الثلاثاء، 24 مايو 2016

التنظيم القنصلي والشروط القانونية لإقامة العلاقات القنصلية

التنظيم القنصلي والشروط القانونية لإقامة العلاقات القنصلية

تكوين البعثة القنصلية
رغم ما تتسم به اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 من طابع شمولي من حيث تنظيمها للعلاقات القنصلية، إلى أن للدولة إذا أرادت أن تنظر إلى أحكام هذه الاتفاقية باعتبارها مجرد قواعد إرشادية، وأن تعول بصفة أساسية على الاتفاقيات الأخرى فيما بينها. وقد جاء النص على ذلك صراحة في المادة رقم (73) من الاتفاقية المذكورة. وعليه فمن المهم قبل الحديث عن تكوين البعثة القنصلية التعرف على الشروط القانونية لإقامة العلاقات القنصلية بين الدول.
1- الشروط القانونية لإقامة العلاقات القنصلية:
كما هو الحال بالنسبة لقيام العلاقات الدبلوماسية، فإن إقامة العلاقات القنصلية توافر شروط معينة ولكن هذه الشروط تختلف في بعضها عن تكل الخاصة بالتمثيل الدبلوماسي وهذه الشروط هي:
أ- الشخصية القانونية الدولية:
كما كان قيام العلاقات القنصلية حقا مقررا للدول وحدها، فإن توافر الشخصية القانونية الدولية يعد شرطاً لازما لقيام هذه العلاقات. ورغم ذلك فإن العمل الدولي قد عرف حالات عديدة تم فيها تبادل العلاقات القنصلية مع كيانات أو بين كيانات من غير الدول أولاً تتمتع بهذا الشرط (مثال ذلك العلاقات القنصلية بين بعض الدول الغربية وهونج كونج قبل عودتها إلى الصين مؤخراً) وربما يكون السبب في ذلك هو أن التمثيل القنصلي ليس له طابع سياسي.
وللدولة أن تباشر حق التمثيل القنصلي بصورته: الإيجابية والسلبية أو بإحدى صورتيه فقط. ورغم ذلك فإن الدولة ليست ملزمة بإقامة علاقات قنصلية مع أي دولة أخرى، هذا وإن كان العزوف أو الامتناع عن ذلك دون سبب وجيه ينظر إليه على أنه عمل غير ودي، فضلاً عن أنه، من الناحية العلمية، قد تلحق الضرر بمصالح الدولة التي ترفض إقامة هذه العلاقة الدبلوماسية.
ب- عدم لزوم الاعتراف المتبادل:
لا يشترط لقيام العلاقات القنصلية الاعتراف المتبادل بين الطرفين، وذلك على عكس ما هو مطلوب في إقامة العلاقات الدبلوماسية. وهناك دول أقامت علاقات قنصلية مع كيانات لم تكن تعترف بها طالما كانت هذه العلاقات تحقق مصالحها الاقتصادية والثقافية، مثال ذلك الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين الشعبية قبل عام 1972.
جـ- الاتفاق والتراضي:
الأصل في إقامة العلاقات القنصلية هو الاتفاق والتراضي شأنه في ذلك شأن العلاقات الدبلوماسية. فليس من الممكن إقامة مثل هذه العلاقات دون الاتفاق والتراضي بين الطرفين. والحقيقة أن إقامة العلاقات القنصلية بين دولتين مسألة هامة للغاية بالنسبة للطرفين أو لأحدهما على الأقل إذا لم يكن هذان الطرفان يتبادلان العلاقات الدبلوماسية، حيث لا توجد في هذه الحالة جهة أو جهات محددة تتولى حماية مصالح كل منهما.
