الدبلوماسية و التفاوض
مقدمة:
تعتبر مرحلة استقرار الإنسان في ظل جماعات بشرية
الأثر في بلورة أفكار، وتصورات، ومعتقدات لأنماط معيشية تختلف من فرد لأخر، ومن
جماعة بشرية لأخرى،ومن منطقة لأخرى،ومن فترة تاريخية لأخرى،بحيث كان هذا الاستقرار
بهدف تلبية حاجيات ورغبات أنية أو الاستعداد لمواجهة تلك المستقبلية.إلا أنه اصطدم
بمشاكل كانت الحاجة إلى تفاديها ،أو إيجاد حلول لها الإطار النظري الذي يحدد
المجال الفكري والمعرفي لماهية أي موضوع من مواضيع دراستنا المرتبطة في ظل علاقة تكاملية
،ودون التحليل من منطلق اختزالي، بالبحث عن كيفية تنظيم الأفراد ،أو الجماعات على
حد سواء لبعضها البعض في ظل اعتبار أن مختلف الظواهر التي تصنف ضمن خانة الفلسفة
التنظيمية مترابطة ومتكاملة من حيث التفاعل أو الأهداف.
تفهم مختلف التصورات، والأفكار، والمعتقدات
المحددة للفلسفة التنظيمية للمجتمعات البشرية في ظل ارتباط بمتغير تفسيري أساسي
والمتمثل في عامل الاستقرار، الذي كان ولا يزال له الأثر البارز في ماهية التنظيم
ومختلف أشكاله، أو أنواعه.
يظهر في
عالم يقوم على نذرة في المواد الأولية أحيان ،أو قلتها ،أو غيابها تصور تناقضي من
حيث أن الإشكالية تكمن في المفارقة التناقضية،من انه في ظل عالم يعاني من صعوبة في
إيجاد طريقة لتلبية الحاجيات والرغبات المختلفة للأفراد أو الدول على حد سواء
سينجر عن ذلك إمكانية ظهور لمشاكل نتيجة تضارب المصالح ،وتناقضها أحيانا .
تفسر
المستويات العدة والمراحل المختلفة المرتبطة بالفلسفة التنظيمية للأفراد
والجماعات والمحددة، إذن في ظل علاقة متناقضة قائمة على الحاجة /النذرة،و على
اكتشاف القوانين ،وبناء النظريات ،كإطار للمعرفة المتعلقة
بتطور ظاهرة الدبلوماسية، فثمة حاجة إلى إيجاد
حلول للمشاكل المطروحة.
تفهم ظاهرة الدبلوماسية في ظل عدة مقاربات وصفية
متعددة الاختصاصات، حيث تظهر في دراستنا المقاربة القانونية الأقرب إلى الفهم من خلال:
تصور أول داخلي:يرتبط هذا التصور بمختلف القوانين
المنظمة للجماعة البشرية، وكيفية تنظيم الأفراد داخلها، فتجد كل جماعة لنفسها تنظيم
وفق مبادئ، وأسس، وقواعد معينة قد يختلف، أو يتشابه،أو يتناقض أحيانا مع الجماعات
البشرية الأخرى .
تصور ثاني خارجي:يقوم على تنظيم الجماعات
البشرية بمختلف أشكالها، وأنواعها فيما بينها وفق عادات ،وتقاليد ،وأعراف ،وقوانين
دولية المنظمة لشكل هذا التفاعل الدولي ،من خلال السعي إلى إيجاد الإطار القانوني
المقبول من الجميع.
إن الهدف من التصور الأول، والتصور الثاني المزاوجة
بين مختلف القوانين الداخلية المسيرة للأفراد داخل الجماعة في حد ذاتها، والقوانين
الأخرى الخارجية المسيرة للتفاعلات الدولية بالبحث عن القاسم المشترك والمتمثل في
سمو القانون الدولي على القانون الداخلي وخضوع الثاني للأول.
أ- مستويات التحليل:ترتبط
مستويات التحليل في دراستنا بعدة مفاهيم مثل رجل الدولة، والسياسي ،والدبلوماسي
..وكيفية تفاعلهم على المستوى الداخلي والدولي.حيث مجال دراستنا محدد في إطار
السياسة الدولية من منطلق الربط بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية،ومن ثم
قايس الأثر والتأثير في بنية المجتمع الدولي من خلال :
1 /يحمل المستوى الأول من التحليل في طياته
العناصر الفرعية التالية:
- أن
مفهوم القانون الداخلي مرتبط بتنظيم المجتمع الدولي في ظل وحدات سياسية مستقلة.
- أن مفهوم القانون الداخلي مرتبط بتنظيم المجتمع
الدولي في ظل تفاعل الوحدات السياسية فيما بينها.
- أن تنظيم المجتمع الدولي يقوم على تفاعل
المستوى الداخلي والمستوى الخارجي من خلال المزاوجة فيما بينهما.
2/يحمل المستوى الثاني من التحليل في طياته
العناصر الفرعية التالية:
-
تركيزنا
في الدراسة يكون على جزء والمتمثل في الدبلوماسية من كل الذي هو القانون الدولي.
-
اختلاف
مصادر القانون الدولي من خلال مقاربة تاريخية -الدراسة وفق فترات تاريخية متتالية محددة
بعقلانية زمنية،ووفق الشروط،و الظروف التي أوجدت لنا مختلف التصورات المحددة
لمفهوم القانون الدولي-
-
الدراسة
لآلية من آليات تنفيذ السياسة الخارجية والمتمثلة في الدبلوماسية، وأثرها في توجيه
السياسة الدولية.
ب-أدوات التحليل:تعنى دراستنا بمجال معرفة مرتبط بآلية من آليات
تنفيذ السياسة الخارجية، من جهة كأداة تنظيم لبعض من التفاعلات الدولية المحددة
لبنية المجتمع الدولي،ومن جهة أخرى إيجاد
حلول للمشاكل الدولية المطروحة،أو محاولة
تفاديها .
تظهر
الحاجة إلى الوسائل العلمية الممكنة و المتاحة التي تمكننا من فهم ،وتفسير مختلف
التفاعلات الدولية والتي
تعنى بالجانب الأمني والسلمي .ففي ظل غياب نظرية
عامة في العلوم الاجتماعية والإنسانية
،ستغيب عن الجزء والمتمثل في ظاهرة
الدبلوماسية ،وليس العكس.
ج-مستويات النقد: نحاول في المرحلة الأخيرة من بحثنا
،والمرتبطة بالمقاربة الغائية من التحليل ،وضع إطار
للتقييم من خلال انتقاد مستويات التحليل في حدا
ذاتها ،أو انتقاد الجزء والمتمثل في
المقاربة التي انطلقنا منها،أو ننتقد النتيجة التي وصلنا إليها،إذن حتى النقد
مستويات.
الفرضيات:يمكن أن نبلور مجموعة من
الفرضيات تختلف باختلاف مراحل الدراسة التي تتفاعل في ظل كل والمتمثل في الإطار النظري للدراسة من خلال وضع:
-
الفرضية:
من نوع ...إذا كان ...فإن...
-
الفرضية:
من نوع ...فإن...فإن...
-
الفرضية:
من نوع إذا حدث أ في س يحدث ب في ع.
المنهجية :نعتمد في دراستنا على خطة تحليل
تاريخية من خلال التركيز على تطور ظاهرة الدبلوماسية من فترة تاريخية لأخرى وفق
عقلانية زمنية محددة للظروف والشروط التي أوجدت الظاهرة،وهذا لا يمنعنا كذلك
كإضافة من الاعتماد على خطة جدلية والقائمة على اعتبار أن الدبلوماسية تفهم في
مرحلة السرية،ومرحلة مناقضة لها وهي مرحلة العلنية ،ويمكن الاستعانة كذلك بخطة
تصنيفية من خلال اعتبار أن الدبلوماسية تصنف ضمن خانة آلية من آليات تنفيذ السياسة
الخارجية.
المنهج:يغلب على دراستنا لتتبع تطور ظاهرة
الدبلوماسية،استقراء التاريخ من خلال فترات تاريخية متعاقبة ومتتالية ،حيث يظهر
المنهج التاريخي الأقرب إلينا،فالدراسة تكون وفق تصور شمولي من خلال اعتبار أن
مختلف الظواهر التي تعنى بالجانب السلمي والأمني في العلاقات الدولية تصنف ضمن
خانة الدبلوماسية ،ولا نستني ظاهرة عن أخرى ،وإنما نعتبرها مكملة لبعضها
البعض،وتشكل ماهية هذه الأخيرة.
الأهداف:يقوم التحليل للظواهر المتفاعلة في السياسة
الدولية في عالم ميزته الندرة في الموارد الأولية، والحاجة والرغبة في تحقيق
المصالح الوطنية للوحدات السياسية والامتدادات الصادرة عنها، على تصور للكيفية
الأنجع التي تمكننا من تحقيق التوزيع المتكافئ لهذه الموارد وفق تصور للمصالح
المختلفة للدول ،من خلال تصورين أما سيكون ذلك عن طريق الصراع والحرب ،أو عن طريق
السلم والتعاون.
إن
تنظيم الفواعل الدولية المختلفة في بنية المجتمع الدولي تحدد بشكلين أساسين من التفاعلات
إما بالتعاون الدولي،أو بالصراع الدولي .تركيزنا
في الدراسة يكون على الآلية الأولى لتحقيق الأهداف المرجوة، من خلال اعتبار أن
الأصل هو التعاون والحرب استثناء حيث يغلب على التحليل المنظور الإيجابي بالتركيز
على الوسائل السلمية في العلاقات الدولية، أي دراسة الدبلوماسية ومختلف المؤثرات
الموجهة للظاهرة
مفهوم الدبلوماسية:تقوم
الحالة الطبيعية للسياسة الخارجية للوحدات السياسية المختلفة، ومختلف الفواعل الدولية
الأخرى في السياسة الدولية على طبيعة سلمية تعتمد في إعدادها على مفاهيم، وتصورات كالدبلوماسية،
والتي تعتبر ذات أهمية في تحديدها.
يفسر تطور الدبلوماسية وفق عقلانية زمنية، محددة
بتطور العلاقات الدولية باعتبارها جزء من هذا الكل.تعتبر مرحلة استقرار الإنسان في
ظل جماعات بشرية، مرحلة أساسية من مراحل الفلسفة التنظيمية للإنسانية،حيث المرحلة
الثانية مرتبطة باحتكاك الجماعات البشرية ببعضها البعض وإدراكها للقيم المشتركة
وأحيانا التشابه أو للاختلاف ،وأحيانا
التناقض ،والتي يمكن أن تكون سببا للصراع والحرب.
تحدد ماهية الدبلوماسية من خلال
المراحل التاريخية المتعاقبة والمتتالية ،وفق إطار معرفي محدد بقواعد ،وقوانين
التراكم المعرفي ،والذي أعلى مراحله هو اكتشاف القانون المحدد للتفاعلات المرتبطة
بمفهوم ظاهرة الدبلوماسية،والمتمثل في القانون الدبلوماسي ،والذي هو جزء من الكل
والمتمثل في القانون الدولي.
