الجمعة، 27 مايو 2016

حلف اميركي جديد على مقربة من الصين

حلف اميركي جديد على مقربة من الصين
l بادرت الولايات المتحدة وأستراليا على تنظيمه
l اليابان وكوريا الجنوبية مدعوتان للمشاركة فيه
l الآلية الرباعية تثير يقظة اسيا والباسفيك
الولايات المتحدة واستراليا تشكلان " مجموعة أمنية " جديدة لاسيا والباسفيك
(( مجموعة امنية جديدة : باول يؤيد خطة امريكا – استراليا – اليابان المقترحة من قبل العاصمة الاسترالية )) ، (( مجموعة جديدة لأمن آسيا والباسفيك )) عنوانان كبيران تصدرا الصفحات الاولى لجريدتي (( الاسترالي )) و(( التعليق المالي )) الصادرتان في 31 / 7 ، بينما حملت جريدة (( سدني الصباحية )) واسعة الانتشار والشهرة تقريرا صحفيا بعنوان لافت للنظر "ستتعامل مجموعة الدول الاربعة مع الصين بجفاء " الامر الذي اثار دهشة القراء وتساؤلاتهم عما يجري ....
ادهشت نتائج المشاورات الوزارية الاسترالية الاميركية التي جرت في 30 / 7 كل المراقبين والمحللين واثارت تساؤلاتهم حول تجمع امريكا واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية في مجموعة امنية مصغرة ، اضافة الى تعزيز التحالف العسكري فيما بينها، وعملها على وضع " الية المشاورات الامنية الرباعية " لمواجهة ما يسمى ب " التهديد الاقليمي الكامن " . يرى المراقبون ان الولايات المتحدة الاميركية تعمل ، بكل وضوح ، على اقامة هذه التشكيلة الامنية لمجابهة الصين ، وكما تعتبر خطوة هامة على طريق انتقال جوهر الاستراتيجية الاميركية من اوروبا الى منطقة اسيا والباسفيك .
المشاورات الوزارية الامريكية الاسترالية هي مشاورات دورية روتينية ، الا انها في هذه المرة اخذت طابعا يختلف عما كانت عليه في الاعوام الماضية ، فقد جاءت بالذكرى الخمسين ل " المعاهدة الاسترالية النيوزيلاندية الاميركية " ، كما جاءت في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة الاسترالية على دفع وترسيخ علاقاتها مع ادارة بوش ، لذا عمدت استراليا على اعطاء هذه المشاورات ميزات كبيرة ومغازي خاصة . فلم يخرج رئيس وزرائها عن المؤلوف في مشاركته الشخصية وترأسه لهذه المشاورات فحسب بل اقام مأدبة مصغرة في مقره بكنبرة على شرف الشخصيات الاميركية الثلاثة الهامة التي وصلت للمشاركة في المشاورات : باول ، وزير الخارجية الاميركي الذي وصل قادما من بكين مباشرة و رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي الذي وصل من واشنطن بعد رحلة طيران استغرقت 20 ساعة والجنرال بولير ، القائد العام للقوات الامريكية المرابطة في المحيط الهندي . اما النقطة الجوهرية للمباحثات فقد تركزت ، وكما جاء على لسان السفير الامريكي لدى استراليا ، على كيفية مواجهة التهديدات الصينية المتصاعدة .

وقد كشفت بعض المصادر المطلعة ، ان تانا وزير الخارجية الاسترالي هو اول من طرح فكرة " الية المشاورات الامنية الرباعية " بين امريكا واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية التي لاقت على الفور تأييد السيد باول وزير الخارجية الاميركي حيث قال " مادامت بيننا كل تلك المصالح المشتركة ، فان اللقاءات والمحادثات الدورية قد تكون طريقة ذكية .
هل سيكون الحلف الجديد موجها ضد الصين ؟
يخمن البعض ان الفكرة ، على الرغم من انها طرحت رسميا من قبل وزير الخارجية الاسترالي ، الا انها في الحقيقة من هندسة اميركية وطرحت بتفويض منها . وان اول من طرح هذه الفكرة هو المححل الاستراتيجي الامريكي (( روبرت بلاكوير )) المشهور والمعروف في تأثيره بالوسط الامريكي ، الذي يرى أنه في توثيق علاقات كل من استراليا واليابان وكوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة فان التحالف الامريكي سيتعزز في منطقة اسيا والباسفيك . حيث يمكن للحلفاء الاربعة " تشكيل سياسة موحدة تجاه الصين من خلال التنسيق فيما بينها " .