ومن الواضح كما تبين أن الاتفاق بين دولتين على تبادل التمثيل الدبلوماسي يعني في نفس الوقت اتفاقهما على إقامة العلاقات القنصلية ما لم يكن في هذا الاتفاق ما يخالف ذلك، أي ما يشير إلى غير ذلك، وقد ورد ذلك صراحة في المادة رقم (2/2) من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961. ومن المعروف أن المقصود بالاتفاق هو الاتفاق على المبدأ أي على مجرد جواز قيام العلاقات القنصلية، أما الإجراءات أو الخطوات التنظيمية فيتم تحديدها بالتراضي بين الطرفين، وتشمل هذه الخطوات:


1- تحديد مقر البعثة القنصلية:
حيث يجب على الدولة المضيفة أن تسهل للدولة المرسلة حيازة المباني اللازمة للبعثة، وأن تساعدها في الحصول على مقر، وعلى مسكن لأعضاء البعثة بأي طريقة مناسبة وفقا لتشريعها الوطني (المادة رقم 30 من اتفاقية فيينا لعام 1963).
2- تعيين دائرة اختصاص البعثة:
ويقصد بها المنطقة الجغرافية التي يحق للبعثة مباشرة أعمالها فيها، وقد تشمل إقليم الدولة ككل في حالة الاتفاق على إقامة مركز قنصلي واحد، وقد تشمل جزء واحد أو أكثر من إقليم الدولة، وذلك في حالة الاتفاق على تعدد المراكز القنصلية لدى البلد المضيف.
3- حجم البعثة:
ويتسع هذا الاصطلاح ليشمل ليس فقط "الأعضاء القنصليين" إن أولئك الذين يكلفون بممارسة أعمال قنصلية في إطار البعثة وإنما أيضا "الموظفون القنصليون" أي أولئك الذين يقومون بأعمال إدارية أو فنية في نطاق البعثة القنصلية وكذا الأشخاص الذين يعهد إليهم القيام بأعمال الخدمة في البعثة.
والملاحظ، أنه وفقا لنص المادة 20 من الاتفاقية فإنه "ما لم يكن هناك اتفاق صريح على حجم طاقم البعثة القنصلية، فللدولة الموفد إليها أن تحتم أن يبقى هذا الحجم في حدود ما تعتبره هي معقولا وعاديا بالنظر إلى الظروف والأحوال السائدة في دائرة الاختصاص القنصلية، وإلى احتياجات البعثة القنصلية المعنية.


4-  جنسية الأعضاء القنصليين:
بداية يقصد بالعضو القنصلي هنا. وبحسب نص المادة (1/1/د) من الاتفاقية. كل شخص يكلف بهذه الصفة بممارسة أعمال قنصلية، بما في ذلك رئيس البعثة القنصلية نفسه.
وإذا كان الأصل أن الأعضاء القنصليين يجب أن يكونوا من المتمتعين بجنسية الدولة المعتمدة (م22/1 من الاتفاقية)، إلا أنه يجوز لها أن تختار هؤلاء الأعضاء كلهم أن بعضهم من بين مواطني الدولة المعتمد لديها أو حتى من مواطني دولة ثالثة. غير انه في كلتا الحالتين، يتعين الحصول على الموافقة الصريحة للدولة المعتمد لديها على ذلك.
2- تكوين البعثة:
كما هو الشأن بالنسبة إلى البعثة الدبلوماسية، تتكون البعثة القنصلية من عنصرين:
عنصر مادي، وعنصر شخصي، أما العنصر المادي فيتم لمقر البعثة ومبانيها والأراضي الملحقة بها، كما يشمل، فوق ذلك، كل محتويات البعثة من محفوظات كالأوراق والمستندات والمكاتبات والسجلات والأثاث.
وجدير بالذكر أن الدولة المعتمدة قد تكتفي بمركز قنصلي واحد تباشر من خلاله علاقاتها القنصلية على امتداد إقليم الدولة المضيفة، ويحدث ذلك في الغالب الأعم. عندما تكون هذه العلاقات محدودة. أما إذا تشعبت العلاقات القنصلية لإحدى الدول مع دولة أخرى، فقد جرى العمل في بعض الحالات. على أن تنشئ الدولة المعتمدة أكثر من مركز قنصلي واحد لها في الدولة المعتمد لديها، أن تحدد دائرة اختصاص كل واحدة منها لمنطقة جغرافية بعينها من إقليم هذه الدولة الأخيرة كما قد تكتفي الدولة المرسلة- في أحوال خاصة – بأن تدار علاقاتها القنصلية من خلال دائرة قنصلية يلحق ببعثتها الدبلوماسية الدائمة لدى الدولة المضيفة.