إذن تقوم الدبلوماسية كظاهرة ،أو كتصور على مايلي
:
-
أن ماهية الدبلوماسية تحدد
وفق تصور معرفي قائم على البحث والتقصي في التصورات العلمية.
-
أن مفهوم الدبلوماسية يحدد
وفق معاهدات واتفاقيات دولية، فسرت الإطار والمجال الذي تتفاعل فيه.(اتفاقية فيينا
للعلاقات الدبلوماسية 1961،واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية 1963،واتفاقية فيينا
للبعثات الخاصة 1969،واتفاقية فيينا للعلاقات
الدبلوماسية لخاصة بالمنظمات الدولية1975)
-
أن مفهوم
الدبلوماسية يرتبط ببعض المفاهيم الأخرى مثل رجل الدولة، والدبلوماسي، والسياسة
الخارجية، والسياسة الدولية.
-
أن مفهوم الدبلوماسية هو جزء
من العلوم الاجتماعية والإنسانية،حيث تأثر على مفهوم بعض العلوم الأخرى مثل الاقتصاد،والاجتماع،والانتبرولوجيا...
بعد قيامنا بتحديد الخطوات المنهجية التي يقوم عليها البحث العلمي
،والمتمثلة في تحديد الإشكالية ،و الكيفية التحليلية التي سنتناول من خلالها ظاهرة
الدبلوماسية ،نحتاج إلى تحديد هذا المفهوم من خلال تحديد المقاربة المفاهيمية
والتي تعتبر مدخل إلى الدراسة من المداخل
النظرية الممكنة والمتاحة .
تقوم مقدمتنا على مايلي:
-
طرح إشكالية.
-
طرح
تساؤلات.
-
فرضيات.
-
منهجية .
-
منهج.
-
أهداف
الدراسة.
- المقاربة المفاهيمية: يقصد بالمقاربة
المفاهيمية التأصيل للمفهوم من خلال تحديد المرجعية الفكرية
والمعرفية التي حددت مجال الدراسة،ومختلف الأفكار
والتصورات التي قام عليها ،من منطلق تحليل تركيبي ،وتطوري ،وبنائي.
تعريف الدبلوماسية:نحتاج في تعريفنا لظاهرة
الدبلوماسية إلى تحديد المقاربة المفاهيمية،والتي تقوم على ثلاثة مستويات حيث
المستوى الأول مرتبط بالدلالة اللغوية،أما المستوى الثاني مرتبط بالدلالة
الاصطلاحية،وفي الأخير المستوى الثالث مرتبط بقياس الأثر والتأثير بين المفاهيم من
خلال مفهوم الدبلوماسية وبعض المفاهيم الدالة عليه.
الدلالة اللغوية:يعتبر الاشتقاق اللغوي لمفهوم الدبلوماسية
من اللغة اليونانية والذي معناه DIPLOMA ،والذي مصدره الاشتقاقي DIPLOME
والذي يعني الوثيقة الرسمية التي تصدر عن السلطة الحاكم ?،والتي
تمنح لحاملها حصانة معينة ،ومزايا .
حسب هارولد نيكولسن أنها مشتقة من اللغة
اليونانية DIPLONEوالتي
تعني فعل الطي أو طوى مستشهدا باستقراء التاريخ أنه في مرحلة هيمنة الإمبراطورية
الرومانية ،كان المرور عبر أراضيها يكون بمنح لأشخاص معينين صفائح معدنية مطوية
ذات وجهين مخيطين سويا بطريقة خاصة على نقيض التعريف الأول ،والذي ذهب أن الفعل DIPLONE من
أصل إغريقي دخل على اللاتينية ومعناه وثيقة مزدوجة.
في تعريف أخر
تعرف الدبلوماسية على أنها مشتقة من
DUPLICATA ،وهي نسخة عن الأصل باعتبار أن الأصل يبقى عند
الحاكم أو السلطة الحاكمة – نسخة عن الأصل- والأخر يمنح للشخص الذي يحملها.
ذهب راؤول جينيه أن المفكر الروماني شيشرون 106
/43 ق.م استخدم مصطلح دبلوما بمعنى التوصية الرسمية التي تمنح لحاملها القادم إلى الإمبراطورية الرومانية
مزايا وعناية خاصة.
نستنتج
إذن مما سبق أن الدلالة اللغوية لمفهوم الدبلوماسية في إطار تحليل شمولي دون إقصاء
للظواهر المشكلة له، ذات أصول لاتينية وتدل على الوثيقة،أو جواز السفر ،أو حق
المرور.فهو كتابة على صفيحة معدنية مطوية ،و استعمل المفهوم في ظل تصورين يمثلا المستوى
الأول المرتبط بالدلالة اللغوية :
-
في اللغة
اللاتينية ثم ربطها بالوثيقة ذاتها ،وما
تمنح لحامليها من حصانة ،ومزايا ،وعناية خاصة.
- عند
الرومان ثم ربطها بحامل الوثيقة.
- أما في
اللغة الإنجليزية فهناك غياب للإجماع حول تعريف الدبلوماسية. فهناك من عرفها بإرجاعها
إلى سنة 1796.( الأستاذ نوملين).على النقيض الأستاذ أرنست ساتو من ذلك هناك من
يرجعها إلى فترة تاريخية أبعد من ذلك إلى الحرب الأهلية في بريطانيا ،وحرب
الثلاثين عام 1618- 1648وبالتحديد (1645) . - أما في اللغة الفرنسية فهناك شبه
إجماع من أن أول من أستعمل هذا المصطلح كان من قبل
RICHELIEU
عندما كان يعمل كوزير خارجية للويس 14 في القرن
السابع عشر،وكانت تشير إلى مفهوم Envoyé ،والذي
في محتواه هو دلالة وإشارة إلى مفهوم أخر ذو أصل لاتيني والمتمثل في Missius ،أو
مفهوم Légatus والذي كان يدل على الشخص الذي يرسل في مهمة .أما
مصطلح سفير فكان يدل على كنية ،والتي مفادها أن يكون خادما أو أن يكون تابعا ،وهو
اللقب الذي كان يمنح لممثلي الملوك.
إذا اعتبرنا أن مفهوم الدبلوماسية سواء في اللغة الإنجليزية أو اللغة الفرنسية يقوم على إجماع أو دون ذلك،فإن في اللغة الإسبانية كانوا أول من أستخدم مصطلح سفارة أو سفير بما للدلالة من معاني متداولة حديثا،حيث المفهوم مأخوذ من الفكر الكنسي،والذي يعني AMBACTUS،والذي يشير إلى الشخص التابع أو الخادم لambassy ،والتي تعني السفارة .
إذا اعتبرنا أن مفهوم الدبلوماسية سواء في اللغة الإنجليزية أو اللغة الفرنسية يقوم على إجماع أو دون ذلك،فإن في اللغة الإسبانية كانوا أول من أستخدم مصطلح سفارة أو سفير بما للدلالة من معاني متداولة حديثا،حيث المفهوم مأخوذ من الفكر الكنسي،والذي يعني AMBACTUS،والذي يشير إلى الشخص التابع أو الخادم لambassy ،والتي تعني السفارة .
تعرف
الدبلوماسية في اللغة العربية حسب ابن منظور في لسان العرب يعرف السفر:هو الرسول
المصلح بين القوم، فأسفر ،وسفر بين القوم ،إذا أصلح.
في تعريف
أخر فإن مفهوم الدبلوماسية يشار إلى مفهوم الكتاب، حيث ذهب الشيباني في كتابه
السير الكبير،حيث قال :أرأيت الرجل من أهل الحرب يوجد في دار الإسلام فيقول أن
رسول ويخرج كتاب الملك معه؟قال :إذا عرف أنه كتاب الملك كان آمنا حتى يبلغ رسالته
ويرجع ،وان لم يعرف أنه كتاب الملك فهو هالك وجميع من معه.
نستنتج مما سبق أن مفهوم الدبلوماسية لغة
يعاني من غياب الإجماع ،رغما أن المفهوم في محتواه ودون الفصل بين الظواهر من
منطلق تحليل تطوري بنائي ذو طابع تركيبي يعنى بالجانب الأمني والسلمي في العلاقات
بين الأفراد أو الدول.إن مفهوم الدبلوماسية مرتبط بمفهوم أخر والمتمثل في السلم .إن
لفهم ماهية مفهوم الدبلوماسية ،يجب فهم مفهوم السلم و الأمن،من منطلق قياس الأثر
والتأثير بين المتغيرات.
الدلالة
الاصطلاحية:استنتجنا غياب الإجماع حول توحيد وتحديد ماهية مفهوم الدبلوماسية
لغة،فهل سينعكس ذلك على الدلالة الاصطلاحية؟ يكون ذلك من خلال التركيز على العوامل
المحددة في كل
تعريف.
عرف
معاوية بن أبي سفيان العلاقات السلمية الودية (الدبلوماسية بمفهومها الحديث)من
منطلق أن: لو أن بيني وبين الناس شعرة لما قطعتها ،إن أرخوها شددتها ،وإن أرخوها
شددتها.يركز هذا التعريف على طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون بين الحاكم والمحكوم
شبيهة بحالة اللاحرب واللاسلم،حيث العامل المحدد في هذا التعريف هي العلاقة. ذهب ارنست ساتو في تعريف الدبلوماسية :أنها
استعمال الكياسة ،والذكاء في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة. يركز
هذا التعريف على الفرد كعامل محدد في بلورة العلاقات، ومن ثم التركيز
على الاستعدادات
الفطرية والمكتسبة للدبلوماسي.
أما شارل
كالفو فيعرفها على أنها :علم العلاقات القائمة بين مختلف الدول وفن التفاوض ،فهي
ذات تحليل مركب ينشأ من تفاعل مفاهيم مثل المصالح ،القانون الدولي.. يركز هذا
التعريف على الفرد كعامل محدد من خلال استعداداته الفطرية والمكتسبة هذا من جهة،
ومن جهة أخرى على إدراك العلاقات بين الأفراد والدول.
كما يعرف
بردييه فودرير الدبلوماسية :هي فن تمثيل الحكومة ومصالح البلد تجاه الحكومات
والبلدان الأجنبية.إن العامل المحدد في تعريف الدبلوماسية هو اعتبارها كفن.
أما
راؤول جنيه يعرفها:ََفن تمثيل الحكومة ورعاية مصالح البلاد لدى الحكومة الأجنبية
والسهر على أن تكون مصالحها مضمونة ًًًَ.حيث التركيز في هذا التعريف على اعتبار أن
الدبلوماسية تعنى بإدارة الشؤون الدولية .