اما عما اذا كانت " الية المشاورات الامنية الرباعية " موجه ضد الصين ، فقد سبق للسفير الامريكي لدى استراليا وان اشار اليها ، ومن ثم اثبتها وزير الدفاع الامريكي . حضر المراسل كاتب هذا التعليق ، مؤتمرا صحفيا عقده السيد رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي عقب المشاورات حيث قال وبكل صراحة " ان النظام السياسي في جمهورية الصين الشعبية يختلف تماما عما في استراليا وامريكيا ... ولم يتضح لنا بعد ما هي القرارات التي ستتخذها الصين " ، وتبعه باول قائلا " علينا المحافظة على تفوقنا ولا يمكن لنا ان نكون سذجا ، ولا بد لنا الا وان نرقب بكل حذر ونتابع باهتمام الاوضاع في الصين . وقد استنبضنا هذه الخلاصة من الناحيتين الدبلوماسية والدفاعية . ويرى الراى العام الاسترالي في حديث باول ورامسفيلد تفسير واضح للهدف الاستراتيجي ل " الية المشاورات الامنية الرباعية " .
واذا لم يكن الامر بالوضوح الكافي ، لنرى الحديث الصحفي الذي ادلى به السفير الامريكي في استراليا لجريدة " التعليق المالي " حيث قال " اننا لن نتساهل تجاه اي عمل عسكري في المسألة التايوانية ، فاذا ادركت الصين هذه النقطة فلن يكون هناك اي صراع او نزاع بيننا ، وان الرئيس الامريكي بوش شديد الحرص على التحالف مع استراليا ، فاذا ما وصلت التحديات الصينية الى حدها الاقصى فعلى استراليا الانخراط مع امريكا في النشاطات العسكرية والحربية ، كوننا نتمتع بالعقائد والمباديء المشتركة التي يجب ان تنتشر وتعم العالم اجمع " . " يا لهمن تعبير سافر " .
بعد خروج اقتراح مجموعة الدول الاربعة الى النور ، ابدت كل دول من الدول المعنية ردود فعل خاصة بها : فقد تحدث القائد العام للقوات الامريكية المرابطة في المحيط الهادي في 1/8 بكنبره قائلا " ان " الية المشاورات الامنية الرباعية " التي من ضمن الخطة " ليست من اجل تطويق الصين " ، واضاف " لم تكن لدينا فكرة الدعوة الى انشاء حلف في منطقة اسيا والباسفيك كحلف الناتو ، ولم تكن الصين الهدف . فبعد انتهاء الحرب الباردة لم يعد من الضروري لاي تحالف دولي ان يحدد بلدان معينة كاهداف له ، بل ضرورة القيام بمشاورات لتحقيق الامن والاهداف المشتركة . " خوفا من حدوث ازمة مع الصين ، عملت الحكومة الاسترالية بحذر شديد في مسألة " الية المشاورات الامنية الرباعية " . حيث قال وزير الخارجية الاسترالي ان ذلك عبارة عن حوار لمنتدى غير رسمي ، " ففي حال تعرض هذا المشروع الى معارضة قوية من قبل الدول المحيطة ، فلا فائدة من المضي به " . وورد في تقرير لصحفي استرالي في اليابان ، ان وزارة الخارجية اليابانية اعلنت عن رغبتها في دراسة موضوع الالية الاستشارية ، غير انها تحتفظ بحق اتخاذ " قرار مستقل " قبل تسلمها للتفاصيل الدقيقة حول هذا الموضوع " ، وورد في التقرير ان اليابان واستراليا سبق لهما وان اقامتا " علاقات طبيعية للزيارات المتبادلة على المستوى الوزاري ومسؤولي الدفاع " ، الا انهما لا يودان تسليط الضوء عليها والافصاح بها تخوفا من اثارة حساسية الصين . اما في لاخبار الواردة من كوريا الجنوبية فتقول ان موقفها متشابه والموقف الياباني منتظرة ما يردها من معلومات تفصيلية .