وأما العنصر الثاني في تكوين البعثة القنصلية، فهو العنصر الشخصي، ويشمل هذا العنصر كافة الأشخاص الذين تتكون منهم البعثة. وتتحدد فئات هؤلاء الأشخاص في الآتي:
رئيس البعثة، الأعضاء القنصليون، الموظفون القنصليون، المستخدمون أو أعضاء طاقم البعثة.
ونعرض فيما يلي، لكل واحدة من هذه الفئات الأربع على حدة
1- رئيس البعثة القنصلية:
إن رئيس البعثة القنصلية هو المسئول الأول عن أعمالها، وهو الذي يتحدث باسمها لدى السلطات المعنية في الدولة المضيفة.
ويرأس البعثة القنصلية إما قنصل أو قنصل عام بحسب الأحوال، يعاونه في ذلك نائب قنصل وسكرتير قنصلية وعدد كاف من الفنيين والإداريين وكذا بعض المستخدمين.
ومع ذلك، فقد نصت المادة 9 من اتفاقية فيينا لعام 1963 بشأن العلاقات القنصلية على أن هناك أربع درجات لرؤساء البعثات القنصلية، وهي:
أ‌-  درجة القنصل العام، وهو الذي تكون اختصاصاته شاملة لعموم إقليم الدولة المضيفة لديها، على نحو ما تقدم. وهذه الدرجة هي أعلى درجات رؤساء البعثات القنصلية.
ب‌-  درجة القنصل، وهو الذي تكون اختصاصاته، في العادة. محددة بمنطقة معينة داخل الإقليم أو عندما لا يكون للدولة المرسلة إلا بعثة قنصلية في منطقة محددة في الدولة المضيفة.
ج‌- درجة نائب قنصل. والواقع، أن الاتفاقية لم تبين المقصود بهذه الدرجة، ولذا فإن الراجح أن أمر تحديدها متروك للتشريع الوطني للدولة المرسلة.
د‌-  درجة وكيل قنصل، وتنطبق هذه الدرجة على الأشخاص الذين يعهد إليهم القيام بمهام قنصلية محددة أو يشغلون مراكز قنصلية ذات أهمية ثانوية. وقد تضمنت المادة 69 من الاتفاقية إشارة أخرى مهمة فيما يتصل بدرجة الوكيل القنصلي حيث ذكرت في فقرتها الأولى: أن "لكل دولة الحرية في إنشاء أو قبول وكالات قنصلية يديرها وكلاء قنصليون لم يعينوا رؤساء لبعثات قنصلية بمعرفة الدولة الموفدة". وفي فقرتها الثانية، أشارت المادة المذكورة إلى أنها: "يتم، بموجب اتفاق بين الدولة الموفدة والدولة المستقبلة. تحديد الشروط التي يمكن فيها للوكالات القنصلية المشار إليها في الفقرة (1) من هذه المادة ممارسة نشاطها، وكذلك المزايا والحصانات التي يمكن أن يتمتع بها الوكلاء القنصليون الذين يديرونها.
ومن جهة أخرى، فإنه طبقا لنص المادة 4/4 من الاتفاقية، لا يتسنى للدولة الموفدة افتتاح نيابة قنصلية. أي مركز قنصلي يرأسه نائب قنصل. أو وكالة قنصلية أو مركز قنصلي يرأسه وكيل قنصلي. في منطقة غير التي توجد فيها القنصلية العامة أو القنصلية، والتي نظمتها المادة 16 من الاتفاقية على النحو التالي:
1- تحدد أسبقية رؤساء البعثات القنصلية في كل درجة تبعا لتاريخ منحهم الإجازة القنصلية.