تعتبر
الدبلوماسية إذن طريقة في إدارة العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات،فهي تفهم في
ظل التصورات المختلفة المحددة للمفهوم كفن ،وكعلم ،وكلاهما. حيث من الدلالة
الاصطلاحية نستنتج:
-
أنها علم
وفن تمثيل الدول.
-
آلية من
آليات تنفيذ السياسة الخارجية.
-
الدبلوماسية
سلك ومهنة الدبلوماسي.
الدبلوماسية
وبعض المفاهيم الدالة عليها:استنتجنا مما سبق أن مفهوم الدبلوماسية يغيب عنه الإجماع في جانبه اللغوي
والاصطلاحي ،هذا ما يجعلنا نتساءل هل يؤثر ذلك على المفاهيم الدالة عليه من حيث
التشابه ،أو التداخل ،أو التكامل ؟
الدبلوماسية
والقانون الدبلوماسي:تعتبر الدبلوماسية آلية من آليات تنفيذ السياسة الخارجية، فهي
جزء من العلاقات الدولية، والتي تحدد بهيكل تنظيمي والذي هو القانون الدولي.فأسبقية
الكل على الجزء من حيث الوجود تجعل من القانون الدولي هو الكل الذي وجد في ظله
القانون الدبلوماسي،فهو الهيكل التنظيمي الذي تحدد في ظله العلاقات الخارجية
للدول،بحيث يقوم على مجموعة المبادئ القانونية الموجهة لتنظيم العلاقات الخارجية
للوحدات السياسية والفواعل الدولية الأخرى.أما الدبلوماسية هي طريقة إدارة الشؤون
الخارجية لمختلف الفواعل الدولية المشكلة لبنية المجتمع الدولي . إن طبيعة العلاقة بين
القانون الدبلوماسي والدبلوماسية هي ذات طبيعة تكاملية من منطلق أن التحليل لمختلف
الآليات التي تحدد السياسة الخارجية تفهم في ظل تحليل شمولي بالبحث عن السلم
والأمن الدوليين ،
ولا يكون
بالفصل بين الظواهر والمفاهيم .
الدبلوماسية
والتاريخ الدبلوماسي: تقوم المعرفة المرتبطة بالجانب الدبلوماسي ،حول فلسفة
تنظيمية لمختلف المراحل التاريخية المرتبطة باستقرار الإنسان في ظل جماعات بشرية
،و عبر فترات تاريخية متتالية ومناطق
مختلفة من حيث التطور الذي يقوم على طبيعة
بنائية مركبة .فطبيعة العلاقة بين المفهومين ذات طبيعة مترابطة تلازمية من حيث
الظهور ،بحث التاريخ الدبلوماسي هو استقراء لتطور المفهوم (الظاهرة) من منطلق تحليل تركيبي.
الدبلوماسية
والسياسة الخارجية:تعتبر الدبلوماسية آلية من آليات تنفيذ السياسة الخارجية،
فالطريقة التي تحضر بها كجزء من السياسة العامة للدولة من رسم، وصناعة، وتنفيذ،
وتجسيد هو إعداد ضمنيا لمختلف التوجهات الدبلوماسية.
نستنج
مما سبق أن مفهوم الدبلوماسية يفهم في ظل مقاربة مفاهيمية تحدد بثلاث مستويات:
-
يفهم مفهوم
الدبلوماسية في ظل نقاش نظري،حيث المقارنة لمختلف الأفكار التي أسهمت في تطوره.
-
يقوم
مفهوم الدبلوماسية في ظل المزاوجة بين النقاش النظري والممارسة.
-
يعتبر
مفهوم الوظيفة الدبلوماسية العامل المحدد في تطور الظاهرة .
-
يفسر
مفهوم الدبلوماسية وفق مستويات تحليل مختلفة تختلف باختلاف المنطلقات، والأهداف
المرجوة من البحث.
-
يعتبر
القانون الأداة التحليلية الأقرب إلينا لدراسة تطور المفهوم ،من منطلق هيمنة
الطابع القانوني في دراستنا.
-
نعاني من
صعوبة في ظل غياب الإجماع حول مفهوم الدبلوماسية ،فهو مفهوم مركب ،ومعقد ،يغيب عنه
التوحيد والتحديد.
3- المقاربة
التنظيمية:يقصد بالمقاربة التنظيمية اعتماد طريقة تحليل وفق منطلق تبني طرح وليس
إصدار حكم ،حيث المنهجية المتبعة والأهداف المرجوة القائمة على منطلقات معينة تحدد
لنا ذلك.يقوم بحثنا بالاعتماد على خطة تاريخية، مع وجود ضمنيا للخطط أخرى ممكنة
كالخطة التصنيفية، والخطة الجدلية.
التطور
التاريخي لمفهوم الدبلوماسية: يعتبر استقرار الإنسان في ظل جماعات بشرية العامل
المحدد في تطور مفهوم الدبلوماسية،بحيث لا يمكن تحديد هذا التطور إلى وفق خطة
تاريخية قائمة على تتبع مختلف المراحل التاريخية المتتالية للتطور من منطلق اعتبار
أن كل الظواهر ،والمفاهيم السابقة الذكر تشكل لنا الإطار الفكري للدراسة ،ولا تكون
وفق تصور اختزالي ،وإنما تحليل تركيبي ،وتطوري ،وبنائي.
الدبلوماسية
البدائية:يعتبر ظهور مفهوم الدبلوماسية كظاهرة ملازمة للاستقرار الإنساني، تصور
قديم عند
البعض من
المفكرين، على النقيض من ذلك هناك اعتقاد سائد عند البعض الأخر من أنه تصور حديث.
كيف ذلك؟
التصور
الأول :يمثله كورنيليوس بلاغا،والذي مفاده أن الدبلوماسية ظهرت بظهور البعثات
الدبلوماسية الدائمة ،والتي أحسن نموذج لها هو التبادل التاريخي بين الكرسي
البابوي في القرن 13 ،حيث كانت المدن
الإيطالية مزدهرة وبلورت فيما بينها علاقات ودية وسلمية (مدينة البندقية كمثال) هناك
اعتقاد ثان من أن الدبلوماسية ظهرت بعد نهاية حروب 100عام،في نفس السياق هناك
اعتقاد ثالث في التصور الأول من أنها وليدة العصر الحديث مع ظهور الدبلوماسية
العلنية.
إن
الدبلوماسية هي أسلوب من التطور للأنماط المعيشية المختلفة ،ولا يمكن اعتبار أن
الأمثلة هي حجج ،فهي تفهم في تطور السياسة الخارجية ،والتي تفهم في تطور كل
والمتمثل في الأنظمة السياسية المختلفة،والتي بدأت التشكل منذ القديم وليست وليدة
العصور الوسطى أو الحديثة.
التصور الثاني:يمثله مجموعة من الباحثين من
أمثال هارولد نيكولسن ، عكس التصور الأول ينطلقون من أن الدبلوماسية هي وليدة
مرحلة الاستقرار البشري ،فظهور رغبات وثمة حاجة إلى تلبية حاجيات يقوم على فلسفة
تنظيمية معينة تختلف من مجتمع إلى أخر ،ومن فترة تاريخية إلى أخرى .يعتبر ظهور
نظام العلاقات بين الجماعات ،العشائر ،والقبائل كحجة عن ذلك.فوجدت أثار ودلائل
تاريخية في مناطق مختلفة من المعمورة مثل
الألواح الأشورية،وأثار في الصين ،والهند ،والإغريق ،والرومان ،وجدت منذ
3500 ق.م أكدت على مايلي :
-
وجود
أشكال لعلاقات ودية وسلمية.
-
وجود
لعلاقات تمارس وفق ضوابط قانونية.
-
أن
الدبلوماسية هي وليدة ظهور مفهوم النظام السياسي، واعتبارنا أن النظام القبلي هو
كذلك.
-
أنمن
مميزات الدبلوماسية القبلية أنها تظهر عند الإعلان عن تولي زعيم جديد للسلطة،أو
تتويج ملك ،أو وفاة ملك.
-
تبرز
علاقات ذات طبيعة دبلوماسية بمفهومنا الحديث بهدف المصاهرة،أو الزواج .
-
تبرز
علاقات ذات طبيعة دبلوماسية لغرض الدعوة للصيد أو الأعياد.
-
تبرز
علاقات ذات طبيعة دبلوماسية لإعلان السلم أو الحرب،أو عقد صلح .
-
إقرار
لمبدأ الحصانات والامتيازات.
-
يقوم
بهذا النوع من النشاط الدبلوماسي في فترة
تاريخية الكاهنة ،وهناك ن استعمل النساء خاصة
بعض القبائل الأسترالية في فترة تاريخية.
الدبلوماسية
في المجتمع الأسيوي القديم:وجدت في هذه الفترة التاريخية بعض الأدلة على وجود نوع
من التفاعلات القائمة على علاقات ودية سلمية بين المجتمعات،مثلا في بلاد ما بين
النهرين قبل 3000 عام ق.م احتوت على بعض النقوش المسمارية فيشكل مخروطات ،كالاتفاق
بين مدينة لاغاش و أوما من جهة ،ومن جهة أخرى مدينة شط الحي من مدن بابل من جانب
أخر 2850ق.م,حيث وجدت أكثر من 16 اتفاقية كان أولها الاتفاق بين مصر وبابل سنة 1450 ق.م ،تدون
هذه الاتفاقيات على ألواح فضية ،وجاءت مثلا معاهدة قدش 1278 ق.م بين الفراعنة والحثيين تنص على مايلي:
-
منح
أهمية للمبعوثين.
-
ظهور
مبادئ مثل الاحترام المتبادل لأراضي الطرفيين، وصيانة التحالف والدفاع المشترك.
-
أهمية
عدم النكت بالعهود للطابع الديني الذي صبغت به المعاهدة.
-
أن هذه
المعاهدة جاءت في شكل مقدمة،صلب موضوع وخاتمة .
الدبلوماسية
في حضارة الشرق القديم:(الهند القديم والصين القديم):
كان
لقانون مانو منذ القرن 10 ق.م في الهند
القديم الأثر الجلي في تحديد الفلسفة التنظيمية لمفهوم الدبلوماسية،حيث كان له
عداء للأجانب وظهرت أفكاره في : -أن من
يتولى العمل الدبلوماسي كسفير يجب أن يكون يتمتع ببعض القواعد الدينية والتي كانت
تعرف
ب ألتا
ساسترا.
-
حسب
المادة65 من قانون مانو إعلان الحرب والسلم يكون على عاتق السفير.
-
أن يتمتع
السفير باستعدادات فطرية من كياسة، وذكاء لمساعدته على الإلمام بمشاريع الآخرين.
أما في الصين القديم كان لكونفوسيوس في القرن 06
ق.م الأثر الكبير في بلورة و تحديد
الفلسفة التنظيمية لمفهوم الدبلوماسية ،حيث دعا إلى الكيفية التي يتم على أساسها
اختيار السفير بأن يكون يتمتع باستعدادات فطرية وأخرى مكتسبة على أساس الكفاءة .