استراليا لا تعصي اوامر الولايات المتحدة
يحس المراقبون الدوليون بشكل عام انه ومع انتقال جوهر الاستراتيجة الامريكية نحو اسيا والباسفيك تصبح استراليا بالنسبة للولايات المتحدة موقعا استراتيجيا هاما " للكر والفر " والتي لابد وان تضعها في قبضتها و " تحت سيطرتها " . في الحقيقة ظلت استراليا على الدوام حليفة مخلصة للولايات المتحدة ، فقد شاركت في جميع الحروب التي شنتها الولايات المتحدة في اسيا منذ الحرب العالمية الثانية . ولم يفتها اي حرب ، بدء من الحرب الكورية في الخمسينات ، الى الحرب الفيتنامية في الستينات ، وحتى حرب الخليج في التسعينات.
فبعد الحرب الباردة وقفت استراليا موقف المتعاون مع الاستراتيجية الامريكية في اسيا والباسفيك ، وشبه وزير الدفاع الامريكي السابق بيلي كل من استراليا واليابان بالحصن الشمالي والجنوبي في منطقة اسيا ، محاولا جعل استراليا موطىء قدم للاستراتيجية الجديدة الامريكية في منطقة اسيا . وبناء على ذلك لم تدعم وتعزز الولايات المتحدة من مستوى التعاون في الشؤون الدفاع مع استراليا فقط ، بل عززت من وجودها العسكري في هذه المنطقة . لم يحصل الجيش الامريكي على حق استخدام معسكر الدلايمير للتدريب العسكري الواقع بالقرب من داروين فحسب ، بل تفكر امريكا في اتخاذ خليج شارواتا الواقع في جنوب استراليا كقاعدة خاصة للتدريب . واصبحت المناورات العسكرية المشتركة بين البلدين المسماة ب " الانقضاض الثنائي " التي تجري مرة كل سنتين تتسع تدريجيا حتى اصبحت من اكبر المناورات العسكرية التي تجريها الولايات المتحدة في منطقة اسيا
والباسفيك . اما بالنسبة لمسألة اقامة نظام الدفاع الصاروخي فقد ابدت استراليا استجابة ايجابية والمشاركة في بطرق متعددة . وحسب ما سربته بعض المصادر المطلعة ان محطة استخبارية الكترونية تقع في وسط استراليا ستكون اول محطة رادارية للانذار المبكر لنظام الدفاع الصاروخي الامريكي ، وسيبدا تشغيلها بشكل رسمي في عام 2004 .
ان تعزيز علاقات التعاون العسكري بين البلدين لم يأت برغبة من جانب واحد ، فقد اعرب وزير الخارجية الاسترالي مؤخرا ان هناك ثلاثة اخطار كامنة وهي : الاول في شبه الجزيرة الكورية ، والثاني في مضيق تايوان ، والثالث في بحر الصين الجنوبي . وعند تفسيره للوضع الامني في اسيا والباسفيك والتحاف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة قال : نظرا لعدم استقرار توازن القوى في منطقة اسيا والباسفيك ، جعل الولايات المتحدة تتدخل في شوؤن هذه المنطقة لتلعب دورا هاما في مجال التوازن واحتواء المتخاصمين . ومع تغيرات الوضع الامني في اسيا والباسيفيك والتعديلات على المصالح الامريكية في هذه المنطقة ، لعبت الولايات المتحدة دور " الكبش " في اشؤون الامنية لهذه المنطقة ، وفي بعض الاحيان تتنازل عن دورها لحلفائها " الاكفاء" . وفي عام 1999 تعمدت الولايات المتحدة ان تجعل استراليا تتحمل المسوؤلية الرئيسية لصيانة السلام في تيمور الشرقية . فهل ستنسحب الولايات المتحدة من الشوؤن الامنية في اسيا والباسفيك ؟ ، فقد اتى اقتراح الولايات المتحدة واستراليا في تنظيم " الية المشاورات الامنية الرباعية " افضل رد على ذلك .
