1" بأن يتم القضاء النهائي على البرنامج النووي العسكري الإيراني ، وبالتالي يتم إنهاء العقوبات الاقتصادية والتطبيع مع إيران ، وهذا بدوره سيهدئ المخاوف والقلق الإيراني ، وعلى الجانب الآخر فإن الولايات المتحدة ربما تعمل على طمأنة دول الخليج وعلى رأسها السعودية بأن واشنطن لن تنحاز إلى إيران ، بل ستحافظ على العلاقات الوثيقة مع دول الخليج ، كما أشار إلى ذلك وزير الدفاع الأميركي تشاك هاجل في زيارته إلى المنطقة في ديسمبر 2013، وكذلك في خطبته أمام حوار المنامة في 7 ديسمبر 2013؛ حيث قال أن الولايات المتحدة تزيد من تواجدها وضاعفت مناوراتها مع دول الخليج في 2013، وصدرت أسلحة بقيمة 70 مليار دولار لدول الخليج وأن المخططين الاستراتيجيين لا يزالون يهتمون بالمنطقة مثلها مثل شرق آسيا تماماً ، وأن أميركا ليست بصدد الانسحاب من المنطقة وتركها للصراعات الإقليمية ([31]) .

ويرى الخبير الاستراتيجي أنطوني كوردسمان أن أميركا بحاجة إلى إعادة تلك التطمينات مراراً وتكراراً على الآذان الخليجية وإعلان ذلك على الملأ والتعاون في ذلك مع كل من فرنسا وبريطانيا ، كما يوصي كوردسمان الغرب بألا يركز على الثورات العربية باعتبارها مقدمة لانتصار القيم الغربية للديموقراطية ، وألا يضغط على دول الخليج كثيراً في ذلك ، بل يركز على الأثر الإنساني الحقيقي لتلك الثورات والتهديدات التي تمثلها ، وهذا لا يعني قبول القمع ولكنه يعني إعطاء الأمن والاستقرار للدول الحلفاء الأولوية التي تستحقها ([32]) .

خاتمة
من المتوقع أن تؤدي تفاعلات القوة الإقليمية في تلك المنطقة بمثلث النفوذ الإيراني التركي السعودي ، مع مراعاة الدور الأميركي ، إلى إعادة تشكيل المنطقة بصورة كبيرة في الفترة القادمة ، وستعمل المحددات الداخلية والإقليمية والخارجية - التي أشرنا إليها في الدراسة - على تحديد أنماط الصراع ومخرجاته ، في ظل بيئة إقليمية ملتهبة تموج بالصراعات المذهبية والطائفية ويغذيها تاريخ من القمع والاستبداد ، أدى إلى عدم تمكن شعوب المنطقة من ممارسة دورها بصورة مسئولة ومنظمة للتأثير في مخرجات حكوماتها ، في ظل استبداد تمكن منذ عقود من إخبات تلك الاختلافات المذهبية والطائفية ، ولكن أثبتت الأيام أنها لا تزال كامنة في نفوس الشعوب ، في ظل عدم تمكن المنطقة - من المحيط إلى الخليج - من إدارة التعددية السياسية والمذهبية بصورة فاعلة وعادلة ، وهو ما حاولت موجات الربيع العربي أن تصحح مساره ، لكن التداعيات غير المباشرة لعملية التدافع السياسي وتصحيح المسار وتدخلات القوى الإقليمية لتحقيق مصالحها أدت إلى حرف البوصلة السياسية عن وجهتها النهائية التي كانت تتطلع إليها الشعوب العربية .

وفي ظل صراع إقليمي يغلب عليه المذهبية والطائفية بل والطبقية السياسية الناتجة عن عصور من السلطوية ، فإن المنطقة بحاجة إلى توليفة من الإصلاحات الداخلية والتحالفات الإقليمية من شأنها تعويض البنية الإقليمية التي تفككت وهي النظام الإقليمي العربي ، الذي تحلل الآن إلى دوائر غير متصلة ، من أهمها : الدائرة الشرق أوسطية التي تعد قلب العالم الإسلامي ، وهي المنطقة الممتدة من باكستان وحتى مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الترويكا بين المفهوم والمصطلح

  الترويكا بين المفهوم والمصطلح     الترويكا ثالوث الرأي السياسي، والمفهوم     الدال على اجماع الرأي الواحد، وفي وقتنا الحاضر، لم تع...