نستنتج مما سبق أن العامل المحدد في تحديد البناء
التطوري للمفهوم يقوم على أساس اعتبار الدين كدافع ذاتي لأي نشاط دبلوماسي.
الدبلوماسية
عند الإغريق: تقوم دراستنا للدبلوماسية وفق منهجية مرتكزة على خطة تاريخية ،حيث
تظهر الدراسة عبر فترات تاريخية متتالية ،لكل فترة ظروف وشروط أوجدتها.إلا أن نلحظ
في دراستنا للدبلوماسية اليونانية أنها تقسم إلى ثلاثة فترات تاريخية مختلفة داخل
نفس الفترة.
المرحلة
الأولى مرحلة المنادينHerault: تعرف هذه المرحلة بتسمية أخرى وهي حملة
الأعلام البيضاء.حيث كانت تقوم على اختيار أشخاص يتمتعون باستعدادات فطرية من صوت
مسموع جهوري وذاكرة قوية ،دورهم يكمن في تبليغ المواطنين اليونانيين عن رغبات الحاكم حول موضوع معين ،أما عن الرعاية
الدينية التي كانت يخضعون لها فهي رعاية الإله
Hermes وهو إله السحر ،والخديعة ،والمكر ،والخيانة عند
اليونان القدامى.
المرحلة
الثانية مرحلة الخطباء Aurator: يتم اختيار من يقوم بالنشاط الدبلوماسي في
هذه المرحلة من بين الأفراد الذين يتمتعون بكفاءة كالخطباء، والفلاسفة، والحكماء،فهذه
المرحلة أكثر تنظيما من المرحلة التي سبقتها.
المرحلة الثالثة مرحلة تطور المدن اليونانية: عرفت
المدن اليونانية ازدهارا كبيرا في شتى المجالات أنعكس على النشاط الدبلوماسي، حيث
ظهر نوع من الأشكال التنظيمية الشبيهة بدبلوماسية البعثات الدائمة من خلال:
-
ظهور
لأنماط تنظيمية مرتبطة بحالة السلم بين المدن اليونانية، تجلت في استمرار التعامل
وفق معاهدات تقر بإبقاء الدبلوماسيين المبعوثين.
-
ظهور
لأنماط تنظيمية مرتبطة بحالة الحرب بين المدن الإغريقية بحيث كان لها تنظيم خاص
قائم على القواعد والضوابط التالية: حرمة المعابد والملاعب، وان الجرحى والأسرى
يتلقون معاملة خاصة،ولا يتعدى عليهم .
نستنتج مما سبق أن دبلوماسية اليونان لها خصائص:
-
غياب
مفهوم الدبلوماسية الدائمة لأن المبعوث الدبلوماسي يعين لمدة زمنية محددة، ولموضوع
محدد.
-
أن
المبعوث الدبلوماسي يكون معين من قبل الجمعية العامة لدولة المدينة.
-
أن
المبعوث الدبلوماسي كان ينظر إليه بنظرة ريب وشك، حيث لا يبعث وحده وإنما في جماعة
من الأفراد يمثلون مناطق مختلفة من دولة المدينة.
-
أن
المبعوث الدبلوماسي يتمتع بحصانة (مدنية وجنائية) و امتيازات خاصة.
-
كانت
تمنح لهم تراخيص سفر هي الضامن لنفقاتهم.
-
أن
المبعوث الدبلوماسي لا يجب أن يقبل الهدايا مدة القيام بمهامه في البلد الموفد
إليه.
-
كان للدبلوماسية
اليونانية فيما بعد الأثر الكبير في ظهور
الفلسفة التنظيمية للدبلوماسية الدائمة.
الدبلوماسية عند الرومان: استفاد الرومان من
الزخم الفكري الذي قدمه الفكر اليوناني، كما هو الحال بالنسبة للنشاط الدبلوماسي
،حيث اعتمدوا على فكر واقعي بعيد عن عامل المثل اليوناني (رغم تأثير الفكر
اليوناني على الفكر الروماني )من خلال تطبيقه لأفكارهم في واقع ليس بواقع دولة
المدينة،حيث انطلقوا من أهمية فكرتي القوة والمصلحة في تحديد لأي شكل من التعاملات
الخارجية، (في ظل انقسام العالم إلى قانون لروما و قانون للأجانب).
جاءت أفكارهم الدبلوماسية في ظل سياسة واقعية
تقوم على :
-
يقوم
المبدأ العام في تحليل الدبلوماسية على القوة في التعامل .
-
أعطوا
أهمية للنظام على فكرة النظام .
-
أن
المسئول عن النشاط الدبلوماسية هو مجلس الشيوخ الذي كان له ديوان لتسير الأمور
الخارجية،ثم تطور التصور مع إدخال الأباطرة إلى جانبه في تسير الشؤون ، لكن الثاني
يخضع للأول.
-
تكمن
أهمية مجلس الشيوخ في إعلان الحرب والسلم ،كما أنه هو المسئوول عن استقبال السفراء
أو رفضهم.
-
تتكون
البعثة الدبلوماسية من مجموعة أفراد يتراوح عددهم ما بين 3إلى 10، حيث تشكيل
البعثة لم يعد يحتوي ممثلي الأحزاب كما كان عند اليونان.
-
أن
المبعوث الدبلوماسي يتمتع بحصانة (مدنية وجنائية) و امتيازات خاصة لأن المسؤولية
تكون في بلده الأصلي، ثم تطور المفهوم ليشمل موظفيهم ،ومراسلاتهم، و اتصالاتهم
،وخدمهم ،و مجبرون عن تقديم تقارير عن مهامهم لمجلس الشيوخ.
-
الدبلوماسية
عند البزنطيين:انقسمت الإمبراطورية الرومانية بعد انهيارها في القرن 05 ميلادي إلى
غربية عاصمتها ميلانو ،وشرقية عاصمتها القسنطنطنية.فبرزت دول أخرى عملت على إقامة
علاقات مناقضة لسياسات روما ،من ذلك
بيزنطة التي بلورت فكر دبلوماسي قائم إقامة علاقة ودية سلمية مع باقي الدول
،في ظل ظهور لمفهوم توازن القوى بين الدول الموجودة آنذاك(الفرس والعرب ) ،حيث كل
طرف العمل على كسب امتدادات جديدة من خلال التفاوض والسلم لا الحرب ،وجاءت
دبلوماسية البيزنطيين بالخصائص التالية:
-
العمل
على إقامة علاقات ودية سلمية من خلال إتباع إستراتيجيات هجومية مثل التفرقة وإثارة
التنافس بين الشعوب من أجل إضعافهم.
-
العمل
على نشر المسيحية عكس الرومان كوسيلة من وسائل السلم والتعاون لكسب الشعوب.
-
إدخال
الاحترافية في النشاط الدبلوماسي من خلال إيجاد نخبة تعمل بطريقة سلمية على
الامتداد للنفوذ البيزنطي.
-
إيجاد
مؤسسات جديدة منوطة بالعمل الدبلوماسي من خلال إنشاء ديوان خاص بالشؤون الخارجية
وديوان خاص بالأجانب.
-
أن من
يمتهن النشاط الدبلوماسي يتحمل نفقات المدة التي يقضيها في البلد الموفد إليه من
خلال حمل بعض السلع لبيعها والاستفادة منها هذا من جهة،و إقامة علاقات تجارية مع
البلد الموفد إليه من جهة أخرى.
الدبلوماسية
في المجتمع العربي الإسلامي: عمل العرب منذ القديم على إقامة علاقات ودية سلمية مع
الجيران لطبيعة تعاملاتهم والمرتكزة على العلاقات التجارية، والتي تحتاج إلى
التفاوض وحسن المعاملة لا القوة.أما عند العرب المسلمين فاتخذت العلاقات طبيعة
متشابهة الأهداف مزدوجة الوسائل، تجلت في الكيفية التي تنظم بها دار الإسلام،
والكيفية التي تنظم بها دار الحرب(المجال الذي يحدد النشاط الدبلوماسي ذو طبيعة
مغلقة دار الإسلام/دار الحرب).فكيف نحلل هذين التصورين؟
-
التصور
الأول:يقوم هذا التصور على اعتبار أن الجهاد فرض عين، وان العلاقة بين المسلمين
وعير المسلمين يحددها عامل محدد هو الحرب، ومن ثم هي الأساس والسلم معهم هو
الاستثناء.
-
التصور
الثاني:يركز هذا الاتجاه على ضرورة تطبيق التعاليم الإسلامية بالتركيز على دار
الإسلام،ومن ثم العمل على نشر ها في دار
الحرب بطرق سلمية ودية.
-
التصور
الثالث:شبيه بالتصور الأول ولكن جعل السلم والتعاون هو الأصل والحرب استثناء.
-
التصور
الرابع :يعتبر هذا الاتجاه أنه لا يجب حصر المواجهة بين دار الإسلام ودار الحرب
،ولكن العمل على إيجاد نوع من التوازن من
خلال إيجاد دار ثالثة وهي دار العهد (دار الصلح) ،والتي تعتبر كحل لإشكالية
المواجهة والحرب بين المسلمين وغير المسلمين.
ورد في
القرآن الكريم لكلمة سلام (مشتقة من سلم ،وسلامة ،ومسالمة ) لأكثر من 100 آية ،أما
كلمة حرب ومشتقاتها جاءت في 06آيات.
الدعوات
السلمية للإسلام:سورة الغاشية الآيتان رقم21 و22،سورة البقرة الآية 216,سورة
المائدة الآية16،سورة النحل الآية 125 ،سورة الكهف الآية 29،سورة الكافرون الآية
06....
الدعوات
إلى الحرب :سورة البقرة الآية 216،سورة محمد الآية 35,سورة الإسراء الآية 15.
أم
الاستعمال للسلاح أثناء الفتوحات في حالات ثلاث:
-الدفاع
ضد الاعتداء سورة البقرة الآية 190.
-
حماية
الضعفاء وإنقاذهم من الهلاك سورة النساء الآية 75
-
حيث يكون
البداية في استعمال السلاح من قبل المعارضين سورة البقرة الآية 193.
تنقسم
إذن الدبلوماسية في المجتمع العربي الإسلامي إلى تصورين أول مرتبط بالممارسة
الدبلوماسية عند العرب حيث تجلت في أشكال للعلاقات الودية السلمية.أما في الإسلام
فنظرا لازدهار الدولة الأموية التي بلورت نوع من العلاقات الودية السلمية مع
البيزنطيين كما كان حاصل مع معاهدة معاوية معهم عام م 677،ومعاهدة عبد المالك بين
مروان عام 689م ,ثم تلتها معاهدات مع الصليبين مثلا لعام 1189م لمدة ثلاث سنوات
،ثم أثناء حصار عكا ،واتفاقية الهدنة لمدة ثماني سنوات عام 1218م ...