2- غير أنه في حالة السماح لرئيس بعثة قنصلية بممارسة أعماله بصفة مؤقتة قبل حصوله على الإجازة القنصلية. فالأسبقية تحدد طبقا للتاريخ الذي سمح له فيه بممارسة أعماله، وتبقى هذه الأسبقية له بعد منحه الإجازة القنصلية.
3- إذا منح اثنان أو أكثر من رؤساء البعثات القنصلية الإجازة القنصلية أو السماح المؤقت في نفس التاريخ، فإن ترتيب أسبقيتهم يحدد تبعا للتواريخ التي قدمت فيها براءاتهم أو السند المماثل أو الإبلاغ المنصوص عليه في الفقرة (3) من المادة 11 إلى الدولة المضيفة.
4- ترتيب رؤساء البعثات يكون بعدها جميع رؤساء البعثات القنصلية، وفيما بينهم يكون ترتيبهم وفقا للتواريخ التي تسلموا فيها أعمالهم كرؤساء بعثات بالنيابة.
5- يجئ ترتيب رؤساء البعثات القنصلية من الأعضاء القنصليين الفخريين بعد رؤساء البعثات القنصلية العاملين في كل درجة وبنفس النظام والقواعد المبينة في الفقرات السابقة.
6- رؤساء البعثات القنصلية يتقدمون على الأعضاء القنصليين الذين ليست لهم هذه الصفة.
هذا، وقد ألزمت المادة 21 من الاتفاقية الدولة المراسلة إبلاغ الدولة المستقبلة بترتيب الأسبقية بين الأعضاء القنصليين في بعثتها القنصلية المعتمدة لدى هذه الأخيرة. فطبقا لنص المادة المذكورة، "يولي ترتيب الأسبقية بين الأعضاء القنصليين في بعثة قنصلية وكذا كل ما يطرأ عليها من تعديلات، إلى وزارة خارجية الدبلوماسية للدولة الموفدة أو، في حالة عدم وجود مثل هذه البعثة، بمعرفة رئيس البعثة القنصلية".
ب- جنسية رئيس البعثة:
على خلاف ما رأينا بخصوص رئيس البعثة الدبلوماسية حيث أن الأصل عند اختياره أن يكون من مواطني الدولة الموفدة. وذلك فيما عدا بعض حالات التمثيل المختلط. نجد أنه ليس بالشرط اللازم دائما أن يكون رؤساء البعثات القنصلية من جنسية الدولة الموفدة. فالثابت، أنه مع أن المادة 22 من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية قد أشارت صراحة في فقرتها الأولى إلى أنه: من حيث المبدأ يجب أن يكون الأعضاء القنصليون (بما في ذلك رئيس البعثة الذي يشمله اصطلاح العضو القنصلي) من جنسية الدولة الموفدة"، إلا أن الفقرتين الاثنية والثالثة من المادة المذكورة ذاتها قد أجازتها إن كان اختيار هؤلاء الأعضاء سواء من مواطني الدولة المستقبلة أن من مواطني دولة ثالثة، ما لم تعترض الدولة المستقبلة على ذلك.
وواقع الأمر، أن المادة 22 سالفة الذكر لم تفعل في هذا الخصوص سوى التأكيد على- أو الكشف عما استقر عليه العمل الدولي – فيما يتعلق بهذه المسألة، حيث جرت العادة من جانب الكثير من الدول على اختيار بعض أعضاء بعثاتها القنصلية من غير المتمتعين بجنسيتها.
وتأسيساً على هذا العرف المتواتر، ظهر نوع من القناصل. سواء من رؤساء البعثات القنصلية أو أعضاءها. اصطلح على تسميتهم "بالقناصل المختارين" "أو الفخريين" الذين لا يتمتعون بجنسية الدولة الموفدة، وذلك جنبا إلى جنب مع القناصل المبعوثين الذين هم من مواطني هذه الدول.