لماذا ينبغي علينا الحفاظ على اليقظة من " الالية الرباعية " ؟
سبق لوزير الخارجية الاسترالي وان اكد مرارا على ان " الية التشاور الامني الرباعية " ليست نسخة عن حلف الناتو ، بل هي الية حوار فقط ، وهي عبارة عن مشاورات منتظمة نجلس مع بعضنا البعض بشكل دوري نتناول فيها همومنا المشتركة في المسائل الامنية ، وليس من الضروري ان تجرى مثل هذه المشاورات على المستوى الوزاري ، ولكن شكوك الاخرين تدور حول : اولا ، يوجد الان منتدى امني في شرق اسيا - حلف جنوب شرق اسيا - الذي قدم ، ومنذ انشائه عام 1994 ، فرصا سانحة لاجراء حوار متعدد الاطراف حول الشوؤن الامنية في المنطقة ، وبذل جهودا كبيرة في بناء الثقة المتبادلة ودفع الدبلوماسية الوقائية . والى جانب هذا ، اقامت مجموعة صغيرة اخرى منتدى مستقلا لاهداف اخرى ، فكيف لنا تحديد العلاقة بين هاتين المنظمتين ، فهل هي علاقات تنافسية ام علاقات مجابهة ؟ . هناك من اشار الى ان الولايات المتحدة واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية كلها من الدول المتطورة في منطقة اسيا والباسفيك ويجمعها نظم ديمقراطية ومفاهيم حقوق الانسان متشابهة ، فيستهدف " التحالف الجديد العمل على فرض هذه المفاهيم والنظم على دول المنطقة " . فالاختلاف في المضامين السياسية للمنظمتين واضح كل الوضوح .
والجدير بالذكر ان منتدى منظمة جنوب شرق اسيا منفتحا وعلنيا يشارك فيه 22 دولة ، وذو شفافية عالية ، ام " الية مشاورات الامن الرباعية " ، فهي مغلقة غير شفافة وغير منفتحة لمشاركة الغير ، الامر الذي يزيدها شبهة . فالجانب الامريكي باستثناء الاقاويل التي يرددها
داخل جلسات " الية المشاورات الامنية الرباعية " حول " التهديد الصيني الكامن " ، لم يفصح عن الاهداف الاستراتيجية لهذه الالية . فمن يستطيع ان يضمن هذه التشكيلة " الية المشاورات الامنية الرباعية " غير الرسمية ان لا تصبح في المستقبل منظمة امنية رسمية وتتحول الى حلف ناتو اخر ؟.
والعذر الاخر الذي يتشدق به المروجون للالية الجديدة ، ان في اقامة تحالف بين الدول الاربع يمكن ان تدفع باليابان للعب " دور قيادي اكبر في منطقة اسيا والباسيفيك " ، غير ان ثقل الدور الياباني في منطقة اسيا والباسفيك لا يحدده حجم التحالف ، بل يتوقف على مدى تقبل بلدان المنطقة لليابان . فاذا ما اصرت الحكومة اليابانية على عدم مراجعة الذات بشكل جدي للمسالة التاريخية ، فعندئذ يحق للدول المجاورة ان ترفع من يقظتها ، ولن تستطيع اليابان ان تفوز بهذا " الدور القيادي " كما يحلو لها .
وفي الوقت الحالي لا تزال " الية المشاورات الامنية الرباعية " المزعومة في طور المناقشة . وان الولايات المتحدة واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية تستطلع وتتحسس تحركات وردود فعل الاطراف المعنية . ولكن في حال انشاء هذا التحالف الجديد ، فلا بد وان يترك اثارا كبيرة ا على مجمل الوضع الامني في منطقة اسيا والباسفيك ، وسيثير ردود فعل شديدة من قبل دول المنطقة . ولا بد لنا وان نرفع يقظتنا الشديدة حيال هذه الافكار والمخططات .

 نقلا عن (( جريدة غلوبال تايمز )) الصينية الصادرة يوم 7 / 8 / 2001 بقلم المراسل الخاص للجريدة المقيم في استراليا لي شو جيانغ li xue jiang والصحفي هوانغ شان huang shan .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الترويكا بين المفهوم والمصطلح

  الترويكا بين المفهوم والمصطلح     الترويكا ثالوث الرأي السياسي، والمفهوم     الدال على اجماع الرأي الواحد، وفي وقتنا الحاضر، لم تع...