حيث تجلت
خصائص الدبلوماسية العربية الإسلامية في :
-
الدعوة
السلمية للإسلام،من أجل الاستعلام ،أو الاستخبار ،من أجل التهاني .
-
البعثة
تتألف من السفير وحاشيته.
-
اعتماد
ورقة الطريق.
-
السفراء
يتشكلون من فئة عمال الدولة يتقاضون أجر.
-
في العهد
الأموي السفراء يختارون من فئة القضاة، والفقهاء، والعلماء.
-
الحصانة
التامة للسفراء طول مدة إقامتهم في الدولة الإسلامية.
-
استقبال
السفراء يكون على حدود الدولة الإسلامية ،ومن إن تم أخدهم إلى العاصمة يكون قبول
لهم.
الدبلوماسية
الحديثة:امتازت الدبلوماسية القديم في تصور شمولي بتصورات يمكن حصرها فيما يلي:
-أنها
كانت غير منظمة، وغير ثابتة.
- محدودة
جغرافيا نتيجة تأثير بعض الأسباب منها ضعف وسائل الاتصال والمواصلات .
على
النقيض مما سبق نلحظ أن الدبلوماسية الحديثة كنتاج لعصر النهضة أنها كانت دائمة،
ومستقرة.إلا أن دراستها تكون وفق إشكالية المنهجية المتبعة هل تكون الدراسة عبر فترة
تاريخية واحدة من منطلق أن مضمون الدبلوماسية هو نفسه ومن ثم لم تتغير ؟أم تكون
عبر فترات تاريخية مختلفة لأن مضمونها اختلف ،وأحيانا تناقض مع ماسبق ،أو مع ما
يلحق؟دراستنا تكون وفق تطورا عبر فترات تاريخية.
تنقسم
الدبلوماسية الحديثة إلى فترتين:الفترة الأولى تبدأ من عصر النهضة حتى الحرب
العالمية الأولى،حيث
كانت
ميزتها أنها قامت على علاقات ثنائية وذات طابع سري،وأنها كانت في يد الملك
وحاشيته.التحول بدأ من القرن 15 مع معاهدة وستفاليا1648 ،ففي ظل صعود الإمبراطوريات
إلى الحكم (خاصة بعد الثورة الفرنسية 1789)والتي أظهرت مفاهيم جديدة مثل الدولة
ذات السيادة ،والحرة في إبرام المعاهدات والاتفاقيات التي أسهمت في تقنين العمل
الدبلوماسي مع فيينا 1815.
الدبلوماسية
الإيطالية والفرنسية:
المنهج
الإيطالي:كان للزخم الفكري الذي عرفتها الدويلات الإيطالية الأثر في ظهور منهج
إيطالي في العمل
الدبلوماسي.فكان
لقناصله مثل دانتي وميكيافلي من جهة ،وتطور العلاقات التجارية بين الدول الإيطالية
خاصة مع ازدهار البندقية بسفراء ها المحنكين خاصة في تعامله مع بيزنطة ودول البحر
المتوسط من جهة أخرى ،الأثر في ظهور أشكال وأنماط للنشاط الدبلوماسي من خلال :
-
تنظيم
نشاط السفير من خلال مثلا أنه لا يحق لهم مغادرة مقرهم ولو ليوم واحد قبل أن يأتي
من ينوبهم (بموجب مرسوم عام 1268)،مع إرجاع كل الهدايا التي تسلم لهم،ويمكن أن
يأخذ معه زوجته (شرط أن لا تفشي سره) وطاهيا خوفا من دس السم،هي نوع من بداية
الدبلوماسية الدائمة.مع التمييز بين الجرائم ،وأنشأ ديوان لحفظ المحفوظات
وتسجيلها.
-
البعثة
لا تتجاوز 4 أشهر في القرن 13 ،واستخدمت السرية في المراسلات ،وفي القرن 15 و16
تحولت إلى سنتين وثلاثة سنوات (أهمية الاستقرار).
المنهج الفرنسي:لقد كان للمنهج الدبلوماسي
الإيطالي لفترة طويلة الأثر في البلورة العلاقات الودية والسلمية بين الدول قبل
ظهور المدرسة الفرنسية في القرن 17.بدأت بوصولRichelieu
ودخوله إلى مجلس الوزراء عام 1624،حيث أصبح وزير
للخارجية في 11 نوفمبر 1626،في مرحلة الحكم المطلق حيث نادى بتطبيق التفاوض كمبدأ
وليس كاستثناء.
الدبلوماسية المعاصرة:تمتد الفترة التاريخية التي
تعنى بدراسة هذه المرحلة من الحرب العالمية الأولى وحتى الآن.ميزت هذه الدبلوماسية
أنها لم تعد تعبر عن رغبات شخصية وفي يد الملوك،بحيث أصبحت الحكومات مسؤولة أما
البرلمان خاصة بعد معاهدة فيينا 1815.جاءت هذه الدبلوماسية وفق الخصائص التالية :
-
التركيز
على الدبلوماسية العلنية من خلال مرسوم السلام الذي طرحه لينين في 1971،ووثيقة ودرو
ويلسون ومبادئه14 بتاريخ 18/1/1918.(سرية المفاوضات علنية النتائج-مفاوضات مؤتمر
باريس 1919)
ارتبطت الدبلوماسية بأهداف السياسة الخارجية
،وكانت عصبة الأمم تعمل على نشر الاتفاقات والمعاهدات من قبل أمانة العصبة حسب
المادة 18 من ميثاقها،وأستمر نفس المبدأ والعمل على نشر وعلنية المعاهدات في
المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة.
-
ارتبطت
هذه الدبلوماسية بظهور نظام دولي عالمي عوض ارتكازه على المركز الأوروبي.
-
ظهور
المنظمات الدولية، وتطور العلاقات الدولية، والسياسة الخارجية للدول.
4-المؤسسات المنوطة بالعمل الدبلوماسي والبعثات
الدبلوماسية: يقوم تطور ظاهرة و مفهوم الدبلوماسية وفق منهجية قائمة على خطة
تاريخية.لكن الإشكال يكمن في أن بروز الدبلوماسية قديمة كواقع في العلاقات الدولية
،جعل من هذه الأخيرة تفهم في ظل وجود لدبلوماسية حديثة كذلك،لكن
متى تبدأ الأولى ،ومتى تبدأ
الدبلوماسية الثانية؟
تعتبر معاهدة وستفاليا 1648 عند البعض من
الباحثين المرجعية الفكرية والمعرفية لبروز الدبلوماسية الدائمة والتحول من
الدبلوماسية القديمة إلى الدبلوماسية الحديثة ،و تعتبر المجال الفكري لدراسة
الدبلوماسية السرية والدبلوماسية العلنية،وأساس ظهور الدبلوماسية الثنائية الأطراف،أو
المتعددة منها،حيث كانت القطيعة مع الممارسات الدبلوماسية السابقة بظهور فواعل
دولية جديدة فيما بعد أسهمت في تطورها.بحيث بروز لقواعد وضوابط قانونية عرفية
ومكتوبة كان له الأثر في ظهور الاتفاقيات الدبلوماسية اللاحقة 1961العلاقات
الدبلوماسية،و للعلاقات القنصلية 1963،و للبعثات الخاصة1969،و1975 المتعلقة
بالمنظمات الدولية. رؤساء الدول:تحدد وظيفة رئيس الدولة وفق تصوريين .الأول أساسه
التزام داخلي ،والثاني هو التزام خارجي.فمهما كان شكل الوظيفة الممارسة داخل
النظام السياسي سواء كان رئيس دولة ،أو رئيس حكومة ،أو
ملك..فإن أي تصرف يصدر عنه يجسد نوع من الحتمية
المطلقة،وتترتب عن ذلك مسؤولية للإطار الذي يمثله.
أما عن صلاحياته ترتبط بمفهوم المسؤولية عن
الأفعال التي تنجر عنه مهما كان شكلها.فأي مخالفة لقواعد القانون الدولي تنجر عن
ذلك مسؤولية،وتكون مصحوبة بتعويض عن الأضرار.لكن فقهاء القانون أختلف عن تحديد
طبيعة هذه المسؤولية :
-
التصور
الأول: أن رئيس الدولة يعتبر أعلى تراتبية في هرم السلطة ومن ثم له صلاحيات (حقوق
وواجبات)،و أي تصرف يصدر عنه له تبعات تلتزم بها دولته ولو كانت أفعاله مخالفة
للقانون،ومن ثم يجب مراقبته حتى نتفادى الوقوع في ذلك.
-
يذهب
التصور الثاني: من أن الدولة التي يمارس الرئيس فيها وظائفه تلتزم إلا بالأفعال
القانونية دون سواها،ومن ثم الأفعال غير قانونية يلتزم بها لشخصه.
مما سبق اتفق الفقهاء بتبني التصور الأول، ومن ثم
يجب العمل على مراقبته.
أما على
صعيد الحصانة الشخصية تظهر في أن تعمل الدولة المستقبلة على حمايته،ولا يجوز القبض
عليه ،أو
اعتقاله ،أو المساس بحريته ،وكرامته ،ويشمل
الجانب المادي والمتمثل في منزله ،وأمواله،ومراسلاته.إن حدث ووقع ذلك تعمل الدولة
المضيفة على معاقبة من قام بذلك.بالمقابل يعمل الرئيس بالالتزام بمبدأ أساسي في
العلاقات الدبلوماسية وهو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المستقبلة،وأن حدث
ذلك فيطلب منه مغادرة الدولة المضيفة.أما على صعيد الحصانة القضائية فلها طبيعة
ازدواجية تظهر في :
-
فيما
يتعلق بالجانب الجزائي لا يجوز إخضاعه لقضاء المحاكم الأجنبية ،ولا اعتقاله ،أو
حجزه،أو إلقاء القبض عليه ،وفي حالة ارتكاب الرئيس لفعل إجرامي يطلب منه مغادرة
تراب البلد المضيف ،وطلب تعويض من بلده.في حالة الرفض وعدم قبول التعويض سينجر عن
ذلك قطع العلاقات الدبلوماسية ،أو اللجوء إلى المحاكم الدولية.
-
أقرت
المادة 227 من معاهدة فرساي 1919 فيما يخص محاكمة مجرمي الحرب ،وحول إمبراطور
ألمانيا غيوم الثاني ،أن المسؤولية لا تكون لشخصه ،وإنما للدولة التي يمثلها.
-
هناك
نماذج تاريخية حول محاكمات لبعض مجرمي الحرب حيث تعتبر محكمة نورمبرغ في ألمانيا
،والتي جاءت بموجب اتفاقية لندن 08/08/1945 كقاعدة للتشريعات القانونية اللاحقة
.ففي 1951 ثم تحديد مفهوم مجرم حرب ،والتي أنهي من صياغته من قبل الأمم المتحدة في
1954،والذي جاء في الأعمال الموجهة ضد السلم والأمن الإنساني.