والواقع أن الفارق المهم الذي يميز طائفة القناصل المختارين أو الفخريين عن طائفة القناصل المبعوثي، إنما يتمثل في نطاق المزايا والحصانات المقررة للأشخاص المنتمين إلى كل واحدة منهما، فهي متعدد في حالة القناصل المبعوثين ومحدودة في حالة القناصل الفخريين، غير أن ثمة فارقا آخر مهما في أنه إذا كان يمتنع على القناصل المبعوثين الاشتغال بأي عمل تجاري أو مزاولة أية مهنة حرة باعتبار أنهم من موظفي الدولة الموفدة، إلا أن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى طائفة القناصل الفخريين الذين ينظر إليهم باعتبارهم وكلاء عن الدولة الموفدة وليسوا من موظفيها. لذلك، فليس ثمة ما يحول دون اشتغال هؤلاء القناصل الفخريين بأعمال تجارية ومزاولة مهن حرة إلى جانب اضطلاعهم بمهام القنصلية التي توكل إليهم، خاصة وأنهم لا يتقاضون مرتبات ثابتة من الدولة الموفدة مقابل ما يبذلون من جهد لصالحها.
جـ- تعيين رئيس البعثة:
بداية للدولة الموفدة كامل السلطات التقديرية في اختيار ما تشاء من الأشخاص. سواء من بين مواطنيها أو غيرها. لتولي رئاسة بعثتها القنصلية لدى الدول الأخرى. والواقع، أن هذه القواعد العامة، والتي تواتر عليها العرف الدولي منذ زمن بعيد، هي التي جرت تقنينها بمقتضى المادة 10 من اتفاقية فيينا العلاقات الاقتصادية عام 1963. فقد نصت المادة المذكورة على أن:
1- يعين رؤساء البعثات القنصلية بمعرفة الدولة الموفدة، ويسمح لهم بممارسة أعمالهم بمعرفة الدولة المستقبلة.
2- مع مراعاة أحكام هذه الاتفاقية، تحدد إجراءات تعيين وقبول رؤساء البعثات القنصلية وفقا للقوانين واللوائح والعرف المتبع في كل من الدولة الموفدة والدولة المستقبلة.
وحقيقة الأمر، أن التشريع الوطني في الدولة المعتمدة هو الذي يتكفل ببيان كافة الإجراءات ذات الصلة لتعيين رؤساء بعثاتها القنصلية لدى الدول الأخرى؛ سواء ما يتعلق منها بتحديد الجهة التي ينعقد لها الاختصاص بهذا التعيين والتي غالبا ما تكون وزارة الخارجية- أو ما يتعلق بمراتب أو درجات هؤلاء الرؤساء أو. أخيرا. ما يتصل بالمهام التي تناط بهم.
وغني عن البيان، أن الشروط التي تتطلبها الدولة المعتمدة في الأشخاص الذين تعهد إليهم بمباشرة المهام القنصلية نيابة عنها. تلتقي في جوانب كثيرة مع تلك المطلوبة في من يضطلع بالمهام الدبلوماسية والتي وفقنا عليها فيما سبق. على أن ذلك يصدق بالدرجة الأولى إذا كان هؤلاء الأشخاص متمتعين بجنسية الدولة الموفدة، أما إذا كان الأشخاص المختارون من رعايا دولة أخرى غير الدولة الموفدة فغالبا ما يكتفي بشأنهم على توافر شروط معينة كالسمعة الطيبة، والمؤهلات العلمية والمناسبة، والنزاهة والقدرة الفائقة على الاتصال مع الآخرين، وكما هو الحال بالنسبة لتعيين رئيس البعثة الدبلوماسية، تتم عملية تعيين رئيس البعثة القنصلية عبر خطوات عدة نناقشها بشيء من التفصيل فيما يلي:
1- الموافقة المسبقة ليست شرطا لازما:
فعلى خلاف الحال بالنسبة لرؤساء البعثات الدبلوماسية، فإن الموافقة المسبقة للدول المستقبلة على شخص رئيس البعثة القنصلية ليست ضرورة. ولعل هذا يعكس، وإلى حد كبير، الطابع غير الرسمي أو غير التمثيلي لبعثة القنصلية مقارنة بالبعثة الدبلوماسية.