فيما يتعلق بالجانب المدني تاريخيا هو
أسبق من حيث القواعد القانونية التي تحدده من الجانب الجنائي،ففي 1891 في اجتماع
بهامبورغ الألمانية ثم تحديد الدعاوي الممكن رفعها على الرؤساء والتي جاءت:
-
الدعاوي
العقارية (الأملاك المنقولة وغير منقولة في تلك البلاد).
-
الدعاوي
الخاصة بالإرث ،والوصايا ،والمتعلقة بالنشاط التجاري والصناعي .
-
الدعاوي
المتعلقة بقول مبدأ امتياز الاختصاص القضائي ،أي قبول المثول أمام المحكمة.
نستنتج مما سبق أن الحصانة والامتيازات الخاصة
برؤساء الدول ،هي ذات طبيعة كاملة.
منصب وزير الخارجية:يقوم مفهوم الدبلوماسية على
علاقة طردية مرادها إلا أن تطور السياسة الخارجية للدول أسهم في تطور الدبلوماسية،باعتبارها
آلية من آليات تنفيذها.فتطور أجهزة وإدارة الشؤون الخارجية ،بتطور الدبلوماسية
الدائمة ،ظهر بشكل جلي منذ القرن 17. حيث كانت الحاجة إلى تعيين موظفين ،ومسئولين
عن النشاط الدبلوماسي متخصصين الأثر في إيجاد نوع من التراتبية الهرمية(من الأعلى
إلى الأسفل) والتي جعلت من منصب وزير الخارجية له الأهمية من خلال إزداوجية نشاطه
أنه هو المسؤول عن المشاركة في رسم السياسة الخارجية هذا من جهة ،وأنه مسؤول على
تنفيذها من جهة أخرى.
تظهر
وظائف وزير الخارجية على المستوى الداخلي في بلده من خلال تعين الموظفين الذين
يدخلون في إطار وظائفه مثلا،واتجاه البلدان الأجنبية على المستوى الخارجي لأن له
طابع تمثيلي لبلده فاستقبال الأجانب
،وتقديمهم إلى رئيس الجمهورية،والإشراف على نظام
الحصانات .إن وزير الخارجية يجسد ولا يقرر،يساهم ولا يبلور لوحده ،ولا يرسم
السياسة الخارجية للدولة بل الحكومة هي التي تقوم بذلك.أما على صعيد الحصانة فإنه
يمارسها كرئيس الدولة من منطلق أنه مسؤولا عن أعماله ،وتصرفاته.
تعتبر حادثة تصريح وزير خارجية النرويج في
22/7/1919 صرح في الدانمارك لوزير خارجية هذه الأخيرة،بأحقية هذه الأخيرة بجزيرة
غريلاند ،فتحججت الدنمارك لدى محكمة العدل الدولية في 1931 بذلك ،فصدر قرار عنها
في 1932 بالتزام دولة النرويج بتصريحات وزير خارجيتها.
إن كل من رئيس الدولة أو وزير الخارجية يصنفون
ضمن خانة وظائف السيادة كيف ذلك؟
منصب السفير:عن الإيطالية AMBASCRATORE ،حدد
المفهوم بموجب اتفاقية فيينا 1815 ،والبرتوكول التكميلي في أكس لا شابيل بفرنسا
عام 1818 ،من أنه موظف من الفئة العليا ،حيث يميز القانون بين المكلفين بمهمة فوق
العادة ،والوزراء المقيمين أو القائمين بالإعمال .لكن اتفاقية فيننا 1961 عوض
القول بمفهوم السفير ،فضلت مفهوم رئيس البعثة.أما في اتفاقية 1969 ظهر مفهوم رئيس
بعثة خاصة،حيث يمكن أن يتزامن وجود بعثة خاصة مع سفارة فوق العادة.
نستنتج مما سبق أن سواء الرئيس،أو وزير الخارجية
السفير ،أو القنصل دورهم يكمن في حماية مصالح دولته ،ومصالح رعاياها ،والطابع
التمثيلي لوظائفهم ،كما يسهرون على مراقبة ذلك.
البعثات الدبلوماسية والقنصلية وحصاناتها:تعتبر
البعثة الدبلوماسية مرفق من مرافق الدولة التي تنشأ بهدف تسير العلاقات الخارجية
للدولة.تاريخيا عمل فقهاء القانون الدولي ،وخاصة في لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة منذ 1959 على صياغة
اتفاقية تنظيمية للعلاقات الدبلوماسية
وجاءت عام 1961 اتفاقية فيينا ،واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية في
24/4/1963 ،و اتفاقية فيينا للأحكام الدبلوماسية المؤقتة AD HOC عام
1969 ،وتلك الخاصة بالمنظمات الدولية عام 1975.
حيث جاءت المقاربة الأقرب إلينا في
التحليل ذات طابع قانوني من خلال أن:
-
أن إنشاء
البعثة الدبلوماسية مهما كان شكلها يختلف تماما عن الإطار الذي يوضع فيه الفرد و
تنظيمه.
-
أن أغلب
الوثائق التي تحرر، تكون باسم البعثة وليس باسم أعضاءها مهما كان مضمونها.
-
أن
الزيادة في عدد البعثة أو النقصان، يجعل من الوجود القانوني لها بمعزل عن ذلك.
-
اختلاف
الحصانات والامتيازات ،والحقوق ،والواجبات المتعلقة بالبعثة ،عن تلك المتعلقة
بأفرادها.
-
إنهاء
مهام فرد من أفراد البعثة لا ينهي مهامها .
-
أ- البعثات
الدبلوماسية الدائمة:تعتبر البعثة الدبلوماسية وسيلة للاتصال لها صلاحيات ،ووظائف تقوم وفق مبادئ قانونية
(مكتوبة وعرفية)تعمل على تحقيق الأهداف المرجوة التي وجدت من أجلها،بحيث عملت
اتفاقية فيينا 1961 على تحديد اختصاصاتها ،وامتيازاتها ،وحصاناتها ،من منطلق أنها
تعمل في إطار مزدوج من جهة على صعيد تنظيم الأفراد ،وتنظيم البعثات ،وتنظيم بين
البعثات والأفراد سواء من قبل الدولة
الباعثة أو الدولة المستقبلة من جهة أخرى.لكن ظهر الأشكال في بلورة طبيعة
الحصانة التي تتخلى الدولة عن جزء من
سلطانها إلى الممثل الدبلوماسي في شخصه ،أو الإطار التمثيلي الذي هو يتفاعل
فيه وفق مجموعة تصورات :
-
التصور
الأول يرجع طبيعة الحصانة إلى الدين ،حيث
تأثير رجال الدين في السابق واعتبارها
أنها مرتبطة بطبيعة إلاهية.
-
التصور
الثاني يرجع أساس الحصانة إلى القوة،كما قامت أثناء الإمبراطورية الرومانية.
-
التصور
الثالث حددته نظرية الامتداد الإقليمي للفقيه الهولندي هيغو غروسيوس، وجاءت من أن
الممثل الدبلوماسي هو ممثل للامتداد الإقليمي لدولته ،ومن ثم الحصانة التي يتمتع
بها هي تعبير عن وظيفة داخل أراضيها.
-
التصور
الرابع مرتبط بالصفة التمثيلية التي ترتبط بالممثل الدبلوماسي،والتي مفادها أنه
ممثل لدولته داخل الدولة المستقبلة ،ومن ثم يخضع لقوانين بلده ،ويجب أن يتمتع
بحصانة تمكنه من أداء واجباته على ما يرام.
-
التصور
الخامس مرتبط بنظرية مقتضيات الوظيفة، والتي تعتبر أن الوظيفة هي التي تحدد أطر
وحدود الحصانة،ومن ثم شكل ممارسة العمل الوظيفي.
-
تكوين البعثة
الدبلوماسية الدائمة:مرتبط بشكل أساسي بالرضا الذي هو أساس الاتفاق بين الطرفين لإنشائها
،والذي مراده إلى مبدأ في العرف القانوني الذي هو المعاملة بالمثل،فهي قائمة على
أساس الاستمرار والدوام ما لم تنتهي مهامها، بحيث تعتبر من أسمى أشكال البعثات
الدبلوماسية من حيث التنظيم والتمثيل.فقد تكون البعثة الدبلوماسية الدائمة
مفوضية،وهي في المستوى الثاني من السفارة يرأسها عادة مفوض ،تعتمد من رئيس دولة
لدى رئيس دولة.(تظهر خاصة في دول بقيت على امتدادات معينة دول الكومنولث مثلا )
- مهامها:تظهر في التمثيل، والمراقبة، والحماية
،ووسيلة للتفاوض سواء بالنسبة للمرسل أو المرسل إليه.
-
حصاناتها:حسب
المادة الأولى الفقرة08 من اتفاقية فيينا 1961:ّحصانة للمقر ،وللمتلكاته،ولا تفتش
لوثائق ،ولا تدفع الضرائب إلا في حالة خدمة فعلية (الماء أو الكهرباء)ويسمح لهم
بوضع العلم ،وممارسة الشعائر الدينية .كما ن هناك حصانة للشخص لا تمس كرامته ،ولا
يتجسس عليه ،له حرية التنقل ،وغير ملزم بأداء الشهادة ّبالمقابل ملزم بالامتثال
لقوانين الدولة المستقبلة من خلال عدم التدخل في شؤونها الداخلية.
-
في حالة
ارتكاب جرم يخضعون إلى القانون الداخلي لدولتهم، وتسقط الحصانة إلى في نشاط مهني
أو نشاط عقاري..من السهل متابعة شخص عوض بعثة دبلوماسية، فالحصانة هي تنازل الدولة
الموفدة أو المستقبلة عن بعض من سيادتها، ولذلك هي تفرض عكس الامتياز فهو يمنح.
البعثة
القنصلية:جاءت إتفاقية24 افريل 1963 لتنظيم أسس ومبادئ العلاقات القنصلية فهي
نتيجة لعمل اللجان القانونية للأمم المتحدة حول كيفية تنظيم العلاقات بين الوحدات
السياسية(الدول ) والفواعل الدولية الأخرى في حوالي 79 مادة وعدة ملاحق.
تقوم
طبيعة البعثة القنصلية في إطار عام اقتصادية ،وتتكون نتيجة لوجود لعدد كبير من
رعايا الدولة البعثة لدى الدولة المستقبلة،حيث تعتبر تاريخيا أقدم أشكال التواجد
الدائم الذي قام بين الدول كما لاحظنا ذلك بين المدن الإيطالية في القرن 13،لوجود علاقات تجارية بينها .
تتكون
البعثة القنصلية من رئيس للبعثة والذي يكون أحد رعايا الدولة الباعثة أو يكون من
أحد رعايا الدولة المستقبلة كرئيس فخري.
تحدد
وظائف البعثة الدبلوماسية بعدة وظائف حيث تعمل على توثيق العلاقات، فالمادة الأولى
من اتفاقية 1963 حددت طبيعة العضو القنصلي الذي هول كل شخص مكلف بالعمل القنصلي.
تقر
المادة 30 من اتفاقية 1963 أنه لا يجوز الدخول إلى مقر القنصلية أو تفتيشها إلا في
حالات استثنائية مثل البحث عن مجرم تغلغل إلى المقر، عكس السفارة التي لا يمكنهم
ذلك.
أما
المادة33 والتي جاءت شبيهة للمادة 24 من اتفاقية فيننا للعلاقات الدبلوماسية 1961،
تقر على حصانة القنصليين.أما المادة 35/1963 تقر على حصانة الوثائق والمراسلات.
تتمتع
الحقيبة الدبلوماسية بالحصانة الدائمة حسب
الفقرة الأولى من المادة27 من اتفاقية 1963،لكن الحقيبة الدبلوماسية القنصلية يمكن
تفتيشها لكن بحضور مسؤول عن الدولة الموفدة ،فإن كان الرفض يكون الرجوع من حيث
أتى.
أما على
صعيد الحصانة والامتيازات فأعضاء البعثة القنصلية لا يخضعون إلى السلطات القضائية
،أو الإدارية،أو الجنائية ،إلا في حالت نشاط تجاري مثلا ،حيث المواد 48 ،49،50 من
اتفاقية 1963 تقر بالإعفاء الضريبي ،ومن الرسوم ذات الطبيعة الجمركية.
البعثات
الخاصة:جاء في المادة الأولى من اتفاقية 1969 للبعثات الدبلوماسية الخاصة:ّبعثة
خاصة ذات صفة تمثيلية، وموفدة من دولة إلى دولة أخرى بموافقة هذه الأخيرة لتعالج
معها قضايا محددة،أو للقيام لديها بمهمة محددة.ّّفهي ذات صفة تمثيلية،بحيث يجب أن
يكون رضا الطرف المستقبل كشرط لوجودها.
تؤكد المادة
2 من 1969 أنه لكي توجد البعثات يجب أن يكون هناك موافقة مسبقة بين
المرسل
والمرسل إليه سواء بوجود علاقات دبلوماسية، أو وجود طرف أخر يعبر عن الاتصالات
القائمة بين الطرفين.
تنص
المادة 04 من 1969 على إمكانية تعدد مهام نفس البعثة الموفدة ،وإرسالها لعدة دول
بتوفر شروط مسبقة.أما المادة05 من 1969 تنص على إمكانية وجود بعثات خاصة مشتركة من
دولتين أو أكثر.و تنص المادة 06 من 1969 إمكانية إيفاد بعثة خاصة مشتركة من قبل
دولتين أو عدة دول لمعالجة قضية ذات مصلحة مشتركة.
أما
المادة 07 من 1969 تنص على الفصل بين البعثة الدبلوماسية الخاصة، والبعثة
الدبلوماسية الدائمة.فعلى خلاف البعثة الدائمة التي يشترط فيها رضا الطرفين، البعثة
الدبلوماسية الخاصة يشترط فيها عنصر الرضا والمرتبط بالدولة المستقبلة.
يرتبط تعيين أعضاءها حسب المادة 09 بأنه يمكن أن
تتكون بعثة دبلوماسية من عضو واحد أو عدة
أعضاء(يخضعون
إلى تراتبية هرمية حسب المهام)كما هو الحال بالنسبة لاتفاقية 1961 يجوز أن يحمل
المرسل جنسية بلده ،أو يقوم بهذه المهام رعايا من الدولة المستقبلة حسب المادة 10
من1969.إن إنهاء مهام البعثة الدبلوماسية الخاصة يكون بدون تقديم تفسيرات مثلا
بإسقاط الحصانة.
تبدأ وظائفها
فورا اتصالها بوزارة الخارجية، وتنتهي مهامها حسب المادة 20 باتفاق بين الدولتين،
أو انتهاء الأجل، أو باستدعاء من قبل دولتها،أو من خلال إخطار البعثة من قبل
الدولة المستقبلة بانتهاء مهمتها.وجاءت المادة 46 معبرة في حالة انتهاء المهام على
ضرورة حماية المقرات، والأملاك،في حالة قطع العلاقات الدولية أو القنصلية ،وقد
تقوم دولة ثالثة بذلك.
أما
واجباتها تعمل على الالتزام بالقانون الدولي،وعدم التدخل في الشؤون الداخلية
للدولة المستقبلة .مع الالتزام بما جاء في المادة48 على ضرورة عدم ممارسة لأي نشاط مهني أو تجاري بهدف تحقيق ربح خاص.
أما في الشق المتعلق بالحصانات،فلها نفس حصانات
البعثة الدائمة كما جاء في المادة 31 من 1969 ،إلا أن لاختلاف يظهر في حالة وقوع
ضرر خارج نطاق الوظائف الرسمية للشخص حيث يمكن اللجوء إلى القضاء المدني ،ومن ثم
الخضوع لقوانين الدولة المستقبلة.لكن إذا انضمت بعثة خاصة إلى بعثة دبلوماسية
دائمة أو قنصلية حسب المادة 09 من1969 ،فستصبح تمتع بنفس حصانات هذه الأخيرة.
البعثات
الدبلوماسية لدى المنظمات الدولية:تعتبر المنظمات الدولية كامتداد للوحدات
السياسية المستقلة (الدول) كتصور مكمل للتفاعلات الدولية الدبلوماسية السابقة، حيث
جاء تنظيمها وفق اتفاقية العلاقات الدبلوماسية بين الدول والمنظمات الدولية سنة
1975 الفروق،من منطلق التركيز على علاقة تفاعلية قائمة على ثلاثة أطراف وهم الدولة
،والدولة المستقبلة،والمنظمة الدولية رغم وجود بعض الفروق في الوظائف ،والحقوق ،و
الواجبات،حيث جاء اتفاقية تكميلية من حيث المرجعية لمختلف الاتفاقيات الدبلوماسية
السابقة 1961 ،و 1963 ،و1969.
يرتبط تكوين
البعثة الدبلوماسية لدى المنظمات الدولية بطبيعة مخالفة نسبيا لما سبق،حيث حسب
المادة 07 في فقرتها 7 و 8 لها صفة تمثيلية للدولة داخل المنظمة الدولية.وحسب
المادة 82 الفقرة 1 و2 لا يشترط عنصر الاعتراف أو عدمه أو غياب قطع العلاقات
الدبلوماسية والقنصلية بين المرسل أو المرسل إليه في تكوين بعثة دبلوماسية أو في
إرسالها.
أما فيما
يخص عنصر الرضا، فعكس المادة2 من 1961، و2 من 1963 حول العلاقات الدبلوماسية
والقنصلية والتي تؤكد على هذا العامل ،نلحظ أن في البعثات الدبلوماسية للمنظمات لا
يشترط ذلك من قبل الدولة المستقبلة.
فيما يخص
الأحكام المتعلقة بالتعيين فجاءت حسب المادة 13 بحرية في كيفية تعيينهم من خلال
وجود دبلوماسيين ،وإداريين ،وعامليين ،إلا أن المادة 14 جاءت محددة لذلك من خلال
التعيين يكون متناسب مع المهام والوظائف.حيث تعتبر البعثة الدبلوماسية ذات طبيعة
تمثيلية ،وميزتها أنها دائمة أي لتعين لفترة معينة،أو لسبب معين أو موضوع معين
،بحيث تنتهي مهامها بإعلان الدولة الباعثة ذلك،أو علقت عضويتها ،أو سحبت عضويتها
من المنظمة.
فيما يخص
الواجبات كما هو الحال بالنسبة للاتفاقيات السابقة يعتبر مبدأ عدم التدخل في
الشؤون الداخلية للدولة المستقبلة أساس التعامل،من خلال احترام قوانينها كما جاء
ذلك في المادة 77 من اتفاقية1975.بالنسبة للحصانات حددتها المواد من 20 إلى 41 ،والتي تؤكد على حصانة الدبلوماسي
،والمقر كما هو الحال للاتفاقيات السابقة.(لها نفس حصانات البعثة الدبلوماسية
الدائمة والخاصة).
نستنج مما سبق أن:
-
مكانة
المبعوث الدبلوماسي الدائم والمؤقت.
-
مكانة و
أهمية البعثة الدبلوماسية الدائمة والمؤقتة.
-
هناك
حركية مرتبطة بمفهوم الاتصال بين أشخاص النشاط الدبلوماسي ،وأهميتهم في توفير
المعلومات.
-
أن طبيعة
العلاقة التفاعلية رباعية الأطراف من خلال المرسل، والمرسل إليه، والمنظمة الدولية،
والقانون الدولي.
-
يعتبر
الفاعل في بلورة النشاط الدبلوماسي هو الفرد أو المؤسسة ،أما فيما يتعلق ببنية التفاعل
فهي البيئة الداخلية والدولية ،و ملامح التفاعل الامتثال للقواعد القانونية ،فيما يخص الهدف من التفاعل
ذو طبيعة اتصالية.
5- أنماط النشاط الدبلوماسي وأنواعه:
استنتجنا مما سبق أن الوظيفة الدبلوماسية
قائمة على حلقة من التفاعل الاتصالي الدولي بين مجموعة من الفواعل الدولية
،حيث يستلزم ذلك تحديد لنمط ونوع النشاط الدبلوماسي.
يعتبر التنميط ف الدبلوماسية علم قائم بذاته متعلق بكيفية تحديد طبيعة
العلاقة القائمة في تحليل النشاط الدبلوماسي من حيث الأطراف المشاركة فيه ،فقد
أختلف نمط النشاط الدبلوماسي باختلاف المؤسسات المنوطة بذلك النشاط،وباختلاف
المرجعية الفكرية والمعرفية التي حددت تطور الدبلوماسية،والتي هي جزء من السياسة
الخارجية وآلية من آليات تنفيذها ،نتيجة تأثير الكل والمتمثل في العلاقات الدولية
والتي تحدد بتأثير كل من التصور المثالي ،والتصور الواقعي كمرجعية وأساس لهذا
التطور.
تعتبر الدبلوماسية الثنائية من أقدم أشكال نشاط
الدبلوماسي، تطورت تاريخيا في ظل التفاعلات الدولية التي عرفها العالم المنحصر في
أوروبا كمركز للعالم.حيث كان الهدف منها تنظيم العلاقات بين دولتين، فظهر عامل
محدد فيها و المتمثل في المبعوث الدبلوماسي.
كما
تعتبر الدبلوماسية المتعددة الأطراف نمط أخر من النشاط الدبلوماسي، فكانت تظهر
بشكل جلي في المؤتمرات الدولية، وفي المنظمات الدولية بحيث تعتبر شكل متطور من
الدبلوماسية الدائمة.
بعد تطرقنا للنشاط الدبلوماسي وأنماطه، تظهر
أنواع للدبلوماسية في أشكال مختلفة بهدف تحقيق مصلحة وتقوم على مجموعة من
المستويات هي علاقات تفاعلية بين دولة ودولة، وبين دولة ودول، وبين دولة ومنظمة..