2- خطاب التعيين:
في مقابل أوراق الاعتماد التي يتقدم بها رئيس البعثة الدبلوماسية. حتى يتسنى له مباشرة مهامه الرسمية. لرئيس الدولة المعتمد لديها أو لوزير خارجيتها بحسب الأحوال، نصت المادة 11/1 من اتفاقية فيينا 1963 على أن: "يزود رئيس البعثة القنصلية بوثيقة على شكل براءة أو سند مماثل. تقوم باعتمادها الدولة الموفدة عند كل تعيين، تثبت فيها صفته وتبين فيها بصفة عامة اسمه الكامل ومرتبته ودرجته ودائرة اختصاص ومقر البعثة القنصلية. وعلى خلاف ما رأينا بالنسبة إلى أوراق الاعتماد. فإن خطاب التعيين بالنسبة إلى رئيس البعثة القنصلية لا يوجه إلى رئيس الدولة المعتمد لديها ولا إلى وزير خارجية هذه الدولة ولا حتى أي شخص آخر معين بالذات. وتأسيسا على ذلك، فقد جرى العمل على أن يستهل الخطاب المذكور بعبارات عامة، مثل "...إلى كل من يطلع على هذا..."، أو "... إلى كل من يهمه الأمر...".
ويتم إرسال البراءة أو السند المماثل إلى حكومة الدولة المستقبلة بالطريق الدبلوماسي، أو بأي طريق آخر مناسب (المادة 11/2 من الاتفاقية).
على أن إصدار البراءة أو السند المماثل ليس شرطا لازما في جميع الأحوال لكي يتسنى لرئيس البعثة القنصلية مباشرة مهامه، إذ يمكن للدولة الموفدة. ومتى قبلت بذلك الدولة الأخرى المعنية. أن تستعيض عن البراءة بإبلاغ البيانات المتعلقة برئيس البعثة ودائرة اختصاص هذه البعثة ومقرها إلى الدولة المستقبلة بالطريق المناسبة (المادة 11/3 من الاتفاقية).
3- الحصول على الإجازة القنصلية:
لا يسمح لرئيس البعثة القنصلية مباشرة مهامه بصورة رسمية إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك تمنحه إياه الدولة المعتمد لديها، ويعرف هذا الترخيص "بالإجازة القنصلية" (المادة 12/1). غير أن ذلك ليس مطالبا أوليا لابد من تحققه في جميع الأحوال قبل مباشرة رئيس البعثة القنصلية لمهامه، إذ يمكن للدولة المضيفة أن تسمح لرئيس البعثة بمباشرة أعماله بصفة مؤقتة لحين تسلمه إجازته القنصلية (المادة 13).
ومما هو واضح، أنه إذا رأت الدولة المستقبلة أنه ليس هناك دواعي تسوغ منح الإجازة القنصلية لشخص معين بناء على طلب الدولة الموفدة، فإنها. أي الدولة المستقبلة ليست ملزمة قانونا بتسبيب هذا الرفض من جانبها، والواقع أن ذلك يبدو أمرا غير سائغ، لأنه قد ينطوي على إساءة استعمال الحق من جانب الدولة المستقبلة.
وأخيراً، يجب التأكيد على أن (المادة 14) من اتفاقية فيينا قد رتبت التزاما على الدولة المستقبلة. فور سماحها لرئيس البعثة القنصلية بمباشرة مهامه ولو بصفة مؤقتة.. بالمبادرة إلى إخطار سلطاتها المختصة في دائرة اختصاص القنصلية، كما يتعين عليها في الوقت ذاته التأكد من اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتمكين رئيس البعثة من مزاولة أعمال وظيفته وفي حدود ما تقضي به أحكام الاتفاقية.


4- حالة رئيس البعثة القنصلية المؤقتة:
إذا لم يتمكن رئيس البعثة القنصلية من مباشرة أعماله لأي سبب كان، أو إذا كان منصب رئيس البعثة القنصلية خاليا، فيمكن أن يقوم رئيس البعثة بالنيابة بأعمال رئيس البعثة القنصلية بصفة مؤقتة وفي هذه الحالة، تقوم الدولة المرسلة بإبلاغ اسم ولقب رئيس البعثة بالنيابة إلى وزارة خارجية الدولة المستقبلة أو إلى السلطة المعنية، ويكون ذلك إما بواسطة رئيس البعثة الدبلوماسية للدولة المعتمدة أو في حالة عدم وجودها بمعرفة رئيس البعثة القنصلية أو، في حالة تعذر ذلك، بمعرفة أي سلطة مختصة في الدولة المعتمدة (المادة 15 من الاتفاقية). ويتعين كقاعدة عامة. أن يتم هذا الإبلاغ مقدما. وللدولة المستقبلة أن تشترط موافقتها على قبول رئيس بعثة بالنيابة إذا لم يكن عضوا دبلوماسيا أو موظفا قنصليا للدولة المعتمدة في الدولة المستقبلة. وإذا وافقت الدولة المستقبل على رئيس البعثة بالنيابة، فإنه يتعين عليها وعلى جميع سلطاتها المختصة. أن تقدم له كل المساعدة والحماية وأن تعامله أثناء قيامه بمهامها بمقتضى أحكام اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية كما لو كان رئيس أصلياً للبعثة، طالما توافرت فيه الشروط المطلوب. على أنه تجب الملاحظة، في هذا الخصوص، أنه إذا كان رئيس البعثة القنصلية بالنيابة عضوا دبلوماسيا في البعثة الدبلوماسية للدولة المعتمدة في الدولة المستقبلة لديها، فإنه يستمر. وما لم تعترض الدولة المستقبلة على ذلك، في التمتع بالمزايا والحصانات الدبلوماسية.
2- الأعضاء القنصليين:
كما سلفت الإشارة، عرفت المادة (1/1/د) من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 العضو القنصلي بأنه يعني أي شخص يكلف بهذه الصفة لممارسة أعمال قنصلية بما في ذلك رئيس البعثة القنصلية ذاته.
وكما هو بالنسبة إلى رئيس البعثة القنصلية، يخضع تعيين باقي أعضاءها القنصليين لمشيئة الدولة المعتمد وفقا لتشريعها الوطني. غير أنه يتعين على الدولة المعتمدة أن تقوم بإخطار الدولة المستقبلة. مقدما وبوقت كاف. بأسماء هؤلاء الأعضاء كاملة وكذا بمراتبهم، وذلك حتى يتسنى لهذه الدولة. إذا شاءت ممارسة حقها فيما يتعلق بإمكان اعتبار أحد هؤلاء الأعضاء شخصا غير مقبول قبل وصوله إلى أراضيها أو قبل تسلمه أعماله في البعثة إذا تصادف وكان موجودا أصلا في إقليمها. وإذا حدث وأن باشرت الدولة المستقبلة الحق المذكور، فإنه ودون أن تكون مطالبة بإبداء الأسباب. يتعين على الدولة المعتمدة أن تبادر على الفور إلى سحب هذا التعيين (المادتان 18/2، 3، 23/3 من الاتفاقية).
القاعدة، أن تعيين الأعضاء القنصليين فيما عدا رئيس البعثة، لا يستلزم الحصول على إجازة قنصلية كشرط لابد منه لإتمام هذا التعيين، وذلك باعتبار أن الإجازة القنصلية التي تمنح لرئيس البعثة يمتد أثرها تلقائيا إلى جميع أعضائها.
ومع ذلك، فإن المادة 19 من الاتفاقية قد جاءت متضمنة ما يشير إلى إمكانية تحقق الشرط المذكور. فطبقا لنص الفقرة الثالثة من المادة المشار إليها "يمكن للدولة الموفدة. إذا كانت قوانينها تحتم ذلك. أن تطلب من الدولة المستقبلة منح إجازة قنصلية لعضو قنصلي لا يكون رئيسا لبعثة قنصلية" كما أنه طبقا للفقرة الرابعة من المادة السابقة ذاتها، فإنه: "يمكن للدولة الموفد إليها. إذا كانت قوانينها ولوائحها تتطلب ذلك. أن تمنح إجازة قنصلية لعضو قنصلي ليس رئيسا لبعثة قنصلية".
غير أنه، وفي جميع الأحوال، فإنه ما لم تعترض الدولة المعتمد لديها على عضو قنصلي بعينه. فإن عليها أن تبادر دون إبطاء إلى إخطار جهتها المختصة والتي تعينها وزارة الخارجية فيها بتعيين أعضاء البعثة القنصلية للدولة المعتمدة وبوصولهم وكذا بجميع المتغيرات التي تطرأ على صفاتهم في أثناء خدمتهم بالبعثة، كما يتعين عليها أيضاً إخطار الجهات نفسها بوصول أي شخص ينتمي إلى أسرة عضو البعثة القنصلية أو ممن يعيشون في كنفه، وكذا بموعد الرحيل النهائي لأي واحد من مثل هؤلاء الأشخاص (المادة 24 من الاتفاقية).
3- الموظفون القنصليون:
عرفت المادة 1/1/هـ من اتفاقية فيينا لعام 1963 الموظف القنصلي بأنه أي شخص يقوم بأعمال إدارية أو فنية في بعثة قنصلية.
ويسري على هؤلاء الموظفين القنصليين. ومن باب أولى، ما يسري على رئيس البعثة وعلى غيره من أعضائها القنصليين، من حيث جواز اختيارهم من غير مواطني الدولة المعتمد، يستوفي ذلك أن يكون من مواطني الدولة المعتمد لديها أو من مواطني أي دولة ثالثة.
والواقع، أنه بالنظر إلى طبيعة المهام التي تناط بالموظفين القنصليين، وهي في عمومها مهام فنية وإدارية، فإن الدولة المعتمد تستقل بأمر تعيينهم، وكل ما تلتزم به في هذا الخصوص هو الإعلان عن ذلك للدولة المستقبلة التي تستطيع بدورها الاعتراض عمن تشاء منهم ولأية أسباب تقدرها. ولذلك، فلم تعن اتفاقية فيينا لعام 1963 بالإشارة إلى هذه الطائفة من أعضاء البعثة القنصلية إلا في أضيق الحدود، فالمشاهد أنه فيما عدا تلك الإشارات العامة التي تضمنتها النصوص المتعلقة بالمزايا والحصانات الشخصية لأعضاء البعثة، فإن النص الوحيد ذلك الذي بشأن الموظفين القنصليين هو ذلك الذي أوردته المادة 20 من الاتفاقية، والذي أجازت بمقتضاه للدولة المعتمدة لديها أن تتمسك بالإبقاء على حجم البعثة القنصلية. والذي يشمل الموظفين القنصليين. في حدود ما تعتبره هي معقولا وعاديا بالنظر إلى الاحتياجات الفعلية للبعثة والظروف والأحوال السائدة في دائرة اختصاصها.
4- المستخدمون:

يقصد بالمستخدمين، أو ما يطلق عليهم أعضاء طاقم البعثة، الأشخاص الذين يقومون بأعمال الخدمة في البعثة القنصلية (المادة 1/1/1 و9) وهؤلاء، أيضاً يتم اختيارهم اتساقا مع الاعتبارات الملائمة، أي بصرف النظر عن رابطة الجنسية.

دكتور
 
عثمان محمد عثمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الترويكا بين المفهوم والمصطلح

  الترويكا بين المفهوم والمصطلح     الترويكا ثالوث الرأي السياسي، والمفهوم     الدال على اجماع الرأي الواحد، وفي وقتنا الحاضر، لم تع...