في الداخل وفي الخارج،تظهر لنا هذه النشاطات في ظل أنواع والتي تحدد بعامل محدد والمتمثل في التحول من
دبلوماسية لأخرى وفق أساب ،وأهدف مثل :
-
الدبلوماسية
الوقائية:يهدف هذا النوع من الدبلوماسية إلى تسوية النزاعات، وبناء لأشكال مختلفة
من السلام والأمن الدوليين.فهي وسيلة تقوم على اختيار البدائل، والتي قد تكون
دوافعها من نوع من أجل أو بسبب.
- الدبلوماسية الشعبية: يظهر هذا النوع من
الدبلوماسية في مختلف التوجهات التي تتخذها الدولة اتجاه، رعاياها ،فعندما تمارسها
في جوانب محدودة،وبوسائل محدودة فهي طبيعة ذات جزئية،وقد تكون ذات طبيعة
كلية عندما
تمارسها في شكل يومي من قبل كل المؤسسات.
-
دبلوماسية
الأزمات: يجدر التنويه أن إدارة الأزمات الدولية تختلف جذريا من حيث الطبيعة
والأسلوب في مرحلة الانفراج الدولي والوفاق الدولي عن تلك في مرحلة مابعد الحرب
الباردة من خلال ك
·
تصور
الأزمات من منظور عقائدي للمبادئ والقيم
،والمعتقدات ،عكس المرحلة الدولية الراهنة والقائمة على انتصار النموذج الغربي
الليبرالي للعصرنة.
·
الإثارة
الدعائية :قامت دبلوماسية الأزمات في مرحلة الحرب الباردة على أسلوب ،وإستراتيجية
الإثارة الدعائية ،عكس المرحلة الدولية الراهنة القائمة على الترويج للنموذج الغربي
للعصرنة والتحديث.
·
استمرار
التركيز على وسيلة التهديد في التفاوض من
قبل الدول الكبرى اتجاه الدول الصغرى بما يصحبها من تضييق لدائرة الاختيارات المتاحة ،وتصعيب مهمة
التفاوض الدبلوماسي.
·
عكس
مرحلة الحرب
الباردة التي قامت على مبدأ شرعية الأمر الواقع، من خلال العمل على أن تكون تصرفات
أي طرف من الكتلة الشرقية أو الكتلة الغربية
مطابقة للشرعية الدولية ،نلحظ أن التوجه الحالي في المرحلة الراهنة نحو تبني خيارات قائمة على التحالف من منظور
إستراتيجي داخل نفس الكتلة الغربية.
·
ضعف دور
الأمم المتحدة ،وعمليات الاستقطاب أثناء الحرب الباردة في تحليل الأزمات الدولية
،رافقه حاليا
بمحاولة
تشجيع دور أكبر للأمم المتحدة ،من خلال تحالفات بين الدول بعيدا عن التصورات
الإيديولوجية ،ومحاولة بناء سلام وامن دوليين.
·
تقوم
المرحلة الدولية الراهنة على ضرورة إيجاد حلول للمشاكل الدولية المطروحة من خلال
إقصاء لبعض التصورات ،والإستراتيجيات مثل الاقتناع باستحالة المواجهة
النووية(مفهوم الرعب النووي)،والتراجع النهائي على تبني خيارات قائمة على سياسات و
إستراتيجيات الحافة في إدارة الأزمات الدولية،وإعطاء أهمية للرأي العام العالمي ،ومن
ثم بلورة إستراتيجيات للتعاون والتنسيق .
الدبلوماسية
الثقافية:تعتبر نمط جديد ومتطور من النشاط الدبلوماسي ،ساعد على ظهوره مجموعة من
الاعتبارات يمكن تحديدها فيمايلي:
-
الثورة
التكنولوجيا والمعلوماتية ،والاتصالية والتي ساهمت في تقليص الفوارق النفسية
والمذهبية والجغرافيا والتي فرقت بين
الشعوب ففي الماضي.
-
التعاون
العلمي والتقني، والتكنولوجي والتبادل الثقافي.
-
حسب
كينيت تومبسون أن هذا النوع من
الدبلوماسية يهدف إلى خلق انطباع إيجابي عن الأخر (مشروع مارشال في أوروبا
،واعتبار الولايات المتحدة الأمريكية هي المنقذ).
-
الثورات
الكبرى في العالم كانت تحمل شعارات ومثل ،وقيم أخلاقية (الثورة الفرنسية ،والثورة
الروسية)
-
أن أي
نظام سياسي في العالم ومهما كانت توجهاته لا يمكنه التفاعل لوحده، ومن ثم تفاعله
في المجتمع الدولي يقوم على توفر مستوى معين من الإدراك، والمعرفة بأهداف الدول
الأخرى و بتطلعاتها.
-
تقوم هذه
الدبلوماسية على استعمال بعض الوسائل مثل إقامة شبكة من العلاقات القائمة على
الجانب العلمي والتكنولوجي.
-
بلورة
نوع من الرأي العام العالمي والقائم على تبني بعض التصورات مثل حقوق الإنسان،ونبد
العدوان،ومناهضة الاستعمار ،وإدانة الحرب ،واحترام سلطات المنظمات الدولية.
-
إسهام
بعض المنظمات الدولية المتخصصة في الجانب التعليمي والثقافي مثل اليونسكو
،والأليسكو (الدول العربية) في نشر هذا النوع من الدبلوماسية.
الدبلوماسية الاقتصادية: برزت الدبلوماسية
الاقتصادية كأداة هامة من أدوات التعامل الدولي في فترة ما بعد الحرب العالمية
الثانية،حيث ظهرت كوسيلة تفوق تلك المتعلقة بالسلاح النووي كما ذهب إلى ذلك جون
بايندر ،والتركيز على القوة الناعمة والقوى العظمى المدنية كما ذهب إلى ذلك جوزيف
ناي.تقوم هذه الدبلوماسية على استعمال بعض الأدوات والتي يمكن تحديدها في :
-
تشجيع
وتنمية الروابط الاقتصادية والتجارية ،مع الحفاظ على الإجراءات الحمائية مثل
الرسوم ،ونظام الحصص ،والضرائب الجمركية.
-
فرض قيود
على التحويلات الخارجية،مع تشجيع الاستثمار ،وتقديم مثلا منح وقروض أقل من السوق
لخلق انطباع جيد للقارض تجاه الدولة المقرضة.(الولايات المتحدة الأمريكية ومشروع
مارشال الموجه إلى أوروبا الغربية سنة 1947.
-
خلق شبكة
من الروابط التجارية يجعل من الفواعل الدولية (الدول) تشعر بوجود مصلحة،ومن ثم
تغليب التعاون على الصراع.
-
استعمال الأداة الاقتصادية والمتمثلة في الحصار
الاقتصادي كوسيلة ضغط عوض اللجوء إلى استعمال القوة. الولايات المتحدة مع تحول
الصين إلى شيوعية،مع إيران حاليا..
دبلوماسية التحالفات:يقوم التحالف الخارجي على
أساس وجود دوافع ويمكن تحديدها فيما يلي:
·
أن
الاتجاه نحو التحالف الخارجي قد ينتج فقط عن الرغبة في تحقيق مكاسب ذات طبيعة قصوة
من الظروف القائمة ،حيث طبيعة الموارد التي تمتلكها الدولة تحدد هذا النمط من
الإستراتيجية بحيث الرغبة في تحقيق ذلك يكون وفق
عامل الانتهازية السياسية ،بحيث تعتبر القوة هي الدافع لعملية التحالف.
·
أن
التحالف يكون بهدف الردع أو الدفاع وحده،دون التحول إلى الاعتبارات السياسية أو الاقتصادية
،من منطلق تقييم المزايا المحددة لانضمام إلى حلف دون أخر.
·
قد يكون
عامل التحالف كامن في طبيعة الأمن نفسها،في ظل وجود لدول كما كان حادث في السابق
تحبذ العزلة.
·
تلعب
الخبرة التاريخية دور في التوجه نحو دبلوماسية التحالفات ،فإذا كانت هناك تجارب
سابقة عن تحالفات تخلق انطباع جيد وتسهل من عملية التحالف والعكس.
·
قد يكون
سبب التحالف ذو طيعة داخلية، فالخوف من انهيار النظام السياسي الحاكم الداخلي يتجه
هذا الأخير إلى التحالف من أجل الاستمرار والبقاء.
·
لكن
دبلوماسية التحالفات قد تؤثر عليها مجموعة من الاعتبارات مثل عد الاستقرار الداخلي
لدولة حلف ،يؤثر على أداء الحلف.كما أن البيروقراطية التي تعني منها دولة حلف تجعل
من اتصال بين الأطراف المشكلة له صعب.كمنا أن العبد العقائدي للأطراف المشكلة
للحلف تأثير على أداءه كما هو الحال بالنسبة للنطاق الجغرافي ،والإمكانات الموضوعة
تحت تصرف الحلف.
·
قد تكون
التحالفات بهدف تكاملي لكن قد يكون مساهم في تحقيق الأمن والسلم الدوليين ،وقد
يكون سبب للنزاعات والحروب.
·
الشعور
بالتهديد قد يساعد على تماسك التحالف والعكس.(وجود خطر خارجي)
·
قد يكون
التحالف مستنزف للموارد الداخلية للدولة الطرف فيه.
·
قد تكون
التحالفات تقابلها تحالفات مضادة ومن ثم تكون سبب للتوتر والصراعات.
تفهم
دراسة الدبلوماسية وفق تفاعل ثلاثة مقاربات(مفاهيمية ،وتنظيمية ،وغائية) ذو طبيعة
تطورية من منطلق تحليل مركب وبنائي.
نستنتج
أن مما سبق أن هناك مسؤوليات رئيسية للعمل الدبلوماسي:
-
المسؤولية
الأولى حماية مصالح الدولة والدفاع عن حقوقها في الخارج,حيث هذه المسؤولية صعبة
أثناء الأزمات ،أو في حال قطع العلاقات الدبلوماسية.
-
المسؤولية
الثانية تكمن في تمثيل الدولة وعرض وجهات نظرها وشرح اتجاهاتها للدول الأجنبية.حيث
يعتبر الدبلوماسي المصدر الرسمي الذي يرجع إليه للتعرف على اتجاهات ونوايا الدولة
،إذا كانت غير واضحة.كما يعتبر المصدر الرسمي للبيانات والمعلومات المتعلقة بسياسة
حكوماته تجاه الدولة التي يمثلها فيها.
-
المسؤولية
الثالثة تكمن في المتابعة و إعداد التقارير تضمن ملاحظته ،وتحليلاته وتوصياته التي
تخص دولته في تعاملاتها مع الدول الأخرى.
-
المسؤولية
الرابعة هي التفاوض.
الدكتور عبداللطيف بوروبي
أستاذ محاضر قسم أ -كلية العلوم السياسية
جامعة قسنطينة.3
Bouroubi .a@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق